هداية العباد المجلد 2

اشارة

سرشناسه : گلپایگانی، محمدرضا، 1372 - 1277

عنوان و نام پديدآور : هدایه العباد/ محمدرضا موسوی گلپایگانی

مشخصات نشر : قم: دار القرآن کریم، 1413ق. = - 1371.

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/گ 8ه4 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-4760

المقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين وَ سَلٰامٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ الَّذِينَ اصْطَفىٰ، و على أكملهم و أفضلهم محمد و آله الطيبين الطاهرين.

و بعد، فقد كلفنا المرجع المرحوم المبرور آية اللّه العظمى السيد الگلپايگاني قدس اللّه نفسه الزكية بصياغة تعليقاته على كتاب (وسيلة النجاة) و إدماجها في المتن لتسهيل الاستفادة منها. و قد اختار لهذا الكتاب اسم (هداية العباد) و قد توفقنا لإكمال المجلد الأول و إصداره في حياته قدس سره. و أكملنا عمل المجلد الثاني و راجعنا المؤلف في عدد من مسائله المشكلة و أردنا إصداره، لكن عاجلنا حضور أجله تغمده اللّه برحمته الواسعة.

و نظرا لسعة هذه الرسالة و غناها بالفروع الفقهية، استجبنا لرغبة عدد من الفضلاء بنشر المجلد الثاني، و كذا بالعمل في أعداد المجلد الرابع من كتاب (مجمع المسائل).

و لا بد هنا أن نسجل شكرنا لولده الخلف الصالح حجة الإسلام و المسلمين السيد جواد الگلپايگاني الذي تكفل بنشر آثار المرحوم والده، و حفظ مؤسساته الثقافية و الخيرية.

و للعلماء الفضلاء أعضاء هيئة الاستفتاء الشيخ علي النيري الهمداني و الشيخ علي الثابتي الهمداني و الشيخ محمود الرازيني و الشيخ علي الشاكري الگلپايگاني، على ما بذلوا من أوقاتهم في تدقيق هذه المجلد و جلسات المباحثة في مسائله.

نسأله تعالى أن ينفع بآثار هذا المرجع الجليل بعد وفاته كما نفع بها في حياته، و أن يتغمده بواسع رحمته و يحشره مع أجداده

و أئمته الطاهرين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين. عن هيئة الاستفتاء علي الكوراني العاملي

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 3

كتاب الجعالة

(مسألة 1) الجعالة هي جعل عوض على عمل محلل مقصود، و يقال للملتزم «الجاعل» و لمن يعمل ذلك العمل «العامل»، و للمعوض «الجعل» و «الجعلية».

و تحتاج إلى الإيجاب، بكل لفظ أفاد ذلك الالتزام، و هو إما عام كما إذا قال: من خاط ثوبي أو بنى حائطي مثلا فله كذا، و إما خاص كما إذا قال لشخص: إن رددت سيارتي مثلا فلك كذا. و لا تحتاج إلى القبول القولي، و أما استغناؤها عن القبول العملي فمحل إشكال.

(مسألة 2) الفرق بين الإجارة على العمل و الجعالة أن المستأجر يملك العمل على الأجير و هو يملك الأجرة على المستأجر بنفس العقد، أما الجعالة فليس أثرها إلا استحقاق العامل الجعل المقرر بعد العمل، و ثمة فروق أخرى بينهما تعرف من مسائلهما.

(مسألة 3) إنما تصح الجعالة على العمل المحلل المقصود في نظر العقلاء كالإجارة، فلا تصح على المحرّم، و لا على ما يكون لغوا عندهم، و يكون بذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، و صعود الجبال الشاهقة، و الأبنية المرتفعة، و الوثبة من موضع إلى آخر، و نحو ذلك مما ليس فيه غرض عقلائي.

(مسألة 4) كما لا تصح الإجارة على الواجبات العينية و الكفائية، لا تصح الجعالة عليها، بالتفصيل الذي مرّ في الإجارة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 4

(مسألة 5) يعتبر في الجاعل أهلية الاستيجار من البلوغ و العقل و الرشد و القصد و الاختيار و عدم الحجر، أما العامل فلا يعتبر فيه إلا إمكان تحصيل العمل بحيث لا يكون هناك مانع منه عقلا أو شرعا،

كما إذا كانت الجعالة على كنس المسجد و كنسه الجنب أو الحائض، فلا يستحقان شيئا لأن عملهما هذا ممنوع شرعا. و لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فيجوز أن يكون صبيا مميزا و لو بغير إذن الولي، بل و لو كان غير مميز أو مجنونا على الأظهر إذا كان الجعل سببا لصدور العمل منهما، بل و لو لم يكن سببا على الأحوط، بناء على كفاية جعل الجعل في اشتغال ذمته.

(مسألة 6) يغتفر في الجعالة من جهالة العمل ما لا يغتفر في الإجارة، فإذا قال: من رد سيارتي فله كذا صح و إن لم يعين المسافة، و لا المشخصات الكاملة للسيارة، و اختلفت الموارد جدا في سهولة الرد و صعوبته، و كذا يجوز أن يوقع الجعالة على المردد أي على كل واحد بنحو التخيير مع اتحاد الجعل، كما إذا قال: من رد سيارتي أو ساعتي أو دابتي فله كذا، أو بالاختلاف كما إذا قال: من ردّ سيارتي فله عشرة، و من رد ساعتي أو دابتي فله خمسة.

نعم لا يجوز جعل موردها مجهولا صرفا و مبهما بحتا، بحيث لا يتمكن العامل من تحصيله، كما إذا قال من رد ما ضاع مني فله كذا، بل و كذا لو قال:

من ردّ حيوانا ضاع مني و لم يعين نوعه مثلا.

(مسألة 7) لا بد من تعيين العوض جنسا و نوعا و وصفا، بل كيلا أو وزنا أو عدّا إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلو قال من رد دابتي فله ما في يدي، أو ما في هذا الإناء، و لم يكن ذلك معلوما، بطلت الجعالة. نعم الظاهر أنه يصح أن يكون الجعل حصة معينة مما يرده و لو لم يشاهده

العامل و لم يعرف أوصافه، بأن قال: من رد سيارتي فله نصفها، و كذا يصح أن يجعل للدلال ما زاد على ثمن معين: كما إذا قال بع هذا المال بكذا و الزائد لك، كما سبق.

(مسألة 8) كل مورد بطلت الجعالة للجهالة، استحق العامل أجرة المثل،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 5

و الظاهر أنه من هذا القبيل ما هو متعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابة ضالة.

(مسألة 9) لا يعتبر أن يكون الجعل ممن له العمل، فيجوز أن يجعل جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو رد دابته.

(مسألة 10) إذا عين الجعالة لشخص و أتى بالعمل غيره، لم يستحق أحد منهما الجعل، و يكون الثاني كالمتبرع. نعم لو كانت الجعالة لشخص معين على العمل، لا بقيد المباشرة و شملت صورة ما لو عمل له شخص بواسطة الإجارة أو الاستنابة أو الجعالة، استحق المجعول له الجعل المقرر.

(مسألة 11) إذا جعل الجعل على عمل و كان وقوع عمله قبل إيقاع الجعالة، أو كان عمله تبرعا، لم يستحق الجعل و لا الأجرة.

(مسألة 12) إذا عمل العامل لا لأجل الجعل، فالأحوط للجاعل إعطاءه و الأحوط للعامل عدم إجبار الجاعل على إعطاء الجعل. و لو عمل اعتمادا على مخبر بالجعالة ثم تبين كذب المخبر لم يستحق شيئا، نعم لا يبعد ضمان المخبر أجرة المثل إذا أوجب قوله اطمئنان العامل و كان تغريرا.

(مسألة 13) إذا قال: من دلّني على مالي فله كذا، فدلّه من كان ماله في يده لم يستحق شيئا، لأنه واجب عليه شرعا، و أما لو قال: من ردّ مالي فله كذا فإن كان المال مما في رده كلفة و مؤنة كالدابة الشاردة، و

كانت يده عليه يد محسن استحق الجعل المقرر، و أما إذا كانت يده عليه يد غاصب، أو لم يكن في رده مؤنة كرد الدراهم، فلا يستحق شيئا.

(مسألة 14) إنما يستحق العامل الجعل بتسليم العمل، فلو جعل على رد السيارة إلى مالكها، فجاء بها إلى بلده فسرقت قبل إيصالها لم يستحق الجعل، نعم لو كان الجعل مجرد إيصالها إلى البلد استحقه، و كذا لو كان الجعل على مجرد الدلالة عليها و إعلام محلها فيستحق الجعل بمجرد الدلالة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 6

(مسألة 15) إذا قال: من رد سيارتي مثلا فله كذا فردها جماعة، اشتركوا في الجعل المقرر بالسوية إن تساووا في العمل، و إلا يوزع عليهم بنسبة عملهم.

(مسألة 16) إذا جعل جعلا لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة ثوب، فشاركه غيره في ذلك العمل تبرعا، سقط من الجعل ما يساوي عمل المتبرع و استحق العامل الباقي. نعم لو لم يشترط على المجعول له المباشرة و كان تبرع المتبرع بتسبيب من المجعول له أو إجازته، استحق المجعول له تمام الجعل.

(مسألة 17) الجعالة قبل تمام العمل جائزة من الطرفين و لو بعد شروع العامل بالعمل، فللعامل رفع يده عن العمل، و للجاعل فسخ الجعالة، فإذا فسخ العامل بعد الشروع في العمل فإن كان الجعل على إتمام العمل لم يستحق شيئا، و إن كان على جزء منه استحق بالنسبة، و إن كان مجملا فإن كان الجعل على مثل الخياطة و البناء، استحق العامل من الجعل بنسبة عمله، و إن كان مثل الشروع في مقدمات رد الضالة، لم يستحق شيئا، إلا إذا صدق عليه عنوان الغرر.

و إن كان الفسخ من صاحب العمل فإن كان قبل شروع العامل فليس

عليه شي ء، و إن كان بعد شروع العامل فعليه له أجرة مثل ما عمل.

(مسألة 18) إذا كان فسخ العامل بعد الشروع يوجب ضررا على الجاعل فلا يجوز له الفسخ، بل الواجب إما إتمام العمل و إما عدم الشروع فيه، كما إذا جعل جعلا للطبيب الذي يجري له عملية جراحية، فلا يجوز للطبيب الفسخ بعد الشروع في العمل و ذلك لأن المتعارف أن الجعل لإجراء كل العملية و ليس لبعضها. نعم إذا كان العمل قسمين أو مرحلتين يقوم كل طبيب بعمل منهما و جعل لكل منهما جعلا، فيستحق كل منهما الجعل بالنسبة إلى عمله.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 7

كتاب العارية

(مسألة 19) و الظاهر أن حقيقتها اعتبار إضافة بين العين المستعارة و المستعير، ثمرتها تسلط المستعير على الانتفاع بها تبرعا من دون عوض.

و هي من العقود التي تحتاج إلى إيجاب و قبول، فالإيجاب كل لفظ له ظهور عرفي في إرادة هذا المعنى كقوله: أعرتك أو أذنت لك في الانتفاع به أو انتفع به أو خذه لتنتفع به و نحو ذلك.

و القبول كل ما أفاد الرضا بذلك، و يجوز أن يكون بالفعل بأن يأخذ العين المعارة بعد إيجاب المعير بهذا العنوان.

بل الظاهر أنها لا تحتاج إلى لفظ أصلا فتقع بالمعاطاة، كما إذا دفع إليه قميصا ليلبسه فأخذه لذلك أو دفع إليه إناء أو بساطا ليستعمله فأخذه لذلك.

(مسألة 20) يعتبر في المعير أن يكون مالكا للمنفعة و له أهلية التصرف، فلا تصح إعارة الغاصب عينا أو منفعة. و إذا أعار مال غيره فضوليا ثم أجاز مالكه فالإجازة تفيد فائدة الإعارة بعد الإجازة، لكنها لا تنفع في رفع ضمان تلف العين قبل الإجازة و يحتاج إلى الإبراء. و لا

تصح إعارة الصبي و المجنون، و كذا لا تصح إعارة المحجور عليه لسفه أو فلس إلا مع إذن الولي أو الغرماء.

(مسألة 21) لا يشترط في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية، نعم إذا اشترط عليه في الإجارة استيفاء المنفعة بنفسه فليس له الإعارة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 8

(مسألة 22) يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع بالعين، فلا تصح إعارة المصحف إلى الكافر و إعارة الصيد إلى المحرم لا من المحل و لا من المحرم. و كذا يعتبر فيه التعيين، فلو أعار شيئا إلى أحد هذين أو أحد هؤلاء لم يصح. و لا يشترط أن يكون المستعير واحدا، فيصح إعارة شي ء واحد إلى جماعة، كما إذا قال: أعرت هذا الكتاب أو الإناء إلى هؤلاء العشرة، فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة كالعين المستأجرة، و الأقوى عدم جواز كونه عددا غير محصور كما إذا قال: أعرت هذا الشي ء إلى الناس، نعم لا مانع من الإباحة كذلك.

(مسألة 23) يعتبر في العين المستعارة أن تكون مما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مع بقاء عينه كالعقارات و الدواب و الثياب و الكتب و الأمتعة و الحلي، بل و فحل الضراب و الهرّة و الكلب للصيد و الحراسة و أشباه ذلك، فلا يجوز إعارة ما لا منفعة له محللة كآلات اللهو، و كذا آنية الذهب و الفضة لأجل الاستعمال، و كذا ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز و الدهن و الأشربة و أشباهها.

(مسألة 24) يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها و صوفها، و البئر للاستقاء منها.

(مسألة 25) لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال:

أعرني أحد ثيابك فقال: خذ ما

شئت منها و أخذه بقصد الاستعارة، صحت العارية.

(مسألة 26) لا يلزم ذكر جهة الانتفاع في المستعار إذا كانت منحصرة في منفعة خاصة كالبساط للافتراش و اللحاف للتغطية و الخيمة للاكتنان و أشباه ذلك. و إن تعددت جهات الانتفاع كالأرض ينتفع بها للزرع و الغرس و البناء و الدابة ينتفع بها للحمل و الركوب و نحو ذلك، فإن كانت إعارتها و استعارتها

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 9

لأجل منفعة أو منافع خاصة يجب التعرض لها و تختص الحلية بما خصصه المعير. و أما لو أعاره مع التعميم و التصريح بالعموم، بأن يقول: أعرتك هذه السيارة أو الدابة مثلا لأجل أن تنتفع بها كلّ انتفاع مباح يحصل منها، فيجوز له مطلق الانتفاع، و كذا لو أطلق العارية و قال: أعرتك هذه الدابة، فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلقة بها. نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات خفاء لا يندرج في الإطلاق، ففي مثله لا بد من النص عليه أو التعميم على وجه يشمله، كالدفن في الأرض فإنه و إن كان من أحد وجوه الانتفاعات منها، لكن لو أعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمه الإطلاق.

(مسألة 27) العارية جائزة من الطرفين، فللمعير الرجوع متى شاء و للمستعير الرد متى شاء، حتى في إعارة الأرض للدفن يجوز للمعير بعد الدفن و المواراة الرجوع عن الإعارة، لكن ليس له الإجبار على النبش، بل له المطالبة بالأجرة لإبقائه و لو نبشه نابش فلا يجوز دفنه إلا بإذن جديد منه. و أما قبل الدفن فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته، و ليس عليه أجرة الحفر، كما أنه ليس على ولي الميت طمّ القبر بعد ما كان بإذن من المعير.

(مسألة 28)

تبطل العارية بموت المعير، بل بزوال سلطنته بجنون و نحوه.

(مسألة 29) ليس للمستعير التعدي إلى غير المنفعة التي عينها المعير و لو كانت أدنى و أقل ضررا على المعير، و يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة، فلو أعاره سيارة للحمل فلا يحملها إلا القدر المعتاد بالنسبة إلى مثلها و ظروف استخدامها، فلو تعدى نوعا أو كيفية كان غاصبا و ضامنا و عليه أجرة ما استوفاه من المنفعة. نعم إذا تعدى في زمان الانتفاع

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 10

فقط كما إذا أعارها للانتفاع بها نهارا فتعدي و انتفع بها ليلا، فالظاهر أنه ليس عليه إلا أجرة ما استوفاه ليلا.

(مسألة 30) إذا أعاره أرضا للبناء أو الغرس، جاز له الرجوع، و له إلزام المستعير بالقلع و ليس عليه الأرش، و كذا في الزرع إذا رجع قبل إدراك الزرع، و يحتمل عدم استحقاق المعير إلزام المستعير بقلع الزرع لو رضي المستعير بالبقاء بالأجرة، و الأحوط لهما التراضي و التصالح. و مثله ما إذا أعاره حديدا للسقف ثم رجع بعد ما استعمله المستعير في البناء.

(مسألة 31) العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها إذا تلفت إلا بالتعدي أو التفريط. نعم لو شرط الضمان ضمنها و إن لم يكن منه تعدّ و لا تفريط، إلا إذا كانت العين المعارة ذهبا أو فضة فيضمنها سواء اشترط فيها الضمان أو لم يشترط، نعم يسقط الضمان فيهما أيضا إذا اشترط السقوط.

(مسألة 32) لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة و لا إجارتها إلا بإذن المالك، فتكون إعارته مع الإذن فسخا للأولى و تجديدا للثانية و يكون المستعير وكيلا و نائبا عنه، فلو خرج المستعير الأول عن قابلية الإعارة

بعد ذلك بقيت العارية الثانية على حالها.

(مسألة 33) إذا تلفت العارية بفعل المستعير، فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون تعدّ عن المتعارف فليس عليه ضمان، كما إذا تلفت السيارة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملا متعارفا. أما إذا كان بسبب آخر فيضمنها.

(مسألة 34) إنما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردها إلى مالكها أو وكيله أو وليه، و لو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من المالك و لا إذن منه لم يبرأ، كما إذا رد السيارة إلى محلها بلا إذن من المالك فتلفت أو أتلفها متلف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 11

(مسألة 35) إذا استعار عينا من الغاصب، فإن لم يعلم بغصبه كان قرار الضمان على الغاصب، فإن تلفت في يد المستعير أو في الأيادي المتعاقبة غير يد الغاصب فللمالك الرجوع بعوض ماله على كل من الغاصب و المستعير، فإن رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب، و إن رجع على الغاصب لم يكن له الرجوع على المستعير. و كذلك بالنسبة إلى بدل المنافع التي استوفاها المستعير أو تلفت في يده، فإنه إذا رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب دون العكس.

أما إذا كان المستعير عالما بالغصب فلا يرجع على الغاصب لو رجع المالك عليه، لكن يرجع الغاصب على المستعير لو رجع المالك عليه. و لا يجوز للمستعير أن يرد العين إلى الغاصب بعد ما علم بالغصبية، بل يجب أن يردها إلى مالكها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 13

كتاب الوديعة

اشارة

(مسألة 36) و هي استنابة في الحفظ، أو اعتبار إضافة بين المال و الودعي و تترتب عليها أحكام الوديعة من وجوب الحفظ و عدم الضمان عند التلف بلا تفريط، و غير

ذلك من أحكامها. و تطلق كثيرا على المال الموضوع و يقال لصاحب المال «المودع» و لذلك الغير «الودعي» أو «المستودع».

و هي عقد يحتاج إلى الإيجاب، و هو كل لفظ دال على تلك الاستنابة كأن يقول أودعتك هذا المال أو احفظه أو هو وديعة عندك، و نحو ذلك.

و القبول بما يدل على الرضا بالنيابة في الحفظ. و لا يعتبر فيها العربية بل تقع بكل لغة. و يجوز أن يكون الإيجاب باللفظ و القبول بالفعل، بأن يقول له مثلا هذا المال وديعة عندك فيتسلم المال لذلك. بل يصح وقوعها بالمعاطاة بأن يسلم مالا إلى أحد بقصد أن يحفظه عنده فيتسلمه بهذا العنوان.

(مسألة 37) إذا طرح ثوبا مثلا عند أحد و قال هذا وديعة عندك، فإن قبلها بالقول أو الفعل الدال عليه كانت وديعة و ترتبت عليها أحكامها و في دلالة السكوت و الاكتفاء به على فرض دلالته إشكال. أما إذا لم يقبله و لو طرحه المالك عنده بهذا القصد و ذهب عنه، فلا يكون وديعة، فلو تركه الذي قصد استيداعه و ذهب فتلف لم يكن عليه ضمان، و إن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 14

(مسألة 38) إنما يجوز قبول الوديعة لمن يقدر على حفظها، فمن كان عاجزا لم يجز له قبولها على الأحوط إلا مع علم المودع و طلبه القبول و الحفظ حسب قدرته.

(مسألة 39) الوديعة جائزة من الطرفين، فللمالك استرداد ماله متى شاء و للمستودع رده كذلك و ليس للمودع الامتناع عن قبوله، و لو فسخها المستودع عند نفسه انفسخت و زالت الأمانة المالكية و صار المال عند الودعي أمانة شرعية، فيجب عليه رده إلى مالكه أو إلى من يقوم

مقامه أو إعلامه بالفسخ و كون المال عنده، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو شرعي ضمن.

(مسألة 40) يعتبر في كل من المستودع و المودع البلوغ و العقل، فلا يصح الاستيداع للصبي و لا للمجنون و لا الإيداع عندهما، من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه، و لو أخذه منهما ضمنه و لا تبرأ ذمته برده إليهما بل تبرأ برده إلى وليهما إن كان المال لهما، أو إلى صاحبه إن كان لغيرهما.

نعم لا بأس بأخذه منهما إذا خيف تلفه في أيديهما، فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ، و لكن لا يصير بذلك وديعة و أمانة مالكية بل أمانة شرعية يجب عليه حفظها و المبادرة على إيصالها إلى وليهما أو إلى صاحب المال أو إعلامهما بكونها عنده، و ليس عليه ضمان لو تلفت في يده.

(مسألة 41) إذا أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى شخص ليكون وديعة عنده و أخذه منهما بهذا العنوان، فالظاهر أنه يصير وديعة عنده، لأن الصبي و المجنون واسطة و آلة.

(مسألة 42) إذا أودع عند الصبي و المجنون مالا لم يضمناه بالتلف، بل بالإتلاف أيضا إذا لم يكونا مميزين في وجه قوي، لكون المودع هو السبب الأقوى في التلف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 15

(مسألة 43) يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به و وضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للنقود و الحلي نحوها، و المحل المضبوط المقفل للسيارة و أمثال ذلك مما لا يعد معه عند العرف مضيعا و مفرطا و خائنا، بل حتى لو علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع

يجب عليه بعد قبوله إياها تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه، و كذا يجب عليه القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيب أو التلف، كالثياب يخرجها و ينشرها عند الحاجة أو يضع لها دواء لمنع الأرضة، و الدابة يعلفها و يسقيها و يقيها من الحرّ و البرد، فلو أهمل من ذلك ضمن.

(مسألة 44) إذا عين المودع موضعا خاصا لحفظ وديعته بنحو التقييد اقتصر عليه، فلو وضعه فيه لم يجز نقلها إلى غيره و إن كان غيره أحفظ، فلو نقلها منه و تلفت ضمنها. نعم لو كانت في المحل المعين في معرض التلف جاز نقلها إلى مكان آخر أحفظ و لا ضمان عليه و إن تلفت حتى مع نهي المالك و قوله لا تنقلها، و إن كان الأحوط حينئذ أن يراجع المودع و يستأذنه في تغيير المكان، أو يفسخ الوديعة و يرد إليه المال. و إن لم يمكن مراجعة المالك راجع الحاكم مع الإمكان.

(مسألة 45) إذا تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعدّ منه و لا تفريط لم يضمنها، و كذا لو أخذها منه ظالم قهرا، سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرها. نعم إذا كان هو سبب أخذ الظالم إياها لإخباره بها مثلا أو إظهارها في محل فوصل الظالم إليه، فالأقوى أن عليه الضمان، لأنه حينئذ سبب للإتلاف و الأمين لا يضمن التلف فقط و يضمن الإتلاف و إن كان عن قصور.

(مسألة 46) إذا تمكن من دفع الظالم بما يوجب سلامة الوديعة وجب، بل لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على ذلك جاز بل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 16

وجب، فإن لم يفعل ضمن، و

الأقوى أنه لا يجب عليه التورية مع إمكانها و إن كان أحوط.

(مسألة 47) لا يجب على الودعي تحمل الضرر- الحاصل من دفع الظالم- على بدنه من جرح و غيره، أو هتك عرضه أو خسارة ماله، بل لا يجوز تحمل غير الخسارة المالية، بل و لا بعض مراتبها أيضا. نعم إذا كان ما يترتب على دفعه يسيرا جدا يتحمله غالب الناس، كما إذا تكلم معه بكلام خشن يتأذى منه و لكن لا يكون هتكا له نظرا إلى مكانته و شرفه، فالظاهر وجوب تحمله.

(مسألة 48) إذا توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره وجب البذل، و كذا إذا توقف دفعه على دفع بعضها، فلو لم يفعل فأخذها الظالم كلها ضمن المقدار الزائد على ما كان يندفع به فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذها الظالم كلها ضمن النصف، و لو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل ضمن الثلثين، و هكذا. و كذا الحال إذا كان عنده وديعتان لشخص و كان الظالم يندفع بإعطائه إحداهما فلم يفعل فأخذهما فإن كان يندفع بإحداهما المعينة ضمن الأخرى و إن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة.

و لو توقف دفعه على إعطائه مالا من مال الودعي نفسه، لا يجب عليه أن يدفعه تبرعا، فإذا أمكنه الاستيذان من المالك أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم عليه الاستيذان، و أما إذا دفعه بلا استيذان فلا يستحق الرجوع به على المالك و إن كانت نيته ذلك، أما إذا لم يمكنه الاستيذان فله أن يدفع و يرجع به على المالك إذا كان من نيته ذلك.

(مسألة 49) إذا كانت الوديعة دابة مثلا يجب عليه سقيها و علفها و

لو لم يأمره المالك بل و لو نهاه، و لا يجب أن يكون ذلك بمباشرته أو يكون ذلك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 17

في موضعها. فيجوز أن يسقيها بواسطة خادمه أو يخرجها من منزله للسقي، إن جرت العادة بذلك و إن أمكن سقيها في موضعها.

نعم لو كان الطريق مخوفا لم يجز إخراجها، كما لا يجوز أن يسلمها بيد غير مأمون. و بالجملة لا بد من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لا يعد عرفا مفرطا و متعديا.

و أما نفقتها فإن وضعها المالك عنده أو قيمتها أو أذن له في الإنفاق عليها من ماله على ذمته فلا إشكال، و إلا وجب الاستيذان من المالك أو وكيله، فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحا و لو ببيع بعضها للنفقة، فإن تعذر الحاكم فإن أمكنه ردها إلى المودع أو وكيله وجب، و إلا أنفق من ماله بنية الرجوع على المالك و رجع عليه به.

(مسألة 50) تبطل الوديعة بموت كل من المودع و المستودع أو جنونه، فإن مات المودع أو جنّ تصير في يد الودعي أمانة شرعية، فيجب عليه ردها فورا إلى وارث المودع أو وليه أو إعلامهما بها، فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن. و إذا لم يعلم أن من يدعي الإرث وارثا أو أن الوارث منحصر فيه، فالأحوط الرجوع إلى الحاكم الشرعي. و إن كان الوارث متعددا سلمها إلى الكل أو إلى من يقوم مقامهم، و لو سلمها إلى البعض من غير إذن الباقين ضمن حصصهم.

و إن مات المستودع أو جنّ تصير أمانة شرعية في يد من كانت الوديعة حينئذ بيده و إن لم يكن وارثا أو وليا له، و يجب عليه الرد إلى

المودع أو إعلامه فورا.

(مسألة 51) يجب رد الوديعة عند المطالبة في أول وقت الإمكان و إن كان المودع كافرا محترم المال، بل و إن كان حربيا مباح المال على الأحوط.

و الواجب في الرد هو رفع يده عنها و التخلية بين المالك و بينها لا نقلها إلى المالك، فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي وديعتك خذها فقد أدى تكليفه و خرج من عهدته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 18

كما أن الفورية الواجبة مع الإمكان و عدم إجازة المودع التأخير هي الفورية العرفية، فلا يجب عليه الركض و نحوه و الخروج من الحمام فورا و قطع الطعام و الصلاة و إن كانت نافلة و نحو ذلك. و الأقوى أن له تأخير التسليم حتى يحضر الشهود إذا كان في معرض الخسارة مع عدم الإشهاد خصوصا إذا كان الإيداع مع الإشهاد.

(مسألة 52) إذا أودع اللص ما سرقه عند أحد، لم يجز له رده إليه مع الإمكان، بل يكون أمانة شرعية في يده، و يجب إيصاله إلى صاحبه إن عرفه، و إلا عرّفه سنة فإن لم يجد صاحبه تصدق به عنه، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار أجر الصدقة كان له و إن اختار الغرامة غرم له و كان الأجر للمتصدق.

(مسألة 53) كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك، يجب ردها إذا خاف عليها من تلف أو سرقة أو حرق و نحو ذلك، فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاص أو العام تعين. و إلا أوصلها إلى الحاكم إذا كان قادرا على حفظها، و لو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضا في معرض التلف لسبب من الأسباب،

أودعها عند ثقة أمين متمكن من حفظها.

(مسألة 54) إذا ظهر للمستودع أمارة الموت بسبب المرض الخطير أو غيره يجب عليه ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان، و إلا فإلى الحاكم و مع فقده يوصي بها و يشهد عليها، فلو أهمل ذلك ضمن. و ليكن الإيصاء و الإشهاد بنحو يؤمّن حفظ الوديعة لمالكها، فلا بد من ذكر جنسها و وصفها و مكانها و اسم مالكها، فلا يكفي قوله عندي وديعة لبعض الناس.

نعم إذا كان الوارث مطلعا عليها و كان ثقة أمينا يرد الوديعة بلا إشهاد و لا وصية و لا معارضة من الورثة فالأقوى عدم وجوب الوصية بها و عدم وجوب الإشهاد عليها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 19

(مسألة 55) يجوز للودعي أن يسافر و يبقي الوديعة في حرزها السابق عند أهله و عياله ما دام لا يتوقف حفظها على حضوره، و إلا فإن لم يكن سفره ضروريا فيلزم عليه إما ترك السفر و إما ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان، أو إيصالها إلى الحاكم مع التعذر، و مع فقده فالظاهر أنه يتعين عليه ترك السفر، و لا يجوز أن يسافر بها و لو مع أمن الطريق و لا إيداعها عند أمين على الأحوط إن لم يكن أقوى.

و إن كان سفره ضروريا، فإن تعذر ردها إلى المالك و القائم مقامه تعين إيداعها عند أمين، فإن تعذر إيداعها عنده أيضا سافر بها محافظا عليها بقدر الإمكان و ليس عليه ضمان.

نعم في الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر يجب أن يعاملها معاملة من ظهر له أمارة الموت فيردها، و إلا فيوصي بها و يشهد عليها كما مر.

(مسألة 56) المستودع أمين لا يضمن إذا تلفت الوديعة أو تعيبت في

يده، إلا مع التفريط أو التعدي كما هو الحال في كل أمين.

أما التفريط فهو الإهمال في المحافظة عليها كما جرت العادة بحيث يعدّ عند العرف مضيعا و متسامحا، كما إذا وضعها في محل ليس حرزا و لم يراقبها، أو ترك سقي الدابة و علفها، أو ترك نشر الثوب الذي يلزمه النشر في وقته، أو أودعها، أو سافر بها من غير ضرورة و لم يكن السفر بها مقدمة لحفظها، أو ترك التحفظ من النداوة فيما تفسده كالكتب و بعض الأقمشة و غير ذلك.

و أما التعدي فهو أن يتصرف فيها بما لم يأذن له المالك مثل أن يلبس الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابة، إلا إذا توقف حفظها على التصرف، كما إذا توقف حفظ الثوب و الفراش على اللبس و الافتراش، أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة و تكون يده عليها على وجه الخيانة، كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة و لا لعذر من نسيان و نحوه.

و قد يجتمع التفريط مع التعدي، كما إذا وضع الثوب أو القماش أو الكتب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 20

و نحوها في موضع تتعفن فيه أو تفسد، و لعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه و شده من دون ضرورة و مصلحة. و من التعدي خلط الوديعة بماله، سواء كان بالجنس أو بغيره، و سواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردإ، و أما لو خلطه بجنسه من مال صاحبه كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين و لا مشدودين فجعلهما كيسا واحدا، فإن كان ذلك مقدمة لحفظها أو لم يحرز أن غرض

المودع حفظهما منفصلين أو مخلوطين، فلا بأس به و إلا ففيه إشكال.

(مسألة 57) إذا فرط بالأمانة أو تعدى يصير ضمانها عليه لو تلفت حتى لو لم يكن تلفها مستندا إلى تفريطه و تعدّيه، لأن يده الأمانية غير الضمانية تتبدل إلى يد خيانة ضمانية.

(مسألة 58) إذا نوى التصرف في الوديعة و لم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية. نعم لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها و التغلب على مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان، و لو رجع عن قصده لم يزل الضمان. و مثله ما إذا جحدها أو طلبت منه فامتنع من ردها مع التمكن عقلا و شرعا، فإنه يضمنها بمجرد ذلك، و لا يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه.

(مسألة 59) إذا كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها و أخذ بعضها ضمن الجميع، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق، و أما إذا لم تكن مودعة في حرز أو كانت في حرز الودعي و لم يضعها المودع فيه، و أخذ بعضها فإن كان قصده الاقتصار عليه، فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي، و إن كان قصده عدم الاقتصار بل أخذ الجميع شيئا فشيئا، فلا يبعد أن يكون ضامنا للجميع.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 21

(مسألة 60) إذا سلمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها، ضمن إلا أن يكونوا كالآلة لكون ذلك بمحضر المودع و مشاهدته و سكوته الكاشف عن رضاه بحسب العادة، و أما مع احتمال كون سكوته للحياء ففيه إشكال، خصوصا إذا جرت العادة بحفظ أمثالها مباشرة.

(مسألة 61) إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه، بأن أعادها إلى الحرز المضبوط و قام بما يوجب

حفظها، أو تعدّى ثم رجع، كما إذا لبس الثوب ثم نزعه لم يبرأ من الضمان. و لو جدد المالك له الاستيمان فإن كان بالإيجاب و القبول فيكون وديعة جديدة محكومة بأحكامها، و إن كان بمجرد الإذن في البقاء تحت يده فيرتفع الضمان لكن لا تترتب عليه أحكام الوديعة.

و لو أبرأه من الضمان فالأقوى عدم السقوط إلا إذا فهم منه الرضا ببقائها تحت يده. نعم لو تلفت العين في يده و اشتغلت ذمته بعوضها، يصح الإبراء و يسقط الحق به.

(مسألة 62) إذا أنكر الوديعة أو اعترف بها و ادعى التلف أو الرد و لا بينة، فالقول قوله بيمينه، و كذا لو تسالما على التلف، و لكن ادعى عليه المودع التفريط أو التعدي.

(مسألة 63) إذا دفعها إلى غير المالك و ادعى الإذن من المالك فأنكر المالك و لا بينة، فالقول قول المالك. أما لو صدقه على الإذن لكن أنكر التسليم إلى من أذن له فهو كدعواه الرد إلى المالك مع إنكاره، فيكون القول قول الودعي مع يمينه.

(مسألة 64) إذا أنكر الوديعة و أقام المالك البينة عليها، فصدقها لكن ادعى أنها تلفت قبل أن ينكرها، لم تسمع دعواه، فلا يقبل منه اليمين و لا البينة على إشكال إلا إذا أبدى عذرا مسموعا عند العقلاء فلا يبعد السماع.

أما إذا ادعى تلفها بعد ذلك فتسمع دعواه و يحتاج إلى البينة لكنه لا أثر لدعواه و لو ثبتت بالبينة إلا عدم إلزامه برد العين، و أما الضمان فقد استقر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 22

عليه بإنكار الوديعة. نعم لو أذن له بعد الإثبات في إبقائها عنده و أثبت بالبينة تلفها فلا ضمان عليه إلا مع التفريط.

(مسألة 65) إذا أقر بالوديعة

ثم مات فإن عينها في عين شخصية معينة موجودة حال موته، أخرجت من التركة، و كذا إذا عينها ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان و لم يعينها، فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورث و لم يميزوا الوديعة من غيرها أن يعاملوها كما لو علموا إجمالا بأن إحدى هذه الشياه لفلان.

و إذا عين الوديعة و لم يعين مالكها كانت من مجهول المالك، و قد مرّ ما يعلم منه حكم الصورتين في المخلوط بالحرام من كتاب الخمس، و أن الحكم في الصورة الأولى هو التصالح و التراضي مع المالك، و الصورة الثانية فيها تفصيل فراجع. و إذا عينها المودع في معين و احتمل صدقه فالأقوى اعتبار قوله إن لم يكن له معارض. و إن لم يعين المورث المالك و لا المال و لا محله بحيث تردد بين كونه في تركته أو محل آخر، فلا اعتبار بقوله إذا لم يعلم الورثة بوجود الوديعة في تركته حتى إذا ذكر الجنس و لم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلا واحد، إلا إذا علم أن مراده ذلك الواحد.

و إذا عين المالك دون المال فيجب على الورثة إرضاؤه أو القبول بحكم الحاكم إذا حكم بالقرعة أو بوجوب المصالحة أو غيرهما. و إذا عين المال دون المالك فيحكم عليه بحكم مجهول المالك. و إذا أخبر أن في تركته وديعة لأحد و لم يعين، كان مال الوديعة شبهة في محصور و مالكها مجهول المالك.

خاتمة

(مسألة 66) الأمانة على قسمين: مالكية و شرعية، فالأمانة المالكية ما كانت باستئمان المالك و إذنه، سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك كالوديعة

هداية العباد (للگلبايگاني)،

ج 2، ص: 23

أو تبعا لعنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن و العارية و الإجارة و المضاربة، فإن العين بيد المرتهن و المستعير و المستأجر و العامل أمانة مالكية، حيث أن المالك قد سلمها بعنوان الاستئمان و جعل حفظها على عهدتهم.

و أما الأمانة الشرعية فهي ما وقع تحت يد آخر، لا باستئمان المالك و إذنه و لا على وجه العدوان، بل إما قهرا كما إذا أطارت الريح ثوبا أو جاء به السيل إلى ملكه مثلا فصار بحيث يصدق عليه أنه في يده، و إما بتسليم المالك لها بدون اطلاعهما، كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه، أو تسلم البائع أو المشتري زائدا على حقهما بسبب الغلط في الحساب، أو صارت في يده برخصة من الشرع كاللقطة و الضالة و ما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه، و كذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ، و ما يؤخذ من معرض الهلاك و التلف من الأموال المحترمة، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل و نحو ذلك، فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها وردها في أول أزمنة الإمكان إلى صاحبها و لو مع عدم المطالبة، و لا يخلو كفاية إعلامه و التخلية بينه و بينها من قوة. و لو تلفت في يده فليس عليه ضمان إلا مع التفريط أو التعدي كالأمانة المالكية.

و إذا كانت العين أمانة مالكية تبعا لعنوان آخر و ارتفع ذلك العنوان، كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدة الإجارة، و العين المرهونة بعد

فك الرهن، و المال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة، فالأرجح أنها أمانة مالكية إذا بقيت العين عنده برضا المالك، أو بقيت مدة تستلزمها الإجارة أو المضاربة أو الرهن، و أما إذا كان التأخير لعجزه عن الوصول إلى مالكها فتكون أمانة شرعية.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 25

كتاب المضاربة

(مسألة 67) و تسمى القراض، و حقيقتها توكيل صاحب المال العامل ليتّجر بماله على أن يكون الربح بينهما و إذا جعل تمام الربح للمالك يقال له البضاعة، فتكون المضاربة بمنزلة وكالة محدودة و جعالة مخصوصة لشخص معين في عمل خاص بجعل مخصوص.

و حيث إنها عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب من المالك و قبول من العامل، و يكفي في الإيجاب كل لفظ يفيد هذا بالظهور العرفي كقوله «ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك على كذا» و ما أفاد هذا المعنى، و في القبول «قبلت» و شبهه.

(مسألة 68) يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الاختيار، و في المالك عدم الحجر. و في رأس المال أن يكون عينا فلا تصح بالمنفعة و لا بالدين سواء كان على العامل أو على غيره إلا بعد قبضه، و أن يكون درهما أو دينارا مسكوكا، أو أوراقا مالية كأوراق الإسكناس المتعارفة، فلا تصح بالذهب و الفضة غير المسكوكين فضلا عن العروض. و أن يكون معينا فلا تصح بالمبهم كأن يقول: قارضتك بأحد هذين المالين أو بأيهما شئت، و أن يكون معلوما قدرا و وصفا.

و في الربح أن يكون معلوما فلو قال: على أن لك مثل ما شرط فلان لعامله، و لم يعلما ما شرط بطل، و أن يكون مشاعا مقدرا بأحد الكسور كالنصف أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 26

الثلث فلو قال:

على أن لك من الربح مائة و الباقي لي أو بالعكس، أو على أن لك نصف الربح و عشرة دراهم مثلا لم يصح، و أن يكون بين المالك و العامل و لا يشاركهما غيرهما، فلو جعلا جزءا منه لأجنبي بطل إلا أن يكون له عمل متعلق بتلك التجارة.

(مسألة 69) يشترط في المضاربة أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة و يكون الحاصل بينهما، أو إلى الطباخ أو الخباز أو الصباغ مثلا ليصرفوها في حرفتهم و يكون الربح و الفائدة بينهما، لم يصح و لم تقع مضاربة.

(مسألة 70) يجوز أن يوكل أحدا في استيفاء دينه ثم إيقاع عقد المضاربة عليه، فيكون موجبا عن المالك و قابلا عن نفسه، و كذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما كان في ذمته في مال معين، ثم إيقاع عقد المضاربة عليه موجبا و قابلا.

(مسألة 71) إذا دفع إليه عروضا و قال بعها و يكون ثمنها مضاربة، لم يصح إلا إذا أوقع عقد المضاربة بعد ذلك على ثمنها.

(مسألة 72) إذا دفع إليه شبكة مثلا على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالنصف أو الثلث مثلا، لم يكن مضاربة بل المعاملة فاسدة، فيكون ما وقع فيها من الصيد للصائد و عليه أجرة مثل الشبكة لصاحبها، لكن لو أذن له بالتصرف في شبكته بشرط أن يتملك لصاحب الشبكة نصف ما يصيده بها فالظاهر أنه لا مانع منه، و إذا نوى ذلك في صيده يصير صاحب الشبكة شريكا بمقدار ما نواه له.

(مسألة 73) إذا دفع إليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة و النتاج بينهما، لم يكن مضاربة، بل المعاملة

فاسدة و تكون الثمرة و النتاج لصاحب المال و عليه للعامل مثل أجرة عمله.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 27

(مسألة 74) تصح المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كان مبلغ معلوم من المال مشتركا بين اثنين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي من هذا المال، صح مع العلم بمقدار حصته، و كذا لو كان عنده ألف دينار مثلا و قال قارضتك بنصف هذه الدنانير.

(مسألة 75) لا فرق بين أن يقول: خذ هذا المال مضاربة و لكل منا نصف الربح، أو يقول: و الربح بيننا، أو يقول: و لك نصف الربح أو لي نصف الربح، فإن الظاهر أنه جعل لكل منهما نصف الربح، و كذلك لا فرق بين أن يقول: خذه قراضا و لك نصف ربحه أو يقول لك ربح نصفه، فإن مفاد الجميع واحد عرفا.

(مسألة 76) إذا اتحد المالك في المضاربة و تعدد العامل في مال واحد فإن كان المقصود مثلا كون كل منهما عاملا في نصف المال فلا إشكال فيه، فيكون عقدا واحدا معهما بمنزلة عقدين، سواء كان سهم كل منهما مميزا في الخارج أو مشاعا، و سواء كانت حصة أحدهما أكثر أم لا. و إن كان المقصود صدور العمل منهما معا لا من أحدهما منفردا، فلا يبعد صحته أيضا، و يجوز التسوية بينهما في الحصة و التفاضل، و لكن لا يجوز لكل منهما العمل مستقلا، و هما شريكان في الربح على ما جعل لهما في العقد.

أما إذا كان المقصود عمل كلّ منهما في جميع المال مستقلا أو منضما و لكن كلما عمل أحدهما يكون الآخر شريكا له في ربحه سواء عمل أم لم يعمل، ففي صحته تأمل و إشكال سواء كانت حصتاهما متساويتين أو متفاوتتين.

و

كذا يجوز تعدد المالك و اتحاد العامل، كما إذا كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بأن يكون النصف للعامل و النصف بينهما بالسوية، و كذا بالتفاضل بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف و في حصة الآخر بالثلث مثلا بشرط أن يكون المقصود معلوما و لو بالقرينة، فإذا كان الربح اثني عشر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 28

استحق العامل خمسة و استحق أحد الشريكين ثلاثة و الآخر أربعة. هذا إذا كان رأس مال الشريكين متفاوتا، أما إذا كان متساويا، و وقعت المضاربة على التفاضل بينهما في استحقاق الربح، فالأقوى البطلان.

(مسألة 77) المضاربة جائزة من الطرفين فللمالك الرجوع عن الإذن في التصرف و للعامل الامتناع عن العمل في أي وقت، و أما الفسخ بعد تمام العمل و الرجوع إلى أجرة المثل لا إلى ما عيناه من الربح، فالأقوى عدم جوازه.

و إذا اشترطا فيها الأجل جاز لكل منهما فسخها قبل انقضائه، و لو اشترطا فيها عدم الفسخ فإن كان المقصود لزومها بحيث لا ينفسخ بفسخ أحدهما بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، و إن كان المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به و إن لم يلزم عليهما العمل به و لكن الأحوط العمل به أما إذا جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع و الصلح و نحوهما فيجب العمل به تكليفا لكن إذا فسخها أحدهما تنفسخ.

(مسألة 78) الظاهر جريان المعاطاة و الفضولية في المضاربة فتصح بالمعاطاة، و إذا وقعت فضولا من المالك أو العامل تصح بإجازتهما كالبيع.

(مسألة 79) تبطل المضاربة بموت كل من المالك و العامل، و الأقوى أنها لا تستمر بإجازة الورثة.

(مسألة 80) العامل أمين، فلا ضمان عليه لو تلف المال

أو تعيب في يده إلا مع التعدي أو التفريط، كما أنه لا يضمن خسارة التجارة، بل هي على صاحب المال. و لو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة كما هو شريك في الربح، فالأقوى عدم صحة الشرط. نعم لو كان مرجعه إلى اشتراط أنه على تقدير وقوع الخسارة على المالك يخسر العامل نصفها مثلا من كيسه لا بأس به، لكن لزوم الوفاء به على العامل يتوقف على إيقاع هذا الشرط ضمن عقد لازم، فيجب العمل به حينئذ تكليفا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 29

(مسألة 81) يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته و هي ما يقوم به التاجر عادة لنفسه في مثل تلك التجارة و ذلك المكان و الزمان و ذلك العامل، من عرض القماش و النشر و الطي مثلا و قبض الثمن و إحرازه في حرزه، و استئجار من جرت العادة باستئجاره كالدلال و الوزان و الحمال، و يعطي أجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الأمور هو بنفسه لا بقصد التبرع فالظاهر جواز أخذ الأجرة. نعم لو استأجر العامل لما يتعارف فيه مباشرته بنفسه كانت عليه الأجرة و يضمن المال لو تلف في يد الأجير، إلا إذا كان مأذونا في ذلك.

(مسألة 82) إذا كان عقد المضاربة مطلقا، جاز للعامل الاتجار بالمال على حسب ما يراه مصلحة من حيث الجنس المشترى، و من حيث البائع و المشتري و غير ذلك، بل لا يتعين عليه أن يبيع نقدا، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر إلا أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق. نعم لو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني أو إلا الجنس الفلاني، أو

لا يبيع من الشخص الفلاني، أو الطائفة الفلانية، و غير ذلك من الشروط، لم يجز له المخالفة، و لو خالف ضمن المال و الخسارة، لكن لو حصل الربح و كانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح حسب عقد المضاربة.

(مسألة 83) لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلا بإذن المالك عموما أو خصوصا، فلو خلط ضمن، لكن إذا اتّجر بالمجموع و حصل ربح فهو بين المالين بالنسبة.

(مسألة 84) إذا كان العقد مطلقا لا يجوز للعامل أن يبيع نسيئة خصوصا في بعض الأزمان و على بعض الأشخاص، إلا أن يكون متعارفا بين التجار و لو بالنسبة إلى ذلك البلد أو الجنس الفلاني بحيث لا ينصرف عنه الإطلاق، فلو خالف مقتضى الانصراف ضمن، و لكن لو استوفاه و حصل ربح كان بينهما.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 30

(مسألة 85) ليس للعامل أن يسافر بالمال برّا أو بحرا و لا الاتجار به في بلد آخر غير بلد المال إلا أن يكون ذلك متعارفا أو يأذن المالك، فلو سافر ضمن التلف و الخسارة لكن لو حصل ربح يكون بينهما كما مرّ. و كذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.

(مسألة 86) ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض شيئا و إن قل، و أما في السفر بإذن المالك فله الإنفاق من رأس المال إلا إذا اشترط عليه المالك أن تكون نفقته من نفسه. بل لا يبعد أن يكون له الإنفاق من رأس المال إذا كان السفر بغير إذنه أيضا ما دامت المضاربة باقية، و يكون الربح بينهما. و لا ينافي ذلك كون الخسارة عليه لمخالفته المالك.

و المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من

مأكول و مشروب و ملبوس و مركوب و آلات و أدوات و أجرة مسكن و نحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه، و لو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها لم تحسب له. و ليس من النفقة جوائزه و عطاياه و ضيافاته و غير ذلك، فهي على العامل إلا إذا كانت لمصلحة التجارة.

(مسألة 87) المراد بالسفر هنا السفر العرفي لا الشرعي، فيشمل ما دون المسافة، كما أنه يشمل أيام إقامته عشرة أيام أو أكثر، بشرط أن تكون الإقامة من شؤون السفر، كانتظار الرفقاء أو لخوف الطريق، أو للراحة من تعبه، أو تكون لأمور متعلقة بالتجارة كدفع الضرائب و تخليص البضاعة أو شرائها، و غير ذلك.

أما إذا كانت إقامته للتفرج أو لتحصيل مال لنفسه و نحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه، خصوصا إذا كان ذلك بعد تمام العمل.

(مسألة 88) إذا كان عاملا في سفره لنفسه و غيره و لم تكن المضاربة علة مستقلة للسفر توزع النفقة، و لا يترك الاحتياط بمراعاة أقل الأمرين من

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 31

نسبة المالين أو العملين. أما إذا كانت المضاربة علة مستقلة للسفر فلا يبعد جواز أخذ تمام النفقة من رأس مال المضاربة. و إذا كان عاملا لاثنين أو أكثر فالأقوى توزيع النفقة بينهما بنسبة المالين، و الأحوط لهما التصالح.

(مسألة 89) لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال و إن لم يكن ربح. نعم لو أنفق و حصل ربح فيما بعد يجبر ما أنفقه كسائر الغرامات و الخسارات.

(مسألة 90) الظاهر أنه يجب على العامل الشراء بعين مال المضاربة و يشكل أن يشتري بالكلي

في ذمة المالك، إلا أن يأذن المالك بذلك، كما لا إشكال في عدم جوازه إذا اشترط المالك عدمه.

(مسألة 91) لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في أصل التجارة من دون إذن المالك. نعم يجوز له التوكيل و الاستيجار في بعض المقدمات المتعارف فيها التوكيل فيها، و كذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلا بإذن المالك. فإن أذن و كان قصده فسخ المضاربة الأولى انفسخت الأولى بإيقاع المضاربة الجديدة. و إن كان قصده بقاء الأولى أيضا حتى يجوز لكل منهما العمل في أيّ مقدار كان، فالظاهر أنه لا مانع منه نظير جعل الوكالة لاثنين في بيع ماله أو جعل الجعالة لكل من رد ضالته مثلا، فكل منهما إذا عمل في مجموع المال أو مقدار منه يستحق حصته من الربح، و لا يبقى للآخر شي ء حتى يجوز له فيه العمل.

أما لو كان المقصود أن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأول فالأقوى عدم الصحة.

(مسألة 92) الظاهر أنه يصح أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه شيئا و بالعكس.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 32

(مسألة 93) الظاهر أن العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره، و لا يتوقف على تحويل البضاعة إلى نقد، و لا على القسمة، كما أن الظاهر أنه يصير بالربح شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصح له المطالبة بالقسمة و له التصرف في حصته بالبيع و الصلح و يترتب عليها حصول الإرث على جميع الأقوال، غاية الأمر أن ما يورث ملك على تقدير و حق على الآخر، و كذا يترتب عليها تعلق

الزكاة و حق الغير و غير ذلك.

أما الخمس فالظاهر أن استقرار الملك شرط في تعلقه، و كذا حصول الاستطاعة للحج.

(مسألة 94) تجبر الخسارة الواردة على مال المضاربة بالربح ما دامت المضاربة باقية، سواء كانت سابقة على الربح أو لاحقة، فتكون ملكية العامل للربح بظهوره ملكية متزلزلة، و تستقر بتحويل البضاعة إلى نقد و فسخ المضاربة و القسمة بشكل قطعي، فلا جبران بعد ذلك. و في حصول الاستقرار بدون اجتماع الثلاثة أقوال أقواها أنه يتحقق بالفسخ مع القسمة و إن لم يحصل الانضاض، بل لا يبعد تحققه بالفسخ و الانضاض و إن لم تحصل القسمة، بل لا يبعد أيضا كفاية إفراز حصة العامل من الربح و دفع الباقي إلى المالك برضاهما.

(مسألة 95) كما يجبر الخسران في المضاربة بالربح كذلك يجبر به التلف، كما لو تلف بعض رأس المال بسبب غرق أو حريق أو سرقة أو غيرها و ربح بعضها فيجبر تلف البعض بربح البعض، نعم لو تلف كل رأس المال قبل الشروع بالعمل تنفسخ المعاملة و ينتفي موضوع الجبران.

(مسألة 96) إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فإن كان قبل الشروع في العمل و مقدماته فلا إشكال و لا شي ء للعامل و لا عليه، و كذا إن كان بعد تمام العمل و الانضاض أي تحويل البضاعة إلى نقد، إذ مع حصول

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 33

الربح يقتسمانه و مع عدمه يأخذ المالك رأس ماله و لا شي ء للعامل و لا عليه.

أما إذا كان في الأثناء بعد الشروع في العمل، فإن كان قبل حصول الربح فليس للعامل شي ء و لا أجرة له لما مضى من عمله، سواء كان الفسخ منه أو من المالك، أو حصل

الانفساخ القهري. كما أنه ليس على العامل شي ء مطلقا حتى لو حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك بل و غير المأذون فيه أيضا كما مر، فلا يضمن العامل ما صرفه في نفقته من رأس المال، و لا يجوز للعامل التصرف بالبضاعة بدون إذن المالك، كما أنه ليس للمالك إلزامه بالبيع و الانضاض.

و إن كان بعد حصول الربح، فإن كان بعد الانضاض فقد تم العمل فيأخذ كل منهما حقه، و إن كان قبل الانضاض فعلى ما مر من تملّك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره يشارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذه الحال أو انتظرا إلى الانضاض فلا إشكال، و إن طلب أحدهما بيعها لم يجب على الآخر إجابته. نعم لو لم تحصل القسمة و حدثت الخسارة قبلها و قبل الانضاض، تجبر بالربح.

(مسألة 97) إذا كان في المال ديون على الناس فالأحوط إن لم يكن أقوى أنّ على العامل استيفاءها إلا إذا رضي المالك بتركها.

(مسألة 98) إذا انفسخت المضاربة وجب على العامل رد المال إلى المالك، و تحقق الرد بالتخلية بينه و بينه بدون إيصال إليه مشكل خصوصا إذا لم يكن الفسخ من المالك. أما إذا كان سافر برأس المال إلى بلد آخر بغير إذنه فيجب إرجاعه إلى المالك، و يتحمل مؤنة إرجاعه.

(مسألة 99) إذا كانت المضاربة فاسدة، فإن كان العمل بإذن المالك حتى لو كانت مضاربة باطلة أو أجازه بعد علمه ببطلانها، فالربح كله للمالك، سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين. و إذا أذن له المالك بالإتجار

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 34

مقيدا بصحة المضاربة و كانت فاسدة فالمعاملة باطلة من أصلها و لا ربح، لكن العامل

يستحق أجرة المثل في جميع الصور إذا كان مأذونا بالتجارة و جاهلا بالفساد، سواء كان المالك عالما به أو جاهلا.

و أما إذا عمل بدون إذن المالك فلا يستحق شيئا و إن أجاز المالك معاملاته بعد وقوعها. و كذا لا يستحق شيئا إذا كان عالما بفساد المضاربة إلا إذا عمل بأمر المالك و لو مع علمه بالفساد فيكون له الأجرة. و كذا له نفقة السفر إذا سافر بأمر المالك.

و في كل الأحوال لا يضمن العامل التلف و النقص الوارد على المال، و الأقوى أنه يضمن ما أنفقه على نفسه في السفر لا على التجارة و إن كان جاهلا بفساد المضاربة.

(مسألة 100) إذا ضارب مع الغير بمال الغير من دون ولاية و لا وكالة وقع فضوليا، فإن أجازه المالك وقع له و كان الخسران عليه و الربح بينه و بين العامل على ما شرطاه، و إن رده فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه به، و يجب على العامل رده إليه، و إن تلف أو تعيب كان له الرجوع على كل من المضارب و العامل، فإن رجع على المضارب لم يرجع على العامل و إن رجع على العامل رجع على المضارب، هذا إذا كان المضارب غارّا و العامل مغرورا، و إلا فقرار الضمان على من تلف المال عنده، و للمالك الرجوع على كل منهما.

و إن رد مضاربته بعد أن عومل بماله كانت المعاملة فضولية، فإن أمضاها وقعت له و كان تمام الربح له و تمام الخسران عليه، و إن ردها رجع بماله على كل من شاء من المضارب و العامل كما في صورة التلف، و يجوز له أن يلاحظ مصلحته فإذا رآها تجارة رابحة أجازها و إذا

رآها خاسرة ردها.

و أما معاملة العامل مع المضارب، فإذا لم يعمل عملا لم يستحق شيئا، و كذا إذا عمل و كان عالما بكون المال لغير المضارب، و أما إذا عمل و لم يعلم بكونه لغيره استحق أجرة مثل عمله و رجع بها على المضارب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 35

(مسألة 101) إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتجار به و تعطيله عنده أكثر مما جرت به العادة بحيث يعدّ متوانيا متسامحا، فإن عطله كذلك لا لعذر موجه و كان الإذن بإمساكه مقيدا بالمعاملة، ضمنه لو تلف لكن لم يستحق المالك عليه غير أصل المال، و ليس له مطالبته بالربح على تقدير الاتجار به.

(مسألة 102) إذا ضاربه على خمسمائة مثلا فدفعها إليه و عامل بها، و في أثناء التجارة بها دفع إليه خمسمائة أخرى للمضاربة، فالظاهر أنهما مضاربتان، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى. نعم لو ضاربه على ألف مثلا فدفع إليه خمسمائة فعامل بها ثم دفع إليه خمسمائة أخرى فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كل من المعاملتين بربح الأخرى.

(مسألة 103) إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثم فسخ أحد الشريكين، فمقتضى القاعدة عدم الانفساخ بالنسبة إلى الآخر لأن المضاربة مع الشريكين تنحل إلى مضاربتين.

(مسألة 104) إذا تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال و لم توجد بينة قدم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو كان تالفا مضمونا على العامل.

(مسألة 105) إذا ادعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول الديون التي عند الناس و لم تكن مضمونة عليه، و ادعى المالك خلافه و لم توجد بينة، قدم قول العامل.

(مسألة 106) إذا اختلفا في الربح و لم توجد بينة

قدم قول العامل، سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره، بل و كذا الحال إذا قال العامل ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.

(مسألة 107) إذا اختلفا في نصيب العامل من الربح و أنه النصف مثلا أو الثلث و لم توجد بينة، قدم قول المالك.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 36

(مسألة 108) إذا تلف المال أو وقعت خسارة فادعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ و لم تكن له بينة، قدم قول العامل، و كذا لو ادعى عليه مخالفته لما شرط عليه، سواء كان النزاع في أصل الاشتراط أو في مخالفته لما شرط عليه، كما إذا ادعى المالك أنه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني فاشتراه فخسر و أنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه. نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلا بإذنه، كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر، فادعى العامل كونه بإذن المالك و أنكره، قدم قول المالك.

(مسألة 109) إذا ادعى رد المال إلى المالك و أنكره قدم قول المالك.

(مسألة 110) إذا اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها لنفسي و قال المالك اشتريتها للقراض، أو ظهر خسران فادعى العامل أنه اشتراها للقراض و قال صاحب المال بل اشتريتها لنفسك، قدم قول العامل بيمينه.

(مسألة 111) إذا حصل تلف أو خسارة، فادعى المالك أنه أقرضه و ادعى العامل أنه قارضه فلا يبعد تقدم قول العامل مع يمينه على نفي القرض، لعدم الأثر في القراض بخلاف القرض. و أما لو حصل ربح فادعى المالك أنه قارضه و ادعى العامل أنه أقرضه، فيقدم قول

المالك.

(مسألة 112) إذا ادعى المالك أنه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحق العامل شيئا من الربح، و ادعى العامل المضاربة فله حصة منه، فالظاهر أنه يقدم قول المالك مع يمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو كان، و لو لم يكن ربح أصلا فلا ثمرة في هذه الدعوى.

(مسألة 113) يجوز إيقاع الجعالة على الاتجار بمال و جعل الجعل حصة من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلا: إذا اتجرت بهذا المال و حصل ربح فلك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 37

نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعة.

(مسألة 114) يجوز للأب و الجد المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، و الأحوط مراعاة وجود المصلحة أيضا. و كذا القيم الشرعي كالوصي و الحاكم الشرعي مع الأمن من الهلاك و ملاحظة الغبطة و المصلحة، بل يجوز للوصي على ثلث الميت أن يدفعه إلى الغير بالمضاربة و يصرف حصة الميت من الربح في المصارف المعينة للثلث إذا أوصى الميت بذلك، بل و إن لم يوص به لكن فوض أمر الثلث إلى نظر الوصي فرأى الصلاح في ذلك.

(مسألة 115) إذا مات العامل و كان عنده مال المضاربة، فإن علم وجوده بعينه فيما تركه فلا إشكال، و إن علم بوجوده في تركته من غير تعيين فالأقوى إجراء القرعة و الأحوط المصالحة. نعم لو علم المال جنسا و قدرا و اشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره فالظاهر أنه بحكم المال المشترك فيكون المجموع مشتركا بين المالك و ورثة الميت بالنسبة، أما إذا علم

أنه مميز في الواقع و كان مشتبها في الظاهر فيأتي فيه ما تقدم من أن الأقوى إعمال القرعة و الأحوط التصالح.

و أما إذا علم بعدم وجوده فيها و احتمل أنه رده إلى مالكه أو تلف بتفريط منه أو بغيره، فالظاهر أنه لا يحكم على الميت بالضمان و يكون الجميع لورثته، و كذا لو احتمل بقاءه فيها.

كما أن الأقوى أن تكون التركة كلها موروثة فيما إذا علم بأن مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها و لم يعلم أنه هل بقي فيها أورده إلى المالك أو تلف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 39

كتاب الشركة

اشارة

(مسألة 116) و هي كون شي ء واحد لاثنين أو أكثر، و هي إما في عين أو دين أو منفعة أو حق. و سببها قد يكون إرثا و قد يكون عقدا ناقلا، كما إذا اشترى اثنان معا مالا أو استأجرا عينا، أو أخذا حق تحجير مثلا بالمصالحة.

و لها سببان آخران يختصان بالشركة في الأعيان، أحدهما الحيازة، كما إذا اقتلع اثنان معا شجرة مباحة أو اغترفا ماء مباحا بآنية واحدة دفعة.

و ثانيهما الامتزاج، كما إذا امتزج ماء أو خلّ لشخص بماء أو خلّ لشخص آخر، سواء وقع قهرا أو عمدا و اختيارا.

(مسألة 117) الامتزاج يوجب الشركة الواقعية إذا حصل فيه الامتزاج التام بين ما يعين متجانسين كالماء بالماء و الدهن بالدهن، بل و غير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلا. بل لا يبعد كون الشركة واقعية أيضا فيما لا يكون تميز للممتزجين عرفا و كانا بحيث يصيران شيئا واحدا كما في مثل خلط الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير بل و الجوز بالجوز و اللوز باللوز، كما

هو المرتكز في الأذهان مع عدم ردع معلوم. و عند المزج الرافع للامتياز يعامل المجموع معاملة المال المشترك فيجري فيه صحة التقسيم و الإفراز و سائر أحكام المال المشترك.

أما إذا اختلطت القيميات ببعضها كالثياب و الأغنام و غيرها، فلا تتحقق

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 40

الشركة لا ظاهرا و لا واقعا، حتى إذا لم يتميز المختلط، فيكون العلاج بالمصالحة أو القرعة.

(مسألة 118) لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في المال المشترك إلا برضا الباقين، بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرف جاز للمأذون و لم يجز للآذن إلا أن يأذن له المأذون أيضا. و يجب أن يقتصر المأذون على المقدار المأذون فيه كما و كيفا. نعم الإذن في الشي ء إذن في لوازمه عند الإطلاق، فإذا أذن له في سكنى الدار يلزمه الإذن في إسكان أهله و عياله و أطفاله و تردد أصدقائه و نزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، فيجوز ذلك كله، إلا أن يمنع عنه كلا أو بعضا، أو تكون قرينة مانعة عن التمسك بالإطلاق، فيقتصر حينئذ على القدر المتيقن.

(مسألة 119) كما تطلق الشركة على المعنى المتقدم، و هو كون شي ء واحد لاثنين أو أكثر، تطلق أيضا على معنى آخر و هو العقد الواقع بين اثنين أو أكثر على المعاملة بمال مشترك بينهم، و تسمى الشركة العقدية و الاكتسابية، و ثمرتها عند ما تتحقق بأسبابها الآتية جواز تصرف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسب به و كون الربح و الخسران بينهما على نسبة مالهما.

(مسألة 120) الشركة العقدية عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب و قبول، و يكفي قولهما اشتركنا أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، و لا يبعد جريان المعاطاة فيها، بأن يخلطا المالين بقصد

اشتراكهما في الاكتساب بهما و يصيرا شيئا واحدا عند العرف كما مر.

(مسألة 121) يعتبر في الشركة العقدية كل ما اعتبر في العقود المالية، من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه.

(مسألة 122) لا تصح الشركة العقدية إلا في الأعيان نقودا كانت أو عروضا، فلا تصح في الديون و لا في الحقوق و لا في المنافع. و تسمى تلك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 41

شركة العنان. و لا تصح في الأعمال، و هي المسماة بشركة الأبدان بأن يوقع العقد اثنان على أن تكون أجرة عمل كل منهما مشتركة بينهما، سواء اتفقا في العمل كالخياطين أو اختلفا كالخياط و النساج. و من ذلك تعاقد شخصين على أن كل ما يحصل عليه كل منهما بالحيازة من الحطب أو الحشيش مثلا يكون مشتركا بينهما، فلا تتحقق الشركة بذلك، بل يختص كل منهما بأجرته و بما حازه.

نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدة كذا مثل سنة أو سنتين بنصف منفعة الآخر إلى تلك المدة، و قبل الآخر صحّ، و اشترك كل منهما فيما يحصل عليه الآخر في تلك المدة بالأجرة أو الحيازة.

و كذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدة بعوض معين كدينار مثلا، و صالحه الآخر أيضا على نصف منفعته في تلك المدة بذلك العوض.

و لا تصح أيضا شركة الوجوه، و هي أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما، على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل و يكون ما يبتاعه كل منهما بينهما فيبيعانه و يؤديان الثمن و يكون ما حصل من الربح بينهما.

و لو أرادا الحصول على هذه النتيجة بوجه مشروع فلا

بد أن يوكل كل منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه، بأن يشتري لهما و في ذمتهما، فإذا اشترى شيئا كذلك يكون لهما فيكون الربح و الخسران بينهما.

و لا تصح أيضا شركة المفاوضة، و هي أن يعقد اثنان على أن يشارك كل منهما الآخر في كل ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو اكتساب أو إرث أو وصية، أو غير ذلك، و كذا كل غرامة و خسارة ترد على أحدهما تكون عليهما.

فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المسماة بشركة العنان.

(مسألة 123) إذا آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأجرة معينة، كانت الأجرة مشتركة بينهما، و كذا لو حاز اثنان معا مباحا، كما لو اقتلعا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 42

معا شجرة أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة، فيكون ما حازاه مشتركا بينهما، و ليس ذلك من شركة الأبدان حتى تكون باطلة، و تقسم الأجرة و ما حازاه بنسبة عملهما، و لو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح.

(مسألة 124) حيث إن الشركة العنانية هي العقد على المعاملة و التكسب بالمال المشترك، فلا بد من أن يكون رأس المال مشتركا بأحد أسباب الشركة، فإن كان مشتركا قبل إيقاع عقدها كالمال الموروث قبل القسمة فهو، و إن كان المالان ممتازين، فإن كانا مما تحصل الشركة بمزجهما على ما مرّ مزجاهما قبل العقد أو بعده ليتحقق الاشتراك في رأس المال، و إن كانا من غيره، بأن كان عند أحدهما جنس و عند الآخر جنس آخر، فلا بد من إيجاد أحد أسباب الشركة غير المزج ليصير رأس المال مشتركا، كأن يبيع أو يصالح كل منهما على نصف ماله بنصف مال الآخر.

و ما اشتهر من

أن في الشركة العقدية لا بد من خلط المالين قبل العقد أو بعده مبنيّ على ما هو الغالب من كون رأس المال من الدراهم أو الدنانير التي تمتاز حصة كل منهما فيها عن حصة الآخر، و حيث أن الخلط و المزج فيها أسهل أسباب الشركة، ذكروا أنه لا بد من امتزاج الدراهم بالدراهم و الدنانير بالدنانير حتى يحصل الاشتراك في رأس المال، لا بمعنى أن ذلك شرط حتى أنه لو فرض كون الدراهم أو الدنانير مشتركة بين اثنين بسبب آخر غير المزج كالإرث، أو فرض أن المالين مما لا يوجب خلطهما الاشتراك، لم تقع الشركة العقدية.

(مسألة 125) الظاهر أن المنشأ بعقد الشركة هو التعهد و الالتزام بلوازم الشركة في التجارة، بأن يتّجرا معا في المال المعين إلى زمان معين بشرائط معينة من العامل و المعاملة و مكانها و كيفيتها، فإن كان العقد مشتملا على تعيين العامل فهو، و إلا فتحتاج المعاملة بمال الشركة من كل منهما إلى إذن جديد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 43

و إذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما منضمين فهو المتبع.

و كذا من حيث العمل و التكسب، فمع اشتمال العقد على مطلقه، يجوز مطلقه مما يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة، و لو عينا جهة خاصة، كبيع و شراء الأغنام أو الطعام أو القماش أو غير ذلك، يقتصران على ذلك و لا يتعديان إلى غيره.

(مسألة 126) حيث إن كل واحد من الشريكين كالوكيل و العامل عن الآخر، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسب أو في تكسب خاص يقتصر على المتعارف، فلا يجوز البيع بالنسيئة و لا السفر بالمال إلا مع الإذن الخاص، و إن جاز له كل ما

تعارف من حيث الجنس المشترى و البائع و المشتري و أمثال ذلك.

نعم لو عيّنا شيئا من ذلك لم يجز لهما التعدي عنه إلا بإذن من الشريك، و إن تعدّى أحدهما عما عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف، إلا إذا أجاز الشريك المعاملة غير المأذون فيها.

(مسألة 127) إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح و الخسران على الشريكين على نسبة مالهما، فإذا تساوى مالهما تساويا في الربح و الخسران، و مع التفاوت يتفاضلان فيهما على حسب تفاوت مالهما، من غير فرق بين أن يكون العمل من أحدهما أو منهما، بالتساوي فيه أو الاختلاف.

و لو شرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال، أو شرطا تساويهما فيه مع التفاوت في المال، فإن جعلت الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أكثر صح بلا إشكال، و إن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أكثر فالأقوى بطلان العقد و الشرط كليهما، لأن الشرط مخالف لمقتضى العقد لأنه يرجع إلى تفكيك لوازم الشركة عنها، نعم لو كان الإذن في التجارة غير مقيد بالشرط المذكور، فالأقوى صحة العقد و بطلان الشرط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 44

(مسألة 128) العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إذا لم يكن منه تعدّ و لا تفريط. و إذا ادّعى التلف قبل قوله مع اليمين، و كذا إذا ادعى الشريك عليه التعدي أو التفريط و أنكر هو.

(مسألة 129) عقد الشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكل منهما فسخه، فينفسخ لكن لا تبطل بذلك أصل الشركة إذا كانت تحققت بأسبابها، و كذا ينفسخ بعروض الموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس أو السفه، و يبقى أيضا أصل الشركة.

(مسألة 130) إذا جعلا للشركة أجلا لم

يلزم، فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه، و إذا اشترطاه في ضمن عقد لازم فلزومه مشكل، نعم لو شرطا عدم الفسخ يجب الوفاء به تكليفا لكنها تنفسخ بالفسخ.

(مسألة 131) إذا تبين بطلان عقد الشركة فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحة و لهما الربح و عليهما الخسران على نسبة المالين، و لكل منهما أجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصة الآخر.

القول في القسمة

(مسألة 132) و هي تميز «1» حصص الشركاء بعضها عن بعض، و ليست ببيع و لا معاوضة، فلا يجري فيها خيار المجلس و لا خيار الحيوان المختصان بالبيع، و لا يدخل فيها الربا، و إن عممناه لجميع المعاوضات.

______________________________

(1) التعبير مشعر بأن القسمة لإخراج المشتبه و هو محل القرعة، و ليست القرعة بناقلة، فمعنى الإشاعة أن سهم كل شريك دائر بين مصاديق متعددة يتشخص و يتعين بالقرعة، و ذلك ليس ببعيد لو لا الإجماع على خلافه كما في الجواهر، و أما بناء على كون الإشاعة استحقاق كل شريك في كل جزء يفرز فمع قطع النظر عن الإشكال في الجزء الذي لا يتجزأ فالمناسب في تعريفها أن يقال: القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة التي بيد شريكه بإزاء سهم شريكه في الحصة التي بيده و هذا لا يستقيم في قسمة الرد و لا يحتاج الى تعديل القسمة، لأنه من المعاوضات، و لا يحتاج الى أكثر من رضا الطرفين، لأن الناس مسلطون على أموالهم. (منه قدّس سرّه الشريف)

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 45

(مسألة 133) لا بد في القسمة من تعديل السهام، إما بحسب الأجزاء و الكمية كيلا أو وزنا أو عدّا أو مساحة، و تسمى قسمة إفراز، و هي جارية في المثليات كالحبوب و الأدهان و الخلول

و الألبان، و في بعض القيميات المتساوية الأجزاء كطاقة القماش، و قطعة الأرض البسيطة المتساوية الأجزاء.

و إما بحسب القيمة و المالية، كما في القيميات إذا تعددت كالأنعام و العقار و الأشجار إذا تساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام تساوي قيمة إحداها قيمة اثنتين منها فتكون الواحدة سهما و الاثنتين سهما، و يسمى ذلك قسمة التعديل.

و إما بضم مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل البعض الآخر، كما إذا كان بين اثنين فرسان قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة، فإنه إذا ضم إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأول، و تسمى هذه قسمة الرد.

(مسألة 134) يمكن التقسيم بالرد في أنواع الشركات حتى فيما يأتي فيه قسمة الافراز، و لا يجبر أحد على غير الإفراز مع إمكانه، و مع عدم إمكانه لا يجبر إلا بتقسيم العدل فيما يمكن، و الرد لا يجبر عليه إلا مع عدم إمكان قسيميه. و أما جواز التقسيم بغير ما يجوز أن يجبر عليه فمشكل أيضا، لأن المتيقن من الأدلة و الدائر عند المتشرعة ذلك. أما التقسيم بالرد مع إمكان الإفراز فهو نوع معاوضة لا بأس بالمصالحة المفيدة لفائدته.

(مسألة 135) لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدلة، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلها ثلاثة أقسام معدلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم أرض متساوية الأجزاء فجعلها ثلاثة أجزاء متساوية بخشبة أو حبل لا يدرى طوله بالذراع صح، لأن القسمة ليست كالبيع و المعاوضة في ذلك.

(مسألة 136) إذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء كحنطة و شعير و تمر و زبيب فطلب أحدهما قسمة كل نوع بانفراده قسمة

إفراز أجبر الممتنع،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 46

و إن طلب قسمتها بالتعديل بحسب القيمة لم يجبر، و كذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكانان، فإنه يجبر الممتنع لو طلب أحد الشريكين قسمة كل منهما على حدة، و لا يجبر إذا طلب قسمتها بالتعديل.

نعم لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل، أجبر الممتنع على الثانية إن طلبها أحد الشريكين دون الأولى.

(مسألة 137) إذا اشترك اثنان في دار ذات علو و سفل و أمكن قسمتها على نحو يحصل لكل منهما حصة من العلو و السفل بنحو التساوي فهذه القسمة مقدمة على غيرها، و بعدها فالتعديل مقدم بأن يعطى لأحدهما العلو و لأحدهما السفل بالتعديل.

(مسألة 138) لو كانت دار أو بنائه ذات غرف بين جماعة و طلب بعض الشركاء القسمة أجبر الباقون، إلا إذا استلزم الضرر من جهة الضيق و كثرة الشركاء.

(مسألة 139) إذا كانت بينهما بستان مشتملة على نخيل و أشجار فقسمتها بأشجارها و نخيلها بالتعديل قسمة إجبار، إذا طلبها أحدهما يجبر الآخر، بخلاف قسمة كل من الأرض و الأشجار على حدة، فإنها قسمة تراض لا يجبر عليها الممتنع.

(مسألة 140) إذا كانت بينهما أرض مزروعة، يجوز قسمة كل من الأرض و الزرع قصيلا كان أو سنبلا على حدة، و تكون القسمة قسمة إجبار، و أما قسمتهما معا فهي قسمة تراض، لا يجبر الممتنع عليها إلا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها، فيجبر عليها. هذا إذا كان الزرع قصيلا أو سنبلا، و أما إذا كان حبا مدفونا أو مخضرّا في الجملة و لم يكمل نباته، فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها و بقاء الزرع على إشاعته، كما أنه لا إشكال في

عدم جواز قسمة الزرع مستقلا. نعم لا يبعد جواز قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها، بحيث يصدق عرفا أنها قسمة إفراز، و إلا فلا يترك الاحتياط بقسمة الأرض وحدها و قسمة الزرع بالإفراز.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 47

(مسألة 141) إذا كانت بينهم دكاكين متعددة متجاورة أو منفصلة، فإن أمكن قسمة كل منها بانفراده و طلبها بعض الشركاء، و طلب بعضهم قسمة الجميع بالتعديل لكي يتعين حصة كل منهم في دكان تام أو أكثر، يقدم ما طلبه الأول و يجبر البعض الآخر، إلا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في النحو الثاني فيجبر عليه.

(مسألة 142) إذا كان بينهما حمام و شبهه مما لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر لم يجبر الممتنع. نعم لو كان كبيرا بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمامية من دون ضرر و لو بإحداث موقد أو بئر آخر، فالأقرب الإجبار.

(مسألة 143) إذا كان لأحد الشريكين عشر من دار مثلا و هو لا يصلح للسكنى و يتضرر هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب هو القسمة لغرض صحيح يجبر شريكه، و لا يجبر هو لو طلبها الآخر.

(مسألة 144) يكفي في الضرر المانع عن الإجبار ترتب نقصان في العين أو القيمة بسبب القسمة، بما لا يتسامح فيه في العادة، و إن لم يسقط المال عن قابلية الانتفاع بالمرة.

(مسألة 145) لا بد في القسمة من تعديل السهام ثم القرعة: أما كيفية التعديل فإن كانت حصص الشركاء متساوية كما إذا كانوا اثنين و لكل منهما نصف أو ثلاثة و لكل منهم ثلث و هكذا يعدل السهام بعدد الرؤوس، فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين و ثلاثة أسهم متساويات إن كانوا ثلاثة و هكذا، و يعلّم كل

سهم بعلامة تميزه عن غيره، فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع متساوية بحسب المساحة و يميز بينها أحدها الأولى و الأخرى الثانية و الثالثة ثالثة.

و إذا كانت دار لأربعة أشخاص و هي مشتملة على أربع غرف مثلا تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة و تميز كل منها بمميز كالقطعة الشرقية و الغربية و الشمالية و الجنوبية المحدودات بحدود كذائية.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 48

و إذا كانت الحصص متفاوتة، كما إذا كان المال بين ثلاثة: سدس لعمرو و ثلث لزيد و نصف لبكر، تجعل السهام على أقل الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستة معلّمة كل منها بعلامة كما مر.

و أما كيفية القرعة ففي الأول و هو ما إذا كانت الحصص متساوية تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء رقعتان إذا كانوا اثنين و ثلاث إن كانوا ثلاثة، و هكذا. و يتخير بين أن يكتب فيها أسماء الشركاء على إحداها زيد، و على أخرى عمرو، و على ثالثة بكر مثلا، أو أسماء السهام، على إحداها الأول، و على الأخرى الثاني، و على ثالثة الثالث مثلا، ثم تشوّش و تستر و يؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعين السهم كالأول و يخرج رقعة باسم ذلك السهم قاصدين أن يكون هذا السهم لمن خرج اسمه، فكل من خرج اسمه يكون ذلك السهم له، ثم يعين السهم الثاني، و يخرج رقعة أخرى لذلك السهم فكل من خرج اسمه كان السهم له، و هكذا.

و إن كتب عليها أسماء السهام يعين أحد الشركاء و يخرج رقعة، فكل سهم خرج اسمه كان ذلك السهم له، ثم يخرج رقعة أخرى لشخص آخر، و

هكذا.

و أما في الثاني و هو ما إذا كانت الحصص متفاوتة كما في المثال المتقدم الذي قد تقدم أنه يجعل السهام على أقل الحصص و هو السدس يتعين فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس فيكتب مثلا على إحداها زيد، و على الأخرى عمرو، و على الثالثة بكر، و تستر كما مر، و يقصد أن كل من خرج اسمه على سهم كان له ذلك مع ما يليه بما يكمل تمام حصته، ثم تخرج إحداها على السهم الأول، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعين له، ثم تخرج أخرى على السهم الثاني فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني و الثالث له، و يبقى الرابع و الخامس و السادس لصاحب النصف و لا يحتاج إلى إخراج الثالثة.

و إن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني و الثالث و الرابع، و يبقى الأخيران لصاحب الثلث، و إن كان ما خرج على السهم الأول صاحب الثلث كان الأول و الثاني له. ثم تخرج. أخرى على السهم الثالث فإن خرج اسم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 49

صاحب السدس كان ذلك له، و تبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف. و إن خرج صاحب النصف كان الثالث و الرابع و الخامس له و يبقى السادس لصاحب السدس. و قس على هذا.

(مسألة 146) الظاهر أنه ليست للقرعة كيفية خاصة، و انما تكون الكيفية منوطة باتفاق القاسم و المتقاسمين على إيكال الأمر الى اللّه تعالى في تعيين السهام، سواء كان بكتابة رقاع أو وضع علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.

(مسألة 147) الأقوى أنه إذا اتفقوا على التقسيم و عدلوا السهام و أوقعوا القرعة فقد تمت القسمة

و لا يحتاج إلى تراض آخر بعدها فضلا عن إنشائه، و إن كان هو الأحوط في قسمة الرد.

(مسألة 148) إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة، إما بحسب الزمان بأن يسكن هذا شهرا و ذاك شهرا مثلا، و إما بحسب الأجزاء بأن يسكن هذا في الفوقاني و ذاك في التحتاني مثلا، لم يلزم على شريكه القبول و لم يجبر إذا امتنع.

نعم يصح ذلك مع التراضي و لكنه ليس بلازم، فيجوز لكل منهما الرجوع.

هذا في شركة الأعيان، و أما في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة لكنها فيها أيضا غير لازمة. نعم لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد لأجل حسم النزاع و الجدال، يجبر الممتنع و تلزم.

(مسألة 149) القسمة في الأعيان إذا وقعت. و تمت بالقرعة كما مر فقد لزمت و ليس لأحد من الشركاء إبطالها و فسخها، بل الظاهر أنه ليس لهم فسخها و إبطالها بالتراضي، لأن الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها.

(مسألة 150) لا تشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد و عمرو معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث، فأرادا تقسيمها قبل استيفائها فعدلا بين الديون و جعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما و ما على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 50

البادي لأحدهما، لم يفرز بل تبقى على إشاعتها، فكل ما حصل عليه كل منهما يكون لهما، و كل ما يبقى على الناس يكون بينهما.

بل لو اشتركا في دين على أحد و استوفى أحدهما حصته بأن قصد كل من الدائن و المديون أن يكون ما يأخذه وفاء و أداء لحصته من الدين المشترك، فتعينه له مشكل أيضا سواء أجازه الشريك أو لم يجزه. نعم مع الإجازة تكون تلك الحصة

مشتركة بينهما، و مع عدم الإجازة تبقى ملكا للمدين، فإن أراد إعطاء حصة أحد الشريكين فيحتال بمصالحته على شي ء لإبراء ذمته.

(مسألة 151) إذا ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها و أنكر الآخر، فإن أقام البينة على دعواه نقضت القسمة و احتاجت إلى قسمة جديدة، و إن لم تكن بينة، كان له إحلاف الشريك.

(مسألة 152) إذا قسم الشريكان الدار فصار قسم في حصة هذا و قسم في حصة الآخر، و كان طريق أحدهما أو مجرى مائه على الآخر لم يكن للثاني منعه إلا إذا اشترطا حين القسمة.

(مسألة 153) لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلا إذا وقع بينهم تشاحّ مؤدّ إلى خرابه بحيث لا ترتفع غائلته إلا بالتقسيم حتى بالنسبة إلى البطون اللاحقة، و أما إذا أمكن ارتفاع الغائلة بالقسمة بالنسبة إلى زمان حياة الموجودين حتى يبقى على اشتراكه بين البطون اللاحقة فهو المتعين.

نعم يصح قسمة الوقف عن الطلق، بأن يكون ملك واحد نصفه المشاع وقفا و نصفه ملكا، بل الظاهر جواز قسمة وقف عن وقف، و هو فيما إذا كان ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصته على ذريته مثلا و الآخر حصته على ذريته، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة، و المتصدي لذلك الموجودون من الموقوف عليهم و وليّ البطون اللاحقة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 51

كتاب المزارعة

(مسألة 154) و هي المعاملة [1] على أن تزرع الأرض بحصة من حاصلها، و هي عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض، و هو كل لفظ يفيد إنشاء هذا المعنى و كان ظاهرا فيه و لو مع القرينة كقوله: زارعتك أو سلمت إليك الأرض مدة كذا على أن تزرعها على كذا.

و أمثال ذلك.

و تحتاج إلى قبول من الزارع بلفظ يفيد إنشاء الرضا بالإيجاب كسائر العقود، و الأحوط عدم الاكتفاء بالقبول الفعلي بعد الإيجاب القولي، بأن يتسلم الأرض بهذا القصد و يشتغل بها. و لا يعتبر فيها العربية، بل يقع عقدها بأي لغة كان. و الظاهر جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه بالمقاولة.

(مسألة 155) يعتبر فيها زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين في سائر العقود من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و الرشد، و عدم الحجر حتى من العامل إذا كان البذر له أو احتاج الزرع إلى صرف المال، أمور:

______________________________

[1] و حقيقتها اعتبار إضافة بين الأرض و العامل مستتبعة لسلطنته عليها بالزراعة ببذره أو ببذر المالك أو غيره، و إضافة أخرى بين المالك و العامل مستتبعة لسلطنته عليه بالعمل بإزاء حصة من الحاصل أو السلطنة على الأرض، فعقدها بمنزلة إجارة الأرض و العامل، و مال الإجارة للأرض حصة من الزراعة إن كان البذر من العامل مع التزامه بالعمل، و مجرد العمل إن كان البذر من المالك أو غيره، و أجرة العامل حصة من الحاصل إن كان البذر للمالك، و الانتفاع من الأرض إن كان للعامل. منه قدّس سرّه الشريف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 52

أحدها: جعل الحاصل مشاعا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما أو شرطا أن يكون بعضه الخاص كالذي يحصل متقدما، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية لأحدهما، و الآخر للآخر، لم يصح.

ثانيها: تعيين حصة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع و نحو ذلك.

ثالثها: تعيين المدة بالأشهر و السنين، و لو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة فالأوجه الاكتفاء به عن تعيين المدة إذا كان عيّن مبدأ الشروع في

الزرع، و إذا عين المدة بالزمان فلا بد أن تكون مدة يدرك فيها الزرع بحسب العادة، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراكه.

رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج و الإصلاح و طمّ الحفر، و حفر النهر و نحو ذلك، فلو كانت سبخة لا تصلح للزرع أو لم يكن لها ماء و لا يكفيه ماء المطر و لا يمكن تحصيل الماء لها و لو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء، لم يصح.

خامسها: تعيين المزروع و لو بالانصراف إلى ما هو المتعارف، و انه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه. نعم لو صرح بالتعميم صح، فيتخير الزارع بين أنواعه.

سادسها: تعيين الأرض، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات أو مزرعة من هذه المزارع، بطل. نعم لو عين قطعة معينة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها و قال: زارعتك على جريب من هذه القطعة على نحو الكلي في المعين، فالظاهر الصحة و يكون التخيير في تعيينه لصاحب الأرض.

سابعها: أن يعينا أن البذر و سائر المصارف على أي منهما إذا لم يكن في ذلك تعارف.

(مسألة 156) لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل يكفي كونه مالكا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة و نحوها مع عدم اشتراط المباشرة بالزراعة في عقد الإجارة، و يكفي أن يكون أخذها من مالكها بعنوان المزارعة، أو تكون أرضا خراجية و قد تقبلها من السلطان أو غيره.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 53

نعم لو لم يكن له فيها حق و لا عليها سلطنة أصلا كالموات، لم يصح مزارعتها، و إن أمكن أن يتشاركا في زرعها و حاصلها مع الاشتراك في البذر، لكنه ليس من المزارعة في

شي ء.

(مسألة 157) إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عاما، بأن قال:

من زرع أرضى أو مزرعتي فله نصف الحاصل مثلا، فأقدم أحد على ذلك، استحق من المالك حصته.

(مسألة 158) إذا اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لصاحبه أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، فإن اطمئنا ببقاء شي ء من الحاصل بعد ذلك ليكون بينهما، صح، و إلا بطل.

(مسألة 159) إذا انقضت المدة المعينة و لم يدرك الزرع، لم يستحق الزارع إبقاءه و لو بالأجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، و له إبقاؤه مجانا أو بأجرة إن رضي الزارع بها.

(مسألة 160) إذا ترك الزارع الزرع حتى انقضت المدة، و كانت الأرض تحت يده فالأوجه أن يضمن أجرة المثل، و إن لم تكن تحت يده فعدم الضمان لا يخلو من قوة. هذا إذا لم يكن ترك الزرع لعذر عام كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحل معسكرا أو مسبعة و نحو ذلك، ففي مثل هذه الحالات تنفسخ المزارعة.

(مسألة 161) إذا زارع على أرض ثم تبين للزارع أنه لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله بحفر بئر و نحوه، صحت المزارعة لكن للعامل خيار الفسخ. و كذا لو تبين أن الأرض غير صالحة للزراعة إلا بالعلاج التام، كما إذا كان مستوليا عليها الماء لكن يمكن قطعه عنها.

نعم لو تبين أنه لا ماء لها فعلا و لا يمكن تحصيله أو كان فيها مانع لا يمكن إزالته و لا يرجى زواله، فالمزارعة باطلة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 54

(مسألة 162) إذا عين المالك له نوعا من الزرع كالحنطة أو الشعير أو غيرهما فزرع غيره ببذره، كان له الخيار بين الفسخ و الإمضاء، فإن أمضاه

أخذ حصته، و إن فسخ كان الزرع للزارع و عليه للمالك أجرة الأرض.

هذا إذا كان التعيين بنحو الاشتراط، و إن كان بنحو التقييد فهو بحكم من ترك الأرض بغير زرع، فإن لم يرض المالك بما زرع فعليه أجرة مثل الأرض و أرش نقصها، و أما الزرع فلمالك البذر، و إن رضي المالك بما زرع فهو بمنزلة إقالة المزارعة الأولى و إنشاء مزارعة جديدة، أو بمنزلة رضا المالك بالحصة من الزرع الموجود بدل أجرة الأرض، و لا مانع منه.

(مسألة 163) الأظهر عدم اعتبار كون الأرض من أحدهما و العمل من الآخر، فيجوز أن يكون الأرض و العمل من شخص و البذور و العوامل من الآخر. و إن كانت الأرض من أحدهما و العمل من الآخر فالبذر و العوامل و سائر المصارف فبحسب ما يشترطانه، فيجوز جعلها كلها على المزارع أو على الزارع، أو بعضها على هذا و بعضها على ذاك، و لا بد من تعيين ذلك حين العقد، إلا إذا كان هناك عرف معتاد يغني عن التعيين.

(مسألة 164) يصح للمزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصة من حصته له، كما يصح أن يزارع غيره بنحو يكون المزارع الثاني متلقيا من المزارع الأول لا من المالك، نظير المستأجر من المستأجر. أما إذا أراد نقل المزارعة بحيث يكون الثاني مزارعا للمالك بلا واسطة فلا يصح إلا بفسخ المزارعة الأولى و إنشاء مزارعة جديدة. و لا يشترط في جواز تشريك غيره في المزارعة و لا المزارعة الثانية اذن المالك، نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى الغير إلا بإذنه. و لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه بحيث لا يشارك غيره كان هو المتبع.

(مسألة 165) المزارعة عقد لازم من

الطرفين، فلا تنفسخ بفسخ أحدهما إلا إذا كان له الخيار بسبب الاشتراط و غيره، و تنفسخ بالتقايل كسائر العقود

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 55

اللازمة. كما أنها تبطل و تنفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع لانقطاع الماء عنها أو استيلائه عليها، و نحو ذلك.

(مسألة 166) لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين، فإن مات رب الأرض قام وارثه مقامه، و إن مات العامل قام ورثته مقامه أيضا، فإما أن يتموا العمل و لهم حصة مورثهم، و إما أن يستأجروا أحدا لإتمام العمل من مال المورث و لو من حصته المعينة، فإن زاد شي ء كان لهم. نعم إذا اشترط على العامل مباشرته للعمل و كانت المباشرة مأخوذة في العمل قيدا فإنها تبطل بموت العامل، و أما إذا أخذت شرطا فالظاهر أن للمالك أن يفسخ لتخلف الشرط، و أن يختار البقاء و يطالب ورثة العامل بإتمام العمل من تركة العامل، و يكون الورثة شركاء في الحصة.

(مسألة 167) إذا تبين بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض فإن كان عمل بأمر المالك و لو بعنوان المطالبة بحقه بتوهم صحة العقد، أو كان مغرورا من قبل المالك، فحينئذ إن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له و عليه أجرة العامل، و كذا أجرة العوامل إن كانت من العامل، و إن كان البذر من العامل كان الزرع له و عليه أجرة الأرض، و كذا أجرة العوامل إن كانت من صاحب الأرض، و ليس عليه إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل و لو بالأجرة، فله أن يأمر بقلعه. أما إذا لم يكن عمل بأمر المالك و لم يكن مغرورا فلا وجه لضمان أجرته و كذا أجرة العوامل.

(مسألة 168) كيفية اشتراك العامل مع

المالك في الحاصل تابعة للاتفاق الواقع بينهما، نعم لا بد أن يكون اشتراكهما من حين وجود المنفعة، إذ في صحة اشتراط صيرورة المنفعة المشاعة مشتركة بينهما بعد مدة متأخرة عن وجودها تأمل. و في صورة صحة الاشتراك فتارة يشتركان في الزرع من حين طلوعه و بروزه، فيكون حشيشه و قصيله و تبنه و حبه كلها مشتركة بينهما، و أخرى يشتركان في خصوص حبه من حين انعقاده، فيكون الحشيش

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 56

و القصيل و التبن كلها لصاحب البذر. هذا مع التصريح منهما بذلك، و أما مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأول، فالزرع بمجرد خروجه يكون مشتركا بينهما. و يترتب على ذلك أمور: منها: كون القصيل و التبن أيضا بينهما. و منها: تعلق الزكاة بكل منهما إذا كان حصة كل منهما بالغا حد النصاب، و تعلقها بمن بلغ نصيبه حد النصاب إن بلغ نصيب أحدهما، و عدم تعلقها أصلا إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما. و منها:

أنه إذا فسخ أحدهما بخيار أو فسخا كلاهما بالتقايل في الأثناء، كان الزرع بينهما، و ليس لصاحب الأرض على العامل أجرة أرضه، و لا للعامل عليه أجرة عمله الماضي، و أما بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ و الحصاد، فإن وقع بينهما تراض بالبقاء بلا أجرة أو معها أو على القطع قصيلا، فلا إشكال، و إلا فكل منهما مسلط على حصته، فلصاحب الأرض المطالبة بالقسمة و إبقاء حصته و إلزام الزارع بقطع حصته، كما أن للزارع المطالبة بها ليقطع حصته.

(مسألة 169) خراج الأرض و مال إجارة الأرض المستأجرة على المزارع و ليس على الزارع، إلا إذا شرط عليه كلا أو بعضا.

و أما سائر المؤن كشق الأنهار و حفر الآبار و إصلاح النهر و تهيئة آلات السقي و نصب الدولاب و الناعور و نحو ذلك، فلا بد من تعيين كونها على أي منهما إلا إذا كانت هناك عادة تغني عن التعيين.

(مسألة 170) يجوز لكل من المالك و الزارع عند بلوغ الحاصل تقبل حصة الآخر بحسب الخرص بمقدار معين بالتراضي، و المتيقن من الأخبار الواردة فيه أن يكون المقدار المخروص المتفق عليه من حاصل ذلك الزرع لا من غيره. و إذا تم التقبل كما ذكرنا فالأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول، و إن تبين بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها فعلى المتقبل تمام ذلك المقدار و لو تبين أن حصة صاحبه أقل، كما أن على صاحبه قبول ذلك، و إن تبين كونها أكثر منه و ليس له المطالبة بالزائد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 57

(مسألة 171) إذا بقيت في الأرض أصول الزرع بعد جمع الحاصل و انقضاء المدة فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع و أصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق، و إن كان القرار على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام فهو لصاحب البذر، إلا إذا أعرض عنه فهو لمن سبق.

(مسألة 172) تجوز المزارعة على أرض بائرة يمكن زرعها بعد إصلاحها و تعميرها على أن يعمرها و يصلحها و يزرعها سنة أو سنتين مثلا لنفسه، ثم يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصة معينة في مدة مقدرة. و حينئذ تكون المزارعة من حين الاشتراك، و أما قبله فالعامل يزرع لنفسه ملزما بالشرط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 59

كتاب المساقاة

(مسألة 173) و هي المعاملة على سقي

أصول ثابتة مدة معينة بحصة من ثمرها كما عن بعض، فحقيقتها اعتبار إضافة بين المالك و العامل مستتبعة لتسلطه عليه لأن يعمل ما عليه بإزاء الحصة من الثمر، نظير الإجارة بل هي نوع منها. و غاية ما يغتفر فيها الجهالة الملازمة لها، و يصح أن يقال إن حقيقتها اعتبار إضافة بين الأصول الثابتة و العامل مستتبعة لتسلطه على سقيها و إصلاحها بإزاء الحصة من ثمرتها، و إضافة أخرى بين المالك و العامل مستتبعة لتسلط المالك على العامل، بأن يجبره على ما يأتي من الأعمال.

و هي عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب و قبول. و اللفظ الصريح في إيجابها أن يقول صاحب الأصول: ساقيتك أو عاملتك أو سلمت إليك و ما أشبه ذلك، و في القبول قبلت و نحو ذلك. و يكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور بأي لغة كانت، و يشكل كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي كالمزارعة، لكن تجري فيها المعاطاة كالمزارعة.

و يعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لسفه مطلقا أو فلس في المالك دون العامل أن تكون الأصول مملوكة عينا و منفعة أو منفعة فقط أو كون المساقي نافذ التصرف فيها لولاية أو وكالة أو تولية. و أن تكون معينة عندهما معلومة لديهما.

و أن تكون مغروسة ثابتة، فلا تصح في الفسيل قبل الغرس و لا على أصول غير ثابتة كالبطيخ و الخيار و الباذنجان و أشباهها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 60

و أن تكون المدة معلومة مقدرة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان كالاشهر و السنين، و الظاهر كفاية جعل المدة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عين مبدأ الشروع

في السقي، و كان المنتهى معلوما و لو بحسب العادة كما هو المفروض.

و أن تكون الحصة معينة مشاعة بينهما مقدرة بمثل النصف أو الثلث أو الربع و نحو ذلك، فلا يصح أن يجعل لأحدهما مقدار معينا و البقية للآخر، أو يجعل لأحدهما أشجار معلومة و للآخر أخرى. أما إذا أرادا اختصاص أحدهما بأشجار معينة فيتعين أن تكون هذه الأشجار خارجة عن المساقاة، و إلا فمشكل. و كذا يشكل أن يشترط لأحدهما مقدار معين مع الاشتراك في البقية، حتى لو علم كون الثمر أكثر من ذلك المقدار و أنه تبقى منه بقية.

(مسألة 174) لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر، كما لا إشكال في عدم الصحة بعد بلوغه و إدراكه بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ و الاقتطاف. و الأقوى صحتها بعد الظهور و قبل البلوغ، خصوصا إذا كان فيها بعض الأشجار التي لم يظهر ثمرها بعد.

(مسألة 175) لا يجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف و نحوه.

نعم لا يبعد جوازها على ما ينتفع منها بورقه أو ورده كالتوت الذكر و الحناء و شجر الورد و نحوهما.

(مسألة 176) يجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن صارت مثمرة بشرط أن تجعل المدة بمقدار تصير مثمرة فيها كخمس سنين أو ست أو أكثر.

(مسألة 177) إذا كانت الأشجار لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو امتصاصها من رطوبات الأرض فتجوز المساقاة عليها إذا كانت تحتاج إلى إعمال أخرى توجب زيادة الثمر كما و كيفا، و إلا فالأحوط وجوبا عدم صحة المساقاة عليها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 61

(مسألة 178) إذا اشتملت البستان على أنواع من الشجر و النخيل و علما مقدار كل واحد من الأنواع فيجوز

أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف من ثمرة النخل و الثلث من الكرم و الربع من الرمان مثلا.

(مسألة 179) من المعلوم أن البساتين و النخيل و الأشجار تحتاج في استثمارها إلى أعمال كثيرة، فمنها: ما يتكرر كل سنة كإصلاح الأرض و تنقية الأنهار و إصلاح مجرى الماء و إزالة الحشيش المضر و تشذيب الأشجار و التلقيح و اللقاط و التشميس و حفظ الثمرة إلى وقت القسمة، و غير ذلك. و منها: ما لا يتكرر غالبا كحفر الآبار و الأنهار و بناء الجدران و نصب آلات السقي و نحو ذلك. فإذا أطلق عقد المساقاة فالظاهر أن القسم الثاني على المالك، و أما القسم الأول، فما جرت العادة على كونه على المالك أو العامل كان هو المتبع و لا يحتاج إلى التعيين، و لعل ذلك يختلف باختلاف البلاد، و إذا لم يكن تعارف و عادة فلا بد من تعيين انه على المالك أو العامل.

(مسألة 180) المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار مشترط أو لتخلف بعض الشروط، و لا تبطل بموت أحدهما، بل يقوم ورثتهما مقامهما. نعم لو كانت مقيدة بمباشرة العامل بطلت بموته.

(مسألة 181) لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا للعمل بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال و تمامها و يكون عليه الأجرة، و كذا يجوز أن يتبرع عنه متبرع بالعمل و يستحق العامل الحصة المقررة. نعم لو لم يقصد التبرع عنه ففي كفايته إشكال، و أشكل منه إذا قصد التبرع عن المالك، و كذا الحال إذا لم يكن عليه إلا السقي و استغنى عنه بالمطر و لم يحتج إلى السقي

أصلا. نعم لو كان عليه أعمال أخرى غير السقي و استغنى عنه بالمطر و بقيت سائر الأعمال، فالظاهر استحقاق حصته بشرط أن يكون الباقي من العمل مما يستزاد به الثمر، و إلا فالصحة محل إشكال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 62

(مسألة 182) يجوز أن يشترط للعامل مع حصته من الثمر شيئا آخر من مال أو غيره. أما اشتراط حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا فمشكل، بل لا يبعد بطلانه، لأن الشرط المذكور على خلاف وضع المساقاة.

(مسألة 183) كل موضع يبطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك و للعامل أجرة مثل عمله إذا كان مغرورا من قبل المالك أو عمل بأمره أو وعده، سواء كان عالما بالفساد أو جاهلا، و إلا فلا وجه للاستحقاق عالما كان أو جاهلا.

(مسألة 184) يملك العامل حصته من الثمر حين ظهوره، فإذا مات بعد الظهور قبل القسمة و بطلت المساقاة لأنه اشترط فيها مباشرته للعمل، انتقلت حصته إلى ورثته. و تجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته النصاب و كان الموت بعد تعلق الزكاة.

(مسألة 185) الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل و الأشجار في الأراضي الخراجية على المالك، إلا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.

(مسألة 186) لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلا بإذن المالك، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة أخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ المساقاة الأولى، فلا يستحق العامل الأول شيئا.

(مسألة 187) المغارسة باطلة على الأحوط، و هي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط أن تكون حصة من الأرض أيضا للعامل أو لا، و سواء كانت الأصول من المالك أو من العامل. فإن كانت

من مالك الأرض فعليه أجرة عمل الغارس إذا كان مغرورا منه أو عمل بأمره كما مر نظيره، و إن كانت من الغارس فعليه أجرة الأرض للمالك، فإن تراضيا على الإبقاء بالأجرة أو بدونها فذاك، و إلا فلمالك الأرض الأمر بالقلع و عليه أرش نقصان الأصول إن نقصت بسبب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 63

القلع و كان الغارس مغرورا منه، كما أن للغارس قلع أصوله و عليه طم الحفر و نحو ذلك مما حصل بالغرس، و ليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء و لو بلا أجرة.

(مسألة 188) يمكن أن يتوصل إلى نتيجة المغارسة بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع، كأن يشتركا في الأصول أما بشرائها بالشركة، و لو بأن يوكل صاحب الأرض الغارس في أن كل ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما بالاشتراك ثم يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصة صاحب الأرض و سقيها و خدمتها في مدة معينة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدة أو بنصف عينها، أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الأصول مثلا إذا كانت من أحدهما، فإذا كانت من صاحب الأرض يجعل العوض الغرس و الخدمة إلى مدة معينة شارطا على نفسه بقاء حصة الغارس في أرضه مجانا إلى تلك المدة، و إذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدة معينة شارطا على نفسه غرس حصة صاحب الأرض و خدمتها إلى تلك المدة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 65

كتاب الدّين و القرض

اشارة

(مسألة 189) الدّين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر، بسبب من الأسباب. و يقال لمن اشتغلت ذمته به «المديون و المدين» و للآخر «الدائن و الغريم».

و سببه إما الاقتراض، أو أمور أخر اختيارية، كجعله مبيعا في السّلم أو

ثمنا في النسيئة أو أجرة في الإجارة أو صداقا في النكاح أو عوضا للطلاق في الخلع و غير ذلك، أو أمور قهرية كما في موارد الضمانات و نفقة الزوجة الدائمة و نحو ذلك.

(مسألة 190) الدّين إما حالّ، و هو ما كان للدائن المطالبة به و اقتضاؤه، و يجب على المديون أداؤه مع التمكن و اليسار في كل وقت.

و إما مؤجل، و هو ما ليس للدائن حق المطالبة به، و لا يجب على المديون أداؤه إلا بعد انقضاء المدة المضروبة و حلول الأجل. و تعيين الأجل تارة بجعل المتداينين كما في السّلم و النسيئة، و أخرى بجعل الشارع كالأقساط المقررة في الدية (النجوم).

(مسألة 191) إذا كان الدين حالا أو مؤجلا و قد حل الأجل فيجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن به، و يجب على الدائن تسلمه إذا أراد المديون أداءه و تفريغ ذمته.

و أما الدين المؤجل قبل حلول الأجل فلا إشكال في أنه ليس للدائن حق

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 66

المطالبة به إذا كان مثل المثمن في السلم و الثمن في النسيئة و الأجرة المؤجلة في الإجارة. أما في القرض المؤجل فللدائن المطالبة قبل حلول الأجل، من غير فرق بين شرط الأجل ضمن عقد القرض، أو ضمن عقد خارج لازم. نعم إذا شرط الدائن عدم المطالبة إلى أجل ضمن عقد لازم خارج يجب عليه العمل بما شرط، لكن إذا تخلف و طلب يجب على المديون أداؤه، و كذلك الحكم في كل دين حال اشترط تأجيله ضمن عقد لازم.

و إذا لم يجز له المطالبة قبل الأجل و تبرع المديون بأدائه فالأقوى أنه لا يجب على الدائن القبول، إلا إذا علم بالقرائن أن التأجيل

لمجرد الإرفاق بالمديون و ليس حقا للدائن فيجب عليه القبول إذا أداه قبل الأجل، و كذا في كل مورد يجوز للدائن المطالبة به قبل الأجل كالدين الحاصل من القرض.

(مسألة 192) قد عرفت أنه إذا أدى المديون الدين عند حلوله يجب على الدائن تسلمه، فإذا امتنع أجبره الحاكم إذا طلب منه المديون، و لو تعذر إجباره أحضر الدين عنده و مكنه منه بحيث صار تحت يده و سلطانه عرفا، و به تفرغ ذمته، و لو تلف بعد ذلك لا ضمان عليه و كان من مال الدائن.

و لو تعذر عليه ذلك له أن يسلمه إلى الحاكم و تفرغ ذمته. نعم الحكم بوجوب قبول الحاكم ذلك مشكل. و لو لم يوجد الحاكم فلا يكفي أن يعين الدين. في مال مخصوص و يعزله لتبرأ ذمته.

هذا إذا كان الدائن حاضرا و امتنع من تسلمه، و لو كان غائبا و لا يمكن إيصال المال إليه و أراد المديون تفريغ ذمته أوصله إلى الحاكم إذا وجد، و يشكل وجوب القبول عليه كما سبق، و لو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه.

(مسألة 193) يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا، و تبرأ به ذمته و إن كان بغير إذنه، بل و إن منعه. و يجب على من له الدين القبول كما لو أداه المديون بنفسه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 67

(مسألة 194) لا يتعين الدين فيما عينه المدين، و لا يصير ملكا للدائن ما لم يقبضه، إلا إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الامتناع في بعض الصور.

(مسألة 195) يحل الدين المؤجل إذا مات المديون قبل حلول الأجل.

أما لو مات الدائن فيبقى على حاله

و ينتظر ورثته انقضاء الأجل، فلو كان الصداق مؤجلا إلى مدة معينة و مات الزوج قبل حلوله استحقت الزوجة المطالبة به بعد موته، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدة.

و لا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلق زوجته يبقى صداقها المؤجل على حاله. كما أنه لا يلحق بموت المديون التحجير عليه بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالة و ديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب الديون الحالة، و لا يشاركهم أرباب المؤجلة.

(مسألة 196) مجمل الكلام في بيع الدين بالدين: أن الدين الذي يقع في البيع ثمنا و مثمنا لا يخلو من أن يكون حاصلا قبل البيع بسبب آخر أو حاصلا بنفس البيع، و كل منهما إما أن يكونا حين البيع مؤجلين أو حالين لم يؤجلا أصلا، أو أجّلا و لكن حل أجلهما أو مختلفين، فإن كان كل من الثمن و المثمن دينا مؤجلا بسبب آخر حين البيع فلا إشكال في عدم جوازه قبل حلول أجلهما بل بعد حلول الأجل أيضا على الأحوط (وجوبا)، و إن كان كل منهما دينا مؤجلا حاصلا بنفس البيع فلا إشكال أيضا في بطلانه، و هو المعبر عنه ببيع الكالي بالكالي.

و أما إن كان أحدهما دينا مؤجلا و الآخر دينا حالا غير مؤجل أصلا كالكلي في الذمة نقدا، فالظاهر صحة البيع إن حصل اشتغال ذمته بالبيع، و أما إن كان اشتغال ذمته به بسبب آخر، فالأحوط (وجوبا) تركه.

(مسألة 197) يجوز تعجيل الدين المؤجل بأقل منه مع التراضي، و هو ما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 68

يسمى تنزيل السندات، و لا يجوز تأجيل الحال و لا زيادة أجل المؤجل بزيادة. نعم لا بأس بالاحتيال بجعل الزيادة المطلوبة

في ثمن مبيع مثلا و يجعل التأجيل و التأخير إلى أجل معين شرطا على البائع، بأن يبيع الدائن من المدين ما يساوي عشرة دراهم بخمسة عشر درهما على أن لا يطالب المشتري عن الدين الذي عليه إلى وقت كذا، فيحرم عليه المطالبة لكن إذا طلب وجب على المديون أداؤه. و مثله ما إذا باع المديون من الدائن ما يكون قيمته خمسة عشر درهما بعشرة شارطا عليه تأخير الدين إلى وقت كذا.

(مسألة 198) لا يجوز قسمة الدين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعددة- كما إذا باعا عينا مشتركا بينهما من أشخاص، أو كان لمورثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمة بعضهم لأحدهما و ما في ذمة آخرين لآخر- لم يصح و بقي ما في الذمم على الاشتراك السابق، فكل ما استوفى منها يكون بينهما و كل ما توى و تلف يكون منهما.

(مسألة 199) يجب على المديون عند حلول الدين و مطالبة الدائن السعي في أدائه بكل وسيلة و لو ببيع سلعته و متاعه و عقاره، أو مطالبة غريم له، أو إجارة أملاكه، و غير ذلك، و الأحوط وجوب التكسب اللائق بحاله من حيث الشرف و القدرة، خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلف و فيمن شغله التكسب، بل وجوبه حينئذ قوي جدا.

نعم يستثني من ذلك بيع دار سكناه، و ثيابه المحتاج إليها و لو للتجمل، و سيارة ركوبه إذا كان من أهلها و احتاج إليها، بل و ضروريات بيته من فراشه و غطائه و أوانيه لأكله و شربه و طبخه و لو لأضيافه، مراعيا في ذلك كله مقدار الحاجة بحسب حاله و شرفه و أنه بحيث لو كلف ببيعها لوقع في

عسر و شدة و حزازة و منقصة، بل لا يبعد أن يعد من المستثنيات أيضا الكتب العلمية لأهلها بمقدار ما يحتاج إليه بحسب حاله و مرتبته. و الضابط في ذلك كل ما يحتاج إليه المديون في ضروريات معاشه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 69

(مسألة 200) إذا كانت دار سكناه أكثر من حاجته، سكن فيما يحتاجه منها و باع ما زاد منها، أو باعها و اشترى أقل منها ثمنا مما يليق بحاله.

و إذا كانت له دور متعددة و احتاج إليها لسكناه لم يبع شيئا منها، و كذا الحال في المركوب و الثياب.

(مسألة 201) لو كانت عنده دار موقوفة عليه. تكفي لسكناه و لم تكن سكناه فيها نقصا لشرفه، و كانت له دار مملوكة، فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يبيع المملوكة و يكتفي بالموقوفة.

(مسألة 202) لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيا، أما لو مات و لم يترك غير دار سكناه فتباع و تصرف في الدين.

(مسألة 203) معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه و لا يجب عليه ذلك، أما لو رضي هو بذلك و قضى به دينه جاز للدائن أخذه.

نعم ينبغي للدائن أن لا يرضى ببيع مسكنه و لا يكون سببا له و إن رضي هو به و أراده، ففي خبر عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن لي على رجل دينا و قد أراد أن يبيع داره فيقضي لي. فقال أبو عبد اللّه: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه.

(مسألة 204) لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات، و كانت لاتباع إلا بأقل من

قيمتها، يجب بيعها للدين عند حلوله و مطالبة صاحبه، و لا يجوز له التأخير و انتظار من يشتريها بالقيمة. نعم لو كان ما يشتري به أقل من قيمته بكثير جدا بحيث يصدق عليه أنه ضرري، أو يكون البيع بأقل من القيمة حرجيا عليه، فلا يبعد عدم وجوب بيعه.

(مسألة 205) كما لا يجب على المعسر الأداء و القضاء، يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة، بل يجب أن ينظره إلى اليسار، فعن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: و كما لا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 70

يحل لغريمك أن يمطلك و هو موسر، لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر.

و عن مولانا الصادق عليه السلام في وصية طويلة كتبها إلى أصحابه: إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإن أبانا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يقول: ليس للمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظله اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظل إلا ظله.

و عن مولانا الباقر عليه السلام قال: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل العرش، وجوههم من نور و رياشهم من نور جلوس على كراسي من نور إلى أن قال فينادي مناد: هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين و ينظرون المعسر حتى ييسر. و عنه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: من سرّه أن يقيه اللّه من نفحات جهنم فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه. و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.

(مسألة 206) مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة لرواية أعمش حيث عد حبس الحقوق من غير عسر من

الكبائر، و عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: من مطل على ذي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار. بل يجب عليه نية القضاء مع عدم القدرة، بأن يكون من قصده الأداء عند المقدرة.

القرض

(مسألة 207) و هو تمليك مال لآخر بالضمان، بأن يكون على عهدته أداؤه بمثله أو قيمته، و يقال للمملك «المقرض» و للمتملك «المقترض و المستقرض». أما إذا جعل على عهدته أداؤه بعينه ففيه إشكال.

(مسألة 208) يكره الاقتراض مع عدم الحاجة، و تخفّ كراهته مع الحاجة، و كلما خفّت الحاجة اشتدت الكراهة، و كلما اشتدت خفّت إلى أن تزول، بل ربما وجب إذا توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه و نحو ذلك، فعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم و الدين فإنه مذلة بالنهار و مهمة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 71

بالليل و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة. و عن مولانا الكاظم عليه السلام: من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله ما يقوت به عياله. و الأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه و لم يترقب حصوله عدم الاستدانة إلا عند الضرورة، و إن استدان فالأحوط إعلام المستدان منه بحاله.

(مسألة 209) إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة، سيما صاحب الحاجة، لما فيه من قضاء حاجته و كشف كربته، فقد قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربه يوم القيامة، و اللّه في عون العبد ما

كان العبد في حاجة أخيه. و عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه، و من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات، و إن رفق به في طلبه تعدى على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم اللّه عزّ و جل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين.

(مسألة 210) القرض عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب كقوله: أقرضتك، و ما يؤدي معناه، و قبول دال على الرضا بالإيجاب، و لا يعتبر في عقده العربية بل يقع بكل لغة، بل الظاهر جريان المعاطاة فيه، فيتحقق بإقباض العين و قبضها و تسلمها بهذا العنوان من دون احتياج إلى صيغة.

و يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات و العقود من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، أما عدم السفه و عدم الحجر فهما شرط في المقرض خاصة.

(مسألة 211) يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا، فلا يصح إقراض الدين و لا المنفعة و لا ما لا يصح تملكه كالخمر و الخنزير.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 72

و لا يعتبر كونه عينا شخصيا، فيصح إقراض الكلي بأن يوقع العقد على الكلي و إن كان إقباضه لا يكون إلا بدفع عين شخصية.

و يعتبر مع ذلك كونه مما يمكن ضبط أوصافه و خصوصياته التي تختلف باختلافها الرغبات، هذا في المثليات كالحبوب و الزيوت و نحوها، أما في القيميات كالأنعام و اللحوم و الجواهر و

نحوها، فلا يبعد كفاية العلم بقيمتها حين التسليم مع مشاهدتها و إن لم يمكن ضبط أوصافها بنحو يصح فيها السلم.

(مسألة 212) لا بد أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم كأحد هذين، و أن يكون قدره معينا بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن و بالعد فيما يعدّ، فلا يصح إقراض صبرة من طعام جزافا، نعم لو قدر بكيلة معينة و مل ء إناء معين غير الكيل المتعارف أو وزن بحجر معينة غير العيار المتعارف عند عامة الناس لم يبعد الاكتفاء به، لكن الأحوط (استحبابا) خلافه.

(مسألة 213) يشترط في صحة القرض القبض و الإقباض، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلا بعد القبض، و لا يتوقف على التصرف.

(مسألة 214) الأقوى أن القرض عقد لازم، فليس للمقرض فسخه و الرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة، و لا للمقترض أيضا، نعم للمقرض عدم إنظار المقترض و مطالبته بالأداء و القضاء و لو قبل قضاء و طره أو مضي زمان يمكن فيه ذلك. و للمقترض أيضا الأداء قبل قضاء وطره، و ليس للمقرض الامتناع.

(مسألة 215) لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضة و نحوها يثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض، و لو كان قيميا كالغنم و نحوها ثبت في ذمته قيمته. و الأقوى اعتبار قيمة وقت الاقتراض أي التسليم إلى المقترض لا وقت الأداء.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 73

(مسألة 216) لا يجوز شرط الزيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدي المقترض أكثر مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيا عليه. و هذا هو الربا القرضي المحرم الذي ذكرنا في كتاب البيع بعض ما ورد في الكتاب و

السنة من التشديد عليه.

و لا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي اثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤديها صحيحة. و كذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربويا بأن كان من المكيل و الموزون، و غيره بأن كان معدودا كالجوز و البيض.

(مسألة 217) إذا أقرضه شيئا و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من قيمته أو يؤاجره بأقل من أجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم لو باع المقترض من المقرض مالا بأقل من قيمته أو آجره دارا مثلا بأقل من أجرتها و شرط عليه أن يقرضه مبلغا معينا فلا بأس به و إن أفاد فائدة الأول، و به يحتال في الفرار من الحرام إلى الحلال.

(مسألة 218) إنما تحرم الزيادة مع الشرط، و أما بدونه فلا بأس به، بل يستحب ذلك للمقترض، حيث أنه من حسن القضاء و خير الناس أحسنهم قضاء، بل يجوز ذلك إعطاء و أخذا لو كان إعطاء الزيادة من أجل أن يثبت للمقرض أنه حسن القضاء فيقرضه إذا احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأن المقترض حسن القضاء و الجزاء، بحيث لو لا ذلك لما أقرضه، نعم يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحب أنه إذا أعطاه المقترض شيئا بعنوان الهدية و نحوها أن يحسبه من قرضه عليه.

(مسألة 219) إنما يحرم شرط الزيادة لمصلحة المقرض على المقرض، و لا بأس به لمصلحة المقترض، كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن

يؤديها مكسورة، فما تداول بين

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 74

التجار من أخذ الزيادة و إعطائها في الحوائل و أخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقل منه لا بأس به، كما إذا أعطاه مائة درهم على أن يعطيه الحوالة بتسعين درهما في بلد آخر مثلا، فتكون التسعون درهما في ذمة التاجر و هو المقترض و الزيادة له.

أما إن كان بإعطاء الأقل و أخذ الحوالة بالأكثر فيكون من الربا، كما إذا استقرض تسعين درهما على أن يعطيه الحوالة بمائة درهم في بلد آخر مثلا، فلا بد لأجل التخلص من الربا من إعمال بعض الحيل الشرعية و لو بأن يجعل عشرة دراهم أجرة عمله و هو إيصال الحوالة، فيأخذ المقرض العين وفاء لقرضه و العشرة أجرة لعمله.

(مسألة 220) المال المقترض إن كان مثليا كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير كان وفاؤه و أداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ارتفع أو نزل، و هذا هو الوفاء الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به و ليس له الامتناع و لو ارتفع سعره عما أخذه بكثير، كما أنه ليس للمقرض الامتناع لو أعطاه المقترض و لو نزل بكثير. نعم لو نزلت قيمته كثيرا حتى صار كالتالف عرفا فالأحوط (وجوبا) على المقرض و المقترض التصالح. أما أداء القرض المثلي بقيمته أو بغير جنسه فيتوقف على تراضيهما. و إن كان القرض قيميا فقد مر أنه تشتغل ذمة المقترض بالقيمة، و إنما تكون بالنقود الرائجة، فأداؤه بإعطائها لا يتوقف على التراضي، و يمكن أن يؤدي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي.

و لو كانت

العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك، فالأقوى جواز الامتناع، و إن كان الأحوط عدمه.

(مسألة 221) يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤديه من غير جنسه، و يلزمه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة أو كان

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 75

ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترض. هذا إذا لم يصدق عليه أنه قرض يجر نفعا و لو كان النفع غير مالي، و إلا فمشكل لا يترك الاحتياط فيه (وجوبا).

(مسألة 222) الأقوى أنه لو شرط التأجيل في القرض (في غير البيع و الشراء و نحوهما من المعاملات) لم يلزم العمل به.

(مسألة 223) إذا شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد معين صح و لزم، و إن كان في حمله إليه مؤنة عليه، فإن طالبه في غير ذلك البلد لم يلزم عليه الأداء، كما أنه لو أداه في غيره لم يلزم على المقرض القبول.

(مسألة 224) يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل، بل يجوز كل شرط لا يكون فيه نفع للمقرض و إن كان مصلحة له.

(مسألة 225) العملات المتعارفة في زماننا المسماة بالإسكناس أو النوط لها مالية بنفسها بسبب اعتبار الدول و الناس لها، و ليست قيمتها بما تمثله من قيمة ذهبية أو فضية، لذلك يقع التعامل عليها بنفسها من دون نظر إلى الدراهم و الدنانير. فلو سقطت عن الاعتبار فالأقوى لزوم أداء ما كان لها من مالية قبل سقوطها لأن ذلك كتلف المثلي في المثليات. و لو نزلت قيمتها نزولا فاحشا بحيث يحسب كالتلف فالأحوط (وجوبا) التصالح. و يجري ذلك في المهور الواقعة عليها و غيرها من

المعاملات.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 77

كتاب الرهن

(مسألة 226) و هو اعتبار اضافة بين العين المرهونة و المرتهن مستتبعة لتسلط المرتهن على استيفاء دينه منها على فرض امتناع الدائن عن الأداء.

و يقال للعين «الرهن و المرهون» و لدافعها «الراهن» و لآخذها «المرتهن».

و يحتاج إلى العقد المشتمل على الإيجاب و القبول، و الإيجاب من الراهن، و هو كل لفظ أفاد المعنى المقصود في متفاهم أهل المحاورة كقوله: رهنتك أو أرهنتك أو هذا وثيقة عندك على مالك و نحو ذلك. و القبول من المرتهن، و هو كل لفظ دال على الرضا بالإيجاب. و لا يعتبر فيه العربية، بل الظاهر عدم اعتبار الصيغة فيه أصلا فيقع بالمعاطاة.

(مسألة 227) يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في الراهن عدم الحجر بالسفه و الفلس، و يجوز لولي الطفل و المجنون رهن مالهما و الرهن لهما مع المصلحة و الغبطة.

(مسألة 228) يشترط في صحة الرهن قبض المرتهن بإقباض الراهن أو بإذن منه، و لو كان في يده شي ء وديعة أو عارية بل و لو غصبا فأوقعا عقد الرهن عليه كفى و لا يحتاج إلى قبض جديد، و لو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلا برضا شريكه، و لكن لو سلمه إليه فالظاهر كفايته في تحقق القبض الذي هو شرط لصحة الرهن و إن تحقق العدوان بالنسبة إلى حصة شريكه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 78

(مسألة 229) إنما يعتبر القبض في الابتداء و لا يعتبر استدامته، فلو قبضه المرتهن ثم صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضر و لم يطرأ عليه البطلان. نعم الظاهر أن للمرتهن استحقاق إدامة القبض

و كونه تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه إلا إذا شرط في العقد كونه بيد الراهن أو يد ثالث بعد القبض، مثل أن يشترط على المرتهن أن يعيد العين المرهونة بعد القبض إلى نفس الراهن أو إلى الثالث، و أما قبل القبض فاشتراط كونها بيد الراهن أو بيد ثالث غير جائز.

(مسألة 230) يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكة يمكن قبضها و يصح بيعها، فلا يصح رهن الدين قبل قبضه و لا رهن الكلي في ذمة الراهن ثم إقباض مصداقه، و لا المنفعة، و لا الرهن الإنسان الحر، و لا الخمر و الخنزير، و لا مال الغير إلا بإذنه أو إجازته، و لا الأرض الخراجية كالمفتوحة عنوة و التي صولح أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين و ضرب عليهم الخراج، و لا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده و لا الوقف و لو كان خاصا.

(مسألة 231) لو رهن ما يملك مع ملك غيره في عقد واحد، صح في ملكه، و توقف في ملك غيره على إجازة مالكه.

(مسألة 232) لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحة رهن ما فيها مستقلا، و كذا مع أرضها بعنوان التبعية بناء على أنها تملك تبعا، لكن لا يصح رهن أرضها مستقلا.

(مسألة 233) لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين شخص آخر تبرعا و لو من غير إذنه، بل و لو مع نهيه، و كذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه، لكن لو رهنه و قبضه المرتهن كان لمالكه مطالبة الراهن بالفك عند انقضاء الأجل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 79

المأذون فيه، و مطلقا في غير المؤجل. و يبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكا لمن عليه الدين، و لو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر، و بقيمته تامة لو بيع بأقل من قيمته. و لو عين له أن يرهنه على حق مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معين لم يجز له مخالفته، و لو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع و تخير.

(مسألة 234) لو كان الرهن على دين مؤجل و كان مما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه قبل أن يطرأ عليه الفساد صح الرهن، و يبيعه الراهن أو يوكل المرتهن في بيعه و إن امتنع أجبره الحاكم، فإن تعذر باعه الحاكم، و مع فقد الحاكم يبيعه المرتهن، فإذا بيع يجعل ثمنه رهنا.

و كذلك الحال لو أطلق و لم يشترط البيع و لا عدمه، و أما لو شرط عدم البيع إلا بعد الأجل فيبطل الرهن. و لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فعرض ما صيره عرضة للفساد كالحنطة تبتلّ، لم ينفسخ الرهن بل يباع و يجعل الثمن رهنا.

(مسألة 235) يعتبر في المرهون أن يكون معينا، فلا يصح رهن المبهم كأحد هذين. و في صحة رهن الكلي في المعين كصاع من الصبرة و شاة من القطيع إشكال. و الظاهر عدم صحة رهن المجهول من جميع الوجوه حتى من حيث القيمة و المالية، كما إذا رهن ما في الصندوق المقفل. و إذا رهن الصندوق بما فيه صح بالنسبة إلى الظرف دون المظروف.

و أما معلوم الجنس و النوع، مجهول المقدار كصبرة من حنطة مشاهدة، فالظاهر صحة رهنه إذا كانت قيمته معلومة.

(مسألة

236) يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة لتحقق موجبه من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استيجار عين بالذمة و غير ذلك، حالّا كان الدين أو مؤجلا، فلا يصح الرهن على ما سيقترضه أو على ثمن ما سيشتريه فيما بعد، و لو فعل لم يصر بذلك رهنا، و لا على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 80

الدية قبل استقرارها بتحقق الموت و إن علم أن الجناية تؤدي إليه، و لا على مال الجعالة قبل تمام العمل.

(مسألة 237) يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة التي في ذمة المستأجر، و كذا يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمة المؤجر.

(مسألة 238) الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة و العارية المضمونة و المقبوض بالسوم و نحوها.

أما الرهن على عهدة الثمن أو المبيع أو أجرته أو عوض الصلح فالأقوى عدم صحته قبل انكشاف أنها مستحقة للغير للشك في كونها من الأعيان المضمونة. و أما بعد الانكشاف فلا إشكال في جواز أخذ الرهن في مقابل المضمون، ثمنا أو مثمنا، دينا أو عينا أو مختلفين.

(مسألة 239) إذا اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن.

(مسألة 240) إذا رهن على دينه رهنا ثم استدان مالا آخر من المرتهن جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا و كان رهنا عليهما معا، سواء كان الثاني مساويا للأول في الجنس و القدر أو مخالفا، و كذا له أن يجعله على دين ثالث و رابع إلى ما شاء، و كذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن شيئا آخر على ذلك الدين، و كانا جميعا رهنا عليه.

(مسألة 241) لو

رهن شيئا عند زيد ثم رهنه عند آخر أيضا باتفاق من المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول و أن يكون رهنا على خصوص الدين الثاني.

(مسألة 242) لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا ثم رهنا عنده مالا مشتركا بينهما و لو بعقد واحد ثم قضى أحدهما دينه، انفكت حصته من

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 81

الرهانة و صارت طلقا و لو كان الراهن واحدا و المرتهن متعددا بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد فلكل منهما رهن النصف مع تساوي الدين، و مع التفاوت فالظاهر التقسيط و التوزيع بنسبة حقهما، فإن قضي دين أحدهما انفك من الرهانة ما يقابل حقه.

هذا كله في التعدد ابتداء، و أما التعدد الطارئ فالظاهر أنه لا عبرة به، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين، كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأخذ أحدهما نصيبه من الدين لم ينفك بمقداره من الرهن.

(مسألة 243) لا يدخل حمل الحيوان في رهنه و لا الثمر في رهن النخل و الشجر و كذا ما يتجدد إلا إذا اشترط دخولها أو كانت قرينة على دخول شي ء منها و لو كانت هي العرف. نعم الظاهر دخول الصوف و الشعر و الوبر في رهن الحيوان، و كذا الأوراق و الأغصان حتى اليابسة في رهن الشجر، و أما اللبن في الضرع و مغرس الشجر و أساس الجدار و أمثالها فدخولها في الرهن و عدمه محول إلى القرائن الحالية و المتعارفة عند الناس.

(مسألة 244) الرهن لازم من جهة الراهن جائز من طرف المرتهن، فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلا أن يسقط

حقه من الارتهان أو ينفك الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين بالأداء أو الإبراء أو غير ذلك.

و لو برأت ذمته من بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي، إلا إذا اشترطا التوزيع فينفك منه على مقدار ما برأ منه و يبقى رهنا على مقدار ما بقي. كما أنهما إذا اشترطا كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفك الجميع بالبراءة عن بعض الدين.

(مسألة 245) لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن، سواء كان تصرفا ناقلا للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة، أو مجرد انتفاع به

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 82

و لا يضر به كالاستخدام و الركوب و السكنى و نحوها، فإن تصرف بغير الناقل أثم و لم يترتب عليه شي ء، لكن لو أتلفه ألزم قيمته و تكون رهنا.

و إن كان التصرف بالبيع أو الإجارة و غيرهما من النواقل توقف على إجازة المرتهن، ففي مثل الإجارة تصح بالإجازة و تبقى الرهانة على حالها، بخلاف البيع فإنه يصح بها و تبطل الرهانة، كما أنها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن.

(مسألة 246) لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن، فلو تصرف فيه بركوب أو سكنى و نحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدي، و لزمه أجرة المثل لما استوفاه من المنفعة، و لو تصرف فيه ببيع و نحوه أو بإجارة، وقع فضوليا و احتاج إلى إجازة الراهن. فإن باعه للراهن بشرط كون الثمن رهنا و أجاز الراهن، صح و كان الثمن رهنا. أما إذا باعه لنفسه أو للراهن و لم يشترط كون ثمنه رهنا فيبطل الرهن بعد الإجازة، و لا يصير الثمن رهنا إلا بعقد جديد. أما

إذا آجره و أجاز الراهن فالأجرة المسماة للراهن، و تبقى العين رهنا.

(مسألة 247) منافع الرهن كالسكنى، و كذا نماءاته المنفصلة كالنتاج و الثمر و الصوف و الشعر و الوبر، و المتصلة كالسمن و الزيادة في الطول و العرض، كلها للراهن، سواء كانت موجودة عند الرهن أو وجدت بعده، و لا يتبعه في الرهانة إلا نماءاته المتصلة.

(مسألة 248) لو رهن الأصل و الثمرة أو الثمرة منفردة صح، فلو كان الدين مؤجلا و أدركت الثمرة قبل حلول الأجل، فإن كان يمكن إبقاؤها بالتجفيف مثلا جففت، و إلا فإن أذن الراهن ببيعها بشرط كون الثمن رهنا صح بيعها و كان الثمن رهنا، و إلا فكون الثمن رهنا يحتاج إلى عقد جديد كما مر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 83

(مسألة 249) إذا كان الدين حالا أو حل و أراد المرتهن استيفاء حقه، فإن كان وكيلا عن الراهن في بيع الرهن و استيفاء دينه منه، فله ذلك بدون مراجعة. و إن لم يكن وكيلا عنه في ذلك فليس له أن يبيعه بل يراجعه و يطالبه بالوفاء و لو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع، فإن لم يمكن للحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير و لو كان هو المرتهن نفسه.

و مع فقد الحاكم أو عدم قدرته على الإلزام بالبيع و على البيع عليه لعدم بسط اليد باعه المرتهن بإذن الحاكم إن أمكن و مع عدمه يبيع بنفسه و يستوفي حقه إذا ساواه، أو بعضه إذا كان أقل من ثمنه، و إن كان أكثر كان الزائد عنده أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه.

(مسألة 250) إذا لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة

لإثبات دينه و خاف لو اعترف عند الحاكم بالرهن أن يجحد الراهن الدين فيؤخذ منه الرهن بموجب اعترافه و يطالب بالبينة على حقه، فيجوز له بيع الرهن بأن يستأذن من الحاكم من دون ذكر اسم الراهن لئلا يؤاخذ بإقراره، و إن لم يمكن الاستئذان يبيعه بنفسه، و كذا إذا مات الراهن و خاف المرتهن جحود الوارث.

(مسألة 251) لو كان بعض الرهن يفي بالدين اقتصر على بيعه على الأحوط إن لم يكن أقوى، و يبقي الباقي أمانة عنده، إلا إذا لم يمكن التبعيض و لو من جهة عدم وجود الراغب فيه، أو كان فيه ضرر على المالك، فيباع الكل.

(مسألة 252) إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه و دابة ركوبه جاز للمرتهن بيعه و استيفاء طلبه منه كسائر الرهون، و لكن لا ينبغي للمسلم أن يخرج المسلم من ظل رأسه.

(مسألة 253) إذا كان الراهن مفلسا أو مات و عليه ديون للناس، كان المرتهن أحق من باقي الغرماء باستيفاء حقه من الرهن، فإن بقي شي ء يوزع

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 84

على الباقين بالحصص، و إن نقص عن حقه استوفى بعض حقه من الرهن و يشترك فيما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن إن كانت.

(مسألة 254) الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب من دون تعد و تفريط. نعم لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية مضمونة مثلا ثم ارتهن عنده لم يزل الضمان إلا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده فيرتفع الضمان على الأقوى.

و إذا انفك الدين بسبب الأداء أو الإبراء أو غير ذلك يبقى الرهن أمانة مالكيّة في يد المرتهن لا يجب تسليمه إلى

المالك إلا مع المطالبة كسائر الأمانات.

(مسألة 255) لا تبطل الرهانة بموت الراهن و لا بموت المرتهن، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورثهم و ينتقل إلى ورثة المرتهن حق الرهانة، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك، فإن اتفقوا على أمين فهو، و إلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، و إن فقد الحاكم فعدول المؤمنين.

(مسألة 256) إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية بالرهن و تعيين المرهون و الراهن و الإشهاد كسائر الودائع، و لو لم يفعل كان مفرطا و عليه ضمانه.

(مسألة 257) لو كان عنده رهن قبل موته ثم مات و لم يعلم بوجوده في تركته لا تفصيلا و لا إجمالا و لم يعلم كونه تالفا بتفريط منه، لم يحكم أنه في ذمته و لا بكونه موجودا في تركته، بل يحكم بكونها لورثته.

و لو علم أنه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته و لم يعلم أنه الآن باق فيها أم لا، كما إذا كان سابقا في صندوقه مع أمواله التي كانت فيه و بقيت إلى زمان موته و لم يعلم أنه قد أخرجه و أوصله إلى مالكه أو باعه

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 85

و استوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا، فلا يصح أن يحكم ببقائه فيها، لأن الاستصحاب إبقاء ما كان ثابتا، و كون بعض التركة الموجودة للراهن سابقا غير متيقن، و قد ذكرنا ذلك في المضاربة أيضا.

(مسألة 258) لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن و دينارا آخر منه بلا رهن ثم دفع إليه دينارا بنية الأداء و الوفاء، فإن نوى كونه عن المرتهن عليه سقط و انفك رهنه، و إن

نوى كونه عن الآخر لم ينفك الرهن و بقي دينه، و إن لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره، لم ينفك الرهن أيضا، و يشكل توزيعه على الدينين بحيث إذا أكمل الراهن أداء دين المرتهن عليه انفك رهنه، لأن مقتضى الاستصحاب بقاء الرهن حتى يعلم فكه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 87

كتاب الحجر

اشارة

(مسألة 259) الحجر لغة بمعنى المنع، و هنا بمعنى كون الشخص ممنوعا شرعا من التصرف في ماله بسبب من الأسباب، و هي كثيرة و ما هو العمدة منها: الصغر، و الجنون، و السفه، و الفلس، و مرض الموت.

(مسألة 260) الصغير، و هو الذي لم يصل إلى حدّ البلوغ، محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في أمواله ببيع و صلح و هبة و إقراض و إجارة و إيداع و إعارة و غيرها، و إن كان في كمال التمييز و الرشد، و كان التصرف في غاية الغبطة و الصلاح، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي سابقا و لا إجازته لاحقا عند المشهور. نعم يأتي حكم وصيته إذا بلغ عشرا إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة 261) كما أن الصبي محجور عليه في ماله محجور عليه في ذمته أيضا، فلا يصح أن يقترض أو يبيع أو يشتري في الذمة بالسلم و النسيئة و إن كان وقت الأداء زمان البلوغ أو بعده.

و كذلك محجور عليه في نفسه أيضا، فلا ينفذ منه التزوج و الطلاق و لا إجارة نفسه و لا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة و غير ذلك. نعم يجوز حيازته المباحات بالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما و يملكها بالنية، بل و كذا يملك الجعل

بعمله إذا تحرك بجعل الجاعل كما مر في الجعالة، و إن لم يأذن له الولي فيهما.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 88

(مسألة 262) يعرف البلوغ في الذكر و الأنثى بأحد أمور ثلاثة:

الأول: نبات الشعر الخشن على العانة، و لا اعتبار بالزغب و الشعر الضعيف.

الثاني: خروج المني، سواء خرج يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو غيرهما.

الثالث: السن، و هو في الذكر خمس عشرة سنة هلالية و في الأنثى تسع سنين كذلك.

(مسألة 263) لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد معه من الرشد و عدم السفه بالمعنى الذي سنبينه.

(مسألة 264) ولاية التصرف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شؤونه لأبيه وجده لأبيه، و مع فقدهما للقيم و هو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظرا في أمره، و مع فقد الوصي فالولاية للحاكم الشرعي.

و أما الأم و الأخ و الجد للأم فضلا عن الأعمام و الأخوال فلا ولاية لهم عليه بحال. نعم الظاهر ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم، و للموثقين منهم مع فقدهم.

(مسألة 265) الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب و الجد، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر منهما الخيانة و لو بقرائن الأحوال دون مجرد الضرر منهما على المولى عليه و لو عن اشتباه، عزلهما الحاكم و منعهما من التصرف في أمواله، و لا يجب عليه الفحص عن عملهما و تتبع سلوكهما.

(مسألة 266) الأب و الجد مشتركان في الولاية فينفذ تصرف السابق منهما و يلغى تصرف اللاحق. و لو اقترنا فالأقوى تقديم تصرف الجد على الأب.

(مسألة 267) الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب و البعيد، فلو كان له أب و جد و أب الجد

و جد الجد، اشتركوا كلهم في الولاية.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 89

(مسألة 268) يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة و اقتضاء المصلحة، فإن كان البائع هو الأب أو الجد جاز للحاكم تسجيله و إن لم يثبت عنده أنه مصلحة، و كذا إذا كان البائع غيرهما على الأقوى كالوصي حملا لفعل المؤمن على الصحة.

(مسألة 269) يجوز للولي المضاربة بمال الطفل و إبضاعه بشرط وثاقة العامل و أمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.

(مسألة 270) يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة أو إلى من يعلمه القراءة و الخط و الحساب و العلوم العربية و غيرها من العلوم النافعة لدينه و دنياه، و عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما يضر بعقائده.

(مسألة 271) يجوز لولي اليتيم إفراده بالمأكول و الملبوس من ماله و أن يخلطه بعائلته و يحسبه كأحدهم فيوزع المصارف على عددهم بالنسبة في المأكل و المشرب و المسكن، و أما الكسوة فيحسب على كل شخص كسوته.

و كذا الحال في اليتامى المتعددين، فيجوز لمن يتولى نفقتهم أن يخلطهم في المأكول و المشروب و يوزع المصارف عليهم بالعدد، أما الكسوة فيشترى لكل واحد حاجته منفردا.

(مسألة 272) إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة، و لكن لا يحل على المتصالح باقي المال، و ليس للولي إسقاطه بحال.

(مسألة 273) المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. إلا أنه إذا تجدد جنونه بعد بلوغه و رشده فالأقوى أن الولاية عليه للحاكم، و إن كان الأحوط أن يتراضى الحاكم مع سائر الأولياء.

(مسألة 274) ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف و لا بالتقتير ملاحظا عادته و نظراءه و ما يليق بشأنه.

هداية العباد

(للگلبايگاني)، ج 2، ص: 90

(مسألة 275) لو ادعى الولي الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه بالمقدار اللائق و أنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته، فالقول قول الولي مع اليمين إلا أن يكون للصبي بينة.

(مسألة 276) السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله و الاعتناء بحاله، فهو يصرفه و يتلفه في غير محله، و لا تكون معاملاته مبنية على التحفظ من الوقوع في الغبن، و لا يبالي بالانخداع فيها. و يعرفه أهل العرف و العقلاء بوجدانهم عند ما يرونه خارجا عن طورهم و مسلكهم في صرف أمواله و تحصيلها. و هو محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في ماله ببيع أو صلح أو إجارة أو إيداع أو عارية و غيرها.

و لا يتوقف حجره على حكم الحاكم على الأقوى. فيحكم بكونه محجورا عليه في أمواله مع العلم بسفاهته، و كذا لا يتوقف زوال الحجر عنه على حكمه إذا علم زوال سفاهته. و مع الشك في الحدوث أو الزوال يحكم ببقاء الحالة السابقة في الشبهة الموضوعية، و يرجع إلى المجتهد في الشبهة الحكمية لو فرض تحققها.

و لا فرق بين أن يكون سفهه متصلا بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ، فلو كان سفيها ثم حصل له الرشد ارتفع حجره، فإن عاد إلى حالته السابقة حجر عليه، و لو زالت فك حجره، و لو عاد عاد الحجر عليه، و هكذا.

(مسألة 277) الولاية على السفيه للأب و الجد و وصيهما إذا بلغ سفيها.

و من طرأ عليه السفه بعد البلوغ فالولاية عليه للحاكم الشرعي.

(مسألة 278) السفيه محجور عليه في ذمته أيضا، كأن يتعهد مالا أو عملا، فلا يصح اقتراضه و ضمانه و لا بيعه و شراؤه

بالذمة و لا إجارة نفسه و لا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة، و غير ذلك.

(مسألة 279) معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو كانت بإذن الولي أو إجازته صحت و نفذت. نعم في مثل العتق و الوقف مما لا يجري فيه الفضولية يشكل صحته بالإجازة اللاحقة من الولي.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 91

و لو أوقع معاملة في حال سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها هو، كانت كإجازة الولي.

(مسألة 280) لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته، لكن يصح طلاقه و ظهاره و خلعه، و يقبل إقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر بالنسب. لكن لا تترك مراعاة الاحتياط في لوازمه المالية كالنفقات.

و كذا يقبل إقراره بما يوجب القصاص و نحو ذلك، و لو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال.

(مسألة 281) لو وكل أجنبي سفيها في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز ذلك و لو كان وكيلا في أصل المعاملة لا في مجرد إجراء الصيغة.

(مسألة 282) إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه مما لا يتعلق بماله انعقد حلفه و نذره، و لو حنث كفّر كسائر ما أوجب الكفارة كقتل الخطأ و الإفطار في شهر رمضان، و الأحوط أنه يتعين عليه الصوم لو تمكن منه و لا يتخير بينه و بين الكفارة المالية، بل لا يخلو من قوة. نعم لو لم يتمكن من الصوم تعين غيره، كما لو فعل ما يوجب الكفارة المالية على التعيين كما في كفارات الإحرام كلها أو جلها.

(مسألة 283) إذا كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه، بخلاف الدية و أرش الجناية.

(مسألة 284) إذا اطلع الولي على

بيع أو شراء مثلا من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته، فإن لم يقع إلا مجرد العقد ألغاه، و إن وقع تسليم و تسلم للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده و يحفظه و ما تسلمه و كان موجودا يرده إلى مالكه. و مع عدم بقائه يضمنه السفيه مطلقا على ما اخترناه من تعميم الضمان في المأخوذ بالعقد الفاسد و أنه لا فرق بين السفيه و غيره، و كذا لا فرق بين التلف و الإتلاف و بين جهل المالك بالحال و علمه. و كذا الحال لو اقترض السفيه و أتلف المال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 92

(مسألة 285) إذا أودع إنسان وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى، سواء علم المودع بحاله أو جهل بها. نعم لو تلفت عنده لم يضمنها إلا مع تفريطه في حفظها كغيره.

(مسألة 286) لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده، و إذا اشتبه حاله يختبر، بأن يفوض إليه مدة معتدا بها بعض الأمور مما يناسب شأنه كالبيع و الشراء و الإجارة و الاستيجار، أو الرتق و الفتق في بعض الأمور مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه أو مصالح الولي و نحو ذلك مما يناسبه، و يفوض إلى السفيهة ما يناسب النساء من إدارة بعض مصالح البيت و المعاملة مع النساء بالإجارة و الاستيجار للخياطة و النساجة و أمثال ذلك، فإن أنس منه الرشد، بأن ظهر منه المداقة و التحفظ عن الغبن في معاملاته، و صيانة ماله من التضييع، و صرفه في موضعه، و التصرف فيه كالعقلاء، دفع إليه ماله، و إلا فلا.

(مسألة 287) إذا احتمل حصول الرشد للصبي قبل البلوغ يجب اختباره قبله، فإن آنس منه رشدا سلم

اليه ماله بمجرد بلوغه. و إلا فيختبر عند ما يحتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده.

و أما غير الصبي فإن ادعى حصول الرشد له و احتمله الولي وجب اختباره، و إن لم يدّع حصوله فلا يترك الاحتياط بالاختبار مع الاحتمال.

(مسألة 288) المفلس: هو من حجر عليه التصرف في ماله لقصوره عن ديونه.

(مسألة 289) من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرف فيها بأنواعه، و ينفذ أمره فيها و لو بإخراجها جميعا عن ملكه مجانا أو بعوض، ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي.

نعم لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون فيشكل الصحة، خصوصا إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب و نحوه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 93

(مسألة 290) لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة: الأول: أن تكون ديونه ثابتة شرعا. الثاني: أن تكون أمواله من عروض و نقود و منافع و ديون على النّاس ما عدا مستثنيات الدين قاصرة عن ديونه. الثالث: أن تكون الديون حالّة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة و إن لم يف ماله بها لو حلت، و لو كان بعضها حالا و بعضها مؤجلا فإن قصر ماله عن الحالة يحجر عليه، و إلا فلا. الرابع: أن يرجع الغرماء كلهم أو بعضهم إلى الحاكم و يطلبوا منه الحجر عليه بشرط أن يكون دين ذلك البعض أكثر من ماله و إن عم الحجر حينئذ له و لغيره. أما مع عدم طلب أحد منهم فلا يحجر عليه إلا أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليه من يتيم أو مجنون أو نحوهما.

(مسألة 291) إذا تمت الشرائط الأربعة و حجر عليه الحاكم و حكم

بذلك، تعلق حق الغرماء بأمواله، و لا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع و الإجارة، و بغير عوض كالوقف و الهبة إلا بإذنهم أو إجازتهم.

و إنما يمنع المفلس من التصرفات الابتدائية، فلو اشترى شيئا سابقا بخيار ثم حجر عليه فالخيار باق و له فسخ البيع و إجازته. نعم لو كان له حق مالي سابقا على الغير فليس له إسقاطه و إبراؤه كلا أو بعضا.

(مسألة 292) إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه، أما الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره كالاحتطاب و الاصطياد و قبول الوصية و الهبة و نحو ذلك، فالأقوى عدم شمول الحجر لها. نعم لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها.

(مسألة 293) لو أقر بعد الحجر بدين سابق صح و شارك المقر له الغرماء، و كذا لو أقر بدين لاحق و أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الإتلاف و الجناية و نحوهما، و أما لو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك كالاقتراض و الشراء بما في الذمة و نحو ذلك، فينفذ الإقرار في حقه لكن لا يشارك المقر له الغرماء.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 94

(مسألة 294) لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص نفذ إقراره في حقه، و الأقوى عدم نفوذه في حق الغرماء فلا تدفع إلى المقر له. و لو سقط حق الغرماء و انفك الحجر لزمه تسليمها إلى المقر له أخذا بإقراره.

(مسألة 295) إذا حكم الحاكم بحجر المفلس و منعه عن التصرف في أمواله يشرع في بيعها و قسمتها بين الغرماء بالحصص على نسبة ديونهم، مستثنيا منها مستثنيات الدين التي مرّت في كتاب الدين، و كذا أمواله المرهونة

فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من الرهن الذي عنده و لا يحاصه فيه سائر الغرماء، و يوزع الفاضل من دينه بين الغرماء كما مر.

(مسألة 296) إن كان في مال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته، فالبائع بالخيار بين أن يفسخ البيع و يأخذ عين ماله أو يشترك مع الغرماء بالثمن و لو لم يكن له مال سواها.

(مسألة 297) الظاهر أن الخيار المذكور لصاحب العين ليس فوريا فلا يجب عليه أن يبادر بالرجوع في العين. نعم ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث يعطل أمر التقسيم على الغرماء، فإن أخر كذلك خيره الحاكم بين الأمرين، فإن امتنع عن اختيار أحدهما أشركه مع الغرماء في الثمن.

(مسألة 298) يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين، فلا رجوع في المؤجل غير الحال قبل قسمة الكل أو البعض، و الأقرب في الحال عندئذ الرجوع، كما أن الأقرب مشاركة الدين المؤجل الحال قبل القسمة لسائر الديون.

(مسألة 299) إذا كانت العين من مستثنيات الدين فليس للبائع أن يرجع فيها على الأظهر.

(مسألة 300) المقرض كالبائع في أن له الرجوع بالعين المقترضة لو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 95

وجدها عند المقترض، بل و كذا المؤجر فله فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة.

(مسألة 301) إذا وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصته من الدين و المشاركة بالباقي مع الغرماء، كما أن لهما المشاركة بتمام دينهما معهم. و كذا إذا استوفى المستأجر بعض المنفعة كان للمؤجر فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بقي من المدة و مشاركة الغرماء بأجرة المنفعة المستوفاة، كما أن له مشاركتهم بتمام الأجرة.

(مسألة 302) إذا زادت العين المبيعة

أو المقترضة زيادة متصلة كالسمن، فلو كانت يسيرة بحيث يصدق عليها أنها عين ماله تتبع الأصل، و أما إذا كانت الزيادة خطيرة بحيث يصدق عليها أنها ماله مع زيادة، فالأحوط التصالح في الزيادة مع الغرماء.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، هداية العباد (للگلبايگاني)، 2 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

هداية العباد (للگلبايگاني)؛ ج 2، ص: 95

و أما الزيادة المنفصلة كالحمل و الولد و اللبن و الثمر على الشجر، فهي للمشتري و المقترض، و ليس للبائع و المقرض المطالبة بها.

(مسألة 303) لو تعيبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن و أن يشترك بالثمن مع الغرماء، و أما إن كان بفعل أجنبي فالبائع بالخيار بين أن يشارك الغرماء بتمام الثمن و بين أن يأخذ العين معيبة، و حينئذ فيحتمل أن يشارك الغرماء في جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، و يحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش، فإذا كان الثمن عشرة و قيمة العين عشرين و أرش النقصان أربعة (خمس القيمة) فعلى الأول يضاربهم في اثنين و على الثاني في أربعة. و لو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين و القيمة عشرة و كان الأرش اثنين (خمس العشرة) يشاركهم في أربعة على الأول و في اثنين على الثاني، لكن المسألة محل إشكال، فالأحوط للبائع أن يقتصر على أقل الأمرين و هو الاثنان في الصورتين. كما أن الأحوط للغرماء أيضا أن يقتصروا على أقل الأمرين مما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 96

يجوز لهم المشاركة فيه، و هو غير الأربعة في الصورتين، فينحصر التخلص عن المحذور بالتصالح و التراضي.

و الظاهر أن البائع كالأجنبي في جناياته.

(مسألة 304) لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناء أو غرسا ثم فلس كان للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء و الغرس للمشتري و ليس له حق البقاء و لو بالأجرة، فإن تراضيا على البقاء مجانا أو بالأجرة فهو، و إلا فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أن للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر، و الأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع و الرضا ببقائها و لو بالأجرة إذا أراده المشتري، كما أن الأحوط للمشتري أيضا القلع مع إبرام البائع و لو مع الأرش، فالأحوط و الأوفق لتخلص الطرفين إتمام العمل بالتصالح و التراضي.

(مسألة 305) إذا خلط المشتري ما اشتراه بماله بجنسه أو بغير جنسه فالأحوط (وجوبا) عدم رجوع البائع بماله إلا مع رضا الغرماء.

(مسألة 306) لو اشترى غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره أو صبغه، لم يبطل حق البائع من العين على إشكال في الأولين.

(مسألة 307) غريم الميت كغريم المفلس، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء، و إلا فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء و إن كان الميت قد مات محجورا عليه.

(مسألة 308) يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته و كسوته و نفقة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه عادته، و لو مات قدم كفنه بل و سائر مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك على حقوق الغرماء، و يقتصر على الواجب على الأحوط، و إن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة.

(مسألة 309) لو قسم الحاكم مال

المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر يحكم ببطلان القسمة من أساسها لأنها وقعت بين بعض الشركاء لا جميعهم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 97

منجزات المريض

(مسألة 310) المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف في ماله بما شاء و كيف شاء، و تنفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه إلا فيما أوصى بأن يصرف شي ء بعد موته فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما يتركه، كما أن الصحيح لا تنفذ وصيته بأكثر من الثلث.

و أما إذا اتصل مرضه بموته فلا تنفذ وصيته بما زاد على الثلث كغيره، و لكن تنفذ عقوده المعاوضية المتعلقة بماله كالبيع بثمن المثل و الإجارة بأجرة المثل و نحو ذلك. و لا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل و الشرب و الإنفاق على نفسه و من يعوله و الصرف على أضيافه و ما يحفظ شأنه و اعتباره، و كل صرف يكون فيه غرض عقلائي مما لا يعد سرفا و تبذيرا بأي مقدار كان.

و إنما الإشكال و الخلاف في مثل الهبة و العتق و الوقف و الصدقة و الإبراء و الصلح بغير عوض و نحو ذلك من التصرفات التبرعية في ماله مما لا يقابل بالعوض و يكون فيه إضرار بالورثة، و هي المعبر عنها بالمنجزات، لكن الأقوى أنها تنفذ من الأصل و إن زادت على ثلث ماله بل و إن استوعبت بجميع ماله بحيث لم يبق شي ء للورثة.

(مسألة 311) لا إشكال و لا خلاف في أن الواجبات المالية التي يؤديها المريض في مرض موته كالخمس و الزكاة و الكفارات تخرج من الأصل.

(مسألة 312) البيع و الإجارة المحاباتيان بحكم الهبة بالنسبة إلى ما حاباه، فلو باع المريض شيئا يساوي مأة

بخمسين مثلا فقد أعطى المشتري خمسين كما إذا وهبه. و كذا لو آجره بأقل من قيمته.

(مسألة 313) لا يلحق بالمرض ما إذا كان في معرض خطر و هلاك، كأن يكون في حال المراماة في الحرب أو في سفينة تشرف على الغرق، أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 98

تكون المرأة في حال الطلق، فتنفذ تصرفاته حتى على القول بعدم نفوذ تصرفات المريض.

(مسألة 314) لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبي، فإن كان مأمونا غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقر به و لو كان زائدا على ثلث ماله، بل و إن استوعبه، و إلا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.

و المراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها بكذبه، كأن يكون بينه و بين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له محبة شديدة مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.

(مسألة 315) إذا لم يعلم حال المقرّ و أنه كان متهما أو مأمونا ففي الحكم بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث و عدمه إشكال، فالأحوط التصالح بين الورثة و المقر له.

(مسألة 316) إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات و الإقرار بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو حقا ماليا يبذل بإزائه المال كحق التحجير، و الأرجح أن الدية تحسب من التركة و تضم إليها و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع.

(مسألة 317) إذا أجاز الورثة الوصية فيما زاد على الثلث نفذت بلا إشكال، و لو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصته، و لو أجازوا بعضا من الزائد عن الثلث نفذ بقدره. و كذا حكم منجزات المريض على

القول بعدم نفوذها في أكثر من الثلث.

(مسألة 318) تصح إجازة الوارث بعد وفاته بلا إشكال، و الأقوى أنها تصح أيضا في حياة المورث فيكون ملزما بها، كما تصح بعد وفاته، خاصة في الوصية. و الأقوى أنه إذا رد في حال حياته فله أن يجيز بعد وفاته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 99

كتاب الضمان

(مسألة 319) و هو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر. و حيث أنه عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب صادر من الضامن و قبول من المضمون له، و يكفي في الأول كل لفظ دال بالمتفاهم العرفي على التعهد المذكور و لو بضميمة القرائن مثل أن يقول: ضمنت لك أو تعهدت لك الدين الذي لك على فلان و نحو ذلك. و يكفي في الثاني كل ما دل على الرضا بذلك، و لا يعتبر فيه رضا المضمون عنه.

(مسألة 320) يشترط في كل من الضامن و المضمون له أن يكون بالغا عاقلا رشيدا مختارا، و أن لا يكون المضمون له محجورا لفلس، و لا يشترط شي ء من ذلك في المضمون عنه، فلا يصح ضمان الصبي و لا الضمان له و لكن يصح الضمان عنه و هكذا.

(مسألة 321) يشترط في صحة الضمان أمور:

منها: التنجيز، فلو علق على أمر، كأن يقول: أنا ضامن ما على فلان إن أذن لي أبي، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا أو إن لم يف أصلا، بطل.

و منها: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه، سواء كان مستقرا كالقرض و الثمن أو المثمن في البيع الذي لا خيار فيه، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري أو كالمهر قبل الدخول و نحو ذلك، فلو قال:

أقرض فلانا

أو بعه نسيئة و أنا ضامن، لم يصح.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 100

و منها: تميز الدين و المضمون له و المضمون عنه، بمعنى عدم الإبهام و الترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين و لو لشخص معين على شخص معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو على واحد معين.

نعم لو كان الدين معينا في الواقع و لم يعلم جنسه أو مقداره، أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعينا في الواقع و لم يعلم شخصه، صح الضمان على الأقوى، خصوصا في الأخيرين. فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان، و لم يعلم أنه درهم أو دينار أو أنه دينار أو ديناران، صح. و كذا لو قال:

ضمنت الدين الذي على فلان لصاحبه من هؤلاء العشرة و كان يعلم بأن صاحب الدين واحد منهم و لم يعلم شخصه و بعد ذلك قبل صاحب الدين المعين، أو قال: ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء و لم يعلم شخصه، صح الضمان على الأقوى.

(مسألة 322) إذا تحقق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن و برئت ذمته، فإذا أبرأ المضمون له (صاحب الدين) ذمة الضامن برئت ذمة الضامن و المضمون عنه معا، و إذا أبرأ ذمة المضمون عنه كان لغوا لأن ذمته لم تشتغل بشي ء حتى يبرئه.

(مسألة 323) الضمان لازم من طرف الضامن فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقا، و كذا من طرف المضمون له، إلا إذا كان الضامن معسرا و كان المضمون له جاهلا بإعساره، فإنه يجوز له فسخ الضمان و الرجوع بحقه على المضمون عنه. و المدار على الإعسار

حال الضمان، فلو كان موسرا في تلك الحال ثم أعسر لم يكن له الخيار، كما أنه لو كان معسرا ثم أيسر لم يزل الخيار.

(مسألة 324) يجوز اشتراط الخيار لكل من الضامن و المضمون له على الأقوى، لكن حيث أن الفسخ بالخيار مستلزم لاشتغال ذمة المضمون عنه بعد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 101

الحلول، و ذلك بدون رضاه على خلاف القاعدة فالأحوط إن لم يكن الأقوى عدم الفسخ إلا برضاه.

(مسألة 325) يجوز ضمان الدين الحال حالا و مؤجلا، و كذا ضمان الدين المؤجل مؤجلا و حالا، و كذا ضمان الدين المؤجل مؤجّلا بأكثر من أجله و بأنقص منه.

(مسألة 326) إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه، فليس له الرجوع عليه، و إن كان بإذنه فله الرجوع عليه لكن بعد أداء الدين لا بمجرد الضمان.

و إنما يرجع عليه بمقدار ما أداه، فلو صالح على الدين بنصفه أو ثلثه أو أبرأ ذمته عن بعضه لم يرجع عليه بما سقط عن ذمته بالمصالحة أو الإبراء.

(مسألة 327) إذا كان ضمان الدين المؤجل بإذن المضمون عنه فليس للضامن الرجوع عليه بما أداه عنه قبل حلول أجله، إلا إذا كان ضمنه بإذنه حالا أو بأقل من أجله، فإنه يرجع عليه بمجرد الأداء. و لو مات قبل انقضاء الأجل فحل الدين و أداه الورثة من تركته، كان لهم الرجوع على المضمون عنه.

(مسألة 328) لو ضمن بإذنه الدين المؤجل مؤجلا فمات الضامن قبل انقضاء الأجلين و حلّ ما عليه فأخذ من تركته، فليس لورثته الرجوع إلى المضمون عنه إلا بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه، و لا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن و إنما يحل بالنسبة إليه.

(مسألة 329) لو

دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن، برئت ذمته و ليس له الرجوع عليه.

(مسألة 330) يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن مثلا عمرو عن زيد ثم يضمن بكر عن عمرو ثم يضمن خالد عن بكر و هكذا، فتبرأ ذمة الجميع و يستقر الدين على الضامن الأخير، فإن كانت جميع الضمانات بغير إذن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 102

المضمون عنه و أدى الدين الضامن الأخير فلا يرجع أحد منهم على سابقه.

و إن كانت جميعها بإذن، رجع الضامن الأخير على سابقه و هو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي، و إن كان بعضها بإذن و بعضها بدونه، فإن كان الأخير بدون إذن، كان كالأول و لا يرجع أحد منهم على سابقه، و إن كان بإذن رجع هو على سابقه و هو على سابقه إن كان ضمن بإذنه، و إلا انقطع الرجوع. فكل ضامن أدى شيئا و كان ضمانه بإذن من ضمن عنه، يرجع عليه بما أداه، و إلا فلا.

(مسألة 331) يجوز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، بأن يكون على كل منهما بعض الدين، فتشتغل ذمة كل منهما بمقدار منه على حسب ما عيناه و لو بالتفاوت، و لو أطلقا قسط عليهما بالتساوي بالنصف إن كانا اثنين و بالثلث إن كانوا ثلاثة، و هكذا، و لكل منهما أداء ما عليه و تبرأ ذمته و لا يتوقف على أداء الآخر ما عليه، و للمضمون له مطالبة كل منهما بحصته و مطالبة أحدهما أو إبراؤه دون الآخر. و لو كان ضمان أحدهما بإذن دون الآخر رجع هو إلى المضمون عنه بما أداه دون الآخر.

و الظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكر بين

أن يكون ضمانهما بعقدين، كأن يضمن أحدهما نصف الدين ثم يضمن الآخر نصفه الآخر، أو بعقد واحد كأن يضمن عنهما وكيلهما في ذلك و يقبل المضمون له.

و أما ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال، بأن يكون كل منهما ضامنا تمام الدين فالأقوى بطلانه.

(مسألة 332) يجوز الضمان بغير جنس الدين بأن يشترط الأداء من غير جنسه، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فليس له الرجوع عليه إلا بجنس الدين.

(مسألة 333) يجوز الضمان عن المنافع و الأعمال المستقرة في الذمم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 103

كالأعيان، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الأجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل. نعم لو كان اشترط مباشرة الأجير لم يصح الضمان عنه.

(مسألة 334) لو ادعى شخص على شخص دينا فقال ثالث للمدعي:

عليّ ما عليه فرضي بذلك صح الضمان، بمعنى ثبوت الدين في ذمته على تقدير ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه و يصير الضامن طرف الدعوى، فإذا أقام المدعي البينة وجب على الضامن أداؤه، و كذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان. و أما إقراره بعد الضمان فإن كان الضمان بغير إذنه لا يثبت به شي ء لا على المقر لبراءة ذمته بالضمان حسب الفرض و لا على الضامن لكونه إقرارا على الغير، و إن كان الضمان بإذنه فهو إقرار على نفسه يؤخذ به و يرجع الضامن بعد الأداء عليه.

(مسألة 335) الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة، كالمغصوب و المقبوض بالعقد الفاسد، لمالكها عمن كانت في يده.

(مسألة 336) إذا قبض البائع الثمن يجوز ضمان عهدة الثمن للمشتري عنه لو ظهر المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته.

و أما ضمان درك ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهرت مستحقة للغير و قلعه المالك، فالأقوى عدم جوازه.

(مسألة 337) إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فلا ينفك بالضمان، إلا إذا شرط الضامن مع المضمون له انفكاكه.

(مسألة 338) إذا طلب من أحد أداء دين عليه، فأداه بلا ضمان عنه للدائن، جاز للمؤدي الرجوع على الطالب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 105

كتاب الحوالة

(مسألة 339) و حقيقتها تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، و هي متقومة بأشخاص ثلاثة: المحيل و هو المديون، و المحتال و هو الدائن، و المحال عليه. و يعتبر في الثلاثة البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار، و يعتبر في المحتال عدم الحجر لفلس و كذا في المحيل، إلا في الحوالة على البري ء.

و هي عقد تحتاج إلى إيجاب من المحيل و قبول من المحتال، بل و من المحال عليه أيضا، و لا مانع أن يكون عقدها مركبا من إيجاب و قبولين.

و يعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود، و منه التنجيز، فلو علقها على شي ء بطلت. و يكفي في الإيجاب كل لفظ يدل عليها مثل: أحلتك بما في ذمتي من الدين على فلان، و ما يفيد معناه، و في القبول ما يدل على الرضا نحو:

قبلت و رضيت، و نحوهما.

(مسألة 340) يشترط في صحة الحوالة مضافا إلى ما ذكر أمور:

منها: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل، فلا تصح في غير الثابت في ذمته و إن وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل، فضلا عما لم يوجد سببه كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد.

و منها: تعيين المال المحال به بمعنى عدم الإبهام و

الترديد، و أما معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها، فلو كان مجهولا عندهما لكن كان معلوما و معينا في الواقع فلا بأس، خصوصا مع

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 106

فرض إمكان ارتفاع الجهالة بعد ذلك، كما إذا كان عليه دين لأحد قد أثبته في دفتره و لم يعلما مقداره فحوله على شخص آخر قبل مراجعة الدفتر.

و منها: رضى المحال عليه و قبوله، و إن اشتغلت ذمته للمحيل بمثل ما أحال عليه على الأقوى.

(مسألة 341) لا يعتبر في صحة الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بالدين للمحيل، فتصح الحوالة على البري ء على الأقوى.

(مسألة 342) لا فرق في المحال به بين أن يكون عينا ثابتة في ذمة المحيل أو منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصح الإحالة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن و نحو ذلك على بري ء أو على من اشتغلت ذمته له بمثل ذلك.

و كذا لا فرق بين كونه مثليا كالحنطة و الشعير، أو قيميا كالحيوان و السيارة بعد أن يكون موصوفا بما يرفع الجهالة فإذا اشتغلت ذمته بشاة موصوفة مثلا بسبب كالسلم، جاز له الإحالة بها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف، أو كان بريئا.

(مسألة 343) لا إشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال به مع الدين الذي على المحال عليه جنسا و نوعا، كما إذا كان عليه لرجل كتاب و له على آخر كتاب من نفس الطبعة، أو كان عليه عملة معينة و له عملة من نفسها، فيحيل الأول على الثاني.

و أما مع الاختلاف، بأن كان عليه عملة و له على آخر عملة أخرى فيحيل الأول على الثاني فتارة

يحيل الأول بتومانه على الثاني بالدينار، بأن يأخذ منه و يستحق عليه بدل التومان دينارا. فالأقوى عدم صحة هذا النحو و لو مع رضا المحال عليه بنقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا وجه لاستحقاق المحتال الدينار من المحال عليه بحوالة التومان إلا بأن تكون معاوضة لا حوالة. و تارة يحيله عليه بالتومان بأن يعطيه المحال عليه بدل ما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 107

عليه من الدينار للمحيل تومانا فلا إشكال فيه مع رضا المحال عليه، نظير الحوالة على البري ء ثم إذنه له في إعطاء ما عليه من الدنانير بدل التوأمين مع التراضي. و تارة يحيله عليه بالتومان ليأخذ منه التومان و يبقى ما عليه من دينار على حاله فيصح ذلك و يكون من الحوالة على البري ء.

(مسألة 344) إذا تحققت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمة المحيل عن الدين و إن لم يبرئه المحتال، و اشتغلت ذمة المحال عليه للمحتال بما أحيل عليه.

و أما حال المحال عليه مع المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه، برئت ذمته مما له عليه، و كذا إن كانت بغير الجنس و وقعت على النحو الثاني من الأنحاء الثلاثة المتقدمة، و حيث أنه حوالة بمثل ما عليه فتبرأ ذمته بمجرد تحقق الحوالة. و أما إن كانت الحوالة على بري ء، فتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه.

(مسألة 345) لا يجب على المحتال قبول الحوالة و إن كانت على ملي ء غير مماطل، و لو قبلها لزمت و إن كانت على فقير معدم. نعم لو كان جاهلا بحاله ثم ظهر إعساره و فقره وقت الحوالة كان له الفسخ و العود على المحيل، و ليس له الفسخ بسبب الفقر الطارئ،

كما أنه لا يزول الخيار لو تبدل فقره باليسار.

(مسألة 346) الحوالة لازمة بالنسبة إلى كل من الثلاثة إلا على المحتال مع إعسار المحال عليه و جهله بالحال، و المراد بالإعسار أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائدا على مستثنيات الدين، و يجوز اشتراط خيار فسخ الحوالة لكل من الثلاثة.

(مسألة 347) يجوز الترامي في الحوالة بتعدد المحال عليه و اتحاد المحتال، كما لو أحال المديون زيدا على عمرو، ثم أحال عمرو زيدا على بكر، ثم أحال بكر زيدا على خالد، و هكذا. أو بتعدد المحتال مع اتحاد المحال عليه، كما لو أحال زيد عمرا على بكر، فأحال عمرو خالدا على بكر، ثم أحال خالد شخصا آخر له عليه دين على بكر. و هكذا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 108

(مسألة 348) إذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمة المحال عليه، فإن كان ذلك بطلبه رجع المحيل عليه، و إن تبرع لم يرجع عليه.

(مسألة 349) إذا أحال على بري ء و قبل المحال عليه، فالأقوى أنه ليس له الرجوع على المحيل إلا بعد الأداء، كما مر نظيره في الضمان.

(مسألة 350) إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر، ثم تبين بطلان البيع بطلت الحوالة، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة، فتبقى الحوالة و لا تتبع البيع في الانفساخ.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 109

كتاب الكفالة

(مسألة 351) الظاهر أنها اعتبار اضافة بين الكفيل و المكفول له مستتبعة لتسلط المكفول له على إلزام الكفيل بإحضار المكفول أو أداء ما عليه، بالعقد المشتمل على الإيجاب من الكفيل و القبول من المكفول له.

و يكفي في الإيجاب كل لفظ دال

على الإضافة المذكورة كأن يقول: كفلت لك بدن فلان أو نفسه أو أنا كفيل لك بإحضاره، و نحو ذلك، و في القبول كل ما يدل على الرضا بذلك.

(مسألة 352) يعتبر في الكفيل البلوغ و العقل و الاختيار و التمكن من الإحضار، و لا يشترط في المكفول له البلوغ و العقل، فتصح الكفالة للصبي و المجنون إذا قبلها الولي.

(مسألة 353) لا إشكال في اعتبار رضى الكفيل و المكفول له، و أما المكفول ففي اعتبار رضاه تأمل و إشكال، فالأحوط على المكفول له عدم إلزام الكفيل بإحضار المكفول في صورة عدم قبوله و رضاه، لكن الأحوط على الكفيل إحضار المكفول في تلك الصورة مع مطالبة المكفول له. و كذا الأحوط على المكفول حضوره مع الكفيل و لو في صورة عدم قبوله. بل الأحوط أن يكون عقدها مركبا من إيجاب و قبولين من المكفول له و المكفول.

(مسألة 354) كل من عليه حق مالي تصح الكفالة ببدنه، و لا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال. نعم يشترط أن يكون ثابتا في الذمة بحيث يصح ضمانه

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 110

فلو تكفل بإحضار من لا مال عليه و إن وجد سببه- كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل- لم يصح، و كذا تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة و إن لم تقم البينة عليه بالحق.

و لا تصح كفالة من عليه عقوبة من حد أو تعزير إن لم تكن من حقوق الناس، و أما إن كانت منها كالقصاص فتصح الكفالة فيها.

(مسألة 355) يصح إيقاع الكفالة حالة في الحقوق الحالة، و مؤجلة في الحقوق الحالة و المؤجلة، و مع الإطلاق تكون معجلة

في خصوص المعجلة دون المؤجلة، و لو كانت مؤجلة يلزم تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة و نقصا.

(مسألة 356) عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلا بالإقالة، و يجوز جعل الخيار فيه لكل من الكفيل و المكفول له مدة معينة.

(مسألة 357) إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة معجلة، أو كانت مطلقة و كان الحق معجلا، و المطالبة بعد الأجل إن كانت مؤجلة.

فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل إحضاره، فإن أحضره و سلمه تسليما تاما بحيث يتمكن المكفول له منه فقد بري ء مما عليه، و إن امتنع عن ذلك كان له طلب حبسه من الحاكم حتى يحضره أو يؤدي ما عليه فيما يمكن تأديته كالديون، أو بدله كالدية فيما إذا تراضيا عليها مع ورثة المقتول.

و إن كان غائبا فإن كان موضعه معلوما يتمكن الكفيل من إحضاره منه أمهل بقدر ذهابه و مجيئه فإذا مضى قدر ذلك و لم يأت به من غير عذر كان له طلب حبسه من الحاكم كما مر، و إن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه و انقطع خبره بحيث لا يرجى الظفر به بحسب العادة، لم يكلف الكفيل إحضاره، و الأقرب أنه يلزم بأداء ما عليه، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل، بأن طالبه المكفول له و كان متمكنا منه فلم يحضره حتى

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 111

هرب. نعم لو علم أنه لا يرجى الظفر به بحسب العادة فيشكل صحة الكفالة من أصلها. و كذا لو كان الظفر به مرجوا ثم انكشف خلافه، فينكشف بطلانها.

(مسألة 358) إذا لم يحضر الكفيل المكفول فاستوفي منه المال، فإن لم يأذن

له المكفول لا في الكفالة و لا في الأداء فليس له الرجوع عليه بما أداه، و إن أذن له في الأداء كان له أن يرجع به عليه، سواء أذن له في الكفالة أيضا أم لا. و أما إذا أذن له في الكفالة دون الأداء فلا يبعد التفصيل بين ما إذا أمكن له مراجعته و إحضاره للمكفول له فلا يرجع عليه، و بين ما إذا تعذر له ذلك فيرجع عليه.

(مسألة 359) إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين، فلا يجب عليه تسليمه في غيره و لو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته، كما أنه لو سلمه في مكان آخر لم يجب على المكفول له تسلمه.

و لو أطلق و لم يعين مكان التسليم فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد استقراره انصرف اليه، و إن أوقعاه في برية أو بلد غربة لم يكن من قصده الاستقرار فيه، فإن كانت قرينة على التعيين فهو بمنزلته، و إلا بطلت الكفالة من أصلها.

(مسألة 360) يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتى أنه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر و لم يكن في ذلك مفسدة أو مضرة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوب ذلك، و لو كان غائبا و احتاج حمله إلى مؤنة فعلى المكفول نفسه، و لو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرع، فله أن يرجع بها عليه إذا أذن له المكفول في الصرف، و إلا فليس له الرجوع عليه. و لو كانت الكفالة و صرف المؤنة بغير إذنه، أو كانت الكفالة بإذنه لكن لم يكن يتوقف إحضاره على مؤنة من الكفيل، و سبق هو إلى الصرف بدون استيذان من المكفول، فيشكل جواز رجوعه

على المكفول.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 112

(مسألة 361) تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره و تسليم نفسه تسليما تاما، و كذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعا أو كرها بحيث تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم، أو أبرأ المكفول عن الحق الذي عليه، أو الكفيل من الكفالة.

(مسألة 362) إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف ما لو مات المكفول له فتبقى الكفالة و ينتقل حق المكفول له منها إلى ورثته.

(مسألة 363) لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة، بطلت الكفالة.

(مسألة 364) من خلى غريما من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره أو أداء ما عليه، مما يمكن أن يؤدى مثل الدين، أو الدية مع التراضي أو تعذر الإحضار. و لو خلى قاتلا من يد ولي الدم لزمه إحضاره أو إعطاء الدية و إن كان القتل عمدا.

(مسألة 365) يجوز ترامي الكفالات، بأن يكفل الكفيل كفيل آخر ثم يكفل كفيل الكفيل كفيل آخر و هكذا، و حيث أن الكل فروع الكفالة الأولى و كل فرع يلحق أصله، فلو أبرأ المستحق الكفيل الأول أو أحضر الأول المكفول الأول أو مات أحدهما برؤوا أجمع، و لو أبرأ المستحق بعض من توسط بري ء هو و من بعده دون من قبله، و كذا لو مات، بري ء من كان فرعا له.

(مسألة 366) يكره التعرض للكفالات و قد قال مولانا الصادق عليه السلام في خبر لبعض أصحابه: مالك و الكفالات، أما علمت أنها أهلكت القرون الأولى.

و عنه عليه السلام: الكفالة خسارة غرامة ندامة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 113

كتاب الوكالة

(مسألة 367) و هي تولية الغير ما

يملكه من إمضاء أمر أو استنابته في تصرف يقبل الاستنابة، و حيث أنها من العقود فتحتاج إلى إيجاب و قبول، و يكفي في الإيجاب كل ما دل عليها كقوله: و كلتك أو أنت وكيلي في كذا أو فوضته إليك أو استنبتك فيه و نحوها، و لو قال له: بع داري مثلا قاصدا به الاستنابة في بيعها فالظاهر كفايته في صحة البيع، لكن يشكل ترتيب آثار الوكالة عليه. و يكفي في القبول كل ما دل على الرضا، بل الظاهر أنه يكفي فيه فعل ما وكل فيه كما إذا وكله في بيع شي ء فباعه بقصد القبول، أو في شراء شي ء فاشتراه له. بل يقوى وقوعها بالمعاطاة، بأن يسلم إليه متاعا ليبيعه فيتسلمه لذلك. بل لا يبعد تحققها بالكتابة من طرف الموكل و الرضا بما فيها من طرف الوكيل و إن تأخر وصولها إليه مدة، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها و قبولها.

و قد قيل بأن الوكالة تتسع لما لا يتسع له غيرها من العقود و لكن المتيقن من التوسعة فيها صحة الأمر الذي يستناب فيه، و أما أن ذلك من جهة التوسعة في أمر الوكالة أو أن ذلك من جهة أنه إذن و إعلام و أمر، فلا دليل عليه إلا دعوى الإجماع إن تم، و هو غير محقق.

(مسألة 368) يشترط فيها التنجيز، بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة بشي ء، كأن يقول مثلا: إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي في أمر كذا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 114

نعم لا بأس بتعليق متعلق الوكالة و التصرف الذي استنابه فيه، كما لو قال:

أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكلتك في شراء كذا في وقت

كذا.

(مسألة 369) يشترط في كل من الموكل و الوكيل البلوغ إلا فيما يصح صدوره منه كالوصية و الصدقة و الطلاق ممن بلغ عشرا على القول به كما سيأتي كل في محله. و كذا يشترط فيهما العقل و القصد و الاختيار، فلا يصح التوكيل و لا التوكل من الصبي و المجنون و المكره.

و يشترط في الموكل أن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه، فلا يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليه فيه دون ما لم يحجر عليه فيه كالطلاق و نحوه. و في الوكيل كونه متمكنا عقلا و شرعا من مباشرة ما توكل فيه، فلا يجوز توكيل المحرم فيما لا يجوز له كابتياع الصيد و إمساكه و إيقاع عقد النكاح.

(مسألة 370) لا يشترط في الوكيل الإسلام، فيصح توكيل الكافر، بل و المرتد و إن كان عن فطرة، عن المسلم و الكافر.

و الأقوى صحة توكيله في ابتياع المصحف أيضا إذا كان لمسلم خصوصا إذا كان التسليم و التسلم من الموكل دون الوكيل. أما توكيله لاستيفاء حق أو مخاصمة مع مسلم ففيه تردد، خصوصا إذا كان الحق لمسلم.

(مسألة 371) تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غير المحجور عليه، لاختصاص الحجر عليه بالتصرفات في مال نفسه.

(مسألة 372) ما يشترط في الموكل و الوكيل ابتداء يشترط فيهما استدامة، فلو جنّا أو أغمي عليهما أو حجر على الموكل بالنسبة إلى ما وكل فيه، بطلت الوكالة. و لو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد.

(مسألة 373) يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه، و أن يكون للموكل السلطنة شرعا على إيقاعه، فلا توكيل في المعاصي كالغصب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 115

و السرقة و

القمار و نحوها، و لا فيما ليس له السلطنة على إيقاعه كبيع مال الغير من دون ولاية له عليه.

و لا يعتبر القدرة عليه خارجا مع كونه مما يصح وقوعه منه شرعا، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكل في أخذه من يقدر عليه.

(مسألة 374) إذا لم يتمكن شرعا أو عقلا من إيقاع فعل إلا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل فيجوز التوكيل فيه تبعا لما يتمكن منه. كتطليق امرأة ليست الآن في عصمته و تزويج من هي الآن مزوجة أو معتدة، و نحو ذلك، فيوكله مثلا في العقد له على امرأة ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه و نحو ذلك مما يكون التوكيل فيه مترتبا على ما يتمكن منه.

و أما التوكيل فيه استقلالا من دون التوكيل في المرتب عليه ففيه إشكال، بل الظاهر عدم الصحة. نعم الظاهر أنه يصح أن يوكل شخصا و يستنيبه في كل ما هو أهل له من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره، كما لو وكله أن يبيع ما يدخل في ملكه بإرث أو هبة أو غيرهما، أو يزوجه امرأة بعد عدتها، و هكذا.

(مسألة 375) يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة، بأن لا تكون المباشرة شرطا في صحته كأكثر العبادات البدنية، فلا يصح التوكيل في الطهارات الثلاث للقادر، و أما العاجز فيستنيب للغسلات و المسحات، و في التيمم للضرب و المسحات، كما لا يصح في الصوم مطلقا، و لا في الصلاة إلا فيما شرعت فيه النيابة مثل صلاة الطواف و صلاة الزيارة المستحبة و بعض النوافل كصلاة جعفر، و بعض مستحبات أخرى. أما العبادات المالية كالزكاة و الخمس

و الكفارات فلا يعتبر فيها المباشرة، فيصح التوكيل و النيابة فيها، إخراجا و إيصالا إلى مستحقيها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 116

(مسألة 376) يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع و الصلح و الإجارة و الهبة و العارية و الوديعة و المضاربة و المزارعة و المساقاة و القرض و الرهن و الشركة و الضمان و الحوالة و الكفالة و الوكالة و النكاح، إيجابا و قبولا في الجميع، و كذا في الوصية، و الوقف، و الطلاق، و الإعتاق، و الإبراء، و الأخذ بالشفعة و إسقاطها، و فسخ العقد في موارد ثبوت الخيار، و إسقاطه. و لا يبعد صحة التوكيل في الرجوع إلى المطلقة رجعيا لكن بشرط أن لا يكون التوكيل في الرجوع رجوعا، مثل أن يوكل شخصا في تطليق زوجته ثلاثا فيكون الوكيل وكيلا في الرجعتين بينهما، أو يوكل شخصا في تطليق زوجته بطلاق الخلع و الرجوع في صورة رجوعها في البذل، فيقول رجعت عنه إلى زوجته، فيكون نظير صالحت عنه.

و في صحة الوكالة في اليمين و النذر و العهد و الظهار إشكال. و لا يصح في اللعان و الإيلاء. أما التوكيل في الإقرار و الشهادة فيمكن أن يقال بأنه إقرار و شهادة و الوكيل يشهد عليهما، لا أنه يقر و يشهد عنه.

(مسألة 377) يصح التوكيل في القبض و الإقباض إذا كانا لازمين، كما في الرهن و القرض و الصرف بالنسبة إلى العوضين، و السلم بالنسبة إلى الثمن، و كذا في إيفاء الديون، و استيفائها، و غيرها.

(مسألة 378) يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها، أو بأن توكل الغير عن الزوج، أو عن نفسها.

(مسألة 379) يجوز

التوكيل و الاستنابة في حيازة المباح كالاستقاء و الاحتطاب و الاحتشاش و غيرها، فإذا وكل و استناب شخصا في حيازتها و حازها بعنوان النيابة عنه كانت بمنزلة حيازة المنوب عنه، و صار ما حازه ملكا له.

(مسألة 380) يشترط في الموكّل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولا أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 117

مبهما، فلو قال وكلتك من غير تعيين، أو على أمر من الأمور أو على شي ء يتعلق به، و نحو ذلك، لم تصح. نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق، كما سيأتي.

(مسألة 381) الوكالة إما خاصة و إما عامة و إما مطلقة:

فالخاصّة ما تعلقت بتصرف معين في شي ء معين، كما إذا وكله في شراء دار شخصية معينة، و هذا لا إشكال في صحته.

و العامة، إما عامة من جهة التصرف و خاصة من جهة متعلقة، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره المعينة من بيعها و هبتها و إجارتها و غيرها، و إما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه. و إما عامة من كلتا الجهتين، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه، أو في إيقاع جميع ما يحق له و يتعلق به بحيث يشمل التزويج و الطلاق.

و المطلقة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقة، كما إذا وكله في أنه إما يبيع داره المعينة بيعا لازما أو خياريا، أو يرهنها أو يؤجرها، و أوكل التعيين إلى نظره بنحو يجعله وكيلا في جميعها و نائبا عنه في كل ما يختار، فتصح الوكالة. أما إذا جعل له الوكالة التخييرية نظير الواجب التخييري ففي صحتها إشكال بل منع. و قد تكون المطلقة بالعكس كما إذا احتاج

إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو سيارته أو غيرها فوكل شخصا في أن يبيع أحدها و فوض الأمر في تعيينه إلى نظره و تشخيصه المصلحة، و قد تكون مطلقة من كلتا الجهتين، كما إذا وكله في إيقاع أحد العقود المعاوضية من بيع أو صلح أو إجارة مثلا على أحد أملاكه من داره أو دكانه مثلا، و أوكل التعيين من الجهتين إلى نظره، فالظاهر صحتها أيضا.

(مسألة 382) يعتبر في الموكل فيه كما مر التعيين و لو بالإطلاق أو التعميم فإنهما أيضا نحو من التعيين، و يقتصر الوكيل في التصرف على ما شمله عقد الوكالة صريحا أو ظاهرا و لو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية، و لو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 118

كانت هي العادة الجارية على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا، كالوكالة في البيع بالنسبة إلى تسليم المبيع دون قبض الثمن، أو في الشراء بالنسبة إلى تسليم الثمن دون قبض المثمن، إلا إذا شهدت قرائن الأحوال بأنه قد وكله في البيع أو الشراء بجميع ما يترتب عليهما.

(مسألة 383) لو خالف الوكيل ما عين له و أتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة، فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على إجازة الموكل، و إلا بطل. و لا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة كما إذا وكله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيات كما إذا وكله في أن يبيع نقدا فباع نسيئة أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره و هكذا.

نعم لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضا صح، كما إذا وكله في

أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين بشرط أن يكون الكلام مع قرائنه ظاهرا في إنشاء الوكالة في البيع بالدينار و أكثر. فكأنه قال ان ثمنها لا ينقص عن دينار. و من هذا القبيل ما إذا وكله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معين فباعها في غيرها بذلك الثمن، و كانت توجد قرينة على انه ليس الغرض إلا تحصيل الثمن، فيكون ذكر السوق المخصوص من باب المثال.

(مسألة 384) يجوز للولي كالأب و الجد أن يوكل في أمور الصغير غيره فيما له الولاية عليه.

(مسألة 385) لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في إيقاع ما توكل فيه لا عن نفسه و لا عن الموكل إلا بإذن الموكل، و يجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن عين الموكل في إذنه أحدهما بأن قال مثلا: وكل غيرك عني أو عنك، فهو المتبع و لا يجوز له التعدي عما عينه. و لو أطلق، فالمناط في تعيين أحد القسمين هو الظهور العرفي و لو بقرينة المقام.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 119

(مسألة 386) إذا كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل و لو بواسطة فليس للوكيل الأول أن يعزله و لا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأول يبقى الثاني على وكالته. أما لو كان وكيلا عن الوكيل فله أن يعزله و تكون وكالته تبعا لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته، و لا يبعد أنه يحق للموكل أن يعزله دون أن يعزل الوكيل الأول.

(مسألة 387) يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد، فإن صرح الموكل أو ظهر كلامه عرفا و لو بالقرينة المقالية أو الحالية بانفراد كل منهما جاز لكل منهما الاستقلال في التصرف من دون مراجعة الآخر، و إلا لم يجز الانفراد

لأحدهما و لو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرح بالانضمام و الاجتماع أو أطلق، بأن قال مثلا: و كلتكما أو أنتما وكيلاي و نحو ذلك. و لو مات أحدهما بطلت الوكالة رأسا مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزل منزلته، و بقيت وكالة الباقي مع التصريح بالانفراد، أو بظهور الكلام عرفا بذلك.

(مسألة 388) الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه في حضور الموكل و غيبته، و كذا للموكل أن يعزله لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه خبره، فلو أنشأ عزله لكن لم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى أمرا قبل أن يبلغه العزل حتى بإخبار ثقة، كان ماضيا نافذا.

(مسألة 389) تبطل الوكالة بموت الوكيل، و كذا بموت الموكل و إن لم يعلم الوكيل بموته، و بعروض الجنون و الإغماء على كل منهما، و بتلف ما تعلقت به الوكالة، و بفعل الموكّل ما تعلقت به الوكالة كما لو وكله في بيع سلعة ثم باعها قبل بيع الوكيل، و بفعل ما ينافي الموكل فيه كما لو وكله في بيع دار ثم أوقفها.

(مسألة 390) يجوز للمدعي أو المدعى عليه التوكيل في الخصومة و المرافعة، و يجوز قبول الوكالة بشرط أن لا يكون الوكيل في الخصومة ظالما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 120

باعتقاده سواء علم بأن موكله محق أو احتمل ذلك. و يكره لذوي المروات من أهل الشرف و المناصب الجليلة أن يتولوا المنازعة و المرافعة بأنفسهم، خصوصا إذا كان الطرف بذي ء اللسان. و لا يعتبر رضا الطرف الآخر، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.

(مسألة 391) الوكيل بالخصومة إن كان وكيلا عن المدعي كانت وظيفته بثّ الدعوى على المدعى عليه عند الحاكم و إقامة البينة و

تعديلها و تحليف المنكر و طلب الحكم على الخصم و القضاء عليه، و بالجملة كل ما يقع وسيلة إلى الإثبات. و أما الوكيل عن المدعى عليه فوظيفته الإنكار و الطعن على الشهود و إقامة بينة الجرح و مطالبة الحاكم بسماعها و الحكم بها، و بالجملة السعي في الدفع ما أمكن.

(مسألة 392) إذا ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله و مدافعته عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدعيا، و صارت وظيفة وكيله إقامة البينة على هذه الدعوى و طلب الحكم بها من الحاكم و صارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار و الطعن في الشهود و غير ذلك.

(مسألة 393) لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله، فإذا أقر وكيل المدعي القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو أن الحق مؤجل أو أن البينة فاسقة، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي، لم يقبل و بقيت الخصومة على حالها، سواء أقر في مجلس الحكم أو في غيره، لكن ينعزل و تبطل وكالته و ليس له المرافعة، لأنه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

(مسألة 394) الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحق و لا الإبراء منه، إلا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص.

(مسألة 395) يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الأمور، فإن لم يصرح باستقلال كل واحد منهما و لم يكن ظهور عرفي باستقلاله لم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 121

يستقل بها أحدهما، بل يتشاوران و يعضد كل واحد منهما صاحبه و يعينه على ما فوض إليهما.

(مسألة 396) إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته و استيفاء حقوقه مطلقا، أو في خصومة شخصية، ثم قدم الوكيل خصما لموكله و نشر الدعوى عليه،

يسمع الحاكم دعواه عليه. و كذا إذا ادعى عند الحاكم أنه وكيل في الدعوى و أقام البينة عنده على وكالته.

و أما إذا ادعى الوكالة من دون بينة عليها فإن لم يحضر خصما عنده أو أحضر و لم يصدقه الخصم في وكالته لم تسمع دعواه، و إذا صدقه فيها فالظاهر أنه تسمع دعواه لكن لا تثبت بذلك وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحق المدعي يلزم المدعى عليه بالحق، و إذا قضت بحق المدعى عليه فالمدعي على حجته، فإذا أنكر الوكالة و لم تثبت تبقى دعواه على حالها.

(مسألة 397) إذا وكله في الدعوى و إثبات حقه على خصمه و أثبته، لم يكن له قبض الحق، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.

(مسألة 398) إذا وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه الحق، لم يكن للوكيل مخاصمته و إثبات الحق عليه ما لم يكن وكيلا في الخصومة.

(مسألة 399) يجوز التوكيل بجعل و بغير جعل، و إنما يستحق الجعل بتسليم العمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء و جعل له جعلا، كان للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة، و إن لم يتسلم الموكل الثمن أو المثمن. و كذا لو وكله في المرافعة و إثبات حقه استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة و ثبوت الحق و إن لم يتسلمه الموكل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 122

(مسألة 400) إذا وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء، لم يكن له مطالبة ورثته. نعم لو كانت عبارة الوكالة شاملة له، كما لو قال:

اقبض حقي الذي على فلان، كان له ذلك.

(مسألة 401) إذا وكله في استيفاء دينه

من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل خذ هذه الدراهم و اقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه، و تبقى الدراهم على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل، و لو تلفت عنده بقي الدين بحاله. هذا إذا كان مقصود المديون جعل الدراهم أمانة عند الوكيل بحيث لا يكون له التصرف فيها إلا بأدائها إلى شخص الدائن، و إلا جاز له قبضها عن موكله و به تخرج عن ملك المديون.

أما لو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضا للموكل و برئت ذمة زيد و ليس له الاسترداد.

(مسألة 402) الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلا مع التفريط أو التعدي، كما إذا لبس ثوبا توكل في بيعه أو استعمل سيارة توكل في بيعها، لكن لا تبطل بذلك وكالته، فلو باع الثوب بعد لبسه صح بيعه، و لو تلف قبل أن يبيعه كان ضامنا مثله أو قيمته و يبرأ عن ضمانه بتسليمه إلى المشتري، لكن يضمن ما استوفاه من منافعه. و كذا يبرأ عن ضمانه إذا أذن له المشتري أن يكون المبيع عنده أمانة أو عارية.

(مسألة 403) لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي، لم يضمنه الوكيل. إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الإشهاد فأودع بلا إشهاد، أو كان الإيداع عند هذا الودعي بالخصوص بدون إشهاد يعد تفريطا بحق صاحب المال، فإن الوكيل يضمن إذا لم يشهد، و كذا الحال إذا وكله في قضاء دينه فقضاه بلا إشهاد و أنكر الدائن.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 123

(مسألة 404) إذا

وكله في بيع سلعة أو شراء متاع، فإن صرح بكون البيع أو الشراء من غير الوكيل أو بما يعمه، فهو. و إن أطلق و قال: أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني، فالأقوى أنه يعمّ نفس الوكيل فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه، و إن كان الأحوط عدم ذلك.

(مسألة 405) إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها، و لو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل، و إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكل فالظاهر أن القول قول الموكل، خصوصا إذا كانت بجعل.

و كذا الحال إذا اختلف الوصي و الموصى له في دفع المال الموصى به إليه، أو اختلف الأولياء حتى الأب و الجد مع المولى عليه بعد زوال الولاية عنه في دفع ماله إليه، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك.

نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الإنفاق عليهم، أو على ما يتعلق بهم في زمان ولايتهم، فالظاهر أن القول قول الأولياء بيمينهم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 125

كتاب الإقرار

(مسألة 406) الإقرار هو الإخبار الجازم بحق لازم على المخبر من غير فرق بين حقوق الناس و حقوق اللّه تعالى، و من غير فرق بين الاعتراف بنفس الحق أو بملزومه كالإقرار بالنسب و القتل و شرب الخمر، و لا بين الأعيان و المنافع و الحقوق كحق الشفعة و حق الخيار و نحوهما، كقوله: له أو لك علي كذا، أو عندي أو في ذمتي كذا، أو هذا الذي في يدي لفلان. و كذا الأخبار بنفي حق له كقوله: ليس لي حق على فلان، و ما أشبه ذلك.

و يصح بأي لغة كان،

بل يصح إقرار العربي بالعجمي و بالعكس و الهندي بالتركي و بالعكس إذا كان عالما بمعنى ما تلفظ به في تلك اللغة.

و يعتبر فيه الجزم، بمعنى عدم إظهار الترديد و ما ينافي الجزم به، فلو قال أظن أو أحتمل أنك تطلبني كذا، لم يكن إقرارا.

(مسألة 407) يعتبر في صحة الإقرار بل في حقيقته و أخذ المقر بإقراره كونه دالا على الإخبار المذكور بالصراحة أو الظهور، فإن احتمل إرادة غيره احتمالا يخل بظهوره عند أهل المحاورة، لم يصح، و تشخيص ذلك راجع إلى العرف و أهل اللغة كسائر المكالمات العادية، فكل كلام و لو لخصوصية مقام يفهم منه أهل اللغة أنه أخبر بثبوت حق عليه أو سلب حق عن نفسه من غير ترديد يكون إقرارا، و كل ما لم يفهم منه ذلك من جهة تطرق الاحتمال الموجب للتردد و الإجمال لا يكون إقرارا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 126

(مسألة 408) لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقر ابتداء و أن يكون مقصودا بيانه، بل يكفي استفادته من كلامه بتصديقه كلام آخر مثلا، أو بأي نوع من الاستفادة كقوله: نعم، أو أجل أو بلى في جواب من قال: لي عليك كذا أو قال: بلى في جواب من قال: أ ليس لي عليك كذا، و كقوله في جواب من قال استقرضت ألفا أو لي عليك ألف: رددتها أو أديتها، لأنه إقرار منه بأصل ثبوت الحق عليه و دعوى منه بسقوطه. و مثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال هذه الدار التي تسكنها لي: اشتريتها منك، فإن الأخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له و دعوى منه بانتقاله إليه. و من ذلك ما إذا قال لمن يدعي

ملكية شي ء معين: ملّكني إياه.

نعم قد توجد قرائن على أن تصديقه لكلام الآخر ليس تصديقا حقيقيا له، فلا يتحقق به الإقرار بل يدخل في عنوان الإنكار، كما إذا قال في جواب من قال لي عليك ألف دينار نعم أو صدقت محركا رأسه مع حركة منه تدل على أنه في مقام التهكم و التعجب و الإنكار.

(مسألة 409) يشترط في المقر به أن يكون أمرا يثبت به للمقر له حق إلزام على المقر و مطالبته به لو كان المقر صادقا في إخباره بأن يكون مالا في ذمته عينا أو منفعة أو عملا أو ملكا تحت يده أو حقا يجوز مطالبته به كحق الشفعة و الخيار و القصاص و حق الاستطراق في درب و إجراء الماء في نهر و نصب الميزاب على ملك و وضع الجذوع على حائط، أو يكون نسبا يوجب نقصا في الميراث أو حرمانا في حق المقر و غير ذلك. أو يكون المقر به موضوعا لحكم شرعي على ضرر المقر أو نفع للغير، مثل الإقرار بارتكاب ما يوجب الحد أو الإقرار بكون ما في يده مسجدا و مباحا من دون حيازته و أمثال ذلك. و إذا أقر بأنه جنب يجب منعه عن التوقف في المساجد، و كذا في نظائره.

(مسألة 410) إنما ينفذ الإقرار على المقر فيما يكون ضررا عليه لا على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 127

غيره، و لا فيما يكون فيه نفع له إذا لم يصدقه الغير، فإذا أقر بزوجية امرأة فلم تصدقه و لم تنكره تثبت الزوجية بالنسبة إلى وجوب نفقتها عليه، لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه. أما لو أنكرت الزوجية فلا يجب عليه الإنفاق، لكن تثبت الزوجية بالنسبة إلى حرمة

زواجه بأمها أو بأختها جمعا، أو زواج الخامسة.

(مسألة 411) يصح الإقرار بالمجهول و المبهم و يلزم المقر و يطالب بالتفسير و البيان و رفع الإبهام، و يقبل منه ما فسره به و يلزم به إذا طابق تفسير المبهم بحسب العرف و اللغة و أمكن أن يكون مرادا منه، فلو قال: لك عليّ شي ء ألزم التفسير، فإذا فسره بأي شي ء كان مما يصح أن يكون في الذمة و على العهدة يقبل منه و إن لم يكن متمولا كحبة حنطة، و أما لو قال: لك عليّ مال لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به من الأموال لا مثل حبة حنطة أو حفنة تراب أو خمر أو خنزير.

(مسألة 412) إذا قال: لك عليّ أحد هذين مما كان تحت يده، أو لك عليّ إما مائة تومان أو ريال، ألزم بالتفسير و كشف الإبهام، فإن عين ألزم به و لا يلزم بغيره. فإن لم يصدقه المقر له، و قال ليس لي ما عينت سقط حقه بإقراره إذا كان المقر به في الذمة إلا إذا قال ذلك بقصد الإبراء و كان كلامه ظاهرا فيه فيسقط حقه واقعا، لكنه خارج عن موضوع الإقرار- أما إذا كان المقر به عينا فيكون بينهما، مسلوبا بحسب الظاهر عن كل منهما و يبقى إلى أن يتضح الحال، و لو برجوع المقر أو المنكر. و لو ادعى عدم المعرفة حتى يفسره، فإن صدقه المقر له في ذلك و قال أنا أيضا لا أدري فلا محيص عن الصلح أو القرعة و يحتمل الحكم باشتراكهما فيه بالسوية، و الأحوط هو الأول.

و إن ادعى المعرفة و عين أحدهما فإن صدقه المقر فذاك و إلا فله أن يطالبه بالبينة،

و مع عدمها فله أن يحلفه، و إن نكل أو لم يكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا، فلا محيص عن التخلص بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 128

(مسألة 413) كما أن الإبهام و الجهالة لا يضران في المقر به، كذلك لا يضران في المقر له أيضا، فلو قال: هذه الدار التي بيدي لأحد هذين يقبل و يلزم بالتعيين، فمن عينه يكون هو المقر له، فإن صدقه الآخر فذاك، و إلا تقع المخاصمة بينه و بين من عينه المقر. و لو ادعى عدم المعرفة و صدقاه في ذلك سقط عنه الإلزام بالتعيين، و لو ادعيا أو أحدهما عليه العلم، كان القول قول المقر مع يمينه.

(مسألة 414) يعتبر في المقر البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون و السكران، و كذا الهازل و الساهي و الغافل، و كذا المكره. نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بما يحق له أن يفعله إن قلنا بصحته كالوصية بالمعروف ممن له عشر سنين.

(مسألة 415) السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل، و يقبل فيما عدا المال كالطلاق و الخلع و نحوهما، بمعنى أنه يقبل إقراره بطلاق الخلع على ضرره، فيمنع عن رجوعه إلى زوجته قبل رجوعها إلى البذل. و إن أقر بأمر مشتمل على مال و غيره كالسرقة، لم يقبل بالنسبة إلى المال، و قبل بالنسبة إلى غيره، فيحدّ، و لا يلزم بأداء المال.

(مسألة 416) يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا و لاحقا، و يشارك المقر له مع الغرماء على التفصيل الذي تقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 417) إذا ادعى الصبي البلوغ فإن ادعاه بالإنبات فحص،

و لا يثبت بمجرد دعواه. و إن ادعاه بالسن يطالب بالبينة، و أما لو ادعاه بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محل تأمل و إشكال.

(مسألة 418) يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق، فلو أقر لدابة مثلا لغى إلا إذا رجع إلى الإقرار لصاحب الدابة، أو كانت الدابة موقوفة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 129

نعم لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة و نحوها بمال فالظاهر قبوله و صحته، حيث أن المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها و نحوها.

(مسألة 419) إذا كذب المقر له المقر في إقراره، فإن كان المقر به دينا أو حقا لم يطالب به المقر و فرغت ذمته في الظاهر، و إن كان عينا كانت مجهول المالك بحسب الظاهر فتبقى في يد المقر أو في يد الحاكم إلى أن يتبين مالكها.

هذا بحسب الظاهر، و أما بحسب الواقع فعلى المقر- بينه و بين اللّه- تفريغ ذمته من الدين و تخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك و إن كان بدسه في أمواله، و لو رجع المقر له عن إنكاره ألزم المقر بالدفع إليه ما دام باقيا على إقراره.

(مسألة 420) إذا أقر بشي ء ثم عقبه بما يضاده و ينافيه يؤخذ بإقراره و يلغى ما ينافيه، فلو قال له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة، و لو قال: له عليّ كذا و هو من ثمن الخمر أو بسبب القمار يلزم بالمال و لا يسمع منه ما عقبه. و كذا لو قال: له عندي وديعة و قد هلكت،

فإن إخباره بتلف الوديعة و هلاكها ينافي قوله له عندي الظاهر في وجودها عنده. نعم لو قال كانت له عندي وديعة و قد هلكت فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقا، و لا تنافي بينه و بين طرو الهلاك عليها، لكن ادعاء هلاكها دعوى منه لا بد من فصلها على الموازين الشرعية.

(مسألة 421) ليس الاستثناء من تعقيب الإقرار بالمنافي، بل يكون المقر به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت و نفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي، لأن الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات. فلو قال: لي عليك عشرة إلا درهما أو لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقرارا بنفي حقه عن الدرهم الزائد على التسعة و نفي ملكية الغرفة، فلو ادعى ذلك بعده لم يسمع منه. و كذلك أمر الاستثناء من النفي.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 130

(مسألة 422) إذا أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر، كما إذا قال هذه الدار لزيد ثم قال بل لعمرو، حكم بها للأول و أعطيت له، و أغرم للثاني بقيمتها.

(مسألة 423) الإقرار بالنسب نافذ، كالإقرار بالبنوة و الأخوة و غيرهما، و المراد بنفوذه إلزام المقر بإقراره بالنسبة إلى ما يترتب عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة المقر له معه في إرث أو وقف و نحو ذلك.

و أما ثبوت النسب فإن كان الإقرار بالولد و كان صغيرا غير بالغ و لم يكذبه الحس و العادة، و لا الشرع، و لم ينازعه فيه منازع، فحينئذ يثبت بإقراره أنه ولده و تترتب عليه جميع آثاره، مثل كون ولد المقر به حفيدا للمقر و ولد المقر أخا للمقر به، و يقع

التوارث بينهما و كذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض.

و كذا الحال لو كان المقر به كبيرا و صدق المقر في إقراره مع الشروط المتقدمة.

أما إذا كان الإقرار بغير الولد حتى لو كان ولد ولد، فإن كان المقر به كبيرا و صدقه، أو كان صغيرا و صدقه بعد بلوغه فيتوارثان إذا لم يكن لهما وارث معلوم محقق، و لا يتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتى إلى أولادهما، و مع عدم التصادق أو وجود وارث محقق، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلا بالبينة.

(مسألة 424) إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر، لم يلتفت إلى إنكاره.

(مسألة 425) إذا أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له و أنكر الآخر، لم يثبت نسب المقر به، فيأخذ المنكر نصف التركة و يأخذ المقر نصيبه بمقتضى إقراره و هو الثلث، و يأخذ المقر به تكملة نصيب المقر و هو السدس.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 131

(مسألة 426) إذا كان للميت إخوة و زوجة فأقرت بولد له، كان لها الثمن و كان الباقي للولد إن صدقها الإخوة، و إن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع و للزوجة الثمن، و باقي حصتها للولد.

(مسألة 427) إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته و لم يكن له منازع ينازعه. ثبت نسبه و كان ميراثه للمقر.

(مسألة 428) ينفذ إقرار المريض كالصحيح، إلا في مرض الموت مع التهمة فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث، سواء أقر لوارث أو أجنبي، كما تقدم في الحجر.

(مسألة 429) إذا أقر جميع الورثة بدين على الميت أو بشي ء من ماله للغير كان مقبولا لأنه كإقرار الميت، و لو أقر بعضهم و أنكر البعض فإن أقر اثنان و كانا

عدلين ثبت الدين على الميت، و كذا العين للمقر له بشهادتهما، و إن لم يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ إقرار المقر في حق نفسه خاصة، فيؤخذ منه بنسبة نصيبه من التركة. و كذا لو أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى لأجنبي بشي ء و أنكر البعض.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 133

كتاب الهبة

(مسألة 430) الهبة تمليك عين مجانا من غير عوض عن الموهوب، و لا ينتقض بالهبة المعوضة، لأن العوض فيها عوض عن نفس الهبة دون الموهوب، و يشترط في الهبة المصطلحة أن تكون منجزة مجردة عن القربة، فتمتاز عن الوصية و الصدقات. و قد يعبر عنها بالعطية و النحلة.

و هي عقد يفتقر إلى إيجاب و قبول، و يكفي في الإيجاب كل لفظ دال على التمليك المذكور مثل (وهبتك أو ملكتك أو هذا لك) و نحو ذلك، و في القبول كل ما دل على الرضا بالإيجاب. و لا يعتبر فيها العربية، و الأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين و تسلمها بعنوان التمليك و التملك.

(مسألة 431) يعتبر في كل من الواهب و الموهوب له البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في الواهب عدم الحجر عليه بسفه أو فلس. نعم تصح الهبة للصبي و المجنون بأن يقبل عنهما وليهما.

و يعتبر أيضا في الموهوب له قابلية تملك الموهوب، فلا تصح هبة المصحف للكافر.

و تصح من المريض بمرض الموت و إن زاد على الثلث على الأقوى كما تقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 432) يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصح هبة المنافع.

و أما الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحت و أفادت فائدة الإبراء، و يعتبر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 134

فيها القبول على الأحوط إن

لم يكن أقوى، و إن لم يعتبر في الإبراء على الأقوى. لأن الإبراء إسقاط لما في ذمة المديون و هذه تمليك له، و إن كان يترتب عليها السقوط كبيع الدين لمن هو عليه.

أما إن كانت هبة الدين لغير من هو عليه فالأقوى عدم الصحة.

(مسألة 433) يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له و لو في غير مجلس العقد، و يشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب. نعم لو وهب ما كان في يد الموهوب له صح و لا يحتاج إلى قبض جديد و لا مضي زمان يمكن فيه القبض، و كذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له كالأب و الجد للولد الصغير يهبه ما في يده فيصح بمجرد العقد لأن قبض الولي قبض عن المولى عليه، و الأحوط أن يقصد القبض عن المولى عليه بعد الهبة.

و لو وهب غير الولي إلى صغير فلا بد من القبض، و يتولاه الولي.

(مسألة 434) القبض في الهبة كالقبض في البيع، و هو في غير المنقول كالدار و البستان التخلية بينه و بينه، برفع يده عنه و رفع المنافيات و الإذن له في التصرف بحيث يصير تحت استيلائه. و في المنقول تسلمه بيده أو ما هو بمنزلة التسلم باليد كوضعه في حجره أو في جيبه، و نحو ذلك.

(مسألة 435) يجوز هبة المشاع لإمكان قبضه و لو بقبض المجموع بإذن الشريك، أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء المتهب على المجموع من دون إذن الشريك أيضا، و ترتب الأثر عليه، فيكون المتهب غاصبا لحصة الشريك، لكن يكفي مثل هذا القبض لصحة الهبة.

(مسألة 436) لا يعتبر الفورية في

القبض و لا كونه في مجلس العقد فيجوز أن يكون بعد العقد و لو بزمان كثير، و لكن انتقال الموهوب له يحصل من حين القبض، فما كان له من نماء بعد الهبة و قبل القبض فهو للواهب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 135

(مسألة 437) إذا مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد و انفسخ و انتقل الموهوب إلى ورثته و لا يقومون مقامه في الإقباض، فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم و بين الموهوب له، كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض.

(مسألة 438) إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم أبا كان أو أما أو ولدا أو غيرهم، لزمت و لم يكن للواهب الرجوع فيها. و كذا لو كانت للزوج أو الزوجة على الأقوى.

و إن كانت لأجنبي غير الزوج و الزوجة كان له الرجوع فيها ما دامت العين قائمة بعينها كما في الصحيح، فإن تلفت كلا أو بعضا بحيث لا تعد قائمة بعينها فلا رجوع، و كذا لا رجوع إن عوّض المتهب عنها و لو عوضا يسيرا، و لا فرق بين أن يكون العوض مشترطا في الهبة أم كان العقد مطلقا، لكن المتهب أثاب الواهب و أعطاه عوضا.

و كذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة، أو أراد بها وجه اللّه تعالى.

(مسألة 439) يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع و الهبة، أو المغير للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها و الدقيق يخبزه و الثوب يفصله أو يصبغه و نحو ذلك، دون التصرف غير المغير كالثوب يلبسه و الفراش يفرشه و الدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها و نحوها، فإن أمثال ذلك لا يمنع

من الرجوع.

أما الامتزاج الرافع للامتياز و لو بالجنس، فالظاهر أنه مغير للعين، و أما مثل صبغ الثوب فالظاهر أنه غير مغير للعين إلا إذا حدث فيه نقص لا يصدق معه أن الثوب ما زال قائما بعينه.

(مسألة 440) لا فرق فيما يجوز فيه للواهب الرجوع بين الكل و البعض، فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهب شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو مفروزا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 136

(مسألة 441) الهبة نوعان: معوضة و غير معوضة، فالمعوضة ما شرط فيها الثواب و العوض و إن لم يعط العوض، أو عوض عنها و إن لم يشترط فيها العوض.

(مسألة 442) إذا وهب و أطلق لم يلزم على المتهب إعطاؤه ثوابا أو عوضا، سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي، و إن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاء العوض. و لا يجب على الواهب قبول العوض، و إن قبل و أخذه لزمت الهبة و لم يكن له الرجوع فيما وهبه. و قيل بعدم جواز رجوع المتهب في ثوابه و فيه إشكال لعدم صدق المعوضة على تلك الهبة و أنه أثيب في هبته إلا بالمسامحة العرفية. نعم مع الشك مقتضى الاستصحاب عدم تأثير الرجوع بعد القبض.

(مسألة 443) إذا شرط الواهب على المتهب أن يهبه شيئا مكافأة و ثوابا لهبته فقبل ما اشترط و قبض الموهوب، لزم عليه دفع العوض، فإن دفع لزمت الهبة الأولى على الواهب و إلا فله الرجوع.

و عليه، فلو عين العوض في الهبة المشروطة بالعوض تعين و لزم على المتهب بذله، و لو أطلق بأن شرط عليه أن يعوض و لم

يعين، فإن اتفقا على قدر فذاك، و إلا وجب عليه أن يثيب مقدار الموهوب مثلا أو قيمة، و يجوز للموهوب له في هذه الصورة أن يعطيه نفس الموهوب بعنوان العوض أو الثواب، بدل المثل أو القيمة الذي عليه.

(مسألة 444) الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروطة بالعوض أن يكون عوضها بعنوان الهبة، بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا، بل يجوز أن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حق، فإذا صالحه عنه و تحقق منه القبول فقد عوضه و لم يكن للواهب الرجوع في هبته. و كذا يجوز أن يكون إبراء عن حق أو إيقاع عمل له كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه و نحو ذلك، فإذا أبرأه عن ذلك الحق أو عمل له ذلك العمل، فقد أثابه و عوضه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 137

(مسألة 445) إذا رجع الواهب في هبته حيث يجوز له الرجوع، و كان للموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد و القبض كالثمرة و الحمل و اللبن في الضرع فهو للمتهب و لا يرجع إلى الواهب، بخلاف النماء المتصل كالسمن فإنه للواهب إذا كان يسيرا بحيث يصدق أن الموهوب قائم بعينه عرفا. و إلا فكونه مانعا عن الرجوع لا يخلو من قوة.

(مسألة 446) إذا مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة و إن كانت لأجنبي و لم تكن معوضة، و ليس لورثته الرجوع، و كذا لو مات الموهوب له انتقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما.

(مسألة 447) إذا باع الواهب العين الموهوبة بعد قبض المتهب، فإن كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها وقع البيع فضوليا، فإن أجاز المتهب

صح، و إلا بطل. و إن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع و وقوعه من الواهب و يكون رجوعا في الهبة. هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، و أما لو كان ناسيا أو غافلا و ذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا تأمل و إشكال، فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 448) الرجوع إما بالقول، كأن يقول: رجعت و ما يفيد معناه، و إما بالفعل كاسترداد العين و أخذها من يد المتهب، و من ذلك بيعها بل و إجارتها و رهنها، إذا كان ذلك بقصد الرجوع.

(مسألة 449) لا يشترط في الرجوع اطلاع المتهب، فلو أنشأ الرجوع بدون إخباره صح.

(مسألة 450) يستحب العطية للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيدا بصلتهم و نهى شديدا عن قطيعتهم، فعن مولانا الباقر عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام: ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن: البغي، و قطيعة الرحم، و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها. و إنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، و إنّ القوم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 138

ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون، و إنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها.

و يتأكد استحبابها للوالدين اللذين أمر اللّه تعالى ببرهما، فعن مولانا الصادق عليه السلام: إن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و قال: أوصني. قال: لا تشرك باللّه شيئا و إن أحرقت بالنار و عذّبت إلا و قلبك مطمئن بالإيمان، و والديك فأطعمهما و برّهما حيين كانا أو ميتين، و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل، فإن ذلك من الإيمان.

و عن منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: قلت: أي الأعمال أفضل؟ قال:

الصلاة لوقتها و برّ

الوالدين و الجهاد في سبيل اللّه.

و لا سيما الأم التي يتأكد برها و صلتها أكثر من الأب، فعن الصادق عليه السلام:

جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال: أمك، قال ثم من؟

قال: أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال: أباك.

و عنه عليه السلام: إنه سئل صلى اللّه عليه و آله و سلم عن بر الوالدين قال: أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أباك، أبرر أباك، أبرر أباك. و بدأ بالأم قبل الأب. و الأخبار في هذه المعاني كثيرة.

(مسألة 451) يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية، و ربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة و الشحناء و البغضاء المؤدية إلى الفساد، كما أنه ربما يفضل التفضيل إذا يؤمن من الفساد، و يكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 139

كتاب الوقف

اشارة

(مسألة 452) الوقف تحبيس العين و تسبيل منفعتها، و فيه فضل كثير و ثواب جزيل، فقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، و علم ينتفع به بعد موته، و صدقة جارية. و فسرت الصدقة الجارية بالوقف. و في الكافي عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته و صدقة مبتولة لا تورث. أو سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له. و الأخبار في فضله كثيرة.

(مسألة 453) يعتبر في الوقف الصيغة، و هي كل

ما دل على إنشاء المعنى المذكور مثل «وقفت أو حبست أو سبلت» بل و «تصدقت» إذا اقترن بما يدل على إرادة المعنى المقصود كقوله: صدقة مؤبدة لا تباع و لا توهب، و نحو ذلك، و كذا قوله: جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة أو محبسة أو مسبلة على كذا.

و لا يعتبر فيها العربية و لا الماضوية، بل يكفي الجملة الاسمية كقوله هذا وقف أو أرضى هذه موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة بل تكفي فيه المعاطاة في بعض الموارد كما يأتي.

(مسألة 454) لا بد في وقف المسجد من نية عنوان المسجدية، فلو وقف مكانا على صلاة المصلين و عبادة المتعبدين لم يصر بذلك مسجدا ما لم ينو عنوان المسجدية. و الظاهر كفاية قوله: جعلته مسجدا، و إن لم يذكر ما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 140

يدل على وقفه و تحبيسه، و إن كان أحوط بأن يقول مثلا: وقفت هذا المكان أو هذا البنيان مسجدا أو على أن يكون مسجدا.

(مسألة 455) الظاهر كفاية المعاطاة في المحبس على المصلحة العامة مثل المساجد و المقابر و الطرق و الشوارع و القناطر و الربط المعدة لنزول المسافرين و الأشجار المغروسة لانتفاع المارة بظلها أو ثمرها، بل و مثل البواري للمساجد و القناديل للمشاهد و أشباه ذلك. فلو بنى بناء بعنوان المسجدية و أذن في الصلاة فيه للعموم و صلّى فيه بعض الناس، كفى في وقفه و صيرورته مسجدا، و كذا لو عين قطعة من الأرض لتكون مقبرة للمسلمين و خلّى بينها و بينهم و أذن إذنا عاما لهم في الإقبار فيها فأقبروا فيها بعض الأموات، أو بنى قنطرة و خلى بينها و بين العابرين فشرعوا في العبور عليها،

و هكذا.

(مسألة 456) الظاهر عدم الفرق في الوقف المعاطاتي المذكور بين أن يبني بناء بنية أحد العناوين المذكورة و بين أن يكون له بناء و يسلمه إلى أهله بهذه النية. إذ الملاك في جميع الأمثلة هو الإقباض بنية الوقف و لا مدخلية للبناء بهذه النية في صحة المعاطاة.

(مسألة 457) يجوز التوكيل في الوقف، أما الفضولية فلا يبعد جريانها في الوقف الخاص المجرد عن قصد القربة على القول بصحته، أما الوقف الملازم لقصد القربة فجريانها فيه بعيد، بل ممنوع.

(مسألة 458) الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة كالمساجد و المقابر و القناطر و نحوها، و كذا الوقف على العناوين الكلية كالوقف على الفقراء و الفقهاء و نحوهم. و الأحوط (استحبابا) رعاية القبول في الوقف العام، و القائم به الحاكم أو المنصوب من قبله. و أما الوقف الخاص كالوقف على الذرية فالأقوى اعتباره فيه، فيقبله الموقوف عليهم، و إن كانوا صغارا قام به وليهم، و يكفي قبول الموجودين و لا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 141

(مسألة 459) الأحوط اعتبار قصد القربة في الوقف حتى في الوقف الخاص كالوقف على زيد و ذريته و نحو ذلك.

(مسألة 460) يشترط في صحة الوقف القبض، و يعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف، ففي الوقف الخاص، و هو الوقف على أشخاص كالأولاد و الذرية، يعتبر قبض الموقوف عليهم أو وليهم، أو من جعله الواقف قيما و متوليا. و يكفي قبض الطبقة الأولى عن بقية الطبقات، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأولى عمن يوجد منها فيما بعد، و لو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض و

بطل بالنسبة إلى من لم يقبض.

و أما الوقف على الجهات و المصالح كالمساجد و ما وقف عليها، فيكفي في إقباضه لتلك الجهة أن يعين له متوليا و يقبضه، بل يكفي أن يفتح باب المسجد مثلا و يأذن بالصلاة فيه و يصلون فيه و لو صلاة واحدة، و القنطرة للعابرين فيعبرون عليها و لو لم يطلع على ذلك المتولي و لم يأذن به.

أما في الوقف على العناوين العامة كالفقراء و الطلبة و العلماء، فيكفي أن يعين له متوليا و يقبضه، و الأقوى أنه يكفي قبض بعض المستحقين من أفراد ذلك العنوان العام كما إذا سلم الدار الموقوفة على سكنى الفقراء إلى فقير بنية استيفاء ما يستحق منها فسكنها. نعم لا يكفي مجرد استيفاء المنفعة و الثمرة من دون استيلاء على العين، فإذا وقف بستانا على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شي ء من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده.

(مسألة 461) إذا وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض جديد، و كذا كل ولي إذا وقف على المولى عليه، لأن قبض الولي قبض المولى عليه، و الأحوط الأولى أن يقصد أنّ قبضه عنه.

(مسألة 462) إذا جعل الواقف التولية لنفسه في مثل الوقف على الجهات العامة التي يكفي فيها قبض المتولي، فلا يحتاج إلى قبض آخر، و يكفي قبضه الذي هو حاصل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 142

(مسألة 463) إذا كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر، لم يحتج إلى قبض جديد، نعم لا بد أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف، و أن يكون تخلية يده بعنوان الوقف.

(مسألة 464) لا يشترط في القبض الفورية،

فلو وقف عينا ثم أقبضها بعد مدة متأخرة، كفى و تم الوقف من حينه.

(مسألة 465) إذا مات الواقف قبل الإقباض بطل الوقف و كان ميراثا.

(مسألة 466) يشترط في الوقف الدوام، بمعنى عدم توقيته بمدة، فلو قال: وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة، بطل وقفا، و الأوجه صحته حبسا إلا إذا علم أنه قصد كونه وقفا إلى سنة.

(مسألة 467) إذا وقف على من ينقرض غالبا كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن أو عدة بطون و لم يذكر المصرف بعد انقراضهم فالأقوى صحته و يكون وقفا منقطع الآخر إلى زمان انقراضهم، و يرجع بعد ذلك إلى الواقف أو ورثته.

(مسألة 468) الفرق بين الوقف و الحبس أن الوقف يوجب زوال ملك الواقف أو منعه من جميع التصرفات فيه، و هو لا يورث. أما الحبس فيبقى على ملك الحابس و يورث و يجوز للحابس التصرف فيه بأنواع التصرفات التي لا تتنافى مع استيفاء المحبس عليه المنفعة. هذا في الحبس الموقت، أما الحبس الدائم فالظاهر أنه يوجب زوال الملك و لا يجوز للحابس التصرف فيه مثل الوقف.

(مسألة 469) إذا انقرض الموقوف عليه و رجع إلى ورثة الواقف فالأظهر أنه يرجع إلى ورثته حين الموت لا حين الانقراض.

(مسألة 470) إذا وقف على زيد و أولاده و بعد انقراضهم على الكنائس و البيع مثلا، يصح وقفا بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه و يبطل بالنسبة إلى ما لا يصح، و يكون من الوقف المنقطع الآخر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 143

(مسألة 471) الوقف المنقطع أوله باطل كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي، أو وقف أولا على ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره، و أما

المنقطع الوسط فيصح بالنسبة إلى شطره الأول و يكون كالمنقطع الآخر و يبطل بالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأول.

(مسألة 472) إذا وقف على غيره أو على جهة و شرط عوده إليه عند حاجته صح على الأقوى، و مرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم يحتج إليه، فإذا احتاج إليه ينقطع و يدخل في المنقطع الآخر و قد مرّ حكمه. و إذا مات الواقف فإن كان بعد طرو الحاجة كان ميراثا، و إلا بقي على وقفيته.

(مسألة 473) يشترط في صحة الوقف التنجيز، و يبطل لو علقه على شرط متوقع الحصول كمجي ء زيد، أو على شي ء غير حاصل لكنه يقيني الحصول فيما بعد كما إذا قال: وقفت إذا جاء رأس الشهر. نعم لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل مع القطع به فعلا، كما إذا قال: وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة، مع علمه به.

(مسألة 474) إذا قال: هو وقف بعد موتي، فإن لم يفهم منه الوصية بطل، و إن فهم منه في متفاهم العرف أنه وصية بالوقف صح، فيجب على الورثة وقفه إن كان بمقدار الثلث أو كان أكثر و أمضوه، و لا يتحقق الوقف بمجرد تلك الوصية.

(مسألة 475) من شرائط صحة الوقف إخراج نفسه عن الوقف، فلو وقف على نفسه لم يصح، و لو وقف على نفسه و على غيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه و صح بالنسبة إلى غيره، و ان كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه ثم على غيره كان من الوقف المنقطع الأول، و إن كان بالعكس كان من المنقطع الآخر، و إن كان على غيره ثم على نفسه ثم على غيره كان من المنقطع الوسط، و قد تقدم

حكم هذه الصور.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 144

(مسألة 476) إذا وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا و شرط أن يقضي ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة و الخمس، أو ينفق عليه من غلة الوقف لم يصح و بطل الوقف، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عين، و كذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه إلى آخر عمرة أو إلى مدة معينة، و كذا بين تعيين مقدار المؤنة و عدمه. نعم لو شرط ذلك على الموقوف عليه من ماله و لو من غير منافع الوقف جاز، لكن الأحوط تركه أيضا.

(مسألة 477) إذا شرط أن يأكل أضيافه من ثمرة الوقف جاز، و كذا لو شرط مؤنة أهله و عياله و لو كانوا ممن يجب عليه نفقتهم حتى الزوجة الدائمة إذا لم يكن ذلك بعنوان النفقة الواجبة عليه لكي تسقط عنه، و إلا رجع إلى الوقف على نفسه مثل شرط أداء ديونه.

(مسألة 478) إذا آجر عينا ثم وقفها، صح الوقف و بقيت الإجارة على حالها، و كان الوقف مسلوب المنفعة في مدة الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف، رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر و لا يملكها الموقوف عليهم، فلو احتال للانتفاع بوقفه بأن آجر العين أولا مدة عشرين سنة مثلا و شرط خيار الفسخ له ثم وقفها و تم الوقف ثم فسخ الإجارة، رجعت إليه منفعة تلك المدة.

(مسألة 479) يجوز انتفاع الواقف بما وقفه على الجهات العامة كالمساجد و المدارس و القناطر و الأماكن المعدة لنزول الزوار و الحجاج و المسافرين و نحوها، و أما ما وقفه على العناوين العامة كالفقراء و العلماء إذا كان الواقف

داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه فيما بعد، فمرة يكون المقصود من الوقف التوزيع عليهم فلا يجوز له الأخذ منه، بل يجب أن ينوي خروج نفسه من الوقف و يقفه على من عدا نفسه. كأن ينوي مثلا وقف هذا الملك على ذرية أبيه أو جده باستثناء نفسه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 145

و مرة يكون المقصود من الوقف المصرف على ذلك العنوان لا التوزيع كما هو الغالب المتعارف في الوقف على العلماء و الزوار و الحجاج و الطلبة، فإن نوى خروج نفسه فلا إشكال، و إن نوى الإطلاق و العموم بحيث يدخل هو في المنتفعين فالأقوى أنه يجوز له الانتفاع به، و أما إذا نوى دخول نفسه في المنتفعين، فالأحوط له عدم الانتفاع.

(مسألة 480) يعتبر في الواقف البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه، فلا يصح وقف الصبي و إن بلغ عشرا على الأقوى. نعم إذا أوصى بالوقف صح وقف الوصي عنه، لأن الأقوى صحة وصيته.

(مسألة 481) لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما، فيصح وقف الكافر فيما يصح وقفه من المسلم على الأقوى، و كذا فيما لا يصح من المسلم إن صح في دينهم من باب إقرارهم على دينهم، لا بمعنى الصحة الواقعية.

(مسألة 482) يعتبر في الموقوف أن يكون عينا مملوكا طلقا، فلا يصح وقف العين المرهونة. و أن يصحّ الانتفاع به منفعة محللة مع بقاء عينه مدة معتدا بها، فلا يصح وقف الورد للشم و النار للاصطلاء. و أن يمكن قبضه، فلا يصح وقف المنافع و لا الديون، و لا وقف ما لا يملك مطلقا كالحر أو ما لا يملكه المسلم كالخنزير، و لا ما لا

ينتفع به إلا بإتلافه كالأطعمة و الفواكه، و لا ما ينحصر الانتفاع به في المحرم كآلات اللهو و القمار. و يلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرمة، كما إذا وقف الدابة لحمل الخمر أو الدكان لحرزه أو بيعه. و كذا لا يصح ما لا يمكن قبضه كالدابة الشاردة.

و يصح وقف كل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه كالأراضي و الدور و العقار و الثياب و السلاح و الآلات المباحة و الأشجار و المصاحف و الكتب و الحلي و صنوف الحيوان حتى الكلب المملوك و السنور و نحوهما.

(مسألة 483) لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا، بل يكفي كونها معرضا للانتفاع و لو بعد مدة و زمان، فيصح وقف الدابة الصغيرة و الأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد سنين.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 146

(مسألة 484) المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة في العارية و الإجارة، فتشمل النماءات و الثمرات، فيصح وقف الأشجار لثمرها و الشاة لصوفها و لبنها و نتاجها، و إن قلنا بعدم صحة إجارتها لذلك.

(مسألة 485) ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى قسمين: الوقف الخاص و هو ما كان وقفا على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده و ذريته أو على زيد و ذريته. و الوقف العام و هو ما كان على جهة و مصلحة عامة، كالمساجد و القناطر و الأماكن المعدة لنزول القوافل، أو على عنوان عام كالفقراء و الفقهاء و الطلبة و الأيتام.

(مسألة 486) يشترط في الوقف الخاص وجود موقوف عليه حين الوقف، فلا يصح أن يكون الوقف أولا على معدوم أو من سيوجد أو على حمل لم يولد، بأن يكون هو

الموقوف عليه في الطبقة الأولى بدون مشاركة موجود في تلك الطبقة. نعم لو جعل المعدوم أو الحمل مساويا في الوقف مع الموجود أو جعل طبقة ثانية بعد الموجود صح، كما إذا وقف على أولاده الموجودين و من سيولد له على التشريك أو الترتيب. و بالجملة: لو وقف على من سيولد له أولا ثم على الموجودين فلا يتحقق الوقف لأنه منقطع الأول، و لو وقف على ولده الموجود ثم على أولاد ولده ثم على زيد، فتوفي ولده قبل أن يولد له ثم ولد له انقطع الوقف بموته و كان من منقطع الوسط. و لو وقف على ذريته نسلا بعد نسل و كان له أولاد و أولاد أولاد، ثم انقرضوا كان الوقف من منقطع الآخر.

(مسألة 487) لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجوده في كل زمان، بل يكفي في بعض الأزمان، فإذا وقف بستانا مثلا على فقراء البلد و لم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف و لم يكن من المنقطع الأول، و لو كان موجودا حين الوقف ثم لم يوجد في زمان ثم وجد لم يكن من المنقطع الوسط بل يكون الوقف باقيا، فتحفظ منافعه في حالة عدم وجود الفقير إلى أن يوجد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 147

(مسألة 488) يشترط في الموقوف عليه التعيين، فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد المسجدين أو أحد الفريقين، لم يصح.

(مسألة 489) لا يصح الوقف على الكافر الحربي على المشهور و لا على المرتد عن فطرة، و أما الذمي و المرتد لا عن فطرة فالظاهر صحته، سيما إذا كان رحما للواقف.

(مسألة 490) لا يصح الوقف على الجهات المحرمة كالوقف على

البيع و الكنائس و نشر كتب الضلال، و لا على ما فيه إعانة على المعصية كالمعونة على الزنا و قطع الطرق. نعم يصح الوقف من الكافر على البيع و الكنائس.

(مسألة 491) إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد، انصرف إلى فقراء المسلمين، بل الظاهر أنه لو كان الواقف شيعيا انصرف إلى فقراء الشيعة، و إذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى اليهود و النصارى إلى النصارى و هكذا، بل الظاهر أنه لو كان الواقف سنيا انصرف إلى فقراء أهل السنة. نعم الظاهر أنه لا يختص بمن يوافقه في المذهب، فلو وقف الحنفي لم ينصرف إلى الحنفي فقط، و هكذا.

(مسألة 492) إذا كان أفراد العنوان الموقوف عليه أفرادا محصورين، كما إذا وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة، توزع منافع الوقف على الجميع، و إن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة، فيوزع على جماعة معتد بها بحسب مقدار المنفعة.

(مسألة 493) إذا وقف على فقراء قبيلة كبني فلان و كانوا متفرقين، لم يقتصر على الحاضرين، بل يجب تتبع الغائبين و حفظ حصتهم لإيصالها إليهم و تعامل حصصهم معاملة مال الغائب، و لا فرق بين أن يكونوا محصورين أو غير محصورين. هذا إذا علم أن المقصود أعم من الحاضرين أو كان اللفظ

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 148

ظاهرا فيه و لو بمعونة القرائن و كان المقصود التوزيع، و أما إذا احتمل أن يكون المقصود الحاضرين من فقرائهم أو احتمل أن يكون مقصود الواقف المصرف دون التوزيع و التشريك كما هو المتعارف في الوقف على عنوان أفراد كثيرين متفرقين في البلاد، ففي كلا

الاحتمالين لا يجب التتبع بل لا يجوز التعدي من الحاضرين إلا مع العلم أو الظهور في الأعم، لأن المتيقن حينئذ هو الحاضرون.

(مسألة 494) إذا وقف على المسلمين، كان لكل من أقر بالشهادتين و لم يحكم بكفره من جهة النصب أو الغلو و أمثالهما مما يوجب الكفر. هذا إن كان المقصود المسلم الواقعي، و أما إذا كان المقصود المسلم على مذهبه فيتبع مذهبه. و لو وقف على المؤمنين اختص بالاثني عشرية لو كان الواقف إماميا، و كذا لو وقف على الشيعة.

(مسألة 495) إذا وقف في سبيل اللّه، صرف في كل ما يكون وصلة إلى الثواب، و كذلك لو وقف في وجوه البر.

(مسألة 496) إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف، و إذا وقف على الأقرب فالأقرب كان مرتبا على كيفية طبقات الإرث.

(مسألة 497) إذا وقف على أولاده اشترك الذكر و الأنثى و الخنثى، و يكون التقسيم بينهم على السواء، و إذا وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين و البنات ذكورهم و إناثهم بالسوية.

(مسألة 498) إذا قال: وقفت على ذريتي عم الأولاد بنين و بنات و أولادهم بلا واسطة و بواسطة، ذكورا و إناثا، و يكون الوقف تشريكيا تشارك فيه الطبقات اللاحقة مع السابقة، و يكون على الرؤوس بالسوية.

و أما إذا: قال وقفت على أولادي، أو قال: على أولادي و أولاد أولادي، ففي ظهور ذلك في التعميم بنحو الإطلاق إشكال، بل يختلف ظهوره باختلاف

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 149

موارد استعماله، و لا كلية له، فقد يشمل البنين و البنات و قد يختص بالبنين، و قد يشمل الأحفاد و قد لا يشمل.

(مسألة 499) إذا قال: وقفت على أولادي نسلا بعد نسل و بطنا بعد

بطن، فالظاهر المتبادر منه عند العرف أنه وقف ترتيب، فلا يشارك الولد أباه و لا ابن الأخ عمه.

(مسألة 500) إذا قال: وقفت على ذريتي، أو قال: على أولادي و أولاد أولادي و لم يذكر أنه وقف تشريك أو وقف ترتيب يحمل على التشريك. أما لو علم من الخارج وقفية شي ء على الذرية و لم يعلم أنه وقف تشريك أو وقف ترتيب، فلا بد من التصالح و التراضي في الزائد عن سهم الطبقة الأولى، و إلا فالرجوع إلى القرعة.

(مسألة 501) لو قال: وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل، فهو تعبير يختلف بحسب الموارد فقد يختص بأولاده الذكور من الذكور و قد يشمل الذكور من الإناث أيضا، و المرجع فيه متفاهم العرف و لو مع القرائن كما مر.

(مسألة 502) إذا كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف، فتارة يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة و اللاحقة و يراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه و لا ابن الأخ عمه و عمته و لا ابن الأخت خاله و خالته، و أخرى يجعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل طبقة و أبنائهم، فإذا كانوا إخوة و لبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء في حياة الآباء، فإذا توفوا شارك الأولاد أعمامهم. و يمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر و يتبع، فإن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها.

(مسألة 503) إذا قال «وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة و إن مات أحدهم و كان له ولد فنصيبه لولده» صح ذلك، فلو مات أحدهم و له ولد يكون نصيبه لولده، و لو تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤوس، و إذا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 150

مات من

لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته و لا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده.

(مسألة 504) إذا وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطب و النجوم و الحكمة، إن لم يكونوا عالمين بعلم الشريعة.

(مسألة 505) إذا وقف على أهل مشهد كالنجف أو كربلاء مثلا، اختص بالمتوطنين و المجاورين و لا يشمل الزوار و المترددين (مسألة 506) إذا وقف على طلبة العلم في النجف مثلا من أهل البلد الفلاني اختص بمن هاجر من ذلك البلد إلى النجف لطلب العلم، أما من أعرض عن بلده ذاك و اتخذ النجف وطنا فشمول هذا الوقف له تابع للصدق العرفي عليه.

(مسألة 507) إذا وقف على مسجد، صرفت منافعه مع الإطلاق في تعميره وضوئه و فرشه و خادمه و مؤذنه إذا كان معدا للأذان، و لو زاد شي ء يعطى لإمامه.

(مسألة 508) إذا وقف على مشهد تصرف منافعه في تعميره وضوئه و فرشه و وسائل التدفئة في الشتاء و التبريد في الصيف، و سائر حوائجه من وسائل الوضوء و التطهير، و تطهير أماكنه إذا تنجست، و أمثال ذلك، و كذا على خدامه القائمين بالأعمال اللازمة لذلك المشهد.

(مسألة 509) إذا وقف وقفا للحسين عليه السلام و أطلق، صرف في إقامة تعزيته، من أجرة القاري و ما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين. أما إذا علم أن الواقف لم يقصد التعزية بل قصد الحسين عليه السلام فقط، فلا يبعد جواز صرفه في أي خير له عليه السلام.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 151

(مسألة 510) ليس للواقف بعد تمام الوقف التغيير في الموقوف عليه بإخراج بعض من كان داخلا أو إدخال من كان خارجا، هذا إذا لم يشترط ذلك في

ضمن عقد الوقف، أما إذا اشترط الإدخال ففيه إشكال. و إذا اشترط إخراج من يريد أو نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد، فيبطل الشرط بل الوقف أيضا على إشكال. نعم لو وقف على طلبة علم في بلد مثلا إلى أن يوجد طلبة علم في بلد آخر، صح الوقف.

(مسألة 511) إذا علم أن هذا الشي ء وقف و لم يعلم مصرفه و لو من جهة نسيانه، فإن كان يوجد قدر متيقن صرف فيه، كما إذا لم يدر أنه وقف على الفقراء أو على الفقهاء، فيقتصر على الفقهاء الفقراء، و إن لم يوجد قدر متيقن و كان الاحتمال بين أمور محصورة، كما إذا لم يدر أنه وقف على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني أو دار الاحتمال بين العنوان الفلاني أو الفلاني، فالأحوط التصالح و التراضي إذا أمكن و إلا فالقرعة. و إن كان مرددا بين عناوين و أشخاص غير محصورين، كما إذا لم يدر أنه وقف على فقراء البلد الفلاني أو فقهاء البلد الفلاني أو سادة البلد الفلاني أو ذرية زيد أو ذرية عمرو أو ذرية خالد، و هكذا، كانت منافعه بحكم مجهول المالك فيتصدق بها.

و إن كان مرددا بين جهات غير محصورة، كما إذا لم يعلم أنه وقف على المسجد أو المشهد أو القناطر أو إعانة الزوار أو تعزية سيد الشهداء عليه السلام، و هكذا، صرف في وجوه البر، بشرط أن لا يجزم بخروج ذلك عن مصرفه.

(مسألة 512) إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجددة ملكها الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف، كالشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدد و لبنها و نتاجها، و الشجر و النخل يملكون ثمرها و أوراقها و أغصانها إذا قطعت لإصلاحها و يملكون

فراخها و غير ذلك من جميع منافعها. و إذا خصص الواقف الوقف ببعض المنافع دون بعض ففي صحة التخصيص إشكال فلا يترك فيه مراعاة الاحتياط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 152

(مسألة 513) إذا وقف على مصلحة فانتفت كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة فخربت و لم يمكن تعميرها أو لم يحتج المسجد إلى مصرف لعدم من يصلي فيه و المدرسة لعدم الطلبة، صرف الوقف في وجوه البر، و الأحوط صرفه في مصلحة أخرى من جنس تلك المصلحة، و مع التعذر يراعى الأقرب فالأقرب منها.

(مسألة 514) إذا خرب المسجد لم تخرج أرضه عن المسجدية، فتجري عليها أحكامها، و كذا لو خربت القرية التي فيها المسجد، بقي هو على صفة المسجدية، إلا إذا كان مقاما في الأراضي المفتوحة عنوة أو في الأراضي الموقوفة على غير المسجد، فتزول المسجدية بخرابه.

(مسألة 515) إذا وقف دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن أطلق فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو دكانا و نحوها ملكوا منافعها و قسموا بينهم ما يحصل منها بإجارة و غيرها على حسب ما قرر الواقف من الكمية و الكيفية، و إن لم يقرر كيفية في القسمة قسموها بينهم بالسوية.

و ان وقفها لسكناهم فهو وقف انتفاع و ليس لهم إجارتها، فإن كفت لسكنى الجميع سكنوها و ليس لبعضهم أن يستقل بها و يمنع غيره، و إذا وقع بينهم التشاح في اختيار محل سكناهم فإن جعل الواقف متوليا و جعل له النظر في تعيين المسكن للساكن كان له ذلك، و مع عدمه و عدم التراضي فالمرجع القرعة. و لو سكنها بعضهم و لم يسكنها البعض فليس له مطالبة الساكن بأجرة حصته إذا

كان باذلا له السكن و لكنه لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي. و إن لم تكف لسكنى الجميع فالظاهر أن المتعين المهاياة، و مع التشاح يرجع إلى القرعة، و يسكن من خرجت له القرعة و ليس للآخر مطالبته بأجرة حصته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 153

(مسألة 516) لا يملك الموقوف عليهم الثمر الموجود حال الوقف على النخل و الشجر بل هو باق على ملك الواقف، و كذا الحمل الموجود حال وقف الحامل. نعم في الصوف على الشاة و اللبن في ضرعها إشكال فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 517) إذا قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي فقد تقدم تفاوت ظهوره بحسب الموارد من حيث شموله لجميع البطون و عدمه، أما من حيث الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو قيد الذكورية أو الأنوثية أو غير ذلك فيكون تعيين الواقف هو المتبع، و إذا أطلق فمقتضاه التشريك و الشمول للذكور و الإناث و المساواة و عدم التفضيل.

و لو قال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي أفاد الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد قطعا، و أما شمول الترتيب للأحفاد فما بعدهم فلا كلية له و الموارد مختلفة و الحكم دائر مدار الظهور العرفي و لو بمعونة القرائن.

(مسألة 518) إذا تم الوقف زال ملك الواقف عن العين الموقوفة، أما الموقوفات على الجهات العامة كالمساجد و المشاهد و القناطر و المقابر و المدارس و أوقاف المساجد و المشاهد و أمثالها، فلا يملكها أحد، بل وقفها فك ملك بمنزلة التحرير بالنسبة إلى الرقبة و تسبيل للمنافع على جهات معينة.

و أما الوقف الخاص كالوقف على الأولاد، و الوقف العام على العناوين العامة، كالوقف على الفقراء و الفقهاء و الطلبة و نحوهم،

فإن كان وقف منفعة بأن وقف عليهم ليكون منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة و غير ذلك، فالظاهر أنهم كما يملكون المنافع ملكا طلقا يملكون الرقبة أيضا ملكا غير طلق و ذلك لأن اعتبار تسبيل المنافع لهم إلى الأبد ملازم لاعتبار ملك الرقبة لهم عرفا، و إن كان وقف انتفاع كما إذا وقف الدار لسكنى ذريته أو الخان لسكنى الفقراء فالأقوى فيه أيضا أنه كوقف المنفعة فتكون الرقبة ملكا غير طلق لهم أيضا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 154

(مسألة 519) لا يجوز تغيير الوقف و إبطال رسمه و إزالة عنوانه و لو إلى عنوان وقف آخر كجعل الدار دكانا أو بالعكس. نعم إذا صار مسلوب المنفعة أو قليلها للغاية فلا يبعد جواز تبديله إلى وقف ذي منفعة، بل إذا لم يصر مسلوب المنفعة، و صارت منفعته أقل، جاز تبديله إلى الأكثر منفعة.

(مسألة 520) إذا خرب الوقف و انهدم و زال عنوانه، كأن يبست أشجار البستان أو زالت و انهدمت الدار و عفت آثارها، فإن أمكن تعميره و إعادة عنوانه و لو بصرف أصله بالإجارة و نحوها، لزم و تعين و الأحوط أن يكون ذلك بإذن الموقوف عليهم أو المتولي. و إلا فالأقوى عدم خروج الأرض عن الوقفية فيستفاد منها بوجه آخر، و إن كان الأحوط أن يستأذن الواقف أو ورثته و يجعل وقفا و يجعل مصرفه و كيفياته على حسب الوقف الأول.

(مسألة 521) إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير و ترميم و إصلاح لبقائها و استثمارها، فإن عين الواقف لها ما يصرف عليها فهو، و إلا يصرف على إصلاحها من نمائها مقدما على حق الموقوف عليهم. و الأحوط أن يكون ذلك

بإذن الموقوف عليهم أو المتولي، بل إذا توقف بقاؤها على بيع بعضها جاز ذلك أيضا.

(مسألة 522) لا يجوز بيع الأوقاف على الجهات العامة كالمساجد و المشاهد و المدارس و المقابر و القناطر و نحوها، مهما جرى عليها، و حتى لو خربت و اندرست بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلا. فلو خرب المسجد و خربت القرية التي هو فيها و انقطعت المارة عن الطريق الذي يسلك إليه لم يجز بيعه و صرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره.

و أما ما يتعلق بهذه الأوقاف من الأثاث و الوسائل و أشباه ذلك، فلا يجوز بيعها أيضا ما دام يمكن الانتفاع بها و لو بغير الانتفاع الذي أعدت له، كما لو استغنى المحل عن الافتراش بالمرة لكن احتاج إلى ستر يقي أهله من الحر أو البرد تجعل سترا لذلك المحل. و لو فرض استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 155

يترتب على إبقائها فيه إلا الضياع و الضرر و التلف، تجعل في محل آخر مماثل له، فيجعل ما للمسجد لمسجد آخر و ما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يكن المماثل، أو استغني عنها بالمرة جعلت في المصالح العامة.

أما لو لم يمكن الانتفاع بها إلا ببيعها و كانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت و تلفت، بيعت و صرف ثمنها في ذلك المحل إن احتاج إليه، و إلا ففي المماثل، ثم المصالح كما مرّ.

(مسألة 523) الظاهر أنه لا يجوز إجارة تلك الأوقاف أيضا، و لو غصبها غاصب و استوفى منها غير المنافع المقصودة منها، كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت سكن أو مخزنا، لم يكن عليه أجرة المثل. نعم لو

أتلف أعيانها متلف فالأحوط ضمانه، فتؤخذ منه القيمة و تصرف في شراء بدل التالف و مثله.

(مسألة 524) الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد و الأوقاف العامة على العناوين العامة كالفقراء و إن كانت ملكا للموقوف عليهم كما مرّ لكنها ليست ملكا طلقا لهم حتى يجوز لهم بيعها و نقلها بأحد النواقل متى شاؤوا و أرادوا كسائر أملاكهم، و إنما يجوز لهم ذلك لعروض بعض العوارض و هي أمور:

أحدها: إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالتها الأولى و لا الانتفاع بها إلا ببيعها، كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير الخلق، فتباع و الأحوط مع الإمكان أن يشترى بثمنها شي ء يمكن وقفه و يوقف عليهم، و الأحوط مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.

الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به بحيث يكون الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى منفعة أمثاله، كما إذا انهدمت الدار و اندرست البستان فصارت أرضا لا يمكن الانتفاع بها إلا بمقدار جزئي جدا يعتبر بحكم العدم بالنسبة إليهما، و كانت إذا بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 156

أو بستان أخرى أو ملك آخر تكون منفعتها تساوي منفعة الدار أو البستان أو تقرب منها، فيجوز في هذه الصورة بيعها. أما إذا كانت بحيث لا يمكن أن يشترى بثمنها إلا ما تكون منفعته بمقدار منفعة أرضها، فلا يجوز بيعها، بل تبقى على حالها.

الثالث: إذا علم أو اطمأن أنه يؤدي بقاؤه إلى خرابه على وجه لا ينتفع به أصلا أو ينتفع به انتفاعا قليلا ملحقا بالعدم، سواء كان ذلك بسبب الاختلاف الواقع بين أربابه أو لأمر آخر. أما الظن بذلك ففيه إشكال.

الرابع: إذا اشترط الواقف في

وقفه أن يباع عند حدوث أمر مثل قلة المنفعة أو كثرة الضرائب أو المصارف أو وقوع الاختلاف بين أربابه أو حصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك، فإنه لا مانع حينئذ من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى.

الخامس: إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس و لا ينحسم ذلك إلا ببيعه، فيجوز حينئذ بيعه و تقسيم ثمنه بينهم. نعم لو كان الاختلاف يرتفع بمجرد بيعه و صرف الثمن في شراء عين أخرى لهم أو تبديل العين الموقوفة بعين أخرى تعين ذلك، فيشتري بالثمن عين أخرى أو يبدل بملك آخر، فيجعل وقفا و يبقى لسائر البطون و الطبقات.

(مسألة 525) لا إشكال في جواز إجارة الموقوف وقف منفعة، سواء كان وقفا خاصا أو عاما كالدكاكين و المزارع و الخانات الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات و المصالح العامة، حيث أن المقصود استثمارها بإجارة و نحوها و وصول نفعها و نمائها إلى الموقوف عليهم، بخلاف ما كان وقف انتفاع كالدار الموقوفة على سكنى الذرية و المدرسة و المقبرة و القنطرة و الأماكن الموقوفة لنزول المارة، فالظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال.

(مسألة 526) إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه و احتاج بعضه الآخر إلى تعمير و لو لأجل توفير المنفعة فإن أمكن تبديل الخراب بملك آخر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 157

يجعل وقفا، فهو المتعين، و إن لم يمكن فلا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض الخراب في تعمير البعض الآخر.

(مسألة 527) إذا كانت العين مشتركة بين الوقف و الملك الطلق جاز قسمة الوقف عنه، و يقوم بها مالك الطلق

مع متولي الوقف أو الموقوف عليهم، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضا لو تعدد الوقف و الموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما حصته على أولاده.

بل لا يبعد جواز القسمة إذا تعدد الوقف و الموقوف عليه مع اتحاد الواقف، كما إذا وقف نصف داره مشاعا على مسجد و النصف الآخر على مشهد.

و كذا يجوز قسمة الوقف بين أربابه إذا اتحد الوقف و الواقف و كان الموقوف عليهم بطونا متلاحقة، إذا كانت من أجل انتفاع كل منهم بقسم من الوقف ما دام حيا. أما القسمة بغير هذا المعنى فالأقوى عدم جوازها بحال.

(مسألة 528) إذا آجر الوقف البطن الأول و انقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة، بطلت بالنسبة إلى بقية المدة، و الأقوى عدم تأثير إجازة البطن اللاحق كما مر، لأنهم لم يكونوا مالكين حين العقد.

هذا إذا آجر البطن الأول، و أما إذا آجر المتولي و لاحظ في ذلك مصلحة الوقف، أو لاحظ مصلحة البطن اللاحق ففي كلتا الصورتين إشكال إذ البطن اللاحق لم يكونوا مالكين حين الإجارة حتى تنفذ إجارة المتولي في حقهم و إن كانت لمصلحة الوقف، أو تؤثر إجازتهم في العقد الصادر من المتولي قبل مالكيتهم، فإنه نظير إجارة الأب لولده الصغير ملكا لم يملكه بعد، فالأحوط تجديد الإجارة في كلتا الصورتين.

(مسألة 529) يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه ما دام حيا أو إلى مدة، مستقلا أو مشتركا مع غيره.

و كذا يجوز أن يجعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر التولية بيد شخص، فيكون المتولي كل من يعينه ذلك الشخص، أو يجعل التولية

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 158

لشخص و يجعل أمر تعيين المتولي بعده

بيده، و هكذا يجعل لكل متول أن يعين المتولي بعده.

(مسألة 530) إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف و في ضمن عقده، و أما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف، فليس له جعل التولية لأحد و لا عزل من جعله متوليا عن التولية إلا إذا اشترط لنفسه ذلك، بأن جعل التولية لشخص و شرط أنه متى أراد أن يعزله عزله.

(مسألة 531) لا يشترط عدالة الواقف فيما إذا جعل التولية و النظر لنفسه، و كذا لو جعلها لغيره على الأقوى. نعم الظاهر أنه يشترط فيه الأمانة و الكفاية، فلا يجوز جعل التولية، خصوصا في الجهات و المصالح العامة، لمن كان خائنا غير موثوق به، و كذا من ليس له الكفاية في تولية أمور الوقف.

فالأقوى اعتبار التمييز و العقل فيه، فلا يصح تولية المجنون و الصبي غير المميز، بل و المميز على الأقوى.

(مسألة 532) إذا جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء كان حاضرا في مجلس العقد أو غائبا ثم بلغه الخبر و لو بعد وفاة الواقف. فمع عدم قبوله يكون الوقف بلا متول منصوب، و لو قبل فلا يترك الاحتياط بأن لا يرفع يده و لا يعزل نفسه، و لو عزل نفسه فالأحوط أن يقوم بالتولية بعد أن يراجع الحاكم الشرعي. و كذا لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب و قبل بعضهم، لم يجب على الذي بعده القبول.

(مسألة 533) إذا شرط التولية لاثنين، فإن صرح باستقلال كل منهما استقل و لا يلزم عليه مراجعة الآخر، و إذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر، و إن صرح باجتماعهما فليس لأحدهما الاستقلال، و كذا لو أطلق و لم تكن قرينة على

إرادة الاستقلال، و حينئذ فلو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا على الأحوط إن لم يكن أقوى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 159

(مسألة 534) إذا حدد الواقف مسؤولية المتولي و عمله فهو المتبع، و لو أطلق كان تكليفه ما هو المتعارف من تعمير الوقف و إجارته، و تحصيل أجرته و قسمتها على أربابه، و أداء خراجه و نحو ذلك، كل ذلك على وجه الاحتياط و مراعاة الصلاح، و ليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم.

و يجوز أن ينصب الواقف متوليا في بعض الأمور و آخر في أمور أخرى، كما إذا جعل أمر التعمير و تحصيل المنافع إلى أحد، و أمر حفظها و قسمتها على أربابها إلى آخر، أو جعل الوقف و حفظه بيد أحد، و التصرف لآخر.

و لو فوض إلى واحد التعمير و تحصيل الفائدة و أهمل باقي الجهات من الحفظ و القسمة و غيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متولّ منصوب فيجري عليه حكمه الآتي.

(مسألة 535) إذا عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين، و كان ذلك أجرة عمله و ليس له أكثر منه و إن كان أقل من أجرة مثله. و لو لم يذكر شيئا فالأقرب أن له أجرة المثل.

(مسألة 536) ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدي، إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متوليا. نعم يجوز له التوكيل في بعض ما عليه من عمل إذا لم يشترط عليه المباشرة.

(مسألة 537) يجوز للواقف ان يجعل ناظرا على المتولي، فإن أحرز أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته و لا يعتبر إذن الناظر

في صحتها و نفوذها، نعم عليه اطلاعه.

و إن كان المقصود إعمال نظره و تصويب عمله لم يجز له التصرف إلا بإذنه و تصويبه، و لو لم يحرز مراده، فالأحوط مراعاة الأمرين.

(مسألة 537) إذا لم يعين الواقف متوليا أصلا، فالأوقاف العامة يتولاها الحاكم أو المنصوب من قبله على الأقوى، و أما الأوقاف الخاصة فما كان راجعا إلى مصلحة الوقف و مراعاة البطون من تعميره و حفظ الأصول و إجارته

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 160

و نحوها، فهي كالأوقاف العامة توليتها للحاكم أو منصوبه، و ما كان راجعا إلى تنميتها و إصلاحاتها الجزئية المتوقف عليها استثمارها الفعلي كتنقية أنهارها و كريها و حرثها و جمع حاصلها و تقسيمها، و أمثال ذلك، فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين.

(مسألة 539) إذا لم يوجد الحاكم أو لم يمكن الوصول إليه، تكون تولية الأوقاف العائدة إليه لعدول المؤمنين، و مع عدمهم للموثقين الأمناء منهم.

(مسألة 540) لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين الواقف متوليا، و بين ما إذا عين و لم يكن أهلا لها، أو خرج عن الأهلية، فإذا جعل التولية للعادل من أولاده و لم يكن بينهم عادل، أو كان ففسق، كان كأن لم ينصب متوليا.

(مسألة 541) إذا جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا، و لم يكن فيهم إلا عدل واحد، ضم الحاكم إليه عدلا آخر. و إذا لم يوجد فيهم عدل أصلا، فالأقوى أنه يكفي للحاكم نصب عدل واحد، و الأحوط نصب عدلين.

(مسألة 542) إذا احتاج الوقف إلى تعمير و لم يكن له ما يصرف فيه، يجوز للمتولي أن يقترض له قاصدا أداءه من منافعه كما في البستان و نحوه، أو من

منافع موقوفاته كما في المسجد و نحوه، فيقترض متولي البستان مثلا و متولي المسجد أو المشهد أو المقبرة و نحوها، بقصد أن يؤدي دينه من عائداتها أو عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء مما ذكر.

نعم لو اقترض له لا بقصد الأداء من الوقف، أو صرف من ماله لا بنية الاستيفاء منه، لم يكن له استيفاؤه بعد ذلك.

(مسألة 543) تثبت الوقفية بالشياع إذا أفاد العلم أو الاطمئنان، و بإقرار ذي اليد أو ورثته، و بكونه في تصرف الوقف، بأن يعامل المتصرفون فيه معاملة الوقف بلا معارض، و كذا تثبت بالبينة الشرعية.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 161

(مسألة 544) إذا أقر بالوقف ثم ادعى أن إقراره كان لمصلحة، تسمع دعواه لكن تحتاج إلى إثبات، بخلاف ما إذا أوقع العقد و حصل القبض ثم ادعى أنه لم يكن قاصدا فإنه لا يسمع منه أصلا، كما هو الحال في جميع العقود و الإيقاعات.

(مسألة 545) المتصرفون بالشي ء إذا عاملوه معاملة الوقف كان ذلك دليلا على أصل الوقف ما لم يثبت خلافها، و كذلك كيفية عملهم فيه من الترتيب أو التشريك و المصرف و غير ذلك دليل على كيفيته، ما لم يعلم خلافها.

(مسألة 546) إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية، و علم أنه كان في السابق وقفا، لم ينتزع من يده ما لم تثبت وقفيته فعلا.

و كذا لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا بعد نسل و أثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفا فعلا.

نعم لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه بأنه كان وقفا إلا أنه حصل المسوغ للبيع و أنه قد اشتراه، يسقط حكم يده و ينتزع

منه و يلزم بإثبات وجود المسوغ للبيع، و وقوع الشراء.

(مسألة 547) إذا كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص يدعي ملكيته و كان مكتوبا عليه أنه وقف لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك، فيجوز شراؤه منه. نعم الظاهر أن وجود ذلك عيب و نقص في العين، فلو خفي على المشتري ثم اطلع عليه كان له خيار الفسخ.

(مسألة 548) إذا ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني وقف و أنه وقع القبض و الإقباض لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان به، لاحتمال أنه كتب ذلك ليجعله وقفا و لم يوقفه كما يتفق ذلك كثيرا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 162

(مسألة 549) إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالأنعام الثلاثة، لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها و إن بلغت حصة كل منهم حد النصاب. أما إذا كان نماؤها زكويا كالعنب و التمر ففي الوقف الخاص تجب الزكاة على كل من بلغت حصته النصاب من الموقوف عليهم لأنها ملك طلق لهم، بخلاف الوقف العام و إن كان مثل الوقف على الفقراء، لعدم كونه ملكا لواحد منهم إلا بعد قبضه. نعم لو أعطى الفقير مثلا حصة من الحاصل على الشجر أو حصة من الزرع قبل وقت تعلق الزكاة، مثلا قبل إحمرار التمر أو اصفراره، أو انعقاد الحب، وجبت عليه الزكاة إذا بلغت تلك الحصة حد النصاب.

(مسألة 550) الوقف المتداول بين الأعراب و أمثالهم حيث يعمدون إلى نعجة أو بقرة و يتكلمون بألفاظ متعارفة بينهم و يكون المقصود أن تبقى و يذبح أولادها الذكور و تبقى الإناث و هكذا، الظاهر بطلانه لعدم الصيغة و عدم القبض و عدم تعيين المصرف و غير

ذلك. إلا أن يكون المصرف عنده معلوما بحسب المتعارف، و كان المتولي أيضا هو نفسه بحسب الارتكاز، و تكلم بقصد الوقف كلمة ظاهرة فيه فيكون الوقف صحيحا.

الحبس و ملحقاته

(مسألة 551) يجوز للإنسان أن يحبس ملكه على كل ما يصح الوقف عليه، لتصرف منافعه على ما عينه.

فلو حبسه على سبيل من سبل الخير و محال العبادات مثل الكعبة المعظمة و المساجد و المشاهد المشرفة، فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع بعد القبض و لا يعود ملكه إليه و لا يورث، و إن كان إلى مدة تبقى العين على ملكه و تكون منافعها لما حبست عليه طول المدة المعينة و ليس له الرجوع فيها، و بعد المدة ترجع إليه أو إلى وارثه. و إن حبسه على شخص، فإن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 163

عين مدة أو مدة حياته لزم في تلك المدة و لو مات الحابس قبل انقضائها.

و إن أطلق و لم يعين وقتا لزم ما دام الحابس حيا فإن مات كان ميراثا.

و هكذا الحال لو حبس على عنوان عام كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه، و إن لم يوقت لزم ما دام الحابس حيا.

(مسألة 552) السكنى أن يجعل لأحد سكنى داره مثلا بأن يسلطه على سكناها مع بقائها على ملكه، سواء أطلق و لم يعين مدة أصلا كما إذا قال:

أسكنتك داري، أو: لك سكناها أو قدره بعمر أحدهما كما إذا قال: لك سكنى داري مدة حياتي، أو: لك سكنى داري مدة حياتك. أو قدره بسنة و سنتين مثلا.

و يسمى الإسكان مدى العمر أيضا ب «العمرى» و الإسكان لمدة محددة ب «الرقبى».

(مسألة 553) يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد بإيجاب المالك و قبول

الساكن، فالإيجاب بكل ما أفاد التسليط المذكور بحسب المتفاهم العرفي، كأن يقول في السكنى: أسكنتك هذه الدار، أو لك سكناها، و ما أفاد معناهما بأي لغة كان، و في العمرى: لك سكناها مدة حياتك، و في الرقبى: أسكنتكها سنة أو سنتين، مثلا. و للعمري و الرقبى لفظان آخران: فللاولى: أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري، أو ما بقيت أو بقيت، أو ما حييت أو حييت أو ما عشت أو عشت و نحوها، و للثانية: أرقبتك مدة كذا.

و القبول بكل ما دل على الرضا و القبول من الساكن. و الظاهر صحة المعاطاة فيها، بأن يعطي داره إلى غيره ليسكن فيها المدة المعينة بالمقاولة قبل تسليمها بقصد الرقبى أو العمرى أو السكنى.

(مسألة 554) يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن، فلو لم يقبض حتى مات المالك، بطلت كالوقف.

(مسألة 555) هذه العقود الثلاثة لازمة و ليس للمالك الرجوع و إخراج

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 164

الساكن، ففي السكنى المطلقة حيث أن الساكن استحق مسمى الإسكان و لو يوما يلزم العقد بهذا المقدار، و له الرجوع و الأمر بالخروج بعده. و في العمرى تلزم مدة حياة من عيناه منهما، و في الرقبى تلزم المدة المعينة، فليس للمالك إخراجه قبل انقضائها.

(مسألة 556) إذا جعل داره سكنى أو عمري أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه و جاز له بيعها و لم يبطل الإسكان حتى في المطلقة منها إلا إذا رجع فيه حيث يجوز له. و لا يبطل الإعمار أو الإرقاب، بل يستحق الساكن السكنى على النحو الذي جعلت له، و كذا لا يجوز للمشتري إبطال ذلك، نعم لو كان جاهلا كان له الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بجميع

الثمن.

(مسألة 557) إذا جعل المدة في العمرى طول حياة المالك و مات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، و لو جعل المدة طول حياة الساكن و مات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول حياته.

و لو مات الساكن لم يكن لورثته السكنى إلا إذا جعلت له السكنى مدة حياته و لعقبه و نسله بعد وفاته، فلهم ذلك ما لم ينقرضوا فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته.

(مسألة 558) إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه و أهله و أولاده، و الأقرب جواز إسكان من جرت العادة بسكناه معه كغلامه و جاريته و مرضعة ولده و ضيوفه، بل كذا دابته إذا كان الموضع معدا لمثلها. بل الأقوى جواز إسكان غيرهم و كذا تأجيره و إعارته، إلا إذا اشترط المالك انتفاعا خاصا و لو من جهة الانصراف إلى المنافع المتعارفة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 165

كتاب الصدقة

(مسألة 559) تواترت النصوص باستحباب الصدقة و الحث عليها خصوصا في أوقات مخصوصة كالجمعة و عرفة و شهر رمضان، و على طوائف مخصوصة كالجيران و الأرحام، بل ورد في الخبر لا صدقة و ذو الرحم محتاج.

و هي دواء المريض و دافعة البلاء و قد أبرم إبراما، و بها يستنزل الرزق و يقضى الدين، و تخلف البركة و يكثر المال، و بها تدفع ميتة السوء و الداء و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون إلى سبعين بابا من السوء، و إذا تصدق في أول كل يوم يدفع شر ذلك اليوم، و في أول كل ليلة يدفع شر تلك الليلة.

و لا يستقلّ قليلها فقد ورد: تصدقوا و لو بقبضة أو ببعض قبضة و

لو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة، و لا يستكثر كثيرها فإنها تجارة رابحة، ففي الخبر: إذا أملقتم تاجروا اللّه بالصدقة، و في خبر آخر: أنها خير الذخائر، و في آخر: إن اللّه تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم.

(مسألة 560) يعتبر في الصدقة قصد القربة، و الأقوى أنه لا يعتبر فيها العقد بإيجاب و قبول بل تكفي فيها المعاطاة، و يشترط فيها القبض و الإقباض، و تتحقق بكل لفظ أو فعل من إعطاء أو تسليط يقصد به التمليك مجانا مع نية القربة، و تكون المعاطاة هنا لازمة بسبب نية القربة.

(مسألة 561) لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض و إن كانت على أجنبي على الأصح.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 166

(مسألة 562) تحل صدقة الهاشمي لمثله و لغيره مطلقا حتى الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة و تحرم في الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما غير ذلك من الصدقات المفروضة كالمظالم و الكفارة و نحوها فلا يترك الاحتياط بعدم إعطائها لهم و تنزههم عنها.

(مسألة 563) يعتبر في المتصدق البلوغ و العقل و عدم الحجر لفلس أو سفه. و في صحة صدقة من بلغ عشر سنين إشكال.

(مسألة 564) لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان، بل و لا الإسلام، فيجوز على الغني و على المخالف و على الذمي و إن كانا أجنبيين. نعم لا يجوز على الناصب و لا على الحربي و إن كانا قريبين.

(مسألة 565) الصدقة المندوبة سرا أفضل، فقد ورد: أن صدقة السر تطفئ غضب الرب و تطفئ الخطيئة كما يطفي الماء النار و تدفع سبعين بابا

من البلاء، و في خبر آخر عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: سبعة يظلّهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله إلى أن قال و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله. نعم إذا اتهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو أراد حث غيره على الصدقة فلا بأس بإظهارها، و لم يتأكد حينئذ إخفاؤها. أما الصدقة الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا.

(مسألة 566) يستحب المساعدة و التوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق، فعن مولانا الصادق عليه السلام: لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا. بل في خبر آخر عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال في خطبة له: من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره، و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل.

(مسألة 567) يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به عليه بشراء أو اتهاب أو بسبب آخر، بل قيل بحرمته. نعم إذا رجع ما تصدق به إليه بالميراث، فلا بأس به.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 167

(مسألة 568) يكره رد السائل و لو ظن غناه، بل يعطيه و لو شيئا يسيرا، فعن مولانا الباقر عليه السلام: أعط السائل و لو كان على ظهر فرس. و عنه عليه السلام قال:

كان فيما ناجى اللّه عز و جل به موسى عليه السلام قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل.

(مسألة 569) يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج، بل مع الحاجة أيضا، و ربما يقال بحرمة الأول و لا يخلو من

قوة، فعن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:

من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر.

و عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرّ به المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة.

و عن مولانا الباقر عليه السلام: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا. ثم قال عليه السلام: إنه من سأل و هو يظهر غنىّ لقي اللّه مخموشا وجهه يوم القيامة.

و في خبر آخر: من سأل من غير فقر فإنما يأكل الخمر.

و في خبر آخر: من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم القيامة و ليس على وجهه لحم.

و في آخر قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاثة لا ينظر (اللّه) إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم: الديوث، و الفاحش المتفحش، و الذي يسأل الناس و في يده يظهر غنى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 169

كتاب الوصية

(مسألة 570) الوصية على أقسام، لأنها قد تكون تمليك عين أو منفعة، و قد تكون جعل ولاية أو سلطنة أو وكالة، و قد تكون إبراء لدين و إسقاطا لحق، و قد تكون عهدا و إذنا و طلبا لتجهيزه و غسله و الصلاة عليه و قضاء صلاته و صومه و حجه ورد أماناته و أمثال ذلك. و قد ذكرنا تفصيل ذلك في التعليق على كتاب الوصية من العروة الوثقى.

(مسألة 571) إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت تتضيق الواجبات التي كانت موسعة عليه في حياته، فيحب عليه الإتيان بها فورا، و

إذا لم يتمكن من الإتيان بها بنفسه يجب عليه أن يوصي بها، خصوصا إذا كانت حقوقا تخفى على الورثة، فيوصي بإيصال ما عنده من ودائع الناس و أموالهم و بضائعهم و نحوها إلى أربابها، و كذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية للناس كالديون و الضمانات و الديات و أرش الجنايات، أو حقوق للّه تعالى كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفّارات. بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه للواجبات البدنية مما يصح فيه النيابة و الاستئجار كقضاء الصوم و الصلاة إذا لم يكن له ولي يقضيها عنه، بل حتى لو كان له ولي و كان لا يصح منه العمل كالصبي، أو كان ممن لا يوثق بأدائه، أو بصحة عمله.

(مسألة 572) إذا كان عنده أموال للناس أو كان عليه حقوق و واجبات، و كان يعلم أو يطمئن بأن أخلافه يؤدونها، لم يجب عليه الإيصاء، و إن كان أحوط و أولى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 170

(مسألة 573) يكفي في الوصية كل ما دل عليها من الألفاظ من أي لغة كان، و لفظها الصريح في التمليكية أن يقول: أوصيت لفلان بكذا أو أعطوا فلانا أو ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا، و هكذا. و في العهدية: افعلوا بعد موتي كذا و كذا و هكذا.

و الأحوط عدم كفاية الإشارة إلا مع العجز عن النطق، كما أن الأحوط الاقتصار في الكتابة وحدها من دون نطق على حال الضرورة.

(مسألة 574) أركان الوصية التمليكية ثلاثة: الموصي، و الموصى به، و الموصى له. و الوصية العهدية قوامها بأمرين: الموصي، و الموصى به. نعم إذا عين الموصي شخصا لتنفيذها تتقوم بثلاثة: الموصي، و الموصى به، و الموصى إليه

أي الوصي.

(مسألة 575) الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول، نعم لو عين وصيا لتنفيذها لا بد من قبوله الوصاية لا أصل الوصية. أما الوصية التمليكية فإن كانت تمليكا للنوع كالوصية للفقراء و السادة و الطلبة فلعلها تحسب من العهدية فيجب إعطاء ما أوصى به لهم، و إن كانت تمليكا لشخص فيعتبر فيها القبول من الموصى له، و تبطل بالرد بعد الموت و قبل القبول.

(مسألة 576) يكفي في القبول بناء على اعتباره كل ما دل على الرضا قولا أو فعلا، كأخذه الموصى به و التصرف فيه، قاصدا قبول الوصية.

(مسألة 577) لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته، كما أنه لا فرق في القبول الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلا به أو متأخرا عنه مدة.

(مسألة 578) إذا رد بعضا و قبل بعضا فالصحة مشكلة لعدم تطابق الإيجاب مع القبول. نعم بناء على عدم اعتبار القبول و كون الرد مبطلا صح فيما قبله و بطل فيما رده، و لكن هذا القول ضعيف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 171

(مسألة 579) إذا مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه رد أو قبول، قام ورثته مقامه في الرد و القبول، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورثهم، هذا إذا لم يرجع الموصي عن وصيته قبل موته.

(مسألة 580) الظاهر أن المال الموصى به ينتقل من الموصي نفسه إلى ورثة الموصي له لا أنه ينتقل إلى الموصى له أولا ثم إليهم، و إن كانت القسمة بينهم في صورة التعدد على حسب الإرث، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له و لا تنفذ فيه وصاياه.

(مسألة 581) إذا كان الإيجاب مركبا من إيجابين

كأن يقول هذا لزيد و هذا لعمرو، و مات الموصى لهما، و قبل ورثة أحدهما دون الآخر، صحت الوصية فيمن قبل و بطلت فيمن رد بالنسبة. و لو كان الإيجاب واحدا كأن يقول هذا لزيد و عمرو و مات الموصى لهما و قبل بعض ورثتهما دون بعض، فيشكل صحة قبولهم.

(مسألة 582) يعتبر في الموصي البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد، فلا تصح وصية الصبي، نعم الأقوى صحة وصية البالغ عشرا إذا كانت في البر و المعروف كبناء المساجد و القناطر و وجوه الخيرات و المبرات. و كذا لا تصح وصية المجنون و لو أدواريا في دور جنونه، و لا السكران و لا المكره، و كذا السفيه سواء كان قبل حجر الحاكم أو بعده في وصاياه المالية، أما في غير ما يحتاج إلى صرف المال كالأمور الراجعة إلى تجهيزه و أمثاله، فتصح وصيته كسائر عقوده غير المالية.

(مسألة 583) يعتبر في الموصي مضافا إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل نفسه متعمدا، فمن أوقع على نفسه جرحا أو شرب السم أو ألقى نفسه متعمدا من شاهق مثلا مما يقطع أو يظن كونه مؤديا إلى الهلاك، لم تصح وصيته المتعلقة بأمواله، و كذا وصيته غير المتعلقة بأمواله على إشكال. أما إذا فعل ذلك خطأ أو كان مع ظن السلامة فاتفق موته به نفذت وصيته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 172

و لو أوصى ثم أحدث في نفسه ما يؤدي إلى هلاكه لم تبطل وصيته، و إن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها.

(مسألة 584) لا تبطل الوصية بعروض الإغماء و الجنون للموصي و إن استمرا حتى الوفاة.

(مسألة 585) يشترط في الموصى له وجوده حين الوصية، فلا

تصح الوصية للمعدوم كما إذا أوصى للميت أو لمن ستحمله المرأة في المستقبل أو لمن سيوجد من أولاد فلان، و يجوز الوصية للحمل بشرط وجوده حين الوصية و إن لم تلجه الروح، بشرط انفصاله حيا فلو انفصل ميتا بطلت الوصية و رجع المال ميراثا لورثة الموصي.

(مسألة 586) تصح الوصية للذمي و كذا للمرتد الملي إذا لم يكن المال مما لا يملكه الكافر كالمصحف، و لا تصح للحربي و لا للمرتد عن فطرة على إشكال فيهما.

(مسألة 587) يشترط في الموصى به في الوصية التمليكية أن يكون مالا أو حقا قابلا للنقل كحقي التحجير و الاختصاص، سواء كان المال عينا أو دينا في ذمة الغير أو منفعة، و سواء كانت العين موجودة فعلا أو ستوجد، فتصح الوصية بما ستحمله الدابة أو ستثمره الشجرة.

(مسألة 588) لا بد أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محللة مقصودة حتى تكون مالا شرعا، فلا تصح الوصية بالخمر و الخنزير و آلات اللهو و القمار، و لا بالحشرات و كلب الهراش و نحوها. و أن تكون المنفعة الموصى بها محللة مقصودة، فلا تصح الوصية بمنفعة المغنية و آلات اللهو، و كذا منافع القردة و نحوها.

(مسألة 589) لا تصح الوصية بمال الغير و إن أجاز المالك، سواء كان الإيصاء به عن نفسه بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، أو عن الغير بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 173

(مسألة 590) يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا سائغا مقبولا عند العقلاء، فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة الظلام و قطاع الطريق و تعمير الكنائس و نسخ كتب الضلال و نحوها، و كذا الوصية

بما يكون صرف المال فيه سفها أو عبثا.

(مسألة 591) المدار في وجوب تنفيذ الوصية ما هو جائز عند الوصي اجتهادا أو تقليدا، فلو أوصى بما هو جائز عنده و كان غير جائز عند الوصي لم يجب عليه بل لم يجز له تنفيذه، و العكس بالعكس.

(مسألة 592) إذا أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزه كتغسيله و الصلاة عليه مع وجود الولي، فالأحوط أن يكون ذلك بإذن الولي، بأن يستأذن الوصي من الولي و يأذن الولي للوصي.

(مسألة 593) إذا كانت الوصية بواجب مالي كأداء ديونه و أداء ما عليه من الحقوق كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات، تخرج من أصل المال بلغ ما بلغ، بل تخرج من الأصل و إن استوعبت التركة و لم يوص بها.

و يلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني كالحج الواجب و لو كان منذورا على الأقوى.

أما إذا كانت الوصية تمليكية أو عهدية تبرعية، كما لو أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارة أو إقامة التعزية و نحو ذلك، فتنفذ بمقدار الثلث، و فيما زاد عليه يتوقف على إمضاء الورثة و إجازتهم، فإن أمضوا صحت و إلا بطلت، من غير فرق بين أن تكون الوصية في حال الصحة أو في حال المرض.

و كذا الحكم إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى، كما إذا أوصى بقضاء ما عليه من صلاة و صوم.

(مسألة 594) لا فرق في نفوذ الوصية في الثلث فقط بين أن تكون بسهم مشاع أو بمال معين أو بمقدار من المال، فلو أوصى بالنصف نفذت بمقدار الثلث و لم تصح في الزائد و هو السدس إلا بإجازة الورثة، و لو أوصى

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 174

بمال معين ينسب إلى مجموع التركة فإن كان

بمقدار ثلث المجموع أو أقل نفذت في تمامه و إن كان أكثر نفذت فيه بمقدار الثلث و توقف الزائد على إمضاء الورثة.

(مسألة 595) تنفذ إجازة الوارث بعد موت الموصي فيما زاد عن الثلث حتى لو كان رد الوصية قبل الموت. و إذا أجاز الوصية قبل الموت و بقيت إجازته إلى ما بعد الموت ثم ردها فالأقوى عدم تأثير رده.

(مسألة 596) إذا أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز، فلو أوصى بثلثي ماله و أجاز الوارث النصف نفذت في المقدار المجاز و بطلت في الزائد و هو سدس ماله.

(مسألة 597) إذا أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت الوصية في حق المجيز و بطلت في حق غيره، فإذا كان للموصي ابن و بنت و أوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر و نفذت في ثلثها و هو ستة، و احتاج الزائد و هو ثلاثة إلى إمضاء الابن و البنت، فإن أمضيا معا نفذت في تمامها، و إن أمضى الابن دون البنت نفذت في الاثنين و بطلت في واحد فكان للموصى له ثمانية، و إن أمضت البنت كان للموصى له سبعة.

(مسألة 598) المدار في تقويم ماله و نفوذ وصيته بثلثه على قيمته عند وفاته لا عند الوصية، و كذا العين الموصى بها، فلو نقص ماله أو نقصت قيمته أو نقصت قيمة العين التي أوصى بها بعد الوصية حسب كل ذلك بقيمته عند الوفاة.

فلو أوصى بعين لزيد و كان مقدارها نصف ماله عند الوصية و لكن نقصت قيمتها أو زادت قيمة غيرها أو تجدد له مال آخر فصارت قيمتها عند موته ثلث ماله نفذت الوصية فيها جميعا، و لو كانت العين الموصى بها بمقدار الثلث

عند الوصية لكن زادت عن ذلك عند الموت نفذت وصيته فيها بما يساوي الثلث و احتاج الباقي إلى إجازة الورثة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 175

و إذا أوصى بثلث ماله مثلا ثم تجدد له مال بعد الوصية و قبل وفاته فالحكم فيه يتبع ظاهر مراده، و ظاهر المراد يختلف باختلاف الموارد، فإن ظهر مقصوده و لو بالقرينة فبها، و إلا فيكتفى بالأقل لأنه المتيقن، و الزائد محكوم بكونه ملكا للورثة.

(مسألة 599) إجازة الوارث إمضاء و تنفيذ، فلا يكفي مجرد الرضا و طيب النفس من دون قول أو فعل يدلان على التنفيذ و الإمضاء. و لا يعتبر فيها الفورية.

(مسألة 600) ما يملكه الميت بالموت كالدية، يحسب من التركة، بل و كذا ما يملكه بعد موته إذا أوجد الميت سببه قبل موته، كالذي يقع في شبكة نصبها في حياته، فيخرج منه الدين و وصاياه.

(مسألة 601) للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، و له تفويض التعيين إلى الوصي فيتعين فيما عينه. و مع الإطلاق كما لو قال ثلث مالي لفلان كان شريكا مع الورثة بالإشاعة، فلا بد أن يكون الإفراز و التعيين برضى الجميع كسائر الأموال المشتركة.

(مسألة 602) إنما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين و الواجبات المالية، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه.

(مسألة 603) إذا أوصى بوصايا متعددة غير متضادة، فإن كانت من نوع واحد من الواجبات المالية أو البدنية كانت جميعها بمنزلة وصية واحدة فتنفذ جميعها من الأصل في الواجب إن لم يوص بإخراجها من الثلث، أو لم يف بها و بسائر وصاياه. و تنفذ من الثلث في الواجب البدني فإن و في الثلث بالجميع نفذت في الجميع، و كذا

إذا زادت عليه و أجاز الورثة. أما إذا لم يجيزوا و كانت الوصية في الواجبات البدنية فيوزع النقص على الجميع بالنسبة إن لم يكن بينها ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر، بأن أوصى بواجباته البدنية

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 176

مجموعها بوصية واحدة. فلو أوصى بمقدار من الصوم و مقدار من الصلاة و لم يف الثلث بهما و كانت أجرة الصلاة ضعف أجرة الصوم، نقص من وصية الصلاة ضعف ما ينقص من وصية الصوم، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر و أوصى بستة لاستئجار الصلاة ثم أوصى بثلاثة لاستئجار الصوم، فإن أجاز الورثة نفذت الوصيتان معا. و إن لم يجيزوا مطلقا نفذت في ثلاثة و توزعت على الوصيتين بالنسبة فينقص من الوصية الأولى اثنان و من الثانية واحد، فيصرف في الصلاة أربعة و في الصوم اثنان.

و أما إذا كان بينها ترتيب بأن أوصى بالصلاة أولا ثم بالصوم- فيبدأ بالأول ثم الأول حتى يكمل الثلث. و إن كانت الوصية في الواجبات المالية يوزع النقص على المجموع أوصى أو لم يوص إلا في الحج فإنه يقدم على الواجبات المالية من أقرب ما يمكن، ثم يوزع ما بقي عنه على غيره.

أما إذا كانت وصاياه كلها تبرعية و لم يكن بينها ترتيب، كما إذا قال:

أعطوا زيدا و عمرا و خالدا كلا منهم مائة كانت بمنزلة وصية واحدة، فإن زادت على الثلث و لم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة.

و إن كان بينها ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر، كما إذا قال: أعطوا زيدا مائة، ثم قال: أعطوا عمرا مائة، ثم قال: أعطوا خالدا مائة، و كان المجموع أكثر من الثلث و لم يجز الورثة، يبدأ

بالأول فالأول إلى أن يكمل الثلث، فإذا كان الثلث مائة نفذت الأولى و لغت الأخيرتان، و إن كان مائتين نفذت الأوليان و لغت الأخيرة، و إن كان مائة و خمسين نفذت الأولى كلها و الثانية في نصف الموصى به، و لغت البواقي، و هكذا.

(مسألة 604) إذا أوصى بوصايا مختلفة بالنوع، فأوصى مثلا أن يعطى مقدار معين خمسا و زكاة، و مقدار صوما و صلاة، و مقدار لإطعام الفقراء، فإن أطلق و لم يذكر من أين تخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل، فإذا بقي شي ء يخرج من ثلثه البدني و التبرعي فإن و في بهما، أو لم يف و أجاز الورثة، نفذت في كليهما، فإن لم يف بهما و لم يجز الورثة الزيادة يقدم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 177

الواجب البدني و يرد النقص على التبرعي. و إن أوصى أن تخرج من الثلث يعين الثلث، فيخرج منه المقدم ذكرا من الواجبات حتى يكمل الثلث، فإن بقي بعد ذلك واجب مالي أو شي ء منه يخرج من الأصل، و إن بقي واجب بدني لغت الوصية بالنسبة إليه، و كذلك تلغى بالنسبة إلى التبرعي ما لم يؤت بالواجبات. هذا إن كانت الوصايا مرتبة، و إلا فيلغى التبرعي و يوزع النقص على الجميع، و يكمل الواجب المالي من أصل التركة.

(مسألة 605) إذا أوصى بوصايا متعددة متضادة، بأن كانت المتأخرة منافية للمتقدمة، كما لو أوصى بعين شخصية أو بثلث ماله لواحد ثم أوصى بها لآخر، يعمل باللاحقة. و لو أوصى بعين شخصية لواحد ثم أوصى بنصفها مثلا لشخص آخر، فالظاهر كون الثانية عدولا بالنسبة إلى نصفها لإتمامها، فيبقى النصف الآخر للأول.

(مسألة 606) إذا كان متعلق الوصية مشاعا من التركة

كالثلث أو الربع مثلا، ملكه الموصى له بالموت و القبول و شارك الورثة في التركة من حين ما ملكه، هذا في الوصية التمليكية.

و أما في الوصية العهدية، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات و الزيارات، فالموصى به فيها يبقى بحكم مال الميت و يكون للميت من كل شي ء ثلثه أو ربعه مثلا و الباقي للورثة، و هذه الشركة باقية حتى يفرز الموصى به عن مال الورثة، فلو حصل نماء متصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما، و لو تلف من التركة شي ء كان منهما.

(مسألة 607) إذا أوصى بمال معين يساوي الثلث أو دونه فهو للموصى له و لا حاجة إلى إجازة الورثة، لكن إنما يستقر ملكية الموصى له أو الميت في تمام الموصى به إذا وصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإن كان ما عدا المال المعين للوصية غائبا توقف التصرف في تمامه على حصول المثلين بيد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 178

الورثة لكون الغائب في معرض التلف، و أما التصرف في ثلثه فلا مانع منه إلا إذن الشركاء فيما يتوقف على إذنهم لا مثل البيع و الصلح و أمثاله، فإذا لم يحصل بيدهم شي ء من المال الغائب شاركوا الموصى له في المال المعين أثلاثا، ثلث للموصى له و ثلثان للورثة.

(مسألة 608) يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنجيز وصاياه و تنفيذها، فيتعين و يقال له (الموصى إليه أو الوصي) و يشترط فيه البلوغ و العقل و الإسلام، فلا تصح وصاية الصغير و لا المجنون و لا الكافر عن المسلم و إن كان ذميا قريبا، و لا يبعد كفاية الوثاقة فيه، و إن كان الأحوط أن يكون عادلا كما نسب

إلى المشهور.

(مسألة 609) لا بأس بوصاية الصغير منضما إلى الكامل، فيستقل الكامل بالتصرف إلى زمن بلوغ الصغير و لا ينتظر بلوغه، فإذا بلغ شاركه من حينه و ليس له اعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان على خلاف ما أوصى به الميت فيرده إلى ما أوصى به، و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل، كان للكامل الانفراد بالوصاية و إن كان الأحوط الاستيذان من الحاكم الشرعي إلا مع العلم بكونه وصيا مستقلا في هذه الصورة.

(مسألة 610) إذا طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصي، بطلت وصايته، و لو أفاق بعد ذلك لم تعد و احتاج إلى نصب جديد من الحاكم، إلا إذا صرح الموصي بوصايته بعد إفاقته.

(مسألة 611) لا يجب على الموصى إليه قبول الوصية و له أن يردها ما دام الموصي حيا بشرط أن يبلغه الرد، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبله و لكن لم يبلغه حتى مات، لم يكن لرده أثر و كانت الوصية لازمة عليه، بل لو لم يبلغه أنه جعله وصيا إلا بعد موت الموصي، لزمته الوصية و ليس له ردها. نعم الأحوط للموصى إليه عدم الرد إذا لم يتمكن الموصي من نصب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 179

غيره و لو بالإشارة. و لا ينبغي للولد أن يرد وصية أبيه و لو في حال حياته، بل يجب عليه القبول إذا أمره بذلك و كان رده ينجر إلى العقوق، و كذا الأم إذا انجر رد وصيتها إلى العقوق. و لو رد الوصية في حياتهما و بلغهما ذلك، و لم يقبل حتى ماتا فليس بوصي، و إن كان آثما في رده.

(مسألة 612) يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين

فما فوق، فإن نص على الاستقلال و الانفراد أو استظهر من كلامه و لو بمعونة القرائن فهو، و إلا فليس لكل منهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع ما أوصى به و لا في بعضه، و ليس لهما أن يقسما الثلث مثلا و ينفرد كل منهما في نصفه، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق، و لو تشاحا و لم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر نصب غيرهما.

(مسألة 613) إذا كان الوصيان مستقلين فمات أحدهما أو طرأ عليه الجنون أو غيره مما يوجب ارتفاع وصايته، استقل الآخر و لا يحتاج إلى ضم شخص آخر من قبل الحاكم، و أما في غير استقلالهما فالأحوط بل الأقوى أن يضم الحاكم إليه شخصا آخر يعمل معه بالوصية مشتركا. نعم لو كانا مستقلين و ماتا معا فعلى الحاكم أن ينصب بدلهما، و الأقوى جواز كونه واحدا إذا كان كافيا، و الأحوط نصب اثنين.

(مسألة 614) يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء بعينه و إلى آخر في غيره، و لا يشارك أحدهما الآخر.

(مسألة 615) إذا قال: أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو، صح و يكونان وصيين، إلا أن وصاية عمرو موقوفة على موت زيد، و كذا لو قال:

أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني، أو تاب عن فسقه، أو اشتغل بالعلم فهو وصيي.

(مسألة 616) إذا ظهرت خيانة الوصي فلا يبعد انعزاله بصدور الخيانة فينصب الحاكم شخصا آخر مكانه. أما إذا ظهر منه العجز، فيضم الحاكم إليه من يساعده إذا احتاج إلى المساعدة، و ينصب مكانه إذا عجز رأسا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 180

(مسألة 617) إذا لم ينفذ الوصي ما أوصى إليه في زمن حياته،

فليس له أن يجعل وصيا لتنفيذه بعد موته، إلا إذا كان مأذونا من الموصي في الإيصاء.

(مسألة 618) الوصي أمين، فلا يضمن ما في يده إلا بالتعدي أو التفريط و لو بمخالفة الوصية، فيضمن حينئذ ما تلف فضلا عما أتلف.

(مسألة 619) إذا أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية خاصة، اقتصر عليه و لم يتجاوز عنه إلى غيره، و أما لو أطلق، بأن قال:

أنت وصيي، من دون ذكر المتعلق، فالأقرب وقوعه لغوا إلا إذا كان هناك عرف خاص يدل على المراد فهو المتبع كما إذا كان متعارف بلدهم الولاية على أداء ما عليه من الديون و استيفاء ماله على الناس، ورد الأمانات و البضائع إلى أهلها و أخذها، و إخراج ثلثه و صرفه فيما ينفعه و لو بنظر حاكم الشرع من استيجار على العبادات و أداء الحقوق و المظالم و نحوها.

نعم في شمول مثل هذا الإطلاق للقيمومة على الأطفال إشكال، فالأحوط أن يكون تصدي الوصي لأمورهم بإذن الحاكم، إلا إذا كان العرف يشملها، فإن العرف يختلف باختلاف الأعصار و الأمصار.

(مسألة 620) ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي و لا أن يفوض أمر الوصية إلى غيره. نعم له التوكيل في بعض الأعمال التي يكون الغرض وقوعها من أي مباشر كان، خصوصا إذا لم تجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصي و لم يشترط عليه المباشرة.

(مسألة 621) إذا نسي الوصي مصرف الوصية صرف الموصى به في وجوه البر المحتملة أن تكون مصرفا له، لا فيما يقطع بخروجه عنه، هذا في غير المحصورة من المحتملات، و أما في المحصورة فلا بد من التراضي أو التصالح القهري أو القرعة.

(مسألة 622) إذا أوصى الميت وصية عهدية و

لم يعين وصيا و لم يوكلها إلى الورثة، أو بطلت وصاية من عينه بموت أو جنون و غير ذلك، تولى

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 181

الحاكم أمرها أو عين من يتولاه، و لو لم يكن الحاكم و لا منصوبه، تولاه من المؤمنين من يوثق به.

(مسألة 623) يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي، و وظيفته تابعة لجعل الموصي، فتارة لأجل الاستيثاق بوقوع ما أوصى به كما أوصى به فيجعل الناظر رقيبا على الوصي و تكون أعماله تحت علمه حتى إذا رأى منه خلاف ما قرره الموصي اعترض عليه، و لعل هذا هو الغالب في النظارة.

و تارة لعدم الاطمئنان بصحة نظر الوصي و الاطمئنان التام بنظر الناظر، فيجعل على الوصي أن تكون أعماله بنظر الناظر فيكون الوصي وليا مستقلا في التصرف لكنه غير مستقل في الرأي و النظر فلا يمضى من أعماله إلا ما وافق نظر الناظر، فلو استبد الوصي بالعمل بنظره دون مراجعة الناظر و اطلاعه و كان عمله على طبق ما قرره الموصي فالظاهر صحة عمله و نفوذه على الأول دون الثاني.

(مسألة 624) يجوز للأب مع عدم الجد و للجد للأب مع فقد الأب، جعل القيم على الصغار، و معه لا ولاية للحاكم، و ليس لغير الأب و الجد للأب أن ينصب القيم عليهم حتى الأم.

(مسألة 625) يشترط في القيم على الأطفال ما يشترط في الوصي على المال، و القول باعتبار العدالة هنا لا يخلو من قوة، و إن كان الاكتفاء بالأمانة و وجود المصلحة غير بعيد.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، هداية العباد (للگلبايگاني)، 2 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

هداية العباد (للگلبايگاني)؛ ج 2، ص: 181

(مسألة 626)

إذا عين الموصي على القيم أن يتولى أمرا خاصا أو عين له تصرفا مخصوصا اقتصر عليه و يكون أمره في غيره إلى الحاكم أو المنصوب من قبله، فلو جعله قيما بالنسبة إلى حفظ أموال الصغير و نفقته، فليس له الولاية على أمواله بالبيع و الإجارة و المزارعة و غيرها، و لا على الصغير بالإجارة و نحوها، و لا على ديونه بالوفاء و الاستيفاء.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 182

و لو أطلق و قال: فلان قيم على أولادي مثلا، كان وليا على جميع ما يتعلق بهم مما كان للموصي الولاية عليه، فله الإنفاق عليهم بالمعروف و حفظ أموالهم و استثمارها، و استيفاء ديونهم و إيفاء ما عليهم كأرش ما أتلفوا من أموال الناس، و كذا إخراج الحقوق المتعلقة بأموالهم و غير ذلك.

نعم الأحوط لغير الأب و الجد عدم تزويج الصغير و الصغيرة إلا مع الضرورة.

(مسألة 627) يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد، بالاستقلال و الاشتراك، و جعل الناظر على الوصي، كالوصية بالمال.

(مسألة 628) ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف و لا تقتير، فيطعمه و يلبسه على عادة أمثاله و نظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، و لو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادعى عليه الإسراف فالقول قول الوصي بيمينه، و كذا لو ادعى عليه أنه باع ماله من غير حاجة و لا غبطة. نعم لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادعاه الوصي و أنكره الصبي قدم قول الصبي إلا أن تكون عند الوصي بينة.

(مسألة 629) يجوز للقيم الذي يتولى أمور اليتيم أن يأخذ من ماله أجرة مثل عمله، سواء كان غنيا أو فقيرا، و إن كان الأحوط الأولى للأول التجنب. و أما

الوصي على الأموال، فإن عين الموصي مقدار المال الموصى به و طبقه على مصرفه المعين المقدر بحيث لم يبق شيئا لأجرة الوصي، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو عينا معينة من تركته أو مقدارا من المال كألف درهم في استيجار عشرين سنة عبادة كل سنة كذا مقدارا و إطعام خمسين فقيرا بخمسين درهما، و تساوى المال الموصى به مع المصرف بحيث لو أراد أن يأخذ شيئا لنفسه لزم إما الزيادة عن المال الموصى به أو النقصان في مصرفه المعين فحينئذ لا يجوز له أن يأخذ الأجرة، و يكون مرجع هذه الوصية إلى أن يتولى ذلك تبرعا و بلا أجرة. كما أنه لو نص الموصي في وصيته على عدم الأجرة و قبل الوصي ذلك، لم يستحق شيئا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 183

و إن عين المال و المصرف على نحو قابل للزيادة و النقصان كما لو أوصى أن يصرف ثلثه أو مبلغ منه في تعمير المساجد و نشر الكتب، فيكون حال الوصي حال متولي الوقف في أنه لو لم يعين له جعلا معينا جاز له أن يأخذ أجرة مثل عمله.

(مسألة 630) الوصية جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عن وصيته ما دام فيه الروح و أن يبدلها من أصلها أو من بعض جهاتها و كيفياتها و متعلقاتها، فله تبديل الموصى به كلا أو بعضا و تغيير الوصي و الموصى له و غير ذلك، و لو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل عن وصاية زيد و جعل الوصاية لعمرو يبقى أصل الوصية على حاله. و كذا لو أوصى بصرف

ثلثه في مصارف معينة على يد زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك المصارف و عين مصارف أخر، و هكذا.

و كذلك له الرجوع في الوصية بالولاية على الأطفال.

(مسألة 631) يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول، و هو كل لفظ دال عليه بحسب متفاهم العرف بأي لغة كان، نحو «رجعت عن وصيتي أو أبطلتها أو عدلت عنها أو نقضتها» و نحوها، و بالفعل و هو إما بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به، و كذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة مع القبض، و إما بما يعد عند العرف رجوعا و إن بقي الموصى به بحاله و في ملكه، كما إذا و كل شخصا على بيعه أو وهبه و لم يقبضه بعد.

(مسألة 632) إذا تمت الوصية تبقى على حالها و يعمل بها ما لم يرجع الموصي، و إن طالت المدة، و كانت الوصية عند السفر الطويل أو في حال المرض الشديد، و لو شك في الرجوع و لو بسبب الشك في كون لفظ أو فعل رجوعا، يحكم ببقائها و عدم الرجوع، و يستصحب بقاء الوصية السابقة ما لم يعلم أو لم يستظهر و لو بالقرائن أنها مقيدة بموته في ذلك السفر، و لم يعلم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 184

رجوعه عنها.

نعم لو كانت مقيدة بموته في سفر كذا أو في مرض كذا و لم يتفق موته في ذلك السفر أو في ذاك المرض، فتبطل تلك الوصية و يحتاج إلى وصية جديدة.

(مسألة 633) لا تثبت الوصية بالولاية سواء كانت على المال أو على الأطفال إلا بشهادة عدلين من الرجال، و لا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات و لا منضمات إلى الرجال. و أما الوصية بالمال

فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين و شاهد و يمين و شهادة رجل و امرأتين، و تمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين: أحدهما، أنها تثبت بشهادة النساء منفردات بشرط عدالتهن و لو لم يكن أربع و لم تنضم اليمين، فيثبت ربع الوصية بواحدة و نصفها باثنتين و ثلاثة أرباعها بثلاث و تمامها بأربع. ثانيهما، أنها تثبت بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة و عدم وجود عدول المسلمين، و لا تقبل شهادة غير أهل الذمة من الكفار.

(مسألة 634) إذا كان الورثة كبارا و أقروا كلهم بالوصية بالثلث و ما دونه لوارث أو أجنبي، أو بأن يصرف على الفقراء مثلا، تثبت في تمام الموصى به و يلزمون بالعمل أخذا بإقرارهم و لا يحتاج إلى بينة، و إذا أقر بها بعضهم دون بعض: فإن كان المقر اثنين عادلين ثبتت أيضا في الكل، و إلا ثبتت بالنسبة إلى حصة المقر خاصة أخذا بإقراره، و أما بالنسبة إلى حصة الباقين فيحتاج إلى البينة.

نعم لو كان المقر بالتمام عدلا واحدا و كانت الوصية بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضم يمين المقر له في إثبات التمام، بل لو كان المقر امرأة ثبتت في ربع حصة الباقين إن كانت واحدة و في نصفها إن كانتا اثنتين و في ثلاثة أرباعها إن كن ثلاثا و في تمامها إن كن أربعا. و بالجملة بعد ما كان المقر من الورثة شاهدا بالنسبة إلى حصة الباقين كان كالشاهد الأجنبي، فيثبت به ما يثبت به.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 185

(مسألة 635) إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي، فليس له إنكار وصاية من يدعي الوصاية، و لا يسمع منه هذا الإنكار كغيره. نعم

لو كانت الوصية متعلقة بالقصّر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد، أو الميت نفسه كاستيجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك، كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصا إذا رأى منه الخيانة، الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكن الوارث و الأجنبي في ذلك سيان. نعم لا يبعد أولوية الوارث و اختصاص حق الدعوى به قبل غيره فيما إذا كانت الوصية متعلقة بأمور الميت.

(مسألة 636) إذا تصرف الإنسان في مرض موته، فإن كان تصرفه معلقا على موته، كما إذا قال أعطوا فلانا بعد موتي كذا، أو هذا المال المعين أو ثلث مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي و نحو ذلك، فهو وصية، و قد عرفت أنها نافذة مع اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث، و في الزائد تتوقف على إجازة الورثة. و إن كان تصرفه منجزا، بمعنى كونه غير معلق على الموت و إن كان معلقا على أمر آخر، فإن لم يكن مشتملا على المجانية و المحاباة كبيع شي ء بثمن المثل و إجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال، و إن كان مشتملا على المجانية المحضة كالوقف و الإبراء و الهبة غير المعوضة، أو غير المحضة كالبيع بأقل من ثمن المثل و الإجارة بأقل من أجرة المثل و الهبة المعوضة بما دون القيمة و غير ذلك، فالأقوى في هذا الفرض أيضا نفوذه مطلقا، و عدم توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة.

(مسألة 637) إذا جمع في مرض الموت بين عطية منجزة و معلقة بالموت، فإن و في الثلث بهما فلا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلقتا به،

و إن لم يف بهما فالأقوى أن المنجزة تخرج من الأصل و تخرج المعلقة من ثلث ما بقي.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 187

كتاب اليمين و النذر و العهد

اليمين

(مسألة 638) و يطلق على اليمين الحلف و القسم، و هي على ثلاثة أقسام:

الأول: ما يقع تأكيدا للإخبار عما وقع في الماضي أو عن الواقع في الحال أو عما سيقع في الاستقبال من غير التزام بإيقاعه، كأن يقول: و اللّه جاء زيد بالأمس أو: هو في الدار، أو: سيجي ء. الثاني: يمين المناشدة، و هي ما يقصد به الطلب و حث المسؤول على إعطاء المطلوب، كقول السائل: أسألك باللّه أن تعطيني كذا. الثالث: يمين العقد، و هي ما يقع تأكيدا لما التزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل، كقوله: و اللّه لأصومن أو لأتركن شرب الدخان مثلا.

أما القسم الأول فلا ينعقد و لا يترتب عليه شي ء سوى الإثم إذا كان كاذبا في إخباره و عامدا، و كذا لا ينعقد القسم الثاني و لا يترتب شي ء على مخالفته، لا على الحالف و لا على المحلوف عليه.

و أما القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، و يجب الوفاء به و يحرم حنثه و تترتب عليه الكفارة.

(مسألة 639) لا تنعقد اليمين إلا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس، و في انعقادها بالكتابة للقادر على التكلم إشكال، و أما العاجز فلا يترك الاحتياط بالبر في اليمين بالكتابة، و الكفارة مع الحنث، و الظاهر أنه لا تعتبر فيها العربية، خصوصا في متعلقاتها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 188

(مسألة 640) لا تنعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو اللّه جل شأنه، إما بذكر اسمه العلم المختص به كلفظ الجلالة و يلحق به

ما لا يطلق على غيره كالرحمن، أو بذكر الأوصاف و الأفعال المختصة به التي لا يشاركه فيها غيره كقوله: و مقلب القلوب و الأبصار، و الذي نفسي بيده، و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، و أشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف و الأفعال المشتركة التي تطلق في حقه تعالى و في حق غيره، لكن الغالب إطلاقها في حقه بحيث ينصرف إطلاقها إليه كقوله: و الرب، و الخالق، و البارئ، و الرازق، و الرحيم. و في انعقادها بما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود و الحي و السميع و البصير و القادر و إن نوى بها الحلف بذاته المقدسة إشكال، فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 641) المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره، فكلما صدق عرفا أنه قد حلف به تعالى انعقدت اليمين به. و الظاهر صدق ذلك بأن يقول: و حق اللّه، و بجلال اللّه، و عظمة اللّه، و كبرياء اللّه، بل و بقوله: لعمر اللّه، بل و بقوله: و قدرة اللّه، و علم اللّه على الأحوط.

(مسألة 642) لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه، بأن يقول: و اللّه أو باللّه أو تاللّه لأفعلن، بل لو أنشأه بصيغتي القسم و الحلف كقوله: أقسمت باللّه أو حلفت باللّه، انعقدت أيضا. نعم لا يكفي لفظي أقسمت و حلفت بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.

(مسألة 643) لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السلام و سائر النفوس المقدسة المعظمة، و لا بالقرآن الشريف، و لا بالكعبة المشرفة و سائر الأمكنة الشريفة المحترمة.

(مسألة 644) لا تنعقد اليمين بالطلاق، بأن يقول: زوجتي طالق إن فعلت كذا أو إن

لم أفعل كذا، فلا تؤثر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق بالحنث و لا في ترتب إثم أو كفارة عليه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 189

و كذا اليمين بالبراءة من اللّه أو من رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من دينه أو من الأئمة، بأن يقول مثلا: برئت من اللّه أو من دين الإسلام إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا، فلا تؤثر في ترتب الإثم أو الكفارة على حنثه. نعم هذه اليمين بنفسها حرام و يأثم حالفها، من غير فرق بين الصدق و الكذب و الحنث و عدمه، ففي خبر يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام أنه قال: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا بري ء منا. و في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه سمع رجلا يقول: أنا بري ء من دين محمد، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون. قال: فما كلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى مات.

بل ينبغي مراعاة الاحتياط و تكفير الحالف إذا حنث بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد و يستغفر اللّه تعالى شأنه.

و مثل اليمين بالبراءة في عدم الانعقاد أن يقول: إن لم أفعل كذا أو لم أترك فأنا يهودي أو نصراني مثلا، و أما في الإثم و الكفارة فعلى الأحوط.

(مسألة 645) لو علق اليمين على مشيئة اللّه تعالى، بأن قال: و اللّه لأفعلن كذا إن شاء اللّه، و كان المقصود التعليق على مشيته تعالى لا مجرد التبرك بهذه الكلمة، لم تنعقد اليمين، لكن

الأحوط الأولى ترتيب أثر انعقادها إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام. أما إذا علق على مشيئة غير اللّه تعالى بأن قال: و اللّه لأفعلن كذا إن شاء زيد مثلا، فإنها تنعقد على تقدير مشيئته، فإن قال زيد: شئت أن تفعل كذا، انعقدت و تحقق الحنث بتركها، و إن قال: لم أشأ لم تنعقد، و كذا لو لم يعلم أنه شاء أو لم يشأ. و كذا الحكم إذا علق على شي ء آخر غير المشيئة، فإنها تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه و يحنث إذا لم يأت بالمحلوف عليه.

(مسألة 646) يعتبر في الحالف البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، فلا تنعقد يمين الصغير، و المجنون مطبقا أو أدواريا حال جنونه و لا المكره و لا السكران، بل و لا الغضبان في شدة الغضب السالب للقصد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 190

(مسألة 647) الأقوى أنه يشترط في انعقاد يمين الولد إذن الوالد، و في يمين الزوجة إذن الزوج، إلا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، فلو حلفا على مباح بدون اطلاع الوالد و الزوج لم تنعقد اليمين من أصلها، و الأحوط (استحبابا) العمل باليمين ما لم يمنعا منها أو يحلاها.

(مسألة 648) تنعقد اليمين إذا تعلقت بفعل واجب أو مستحب أو بترك حرام أو مكروه، و لا تنعقد إذا تعلقت بترك واجب أو مستحب أو بفعل حرام أو مكروه. أما المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع، فإن ترجح فعله على تركه بحسب المنافع و الأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلقت بطرفه الراجح و عدم انعقادها إذا تعلقت بطرفه المرجوح. و أما إذا تساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضا

و تعلقت به اليمين فعلا أو تركا، فالأشهر و الأحوط انعقادها، و هو لا يخلو من قوة.

(مسألة 649) إذا تعلقت اليمين براجح ثم صار مرجوحا، انحلت، و لو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى و لكن ينبغي الاحتياط إذا عادت إلى الرجحان.

(مسألة 650) إنما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره، و لو كان مقدورا ثم طرأ العجز عنه بعد اليمين بالمرة و كان العجز غير مستند إليه و لو بتسامحه في الإتيان به عند ظن طرو العجز، انحلت اليمين، و يلحق بالعجز العسر و الحرج الرافعان للتكليف.

(مسألة 651) إذا انعقدت اليمين وجب الوفاء بها و حرمت مخالفتها، و وجبت الكفارة بحنثها. و الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عمدا، فلو خالفها جهلا بالموضوع أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها، فلا حنث و لا كفارة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 191

(مسألة 652) إذا كان متعلق اليمين فعلا كالصلاة و الصوم، فإن عين له وقتا تعين، و يتحقق الحنث بعدم الإتيان به في وقته، و لو أتى به في وقت آخر. و إن أطلق و لم يعين له وقتا، كان الحنث بتركه بالمرة و الوفاء بإيجاده في أي وقت كان و لو مرة واحدة. و لا يجب التكرار و لا الفور. و يجوز له تأخيره و لو اختيارا إلى أن يظن فواته لظن طرو العجز أو عروض الموت.

و إن كان متعلقها الترك، كما إذا حلف أن لا يأكل الثوم أو لا يشرب الدخان، فإن قيده بزمان كان حنثها بفعله و لو مرة في ذلك الزمان، و إن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر، فلو أتى به و لو مرة في أي زمان، تحقق الحنث.

(مسألة

653) إذا كان المحلوف عليه عملا كصوم يوم، سواء كان مقيدا بزمان كصوم يوم من شعبان أو مطلقا من حيث الزمان، لم يكن له إلا حنث واحد، فلا تتكرر فيه الكفارة، إذ مع الإتيان به في الوقت المعين أو مدة العمر يتحقق الوفاء، و مع تركه في ذلك الوقت أو بالمرة يتحقق الحنث.

و كذلك إذا كان المحلوف عليه ترك عمل على الإطلاق، سواء كان مقيدا بزمان كما إذا حلف على ترك شرب الدخان في يوم الجمعة، أو غير مقيد به كما إذا حلف على تركه مطلقا، لأن الوفاء بهذه اليمين يكون بترك ذلك العمل بالمرة، و حنثها بفعله أول مرة، و لا يتكرر الحنث و الكفارة في المرات التالية.

لكن إذا حلف على أن يصوم كل خميس أو أن لا يأكل الثوم في كل جمعة مثلا، فالأقوى أنه يتكرر الحنث و الكفارة إذا ترك الصوم في أكثر من يوم خميس أو أكل الثوم في أكثر من جمعة واحدة لأن ظاهر كل خميس أو جمعة الاستغراق، و معه ينحل اليمين إلى الأيمان.

(مسألة 654) كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام. و سيجي ء بعض أحكامها في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 192

(مسألة 655) الأيمان الصادقة كلها مكروهة و لو كانت على المستقبل، و تتأكد الكراهة على الماضي. ففي خبر الخزاز عن مولانا الصادق عليه السلام: لا تحلفوا باللّه صادقين و لا كاذبين، فإنه يقول عز و جل (وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ) و في خبر ابن سنان عنه عليه السلام: اجتمع الحواريون إلى عيسى على نبينا و آله و عليه السلام فقالوا:

يا معلم الخير أرشدنا، فقال لهم: إن موسى نبيّ اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين، و أنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين.

نعم لو قصد بها رفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره من إخوانه، جازت بلا كراهة و لو كذبا. ففي خبر زرارة عن الباقر عليه السلام: إنما نمر بالمال على العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلّون سبيلنا و لا يرضون منا إلا بذلك؟

فقال: احلف لهم، فهو أحلى من التّمر و الزّبد.

بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس مؤمن أو عرضه، لكن إذا كان ملتفتا إلى التورية و يحسنها فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يورّي، بأن يقصد باللفظ خلاف ظاهره من دون قرينة مفهمة.

(مسألة 656) الأقوى أنه يجوز الحلف بغير اللّه تعالى في الماضي و المستقبل و إن لم يترتب على مخالفته إثم و لا كفارة، كما أنه ليس قسما فاصلا في الدعاوي و المرافعات.

النذر

(مسألة 657) النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص. و لا ينعقد بمجرد النية، بل لا بد من الصيغة، و هي كل ما أفاد إنشاء الالتزام بفعل أو ترك للّه تعالى، كأن يقول: للّه علي أن أصوم، أو أن أترك شرب الخمر، مثلا. و الظاهر أنه يكفي غير لفظة «لله» من أسمائه المختصة به تبارك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 193

و تعالى كما تقدم في اليمين، فكل ما دل على الالتزام بعمل للّه جل شأنه يكفي في الانعقاد، بل لا يبعد انعقاده بما يرادف القول المذكور من أي لغة، خصوصا لمن لم يحسن العربية.

نعم لو اقتصر على قوله: علي كذا، لم ينعقد

النذر و إن نوى في ضميره معنى للّه، و لو قال: نذرت للّه أن أصوم مثلا أو للّه عليّ نذر صوم يوم مثلا، لم ينعقد على إشكال، فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 658) يشترط في الناذر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد و انتفاء الحجر في متعلق النذر، فلا ينعقد نذر الصبي و إن كان مميزا و بلغ عشرا، و لا المجنون و لو أدواريا حال جنونه، و لا المكره و لا السكران، بل و لا الغضبان غضبا رافعا للقصد، و كذا السفيه إن كان المنذور مالا و لو في ذمته، و المفلس إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه و تعلق به حق الغرماء.

(مسألة 659) لا يصح نذر الزوجة بدون إذن الزوج، حتى لو كان متعلقا بمالها و لم يكن العمل به مانعا عن حق الاستمتاع. و لو أذن لها في النذر فنذرت انعقد و ليس له بعد ذلك حله و لا المنع عن الوفاء به.

و الأقوى أن نذر الولد ينعقد بدون إذن الوالد و لكن له حله بأن ينهى عن المنذور لا بما هو منذور، فيصير مرجوحا و ينحل النذر، إلا في فعل الواجب و ترك الحرام، فلا أثر لحل الوالد.

(مسألة 660) النذر: إما نذر برّ، و يقال له: نذر المجازاة و هو ما علق على أمر إما شكرا لنعمة دنيوية أو أخروية، كأن يقول: إن رزقت ولدا، أو إن وفقت لزيارة بيت اللّه فللّه عليّ كذا، و إما استدفاعا لبلية، كأن يقول: إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا. و إما نذر زجر، و هو ما علق على فعل حرام أو مكروه زجرا للنفس عن ارتكابهما مثل أن يقول: إن تعمدت الكذب

أو أكلت باليسرى فللّه عليّ كذا، أو على ترك واجب أو مستحب زجرا لها عن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 194

تركهما، مثل أن يقول: إن تركت فريضة أو نافلة الليل فللّه عليّ كذا. و إما نذر تبرع، و هو ما كان مطلقا و لم يعلق على شي ء، كأن يقول: للّه عليّ أن أصوم غدا. و لا إشكال في انعقاد النوعين الأولين، و الأقوى انعقاد الأخير أيضا.

(مسألة 661) يشترط في متعلق النذر، سواء كان معلقا أو تبرعا، أن يكون مقدورا للناذر، و أن يكون طاعة للّه تعالى صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو عتقا و نحوها مما يعتبر في صحتها القربة، أو أمرا ندب إليه الشرع و يصح التقرب به كزيارة المؤمنين و تشييع الجنائز و عيادة المرضى و غيرها، فينعقد في كل واجب و لو كفائيا كتجهيز الموتى أو مندوب إذا تعلق بفعلهما، و ينعقد في كل حرام أو مكروه إذا تعلق بتركهما.

أما المباح، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه، فإن قصد به معنى راجحا كما لو قصد بأكله التقوى على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في انعقاده، كما لا إشكال في عدم الانعقاد إذا صار متعلق النذر فعلا أو تركا مرجوحا و لو دنيويا، بسبب اقترانه ببعض العوارض.

أما إذا لم يقصد به معنى راجحا و لم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته، فالظاهر عدم انعقاد النذر.

(مسألة 662) المعلق عليه في نذر الشكر إما أن يكون من فعل الناذر أو من فعل غيره أو من فعل اللّه تعالى، و لا بد أن يكون في الجميع أمرا صالحا لأن يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاة له، فإن

كان من فعل الناذر فلا بد أن يكون طاعة للّه تعالى من فعل واجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه، مثل أن يقول: إن حججت في هذه السنة أو زرت زيارة عرفة أو إن تركت الكبائر أو المكروه الفلاني في شهر رمضان، فللّه عليّ أن أصوم شهرا، فلو علق النذر شكرا على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه، لم ينعقد.

و إن كان من فعل غيره، فلا بد أن يكون مما فيه منفعة دينية أو دنيوية

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 195

للناذر، صالحة لأن يشكر عليها شرعا أو عرفا، مثل أن يقول: إن أقبل الناس على الطاعات فللّه عليّ كذا أو يقول: إن قدم مسافري، أو إن لم يقدم عدوي و من يؤذيني فللّه عليّ كذا. فإن كان على عكس ذلك مثل أن يقول:

إن تجاهر الناس على المعاصي أو شاع بينهم المنكرات، فللّه عليّ صوم شهر مثلا، لم ينعقد.

و إن كان من فعله تعالى لزم أن يكون أمرا يسوغ تمنيه و يحسن طلبه منه تعالى كشفاء مريض أو إهلاك عدو ديني أو أمن في البلاد أو سعة على العباد و نحو ذلك، فلا ينعقد إن كان على عكس ذلك، كما إذا قال: إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح، أو إن شفى اللّه هذا الكافر الصالح، أو قال: إن وقع القحط في البلاد، أو شمل الخوف على العباد فللّه عليّ كذا.

و أما نذر الزجر فلا بد أن يكون الشرط و المعلق عليه فعلا أو تركا اختياريا للناذر صالحا لأن ينزجر عنه حتى يقع النذر زاجرا عنه، كفعل حرام أو مكروه كأن يقول: إن تعمدت الكذب، أو تعمدت الضحك في المقابر مثلا فللّه

عليّ كذا، أو ترك واجب أو مندوب كأن يقول: إن تركت الصلاة أو نافلة الليل فللّه عليّ كذا.

(مسألة 663) إذا كان الشرط فعلا اختياريا للناذر فالنذر المعلق عليه قابل لأن يكون نذر شكر و نذر زجر، و الفرق بينهما بالنية، مثلا إذا قال:

إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا، إن كان لغرض زجر النفس و صرفها عن الشرب فهو نذر زجر فينعقد، و إن كان لتنشيط النفس و ترغيبها و كان المنذور جزاء لفعل ذلك كان نذر شكر، فلا ينعقد.

(مسألة 664) إذا نذر صلاة أو صوما أو صدقة في زمان معين تعين، و لم يجزه تقديمها أو تأخيرها. و كذا لو نذرها في مكان فيه رجحان فلا يجزي في غيره و إن كان أفضل. و أما لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان فالأقوى انعقاده إذا تعلق النذر بالإتيان بهذا الفرد من الصلاة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 196

و لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة في مكان أو بلد لا رجحان فيه، و لم يتعلق النذر بأصل الصلاة و الصيام بل تعلق بإيقاعهما في المكان الخاص، فالظاهر عدم انعقاد النذر إلا إذا طرأ عليه عنوان راجح عند العمل و كان معلوما له عند النذر، مثل كون المكان أفرغ للعبادة أو أبعد عن الرياء و نحو ذلك.

(مسألة 665) إذا نذر صوما و لم يعين العدد كفى صوم يوم، و إذا نذر صلاة و لم يعين الكيفية و الكمية يكفي ركعتان و لا يكفي ركعة على الأقوى إن كان المنذور غير الرواتب و إلا فلا يبعد كفاية مفردة الوتر. نعم في كفاية ركعة الاحتياط تأمل.

و لو نذر صدقة و لم يعين جنسها و مقدارها كفى

أقل ما يتناوله الاسم، و لو نذر أن يفعل قربة أتى بعمل قربي و يكفي صيام يوم أو التصدق بشي ء أو صلاة، و لو مفردة الوتر، و غير ذلك.

(مسألة 666) إذا نذر صوم عشرة أيام مثلا، فإن قيد بالتتابع أو التفريق تعين، و إلا تخير بينهما. و لو نذر صوم شهر لم يبعد ظهوره في التتابع، و يكفي ما بين الهلالين من الشهر و لو ناقصا، و له أن يشرع فيه في أثناء الشهر، و حينئذ فالأظهر كفاية التلفيق بأن يكمل من الشهر الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأول، و الأحوط إكمال ثلاثين يوما. و لو نذر صوم سنة فالظاهر عدم الفرق بينها و بين الشهر في وجوب التتابع، نعم لو نذر صوم اثني عشر شهرا فالظاهر أنه يكفي الإتيان بها متفرقة.

(مسألة 667) إذا نذر صيام سنة معينة، استثني منها العيدان فيفطر فيهما و لا قضاء عليه. و كذا يفطر في الأيام التي عرض له فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، لكن يحب القضاء على الأقوى. نعم إذا نذر الصوم سفرا و حضرا، فله أن يسافر و يصوم في السفر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 197

(مسألة 668) إذا نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد العيدين أو طرأ فيها أحد العوارض المبيحة للإفطار من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس، أفطر، و يجب عليه القضاء حتى في الأول على الأقوى.

(مسألة 669) إذا نذر صوم يوم معين فأفطر عمدا يجب قضاؤه مع الكفارة.

(مسألة 670) إذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر و إن كان غير ضروري، و يفطر ثم يقضيه و لا كفارة عليه.

(مسألة

671) إذا نذر زيارة أحد من الأئمة عليهم السّلام أو بعض الصالحين لزم، و يكفي الحضور و السلام على المزور، و الظاهر عدم وجوب غسل الزيارة و صلاتها مع الإطلاق و عدم ذكرهما في النذر. و إن عين إماما لم يجز غيره و إن كانت زيارته أفضل. كما أنه لو عجز عن زيارة من عينه لم يجب زيارة غيره بدلا عنه. و إن عين زمان الزيارة تعين، فلو تركها في وقتها عامدا حنث و تجب الكفارة، و الأحوط القضاء أيضا.

(مسألة 672) إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام ماشيا، انعقد مع القدرة و عدم الضرر، فلو حج أو زار راكبا مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقا و لم يعين له وقتا أعاده ماشيا، و إن عين وقتا وفات الوقت حنث و لزمته الكفارة، و الأقوى وجوب القضاء أيضا، و كذا الحكم لو ركب بعض الطريق و مشى بعضه.

(مسألة 673) ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر أو يسلك طريقا يحتاج إلى ركوب السفينة و نحوها و لو لأجل العبور و نحوه، و لو انحصر الطريق في البحر فإن كان كذلك من أول الأمر لم ينعقد النذر، و إن طرأ ذلك بعد النذر فإن كان النذر مطلقا و توقع التمكن من طريق البر فيما بعد انتظر، و إن كان نذره معينا أو مطلقا و يئس من إمكان السفر في البر سقط عنه و لا شي ء عليه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 198

(مسألة 674) من نذر الحج أو الزيارة ماشيا إذا طرأ عليه العجز في بعض الطريق دون البعض، فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع و

يركب في الباقي و لا شي ء عليه، و لو اضطر إلى ركوب السفينة فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يقف فيها بقدر الإمكان.

(مسألة 675) إذا نذر التصدق بعين شخصية تعينت، و لا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها، و إن تلفت بغير إتلاف منه انحل نذره و لا شي ء عليه و إن تلفت بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة، فيتصدق ببدلها بل يكفر أيضا على الأقوى.

(مسألة 676) إذا نذر الصدقة على شخص معين لزم، و لا يسقط عن الناذر بإبراء المنذور له. و الظاهر أنه لا يلزم على المنذور له القبول، فإذا امتنع عن قبوله امتناعا دائما، انحل النذر، و لو امتنع ثم رجع إلى القبول في وقت العمل بالنذر فالأقوى وجوب العمل به. و كذا إذا امتنع بعد انقضاء وقت العمل على الأحوط. و لو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته، و كذا كل نذر تعلق بالمال كسائر الواجبات المالية. و لو نذر أن يكون مال معين صدقة على فلان بنحو نذر النتيجة، فمات المنذور له قبل قبضه، فالأقوى قيام وارثه مقامه.

(مسألة 677) إذا نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة، صرفه في مصالحه كتعميره و ضيائه و طيبه و فرشه و قوامه و خدامه و نحو ذلك، و إن استغنى عن ذلك ففي معونة زواره. و أما لو نذر شيئا للإمام أو بعض أولاد الأئمة كما لو نذر شيئا لأمير المؤمنين أو الحسين أو العباس عليهم السّلام، فالظاهر أن المراد صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم، من غير فرق بين الصدقة على المساكين و إعانة الزائرين و نحوهما من وجوه الخير كبناء مسجد أو قنطرة، و إن كان

الأحوط الاقتصار على معونة زوارهم وصلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين و الصلحاء من خدام مشاهدهم و المقيمين مجالس

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 199

تعازيهم. هذا إذا كان النذر مطلقا و لم يقصد الناذر جهة خاصة و لو بسبب انصراف النذر إليها فإنه حينئذ يقتصر عليها.

(مسألة 678) إذا عين شاة للصدقة أو لأحد الأئمة أو المشاهد يتبعها نماؤها المتصل كالسمن، و أما المنفصل كالنتاج و اللبن، فالظاهر أنه ملك للناذر إلا إذا نذرها بنحو نذر النتيجة فيتبعها نماؤها.

(مسألة 679) إذا نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم ذلك، فإن شق عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمته و تصرف في أمواله كما يشاء ثم يتصدق عما في ذمته شيئا فشيئا و يحسب منها ما يعطي إلى الفقراء و المساكين و أرحامه المحتاجين، حتى يوفي تمام ما عليه، فإن بقي منه شي ء أوصى بأن يؤدى من تركته.

(مسألة 680) إذا عجز الناذر عن المنذور في وقته إذا كان موقتا، أو عجز عنه مطلقا إذا كان مطلقا، انحل نذره و لا شي ء عليه. نعم لو كان صوما فعجز عنه تصدق عن كل يوم بمد من طعام على الأحوط الأولى، و أحوط منه التصدق بمدين.

(مسألة 681) النذر كاليمين قد يكون معينا كما إذا تعلق بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها و عين له وقتا، فيتحقق الحنث و تجب الكفارة بتركه في ذلك الوقت، فإن كان صوما أو صلاة يجب قضاؤه أيضا على الأقوى بل و إن كان غيرهما أيضا على الأحوط.

و قد يكون مطلقا فيكون وقته العمر و يجوز له التأخير إلى أن يظن بالوفاة فيتضيق، و يتحقق الحنث بتركه مدة حياته.

و إذا كان

المنذور ترك شي ء فإن عين له وقتا كان حنثه بإيجاده فيه، و إن كان مطلقا كان حنثه بإيجاده في حياته و لو مرة و حينئذ ينحل النذر، كما مرّ في اليمين، إلا إذا نذر ترك جميع الأفراد بنحو الاستغراق فإنه يتكرر الحنث و الكفارة بتكرر الأفراد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 200

(مسألة 682) إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا، فلو أتى بشي ء تعلق النذر بتركه نسيانا أو جهلا بالموضوع أو اضطرارا، لم يترتب عليه شي ء. بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقا أو موقتا و قد بقي الوقت.

(مسألة 683) إذا نذر: إن بري ء مريضة أو قدم مسافرة أن يصوم يوما مثلا فبان أن المريض بري ء أو أن المسافر قدم قبل النذر، لم يجب عليه وفاؤه.

(مسألة 684) كفارة حنث النذر ككفارة من أفطر في شهر رمضان على الأقوى، و ستجي ء في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

العهد

(مسألة 685) لا ينعقد العهد بمجرد النية بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى، بأن يقول: عاهدت اللّه أو عليّ عهد اللّه، و يقع مطلقا و معلقا على شرط كالنذر، و إذا كان مشروطا فالظاهر أنه يعتبر فيه ما اعتبر في النذر المشروط. و يعتبر فيما عاهد عليه أن لا يكون مرجوحا دينا أو دنيا كاليمين، و لا يعتبر فيه الرجحان فضلا عن كونه طاعة كما اعتبر ذلك في النذر، فلو عاهد على فعل مباح لزم كاليمين.

نعم إذا عاهد على فعل كان تركه أرجح أو على ترك أمر كان فعله أولى و لو من جهة الدنيا لم ينعقد عهده. و لو لم يكن من أول الأمر كذلك ثم طرأ عليه

ذلك، انحل إذا لم يترقب زوال عنوان المرجوحية و لم يتسامح في العمل بعهده قبل طروء تلك الحالة، خصوصا إذا كان في معرض ذلك، و إلا وجبت عليه الكفارة.

(مسألة 686) مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفارة، و الأظهر أن كفارته كفارة من أفطر في شهر رمضان، كما ستجي ء في الكفارات.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 201

كتاب الكفارات

اشارة

(مسألة 687) الكفارة على أقسام: مرتّبة، و مخيرة، و ما اجتمع فيه الأمران، و كفارة الجمع.

أما المرتّبة فهي ثلاث: كفارة الظهار، و كفارة قتل الخطأ يجب فيهما العتق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا. و كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و هي إطعام عشرة مساكين، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام متتابعات أو متفرقات، و إن كانت المتتابعات أحوط.

و أما المخيّرة فهي خمس: كفارة من أفطر في شهر رمضان كما مر في كتاب الصوم، و كفارة حنث العهد، و كفارة حنث النذر، و كفارة جز المرأة شعرها في المصاب، و كذا كفارة الاعتكاف على الأقوى، و إن كان الأحوط فيها الترتيب.

و الكفارة المخيّرة هي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا بينها على الأظهر.

و أما ما اجتمع فيه الأمران فهي: كفارة حنث اليمين، و كفارة نتف المرأة شعرها و خدش وجهها في المصاب، و شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا بينها، فإن عجز عن الجميع صام ثلاثة أيام.

و أما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا و ظلما، و كفارة الإفطار في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 202

شهر رمضان بالمحرم على الأقوى،

و هي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين مع إطعام ستين مسكينا.

(مسألة 688) لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها، و جزّ بعضه بنحو يصدق عرفا أنها قد جزّت شعرها، و لا فرق بين كونه في مصاب زوجها و مصاب غيره، و بين القريب و البعيد، و إلحاق الحلق و الإحراق بالجزّ بعيد، و إن كان الاحتياط فيهما حسنا.

(مسألة 689) يكفي في خدش الوجه مسماه. نعم الظاهر أنه يعتبر فيه الإدماء، و لا عبرة بخدش غير الوجه و لو مع الإدماء، و لا بشق ثوبها و إن كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه و لا بجزّ شعره و لا بشق ثوبه على غير ولده و زوجته. نعم لا فرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و في شموله لولد الولد خصوصا ولد البنت إشكال فلا يترك الاحتياط. و لا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة، خصوصا لمن كانت مدتها طويلة كتسعين سنة.

أحكام الكفارات

(مسألة 690) يعتبر في الخصال الثلاث العتق و الصيام و الإطعام نية القربة فيها و أنها كفارة، و أن يعين نوعها إذا كان عليه أنواع متعددة كأن يكون عليه كفارة إفطار و كفارة يمين مثلا. نعم في المتعدد من نوع واحد يكفي قصد النوع و لا يحتاج إلى تعيين آخر، فلو أفطر أياما من شهر رمضان من سنة أو سنين متعددة، و صام شهرين بنية كفارة الإفطار، كفى و إن لم يعين اليوم الذي أفطر فيه. و إذا كان عليه كفارة و لا يدري نوعها كفى أن يأتي بإحدى الخصال عما في ذمته.

(مسألة 691) بما أن موضوع العتق قد انتفى في زماننا و الحمد للّه

فيتحقق العجز عن الكفارة بالعتق لانتفاء موضوعها، و يتحقق العجز عن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 203

صيام الكفارة بالمرض المانع منه أو بخوف حدوثه، أو زيادته، و بكون الصوم شاقا عليه مشقة لا تتحمل فيتعين عليه الإطعام. و الأرجح أن المدار في وجود المرض أو خوف حدوثه أو زيادته، حالته الفعلية و لو مع رجاء الشفاء منه، فلا يعتبر اليأس من الشفاء نعم لو رجا البرء بعد زمان قصير كيوم أو يومين يشكل الانتقال إلى الإطعام.

و كيف كان فلو أخر الإطعام إلى أن بري ء من المرض و تمكن من الصوم تعين عليه الصوم في الكفارة المرتبة و لم يجز له الإطعام.

(مسألة 692) إذا اضطر في أثناء صوم الكفارة إلى السفر فلا يعتبر عاجزا عن الصيام لعدم انقطاع التتابع بذلك، و كذا إذا حدث الحيض و النفاس.

(مسألة 693) المدار في العجز و القدرة حال الأداء لا حال الوجوب، فلو كان عند وجوب الكفارة قادرا على بعض الخصال عاجزا عن بعضها الآخر، ثم صار بالعكس، صار فرضه ما يقدر عليه فعلا. و إن كان آثما في التأخير مع القدرة إذا كان في معرض طرو العجز.

(مسألة 694) إذا عجز عن الصيام فشرع في الإطعام و لو لفرد واحد ثم تمكن من الصيام، لم يلزمه الرجوع اليه و يكفيه إتمام الإطعام.

(مسألة 695) يجب التتابع في الصوم الشهرين تعيينا و تخييرا، و في صوم كفارة اليمين على الأقوى، و في صوم بقية الكفارات على الأحوط. و معنى التتابع أن لا يتخلل بين أيامه الإفطار و لا صوم آخر غير الكفارة فإن أخل بالتتابع وجب الاستئناف، و لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بوجوب صوم آخر بين أيامه،

فلو شرع في صيام ثلاثة أيام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معين نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز، بل وجب استينافه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 204

(مسألة 696) إذا أفطر أثناء صوم الكفارة لعذر كالإكراه أو الاضطرار، أو عروض المرض أو الحيض أو النفاس، لم يضر به. و كذا السفر إذا كان ضروريا لا اختياريا، و كذا إذا نسي النية حتى فات وقتها، بأن تذكرها بعد الزوال. و كذا إذا نسي فنوى صوما آخر و لم يتذكر إلا بعد الزوال، و كذا تخلل الصوم المنذور كما لو كان نذر صوم كل خميس فوجب عليه كفارة صوم شهرين متتابعين، لكن يجب عليه في صوم كفارة الثلاثة أيام الشروع في زمان لا يتخلل فيه الصوم المنذور، فإن أخل به وجب الاستئناف.

(مسألة 697) يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة المرتبة و الكفارة المخيرة صيام شهر و يوم متتابعا، و يجوز له التفريق في البقية و لو اختيارا لا لعذر، فيجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم مثلا، و لا يجوز له الاقتصار على شعبان لتخلل شهر رمضان قبل إكمال شهر و يوم.

(مسألة 698) إذا شرع في صيام الشهرين أول الشهر يجزي هلاليان و إن كانا ناقصين، و إن شرع أثناء الشهر فالأقوى كفاية تكميل ما أفطر من الأول من الشهر الثاني ثم الشروع في الثاني و تكميل ما احتسبه للأول من الثالث، سواء كانا تامين أو ناقصين أو مختلفين، و إن كان الأحوط (استحبابا) في الناقص جعله ثلاثين يوما. و يتعين جعله ثلاثين إذا تخلل الصوم ما لا يضر بالتتابع كالحيض.

(مسألة 699) يتخير في الإطعام الواجب في الكفارة بين إشباع المساكين و إعطائهم، و يجوز إشباع

البعض و التسليم إلى البعض، و لا يتقدر الإشباع بمقدار بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قل أو كثر، أما التسليم فلا بد أن يكون لكل منهم مد من طعام لا أقل، و الأفضل بل الأحوط مدان. و لا بد في كل من النحوين كمال العدد ستين أو عشرة، فلا يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرتين، أو تسليم الواحد منهم مدين. و لا يجب الاجتماع لا في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 205

التسليم و لا في الإشباع، فلو أطعم ستين مسكينا في أوقات متفرقة من بلاد مختلفة، و لو كان البعض في سنة و البعض في سنة أخرى، كفى.

(مسألة 700) الواجب في إشباع الفقير مرة، و إن كان الأفضل إشباعه في يومه و ليله غداة و عشاء.

(مسألة 701) يجزي في الإشباع كل ما يتعارف التغذي و التقوت به لغالب الناس من المطبوخ و ما يصنع من أنواع الأطعمة، و من الخبز المتعارف من أي جنس كان، و إن كان بلا إدام، و الأفضل أن يكون مع الإدام و هو كل ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامدا أو مائعا و إن كان خلا أو ملحا أو بصلا، و كل ما كان أفضل كان أفضل و إن كان الأحوط في كفارة اليمين أن لا يكون أدون مما يطعمون أهليهم. و يجزي في التسليم بذل ما يسمى طعاما نيئا أو مطبوخا من الحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و الأرز و غير ذلك، و الأحوط الحنطة أو دقيقها، و يجزي التمر و الزبيب تسليما و إشباعا.

(مسألة 702) التسليم إلى المسكين تمليك له كسائر الصدقات، فيملك ما قبضه و يفعل به ما شاء، و

لا يتعين عليه صرفه في الأكل.

(مسألة 703) يتساوي الصغير و الكبير إن كان إعطاء الكفارة بنحو التسليم فيعطى الصغير مدا من الطعام كما يعطي الكبير، نعم يلزم في الصغير التسليم إلى الولي. و إن كان إعطاء الكفارة بنحو الإشباع فالأحوط (وجوبا) احتساب صغيرين بكبير واحد، فيلزم إشباع مائة و عشرين بدل ستين، و عشرين بدل عشرة و أحوط منه (استحبابا) الاقتصار على الكبائر.

و الظاهر أنه لا يعتبر في إشباع الصغير إذن الولي.

(مسألة 704) يجوز إعطاء كل مسكين أكثر من مد من كفارات متعددة، من غير فرق بين الإشباع و التسليم، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 206

إشباع ستين شخصا معينين في ثلاثين يوما، أو تسليم ثلاثين مدا من طعام لكل واحد منهم و إن وجد غيرهم.

(مسألة 705) إذا تعذر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، و إن تعذر انتظر، و لو وجد بعض العدد كرر على الموجود حتى يستوفي المقدار، و يقتصر في التكرار على مقدار التعذر، فلو تمكن من عشرة كرر عليهم ست مرات، و لا يجوز حينئذ التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرة. و الأحوط عند تعذر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم، و أن يكون في أيام متعددة.

(مسألة 706) المراد بالمسكين في مصرف الكفارة الفقير الذي يستحق الزكاة، و هو من لا يملك قوت سنته لا فعلا و لا قوة، و يشترط فيه الإسلام بل الإيمان على الأحوط، و مع عدم وجودهم يعطى الضعفاء من غير أهل الولاية إلا الناصب، و أن لا يكون ممن تجب نفقته على الدافع كالوالدين و الأولاد و الزوجة الدائمة دون المنقطعة و دون سائر الأقارب و الأرحام حتى

الإخوة و الأخوات، و لا يشترط فيه العدالة و لا عدم الفسق. نعم لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء، و الأحوط الاقتصار في إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي على مورد الاضطرار الذي يحل معه أخذ الزكاة.

(مسألة 707) يعتبر في الكسوة في الكفارة أن تكون لباسا عرفا، من غير فرق بين الجديد و غيره ما لم يكن ممزقا أو مرقعا أو باليا بحيث لا يصلح للاستعمال، فلا تكفي الكسوة بالعمامة و القلنسوة و الحزام و الخف و الجورب، و الأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد خصوصا بمثل السراويل أو القميص القصير. بل لا تكون أقل من قميص مع سراويل إلا عند عدم القدرة على الثوبين فلا تبعد كفاية ثوب واحد يكسو ظهره و يواري عورته.

و يعتبر فيها العدد كالإطعام، فلو كرر على واحد مرات لم تحسب له إلا واحدة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 207

و لا فرق في المكسو بين الذكر و الأنثى، و الأحوط في الأنثى أن يوارى ما يحرم منها كشفه، و الأحوط (وجوبا) عدم الاكتفاء بكسوة غير البالغ.

و الظاهر اعتبار كونها مخيطا أو مثل المخيط، فلو سلم إليه الثوب غير مخيط لم يكن مجزيا. نعم الظاهر أنه لا بأس بأن يدفع له أجرة الخياطة ليخيطه و يلبسه، و لا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء و بالعكس.

و لا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتان أو قنب أو حرير، و في الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال. و لو تعذر تمام العدد كسا الموجود و انتظر الباقي.

(مسألة 708) لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الإطعام و لا في الكسوة، بل لا بد في الإطعام من بذل الطعام إشباعا أو

تمليكا و كذلك في الكسوة.

نعم لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحق و يوكله أن يشتري بها طعاما فيأكله أو كسوة فيلبسها، لكن لا تسقط الكفارة إلا بالأكل و اللبس أو التملك فلو شك يجب الفحص حتى يحصل له اليقين أو الحجة بالطريق المعتبر.

(مسألة 709) إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لا يجزيه أن يكفر بنوعين، بأن يصوم شهرا و يطعم ثلاثين في كفارة شهر رمضان، أو يطعم خمسة و يكسو خمسة مثلا في كفارة اليمين. نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو أطعم بعض العدد طعاما خاصا و بعضه غيره، أو كسا بعضهم ثوبا من جنس و بعضهم من جنس آخر، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضا و يسلم إلى بعض كما مرّ.

(مسألة 710) لا بدل شرعا للعتق في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة أو كفارة جمع، فإن تعذر سقط. أما إذا تعذر عليه صيام شهرين متتابعين و الإطعام كليا فيصوم ثمانية عشر يوما في الظهار و في غيره على الأحوط، فإن عجز صام ما استطاع، أو تصدق بما وجد، فإن عجز عن ذلك استغفر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 208

اللّه تعالى و لو مرة. أما كفارة إفطار شهر رمضان فالأحوط فيها للعاجز عن الخصال الثلاث التصدق بما يطيق، و مع العجز عنه فالأحوط (وجوبا) الجمع بين الممكن من الصوم و الاستغفار، و مع العجز يكفي الاستغفار و لو مرة واحدة. و الأحوط (وجوبا) في صوم الثمانية عشر يوما التتابع.

(مسألة 711) الظاهر أن وجوب الكفارات موسع، فلا تجب المبادرة إليها، و يجوز التأخير ما لم يؤد إلى حد التهاون. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالتعجيل.

(مسألة 712) يجوز التوكيل في إخراج

الكفارات المالية و أدائها، و يتولى الوكيل النية إذا كان وكيلا في الإخراج، و الأحوط للمالك أن يتولى النية حين دفعها للوكيل و أن يستمر في نيته الى حين دفع الوكيل. و أما الكفارات البدنية فلا يجري فيها التوكيل، و لا تجوز فيها النيابة على الأقوى، إلا عن الميت.

(مسألة 713) الكفارات المالية بحكم الديون، فإذا مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال، و أما البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها و لا إخراجها من التركة ما لم يوص بها الميت، فتخرج من ثلثه. نعم الأقوى وجوبها على الولي و هو الولد الأكبر إذا كان تعين على الميت الصيام، و أما إذا تعين عليه غيره كالإطعام أو كانت مخيرة و كان متمكنا من الصيام و الإطعام فلا يجب على الولي، بل يخرج مقدار الإطعام من التركة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 209

كتاب الصيد و الذباحة

أحكام الصيد

(مسألة 714) يذكّى الحيوان و يحل أكل الحلال منه بالذبح على النحو المعتبر شرعا، و يذكّى أيضا بالصيد كما سيأتي، و الصيد يكون بواسطة الحيوان أو بواسطة آلة.

(مسألة 715) لا يحل من صيد الحيوان و مقتوله إلا ما كان بالكلب المعلّم، سواء كان سلوقيا أو غيره، أسود أو غيره، فلا يحل صيد بقية جوارح السباع كالفهد و النمر و غيرهما، و جوارح الطير كالبازي و العقاب و الباشق و غيرها، و إن كانت معلمة. فما يأخذه الكلب المعلّم و يقتله بالعقر أو بالجرح مذكى حلال أكله من غير ذبح، فيكون عض الكلب و جرحه لأي موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.

(مسألة 716) يعتبر في حلية صيد الكلب أن يكون معلّما للاصطياد، و يعرف أنه معلّم بأن يسترسل إذا أرسله و ينزجر إذا زجره، بل

لا يبعد كفاية الانزجار قبل الإرسال في علامة كونه معلّما، فلا يضر عدم انزجاره بعده.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 210

(مسألة 717) يشترط في حلية صيد الكلب أمور:

الأول: أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحل مقتوله. و كذا على الأحوط لو أغراه صاحبه بعد استرساله و لو أثر إغراؤه، بأن زاد في عدوه بسببه. و كذا لو أرسله لأمر آخر من دفع عدو أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا مثلا و صاده. و المعتبر قصد الجنس لا الشخص، فلو أرسله قاصدا صيد غزال فصادف غزالا آخر و أخذه و قتله كفى في حله، و كذا لو أرسله إلى صيد فصاده و غيره، حلا معا.

الثاني: أن يكون المرسل مسلما أو بحكمه كالصبي الملحق به إن كان مميزا، فلا يحل لو أرسله غير المميز، و كذا يشترط أن يكون عاقلا فلا يحل لو أرسله المجنون. و لا يحل صيده إذا أرسله الكافر بجميع أنواعه، أو من كان بحكمه كالنواصب.

الثالث: أن يذكر اسم اللّه عند إرساله، فلو ترك التسمية عمدا لم يحل صيده، و إذا نسي حين الإرسال و لم يتذكر أو تذكر قبل الإصابة و سمى، فالأقوى حليته، و أما إذا ترك التسمية عند الإرسال عمدا ثم سمى قبل الإصابة، فالاكتفاء بها مشكل فلا يترك الاحتياط.

الرابع: أن يكون موت الحيوان مستندا إلى جرحه و عقره، فلو كان بسبب صدمه أو خنقه أو إتعابه في العدو أو لشدة خوفه، لم يحل.

الخامس: أن لا يدرك صاحب الكلب الصيد حيا و يتمكن من تذكيته، فإن لحق به بعد ما أخذه و عقره و سلبه القدرة على الفرار، فإن أدركه ميتا كان ذكيا

و حل أكله، و كذا إن وجده حيا و لم يتسع الوقت لذبحه فمات، أما إن اتسع لذبحه فلا يحل إلا بالذبح. و أدنى ما تدرك به ذكاته أن يجده يطرف بعينه أو يركض برجله أو يحرك ذنبه أو يده و يتسع الوقت لذبحه فلو تركه حتى مات كان ميتة. و يلحق بعدم اتساع الوقت ما إذا اتسع و لكن كان عدم الذبح بسبب غير تقصيره، كما إذا لم يمكّنه الحيوان من ذبحه حتى مات و نحو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 211

ذلك، و لا يلحق بعدم اتساع الوقت ما لو لم يكن عنده سكين على الأحوط إن لم يكن أقوى، و كذا لو كان عنده و لم يمكنه استعماله لمانع كبرودة الهواء و نحوه بحيث لو لم يكن ذلك المانع لأدرك تذكيته بالنحو المتعارف.

(مسألة 718) الظاهر أنه لا يجب على مرسل الكلب المسارعة إلى الصيد من حين الإرسال أو من حين إصابة الكلب الصيد ما دام على امتناعه و إن كان أحوط، بل تجب المسارعة من حين إيقاف الكلب الصيد، فإذا أحس بإيقافه إياه و عدم امتناعه وجبت عليه حينئذ المسارعة العرفية حتى إذا أدركه حيا ذبحه، فلو لم يسرع ثم أدركه ميتا لم يحل أكله. أما إذا لم يحتمل ترتب أثر على مسارعته لعلمه بعدم إدراكه حيا فلا تجب المسارعة و يحل أكله، نعم إذا كان عدم ترتب الأثر لعدم وجود ما يذبح به فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، و كذا لو توقف إحراز كون موته بسبب عقر الكلب لا بسبب آخر على المسارعة إليه لزمت لأجل ذلك.

(مسألة 719) لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب، فلو أرسل

جماعة كلبا واحدا، أو أرسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت صيدا، حل أكله، ما دام الاصطياد واجدا للشروط المعتبرة شرعا، فلو كان المرسل اثنين أحدهما مسلم و الآخر كافر، أو سمى أحدهما دون الآخر، أو أرسل كلبان أحدهما معلّم و الآخر غير معلّم، لم يحل.

(مسألة 720) لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلا ما قتله السيف و السكين و الخنجر و نحوها من الأسلحة التي تقطع بحدها، أو الرمح و السهم و النّشاب مما يشكه بحده حتى العصا التي في طرفها حديدة محددة، سواء صنع حدها كالنصل أو صنع قاطعا أو شائكا. بل لا يبعد عدم اعتبار كون الآلة من الحديد فيكفي أن تكون سلاحا قاطعا أو شائكا من أي فلزّ كانت حتى الصفر و الذهب و الفضة و حتى الخشب إذا صنعت منه آلة الصيد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 212

نعم الأحوط عدم حلية المقتول بغير السلاح الذي صنع للصيد كالمخيط و السفود. و الظاهر أنه لا يعتبر في المقتول بآلة الصيد ظهور الجرح فيه فلو قتل بالرمي أو الطعن و لم يظهر فيه أثر حلّ.

(مسألة 721) لا يحل المقتول بالآلة غير المحددة و لا بمثل الحبالة و الشبكة و الشرك و نحوها، و لا المقتول بالحيوان غير الكلب كالفهد و النمر و البازي و نحوها، إلا إذا أدرك ذكاته و ذكاه.

(مسألة 722) لا يبعد حلية ما قتل بالآلة المعروفة بالبندقية، إذا سمى الرامي و كانت نافذة خارقة و اجتمعت بقية الشرائط، خصوصا إذا كان رصاصها يشبه المخروط و ليس كرويا.

(مسألة 723) لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد و لا وحدة الآلة، فلو رمى شخص بالسهم و طعن آخر

بالرمح و سميا معا فقتلا صيدا حل إذا اجتمعت الشرائط في كليهما، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد و رماه آخر بسهم فقتل بهما، حل أيضا.

(مسألة 724) يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما يشترط في الصيد بالحيوان، من كون الصائد مسلما و التسمية عند استعمال الآلة، و أن يكون استعمال الآلة للاصطياد فلو رمى إلى هدف أو إلى عدو أو إلى خنزير فأصاب غزالا فقتله لم يحل، حتى لو كان سمي عند الرمي لغرض من الأغراض، و كذا لو أفلت السهم من يده مثلا فأصاب صيدا فقتله.

و كذا يشترط أن لا يدركه حيا في زمان يتسع للذبح، فلو أدركه كذلك لم يحل إلا بالذبح. و قد تقدم حكم المسارعة بعد إيقاف الصيد، و أن تستقل الآلة المحللة في قتل الصيد، فلو شاركها فيه غيرها لم يحل كما لو سقط بعد إصابته من جبل أو وقع في الماء و مات بسبب كليهما، و كذا إذا لم يعلم استقلال إصابته في قتله، و كذا لو رماه شخصان فقتلاه و سمى أحدهما و لم يسم الآخر، أو كان أحدهما مسلما دون الآخر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 213

(مسألة 725) لا يشترط في حلية الصيد إباحة الآلة، فيحل الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين، و إن فعل حراما و عليه الأجرة، و يملكه الصائد دون صاحب الآلة.

(مسألة 726) الحيوان الذي يحل بصيده بالكلب و الآلة مع اجتماع الشرائط، هو الحيوان الممتنع المستوحش، سواء كان كذلك بالأصل كالحمام و الظبي و بقر الوحش أو كان أليفا فتوحش أو استعصى كالبقر العاصي و البعير الصائل، و ضابطه ما لا يقدر عليه غالبا إلا بالعلاج، فلا تقع التذكية بالصيد على الحيوان

الأهلي المستأنس، سواء كان استيناسه أصليا كالدجاج أو عارضا كالغزال المستأنس.

و لا تقع التذكية على ولد الوحشي قبل أن يقدر على العدو و فرخ الطير قبل أن يطير، فلو رمى طائرا و فرخه الذي لم ينهض فقتلهما، حل الطائر دون الفرخ.

(مسألة 727) الظاهر أن التذكية بالصيد تقع أيضا على غير مأكول اللحم القابل للتذكية، فيطهر بها جلده و يجوز الانتفاع به، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه خصوصا في صيد الكلب.

(مسألة 728) إذا قطعت الآلة الحيوان قطعتين أو أكثر، فإن كانت الآلة غير محلّلة للصيد فالجزء الذي فيه الرأس و محل التذكية يحل بالتذكية، أما بقية الأجزاء فهي ميتة انفصلت من حيّ. و إن كانت الآلة محلّلة للصيد فإن زالت الحياة عن القطع كلها بالضرب بها، حلت جميعا، و كذا إن بقيت الحياة في القطعة التي فيها الرأس و محل التذكية و لم يتسع الوقت للتذكية، أما إذا اتسع الوقت فتحل هذه القطعة بالتذكية، و المفصول من الحي ميتة كما تقدم.

(مسألة 729) يملك الحيوان و الطير الوحشيان بأحد أمور ثلاثة:

أحدها: وضع اليد عليه و أخذه بنية الاصطياد و التملك، أخذا حقيقيا كأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو يشده بحبل و نحوه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 214

ثانيها: أن يقع في آلة يصطاد بها عادة كالحبالة و الشرك و الشبكة و نحوها إذا نصبها لذلك.

ثالثها: أن يسبب له ما يجعله غير قادر على الامتناع كأن يرميه فيجرحه جرحا يمنعه من العدو أو يكسر جناحه فيمنعه من الطيران، سواء كان ذلك بآلة محلّلة للصيد كالسهم و الكلب المعلم أو بغيرها كالحجر و الخشب و الفهد و الباز و الشاهين و غيرها. و يعتبر أيضا أن

يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد و التملك، فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه الرامي، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملك، ملكه.

(مسألة 730) الظاهر أنه يلحق بآلة الصيد كل ما كان وسيلة لإثبات الحيوان و سلب امتناعه، و لو بحفر حفيرة ليقع فيها أو بإجراء الماء على أرض ليتوحل فيها. أما فتح باب البيت و إلقاء الحب فيه لتدخل العصافير و نحوها فيشكل حصول تملكها بمجرد دخولها الباب بل لا بد من القبض باليد أو بآلة بنية التملك. و لو عشش الطير في داره لم يملكه بمجرد ذلك، و كذا لو توحل حيوان في أرضه التي لم يجعلها موحلة لأجل ذلك. فلو أخذه إنسان من العش في داره أو أرضه ملكه، و إن عصى في دخول داره أو أرضه بغير إذنه.

(مسألة 731) إذا ركض خلف حيوان حتى أعياه و وقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه.

(مسألة 732) إذا وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد فانفلت منها لم يملكه ناصبها، و كذا لو انفلت بها و بقي ممتنعا، فلو صاده غيره ملكه ورد الشبكة إلى صاحبها. أما إذا كان غير ممتنع بها فهو لناصبها، حتى لو انفلت منها بسبب خارجي، فلو أخذه غيره وجب رده إليه.

(مسألة 733) إذا رمى حيوانا فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل دارا فأخذه صاحب الدار، ملكه بأخذه لا بدخول الدار، كما أنه لو رماه و لم يثبته فرماه شخص آخر فأخذه أو أثبته فهو للثاني.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 215

(مسألة 734) إذا أطلق الصائد صيده من يده فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه و لا

يملكه غيره باصطياده، و إن قصد الإعراض و زوال ملكه عنه فالظاهر أنه يصير كالمباح و يجوز لغيره اصطياده و يملكه، و ليس للأول الرجوع به عليه على الأقوى.

(مسألة 735) إنما يملك الحيوان طيرا كان أو غيره بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا للغير و لو بوجود أمارة على الملك فيه، كالطوق في عنقه أو القرط في أذنه أو الحبل في أحد قوائمه أو قص جناحه. أما إذا علم أنه ملك للغير و لو بهذه الأمارات فيجب حينئذ رده إلى صاحبه إن عرفه، و إن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة و مجهول المالك.

(مسألة 736) إذا صنع برجا لتعشيش الحمام فعششت فيه لم يملكها، خصوصا إذا كان غرضه غير التملك كحيازة ذرقها مثلا، فيجوز لغيره أن يملكها بالصيد، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها و إن أثم لعدم استئذان مالكه، و كذلك إذا عشش الطير في بئر مملوك، فلا يملكها صاحب البئر.

(مسألة 737) الظاهر أنه يكفي في تملك النحل غير المملوكة أخذ أميرها، فمن أخذ أميرها ملكه و ملك كل ما يتبعه من النحل التي تسير بسيرة و تقف بوقوفه، و تدخل الخلية و تخرج منها بدخوله و خروجه، و لا تكون مستعصية أو متحيرة.

(مسألة 738) ذكاة السمك إما بإخراجه من الماء حيا، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته، سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة و نحوها، فلو وثب إلى اليابسة أو نبذه الماء إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه، و أخذه إنسان قبل أن يموت حل، و لو مات قبل الأخذ حرم و إن أدركه حيا ناظرا إليه على الأقوى.

(مسألة 739) لا يشترط في تذكية السمك التسمية، كما أنه لا

يعتبر في صائده الإسلام، فلو أخرجه كافر أو أخذه، فمات بعد أخذه خارج الماء

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 216

حل، سواء كان كتابيا أو غيره. نعم لو وجده في يده ميتا لم يحل أكله ما لم يعلم أنه قد مات خارج الماء بعد إخراجه أو أخذه قبل موته، و لا يحرز ذلك بكونه في يده و لا بقوله لو أخبر به، بخلاف ما إذا كان في يد مسلم و عامله معاملة الحلال، فإنه يحكم بتذكيته حتى يعلم خلافها.

(مسألة 740) إذا وثبت سمكة من البحر مثلا إلى السفينة لم تحل ما لم تؤخذ باليد، فمن أخذها ملكها سواء كان السفّان أو صاحب السفينة أو غيرهما. نعم لو قصد صاحب السفينة الصيد و عمل شيئا ليثب السمك إلى سفينته فيملكه بذلك و يكون و ثوبه فيها بسبب هذا الصنع بمنزلة إخراجه حيا فتكون تذكيته بذلك.

(مسألة 741) إذا نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فما يحتبس فيهما يملكه، فإن أخرجها من الماء و كان السمك فيها حيا حلّ، و كذا لو نضب الماء بسبب جزره مثلا فمات السمك بعد ذلك. أما لو مات في الماء فلا تبعد حليته أيضا، و إن كان الأحوط عدم ترتيب آثار الحلية. و كذا لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها من السمك أو كله ميتا و لم يدر أنه مات في الماء أو بعد خروجه، لا يبعد حلية أكله أيضا.

(مسألة 742) إذا أخرج السمك من الماء حيا ثم أعاده إلى الماء مربوطا أو مطلقا فمات فيه، حرم.

(مسألة 743) إذا طفا السمك على الماء و زال امتناعه بسبب من الأسباب، فإن أدركه و أخذه و أخرجه من

الماء قبل أن يموت، حل، و إن مات على الماء حرم، و إن ألقى أحد في الماء دواء بقصد الاصطياد و التملك سواء قصد سمكا معينا أم لم يقصد، فأثر في السمك و صار على وجه الماء ملكه الملقي و لو بدون أخذ على احتمال قوي و لا يملكه غيره بالأخذ، لأنه كإثبات صيد البر و إزالة امتناعه بالرمي، و كذا لو رمى السمك بالرصاص مثلا فطفا على الماء و فيه حياة، بل الأمر فيه أقوى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 217

(مسألة 744) لا يعتبر في حلية السمك بعد إخراجه من الماء حيا أو أخذه بعد خروجه حيا أن يموت خارج الماء بنفسه، فلو مات بالتقطيع، بل لو شواه حيا حل أكله، بل لا يعتبر في حله الموت من أصله، فيحل بلعه حيا، بل لو قطع منه قطعة و أعيد الباقي إلى الماء حل ما قطعه، سواء مات الباقي في الماء أم لا. نعم لو قطع منه قطعة و هو في الماء حي أو ميت، لم يحل ما قطعه.

(مسألة 745) ذكاة الجراد أخذه حيا، سواء باليد أو بالآلة، فلو مات قبل أخذه حرم. و لا تعتبر فيه التسمية و لا إسلام الآخذ. نعم لو وجده ميتا في يد الكافر، لم يحل ما لم يعلم بأخذه حيا، و لا يجدي يده و لا إخباره في إحراز ذلك، كما تقدم في السمك.

(مسألة 746) إذا أشعل نارا في أجمة و نحوها ليحرق ما فيها من جراد، لم يحل و إن قصد أخذه بذلك. نعم لو أحرقه أو شواه أو طبخه بعد أخذه قبل أن يموت، حل كما مر في السمك. أما لو جعل النار آلة لصيد الجراد فأججها

لذلك فاجتمع فيها الجراد و انشوى بها فلا تبعد حليته بذلك.

(مسألة 747) لا يحل من الجراد الدّبا و هو ما تحرك و لم يستقل بالطيران.

الذباحة

(مسألة 748) يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو بحكمه كالمتولد منه، فلا تحل ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتى الكتابي على الأقوى. و لا يشترط فيه الإيمان، فتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا النواصب المحكوم بكفرهم و هم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام و إن أظهروا الإسلام، و كذا غيرهم من المنتحلين للإسلام المحكوم بكفرهم، مثل الغلاة و الخوارج و غيرهم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 218

(مسألة 749) لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك، فتحل ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثى، و كذا الحائض و الجنب و النفساء و الأعمى و الأغلف و ولد الزنا، و كذا الطفل إذا كان مميزا و أحسن الذبح، لكن لو شك في صحة ذبحه لا يجرى فيه أصالة الصحة، و في اعتبار قوله إشكال.

(مسألة 750) لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره مع التمكن منه لم يحل، و إن كان من المعادن المنطبعة كالصفر و النحاس و الذهب و الفضة و غيرها. نعم لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها أو احتاج إلى ذبحها عاجلا، جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح و لو كان قصبا أو ليطة أو حجرا حادا أو زجاجة أو غيرها. نعم في وقوع الذكاة بالسن و الظفر مع الضرورة تأمل و الأحوط عدم تحققه بهما حتى لو كانا منفصلين عن البدن.

(مسألة 751) الواجب في الذبح مع الإمكان قطع تمام الأعضاء الأربعة:

الحلقوم، و هو مجرى النفس. و المري،

و هو مجرى الطعام و الشراب و محله تحت الحلقوم. و الودجان، و هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المري.

و يطلق عليها الأوداج الأربعة، و يجب فريها كاملا، فلا يكفي شقها من دون فريها و فصلها.

(مسألة 752) محل الذبح هو الحلق تحت اللحيين على نحو تقطع به الأوداج الأربعة. و قد ذكروا أن قطع هذه الأوداج لا يتحقق إلا بأن يكون الذبح من تحت العقدة المسماة الجوزة، فإن كان كذلك أو لم يحرز الذابح قطع الأوداج بتمامها بدونه وجبت مراعاته. كما يلزم أن يكون شي ء من الأوداج الأربعة مع الرأس حتى يعلم فريها و قطعها.

(مسألة 753) يشترط أن يكون الذبح من قدّام، فلو ذبحه من الخلف و قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج، لم يحل. نعم لو قطعها من قدام بأن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 219

أدخل السكين تحت الأعضاء و حزها إلى أعلى، لم تحرم الذبيحة، و إن كان الأظهر أن فعله هذا حرام.

(مسألة 754) يجب التتابع في الذبح، بأن يفري كل الأعضاء قبل موت الذبيحة، فلو حز بعضها و أرسلها حتى ماتت ثم قطع الباقي، حرمت، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها أكثر من المتعارف المعتاد بحيث يعد عمله عملين لا عملا واحدا عرفا، و إن قطعها جميعا قبل خروج الروح.

(مسألة 755) إذا حزّ رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أوداجها، فإن بقيت فيها حياة ذبحها من أمام و حلّت، و إلا صارت ميتة. و تعرف حياتها بالحركة بعد تمام الذبح و لو كانت يسيرة.

(مسألة 756) إذا أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة و لم يقطع الأعضاء الأربعة، فإن لم تبق فيها حياة حرمت، و إن بقيت و سارع

و ذبحها من تحت العقدة و قطع الأوداج، حلّت.

(مسألة 757) إذا أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان فأدركه حيا، فإن بقيت أوداجه الأربعة و أدرك ذكاته حل، و إن لم يبق تمام أوداجه الأربعة سليمة ففي حليته إشكال، فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 758) يشترط في التذكية مضافا إلى ما مر أمور: أحدها:

استقبال القبلة بالذبيحة حال الذبح، بأن يوجه مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة، فإن أخل به عامدا عالما حرمت، و إن كان ناسيا أو جاهلا أو أخطأ في القبلة أو في العمل لم تحرم. و لو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط. و لا يشترط استقبال نفس الذابح القبلة على الأقوى، و إن كان أحوط و أولى.

ثانيها: تسمية الذابح، بأن يذكر اسم اللّه عليها حينما يتشاغل بالذبح أو متصلا به عرفا قبل الشروع به، فلو أخل بها عمدا حرمت، و إن كان

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 220

ناسيا لم تحرم. و الأظهر إلحاق الجهل بالحكم بالعمد. و المعتبر في التسمية وقوعها بعنوان كونها على الذبيحة، فلا تجزي التسمية لغرض آخر.

ثالثها: أن تتحرك الذبيحة بعد تمام الذبح و لو حركة جزئية، كأن تطرف عينها أو تحرك أذنها أو ذنبها أو تركض برجلها، و نحوها. و لا يلزم خروج الدم المتعارف، فلو تحركت و لم يخرج الدم أو خرج متثاقلا و متقاطرا لا سائلا معتدلا كفى في التذكية. و الأقوى الاكتفاء بما ذكر من الحركة أو خروج الدم المتعارف.

(مسألة 759) لا يعتبر في استقبال القبلة بالذبيحة كيفية خاصة، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن، أو على الأيسر، أو معلقة في الهواء و مقاديم بدنها و مذبحها إلى القبلة.

(مسألة

760) لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة، بل يكفي صدق ذكر اسم اللّه عليها، كقول: بسم اللّه، أو اللّه أكبر، أو الحمد للّه، أو لا إله إلا اللّه و نحو ذلك، و يشكل الاكتفاء بلفظ (اللّه) بدون أن يكون جزءا من كلام تام دال على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد، و كذا تشكل التسمية بغير لفظ اللّه تعالى من الأسماء الحسنى كالرحمان و الرحيم و الخالق، و كذا يشكل الاكتفاء بمرادف لفظ الجلالة من اللغات الأخرى مثل يزدان بالفارسية، فالأحوط عدم حلية الذبيحة بذلك.

(مسألة 761) الأقوى عدم اشتراط الحياة المستقرة بمعنى أن يبقى لو لم يذبح يوما أو نصف يوم، بل يكفي وجود أصل الحياة قبل الذبح و لو كانت قرب خروج روح الذبيحة لأي سبب، فإن علم وجود الروح فيها صح ذبحها، و إن لم يعلم كشفت عنها الحركة بعد ذبحها و إن كانت جزئية يسيرة، أو خروج الدم المعتدل على الأقوى.

(مسألة 762) لا يشترط في حلية أكل الذبيحة بعد ذبحها و فيها حياة،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 221

أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثم وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل و نحو ذلك فماتت بذلك، حلت على الأقوى.

(مسألة 763) تختص الإبل بأن تذكيتها بالنحر، و يختص غيرها بأن تذكيته بالذبح، فلو ذبحت الإبل كانت ميتة إلا أن تبقى فيها حياة فينحرها، مع اجتماع الشروط. و كذا لو نحر غيرها.

(مسألة 764) كيفية النحر أن يدخل سكينا أو رمحا و نحوهما من الآلات الحادة الحديدية في لبة البعير أو الناقة، و هي المحل المنخفض الواقع بين أصل العنق و الصدر. و يشترط فيه كل ما

يشترط في التذكية بالذبح، من شروط الذابح و آلة النحر و التسمية عند النحر، و الاستقبال بالمنحور كما يجب بالذبيحة، و كذا اعتبار الحياة كما مرّ في الذبيحة.

(مسألة 765) يجوز نحر الإبل قائمة و باركة إلى جهة القبلة، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة، و إن كان الأفضل كونها قائمة.

(مسألة 766) كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان، لاستعصائه أو لوقوعه في موضع لا يتمكن فيه من ذبحه أو نحره كما لو تردى في بئر أو مكان ضيق و خيف موته، يجوز أن يعقره بسيف أو سكين أو رمح أو غيرها مما يجرحه و يقتله، و يحل أكله و إن لم يصادف العقر موضع التذكية، و يسقط شرط الذبح و النحر و الاستقبال، و يجب مراعاة سائر الشروط من التسمية و شروط الذابح و الناحر. و أما الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجمادية فراجع، و الأقوى الاجتزاء هنا بعقر الكلب في المستعصي و الصائل دون غيره كالمتردي، أو المحصور في مكان ضيق.

(مسألة 767) الأحوط حرمة قطع رأس الذبيحة و إبانته قبل خروج الروح، و كذا سلخ جلدها، لكن لا تحرم الذبيحة بفعلهما على الأقوى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 222

(مسألة 768) للذباحة و النحر آداب بين مستحبة و مكروهة، أما المستحبة فمنها أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه و يطلق رجله الأخرى و يمسك صوفه و شعره بيده حتى يبرد، و يعقل قوائم البقر الأربع و يطلق ذنبه، و أن تكون الإبل قائمة و يربط يديها ما بين الخفين إلى الركبتين أو الإبطين و يطلق رجليها، و أن يرسل الطير بعد الذبح

حتى يرفرف.

و منها: أن يكون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة.

و منها: أن يعرض عليه الماء قبل الذبح أو النحر.

و منها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح أو النحر و مقدماتهما بما هو الأسهل و الأروح و أبعد عن تعذيبه و أذيته، فيسوقه إلى الذبح أو النحر برفق و يضجعه للذبح برفق، و يحدّ الشفرة و يسترها عنه حتى لا يراها، و يسرع في العمل و يمر السكين في المذبح بقوة، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «إن اللّه تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، و ليحدّ أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته» و في نبوي آخر أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر أن تحدّ الشّفار، و أن توارى عن البهائم.

و أما المكروهة: فمنها: أن تنخع الذبيحة، أي إصابة السكين نخاعها، و هو الخيط الأبيض وسط الفقار الممتد من الرقبة إلى عجز الذنب.

و منها: أن يدخل السكين تحت الحلقوم و يقطع إلى فوق، و لعل الأظهر حرمته كما مر.

و منها: أن يذبح الحيوان و حيوان آخر ينظر إليه.

و منها: أن يذبح ليلا، و أن يذبح نهارا قبل زوال يوم الجمعة، إلا مع الضرورة.

و منها: أن يذبح بيده ما رباه من النعم.

(مسألة 769) ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا خرج من بطنها ميتا و كان تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر، سواء و لجته الروح أم لا على الأقوى، بشرط أن يكون موته مستندا إلى تذكيتها. أما إذا مات قبل تذكية أمّه بسبب ضربة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 223

مثلا فحرام قطعا. أما إن خرج حيا فلا يحل إلا بالتذكية

سواء كانت أمّه مذكاة أو ميتة أو حية.

(مسألة 770) إذا لم يبادر إلى إخراج الجنين الحي بعد تذكية أمه فمات و لكن لم يتأخر أكثر من المقدار المتعارف فالأقوى حليته، و إن تأخر عن ذلك و مات قبل إخراجه فالظاهر حرمته.

(مسألة 771) نجس العين كالكلب و الخنزير ليس قابلا للتذكية، و كذا المسوخ غير السباع كالفيل و الدب و القرد و نحوها، و الحشرات و منها الفأرة، و منها الضّب و ابن عرس على الأحوط إن لم يكن أقوى. و أما السباع و هي الحيوانات المفترسة التي تأكل اللحوم سواء كانت من الوحوش كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و ابن آوى و غيرها، أو من الطيور كالصقر و البازي و الباشق و غيرها، فالأقوى قبولها التذكية فتطهر بها لحومها و جلودها، و يحل الانتفاع بها، بأن تلبس في غير الصلاة و تفترش، بل بأن تجعل وعاء للمائعات، كقربة الماء و عكة السمن و نحوها و إن لم تدبغ على الأقوى، و إن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.

و كذا تصح تذكية الحيوان المحلل أكله و إن حرم بالعارض كالجلال و الموطوء، و أثر ذلك طهارة جلده و لحمه و إن بقي أكله حراما.

أما ما ليس له نفس سائلة فلا أثر للتذكية فيه لأنه طاهر، و يحرم أكله على كل حال.

(مسألة 772) الظاهر أن جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل مما له نفس سائلة غير ما ذكر من أنواع الوحوش و الطيور المحرمة تقع عليها التذكية، فتطهر بها لحومها و جلودها.

(مسألة 773) يشترط في تذكية ما يقبل التذكية من الحيوان المحرم الأكل جميع الشروط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلل، و في اصطياده

بالآلة، لكن تذكيته بالاصطياد بالكلب المعلم إشكال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 224

(مسألة 774) يعامل ما في يد المسلم في غير سوق الكفار من اللحوم و الشحوم و الجلود معاملة المذكى و إن لم يعلم أنه مذكى، فيجوز بيعه و شراؤه و أكله و سائر الاستعمالات المتوقفة على التذكية، و لا يجب الفحص و السؤال عنه، بل و لا يستحب بل نهي عنه، و كذا ما يباع منها في سوق المسلمين، سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال، بل و كذا ما كان مطروحا في أرض المسلمين إذا كانت فيه أمارة تدل على وقوع اليد عليه، كما إذا كان الجلد مخيطا أو مدبوغا أو اللحم مطبوخا.

بل و كذا إذا أخذ من الكافر و علم كونه مسبوقا بيد المسلم على الأقوى.

أما المأخوذ من يد المسلم في سوق الكفار فالأحوط الاجتناب عنه.

و أما ما يؤخذ من يد الكافر و لو في بلاد المسلمين و لم يعلم كونه مسبوقا بيد المسلم أو كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في أرضهم، فيعامل معه معاملة غير المذكى، و هو بحكم الميتة. و المدار في كون البلد أو الأرض منسوبة إلى المسلمين غلبة السكان و القاطنين بحيث تنسب عرفا إليهم و لو كانوا تحت سلطنة الكفار، و هو المدار أيضا في بلد الكفار.

و لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار.

(مسألة 775) لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ و يستحل ذبائح أهل الكتاب و لا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية. و كذا لا فرق بين كون الآخذ متفقا مع المأخوذ

منه في شروط التذكية اجتهادا أو تقليدا أو مخالفا له فيها إذا احتمل تذكيته على وفق مذهب الآخذ، كما إذا كان المأخوذ منه يعتقد كفاية قطع الحلقوم في الذبح و يعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة، إذا احتمل أن ما بيده قد روعي فيه ذلك.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 225

كتاب الأطعمة و الأشربة

الحيوان المأكول و غير المأكول

(مسألة 776) لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك أو الطير الذي يحل مثله في البر. و حرم غير ذلك من أنواع حيوانه، حتى ما يؤكل مثله في البر كبقر البحر على الأقوى.

(مسألة 777) لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس و قشور بالأصل و إن لم تبق و زالت بالعارض، كالكنعت فإنه على ما ورد فيه سمكة سيئة الخلق تحتك بكل شي ء فيذهب فلسها و لذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته.

و لا فرق بين أنواع السمك ذي القشور، فتحل جميعها صغيرها و كبيرها، و لا يؤكل منها ما ليس له قشر في الأصل كالجرّي و الزمّار و الزهو و المارماهي.

(مسألة 778) الإربيان المسمى بالروبيان أو الميگو من جنس السمك الذي له فلس، فيجوز أكله.

(مسألة 779) بيض السمك تابع لسمكه، فبيض المحلل حلال و إن كان أملس، و بيض المحرم حرام و إن كان خشنا. و إذا اشتبه أنه من المحلل أو المحرم حل أكله، و الأحوط عند الاشتباه عدم أكل ما كان أملس.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 226

(مسألة 780) يحل من الحيوانات الأهلية جميع أنواع الغنم و البقر و الإبل، و يكره لحم الخيل و البغال و الحمير و كراهة لحم الخيل أخف. و يحرم منها غير ذلك كالكلب و الهر و غيرهما.

و يحل من الحيوانات الوحشية الظبي و

الغزال و البقر و الكباش الجبلية و اليحمور و الحمر الوحشية، و يحرم منها السباع، و هي ما كان مفترسا و له ظفر و ناب قويا كان كالأسد و النمر و الفهد و الذئب، أو ضعيفا كالثعلب و الضبع و ابن آوى. و كذا يحرم الأرنب و إن لم يكن من السباع، و تحرم الحشرات كلها كالحية و الفأرة و الضب و اليربوع و القنفذ و الصراصير و الجعل و البراغيث و القمل و غير ذلك من أنواعها الكثيرة.

(مسألة 781) يحل من الطير الحمام بأنواعه، و الدراج و القبج و القطا و الطيهوج و البط و الكروان و الحبارى و الكركي، و الدجاج بأنواعه، و العصفور بأنواعه و منه البلبل و الزرزور و القبرة و هي التي على رأسها القنزعة، و يكره منه الهدهد و الخطاف و هو الذي يأوي البيوت و يأنس بالناس. و الصّرد و هو طائر ضخم الرأس و المنقار يصيد العصافير، و الصّوّام و هو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل، و الشقراق و هو طائر أخضر بقدر الحمام.

و يحرم منه الخفّاش و الطاوس و كل ذي مخلب، سواء كان يقوى به على افتراس الطير كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق، أو ضعيفا كالنسر و البغاث.

(مسألة 782) الأقوى حرمة أكل الغراب بجميع أنواعه حتى الزّاغ و هو غراب الزرع، و الغدّاف الذي هو أصغر منه أغبر اللون، خصوصا مع ما يقال من أن الغربان كلها ذات مخالب.

(مسألة 783) يعرف ما يحل أكله من الطير و ما يحرم إذا لم يوجد نص على حكمه، بأحد أمرين: أحدهما: الصفيف و الدفيف، فكل ما كان صفيفه و

هو بسط جناحيه حال الطيران أكثر من دفيفه و هو تحريكهما عنده فهو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 227

حرام، و ما كان دفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال. ثانيهما: الحوصلة و القانصة و الصيصية، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال و ما لم يكن فيه شي ء منها فهو حرام. و الحوصلة كيس تحت العنق يجتمع فيه الحب و غيره، و القانصة في الطير بمنزلة الكرش لغيره كما ذكروا، و الصيصية هي الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب. و يتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه أو كان له حوصلة أو قانصة أو صيصية فهو حلال و إن كان يأكل السمك، و ما كان صفيفه أكثر من دفيفه و لم يكن له إحدى الثلاثة، فهو حرام.

(مسألة 784) إذا تعارضت العلامتان- كما إذا كان صفيفه أكثر من دفيفه و كان ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية، أو كان دفيفه أكثر من صفيفه و كان فاقدا لثلاثة- فالظاهر أن الاعتبار بالصفيف و الدفيف فيحرم الأول، و يحل الثاني.

(مسألة 785) إذا كان للطير صفيف و دفيف و لم يعلم أيهما أكثر تعين الرجوع إلى العلامة الثانية، و هي وجود أحد الثلاثة و عدمه فيه، و كذا إذا كان مذبوحا و لا يعرف صفيفه و دفيفه. و كذا إذا تساوى صفيفه و دفيفه على الأحوط.

(مسألة 786) إذا لم يعرف حال الطير لا من العلامة الأولى و لا من الثانية، فإن علم أنه يقبل التذكية فأكله حلال، و إن احتمل عدم قبوله التذكية يحكم بحرمته بأصالة عدم قبوله التذكية، سواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية.

(مسألة 787) بيض الطيور تابع لها

في الحل و الحرمة، فبيض المحلل حلال و بيض المحرم حرام، و ما اشتبه أنه من المحلل أو المحرم يؤكل ما اختلف طرفاه مثل بيض الدجاج، دون ما تساوي طرفاه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 228

(مسألة 788) النعامة من الطيور، و هي حلال لحما و بيضا على الأقوى.

(مسألة 789) لم يرد نص على حرمة اللقلق و لا على حليته، فيرجع في حكمه إلى علامات الحل و الحرمة فإن تبين حاله من جهة الدفيف و الصفيف فهو، و إلا يرجع إلى العلامة الثانية و هي وجود إحدى العلامات الثلاث و عدمها.

(مسألة 790) يحرم الحيوان المحلل بالأصل بأمور: منها، الجلل، و هو أن يتغذى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفا أنها غذاؤه، و لو كان يتغذى بها مع غيرها لم يصدق عليه الجلل فلا يحرم إلا أن يكون تغذيه بغيرها نادرا جدا بحيث يكون عرفا بحكم العدم، و بأن يكون تغذّيه بها مدة معتدا بها. و الظاهر عدم كفاية يوم و ليلة، بل يشك في صدق الجلل عليه بأقل من ثلاثة أيام. و لا يلحق بعذرة الإنسان عذرة غيره، و لا سائر النجاسات.

(مسألة 791) يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير و السمك.

(مسألة 792) كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه و بيضه و يحلان بما يحل به، و يكون كالحيوان المحرم بالأصل في جميع الأحكام قبل أن يستبرئ و يزول حكمه، حتى عدم جواز الصلاة في فضلاته الطاهرة أو أجزائه و إن كان ذكيا على إشكال.

(مسألة 793) الظاهر أن الجلل لا يمنع من التذكية، فيذكى الجلال و يترتب على تذكيته طهارة لحمه و جلده كسائر الحيوانات المحرمة بالأصل القابلة للتذكية.

(مسألة 794) تزول حرمة الجلال بالاستبراء

بترك التغذي بالعذرة و التغذي بغيرها مدة: و هي في الإبل أربعون يوما، و في البقر عشرون يوما و الأحوط ثلاثون، و في الشاة عشرة أيام، و في البط خمسة أيام، و في الدجاج ثلاثة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 229

أيام، و في السمك يوم و ليلة، و الملاك في غير ما ذكر زوال اسم الجلل بحيث لا يصدق عليه أنه يتغذى بالعذرة بل يصدق أن غذاءه غيرها.

(مسألة 795) يحرم الحيوان المحلل بالأصل إذا وطأه إنسان قبلا أو دبرا و إن لم ينزل، صغيرا كان الواطي أو كبيرا، عالما كان أو جاهلا، مختارا كان أو مكرها فحلا كان الموطوء أو أنثى، فيحرم بذلك لحمه و لحم نسله المتجدد بعد الوطي و لبنهما.

(مسألة 796) إذا كان الحيوان الموطوء مما يراد أكله كالشاة و البقرة يجب أن يذبح ثم يحرق، و يغرم الواطي قيمته لمالكه. و إن كان مما يراد ركوبه أو الحمل عليه و لا يعتاد أكله كالحمار و البغل و الفرس، أخرج من المحل الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع و يعطى ثمنه للواطئ و يغرم قيمته لمالكه.

(مسألة 797) إذا رضع حمل من لبن خنزيرة حتى قوي و نبت لحمه و اشتد عظمه يحرم لحمه و لحم نسله و لو من فحله، و لبنه و لبن نسله و لا يبعد اختصاص ذلك بالغنم و إن كان تعميمه للعجل و غيره من الحيوانات المحلّلة الأكل أحوط. و لا تلحق بالخنزيرة الكلبة و لا الكافرة، و في تعميم الحكم للشرب بدون رضاع و للرضاع بعد الفطام إشكال، و إن كان أحوط.

هذا إذا اشتد، أما إذا لم يشتد برضاعه منها فيكره لحمه. و تزول الكراهة بالاستبراء

سبعة أيام، بأن يمنع عن التغذي بلبنها و يعلف إن استغنى عن اللبن، أو يرضع من ضرع شاة مثلا سبعة أيام.

(مسألة 798) إذا شرب الحيوان المحلل الخمر حتى سكر، و ذبح في تلك الحال يؤكل لحمه لكن بعد غسله على الأحوط، و لا يؤكل ما في جوفه من الأمعاء و الكرش و القلب و الكبد و غيرها و إن غسل، و لو شرب بولا ثم ذبح عقيب الشرب حل لحمه بلا غسل، و يؤكل ما في جوفه لكن بعد ما يغسل على الأحوط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 230

(مسألة 799) لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى فطم و كبر، لم يحرم لحمه لكنه مكروه.

(مسألة 800) يحرم من الحيوان المحلل و إن ذكي أربعة عشر شيئا: الدم، و الروث، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان و الفرج ظاهره و باطنه، و المثانة، و المرارة، و النخاع و هو خيط أبيض كالمخ في وسط فقار الظهر، و الغدد و هي كل عقدة في الجسد مدورة تشبه البندق في الأغلب، و المشيمة، و العلباوان و هما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب، و خرزة الدماغ و هي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة يخالف لونها لون المخ الذي في الجمجمة، و الحدقة و هي الحبة الناظرة من العين لا جسم العين كله.

(مسألة 801) تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة و المنحورة، فلا يحرم شي ء من المذكورات من السمك و الجراد، ما عدا الرجيع و الدم على إشكال فيهما.

(مسألة 802) يحرم الرجيع و الدم من مذكى الطيور، و الأحوط (وجوبا) عدم أكل المرارة و الطحال و البيضتين و

غيرها من المحرمات الأربعة عشر إن وجدت فيها.

(مسألة 803) يحل من الذبيحة غير ما ذكر، كالقلب و الكبد و الكرش و الأمعاء و الغضروف و العضلات و غيرها. نعم يكره الكليتان و أذنا القلب و العروق خصوصا الأوداج، و الأظهر جواز أكل الجلد و العظم مع عدم الضرر، و الأحوط عدمه. نعم لا إشكال في جلد الرأس و جلد الدجاج و غيره من الطيور، و كذا عظم صغار الطيور كالعصفور.

(مسألة 804) يجوز أكل لحم ما يحل أكله نيئا و مطبوخا، بل و محروقا أيضا إذا لم يكن مضرا، و يكره أكله غريضا، أي نيئا طريا لم يتغير بشمس و لا نار و لا بذر ملح عليه و تجفيفه في الظل و جعله قديدا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 231

(مسألة 805) الأحوط عدم حلية بول ما يؤكل لحمه كالغنم و البقر في غير الضرورة، و يجوز شرب بول الإبل للاستشفاء.

(مسألة 806) يحرم رجيع كل حيوان و لو مما حل أكله. و الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان العالقة بالفواكه و نحوها، و كذا ما في جوف السمك و الجراد إذا أكل معهما.

(مسألة 807) يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتى العلقة و الدم في البيضة، و الأقوى حرمة الدم المتخلف في الذبيحة إلا إذا كان مستهلكا فلا بأس به. و يحرم الدم من غير ذي النفس مما يحرم أكله كالوزغ و الضفدع و القرد.

و أما دم ما يحل أكله كالسمك الحلال فالظاهر حليته إذا أكل مع السمك، بأن أكل السمك بدمه، أما إذا أكل منفردا ففيه إشكال.

(مسألة 808) يحل أكل ما لا تحله الحياة من الميتة من اللبن و البيض إذا اكتسى قشره السميك، و الإنفحة.

(مسألة 809)

لا إشكال في حرمة القيح و الوسخ و البلغم و النخامة من كل حيوان، و أما البصاق و العرق من غير نجس العين فالظاهر حليتهما، خصوصا الأول و خصوصا إذا كان من الإنسان أو مما يؤكل لحمه من الحيوان.

ما يحل أكله غير الحيوان و ما يحرم

(مسألة 810) يحرم تناول الأعيان النجسة، و كذا المتنجسة قبل تطهيرها، مائعة كانت أو جامدة.

(مسألة 811) يحرم تناول كل ما يضر بالبدن، سواء كان موجبا للهلاك كشرب السموم القاتلة و شرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أو ما يكون

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 232

سببا للمرض أو لتعطيل بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة أو لفقد بعض القوى كأدوية إزالة القدرة الجنسية و أدوية العقم.

(مسألة 812) لا فرق في حرمة تناول المضر بين معلوم الضرر و مظنونه، بل و محتمله أيضا إذا كان احتماله معتدا به عند العقلاء بحيث يوجب عندهم خوف الضرر، و كذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه فعليا، أو بعد مدة.

(مسألة 813) يجوز التداوي و المعالجة بما يحتمل فيه الخطر و يؤدي إليه أحيانا إذا كان النفع المترتب عليه بالتجربة و حكم أهل الخبرة غالبيا، بل يجوز المعالجة بالمضر ضررا فعليا قطعيا إذا كان يندفع به ما هو أعظم ضررا و أشد خطرا، كقطع بعض الأعضاء لمنع سراية المرض الأكثر ضررا و كذا العمليات الجراحية و الكيّ بالنار، إذا كانت على الموازين العقلائية بأن يكون إجراء العملية لازما و الطبيب حاذقا محتاطا غير متسامح و لا متهور.

(مسألة 814) ما كان يضر كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون قليله غير المضر، و العكس بالعكس، و كذا ما يضر منفردا لا منضما مع غيره يحرم منفردا لا منضما، و العكس بالعكس.

(مسألة

815) إذا كان لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا و لكن يضر إدمانه و التعود عليه يحرم تكراره المضر خاصة، و من ذلك الأفيون بابتلاعه أو شرب دخانه، فإن الاعتياد عليه مضر غاية الضرر و فيه فساد و أي فساد، بل هو بلاء عظيم و فساد كبير، أعاذ اللّه المسلمين منه. فمن أراد شربه لغرض من الأغراض فليحذر أن يكثر أو يكرر فيتعود و يبتلى به، و من ابتلي بالاعتياد به يجب عليه الاجتهاد في تركه و العلاج بما يزيل عنه هذا الاعتياد، إن لم يكن في تركه ضرر أعظم.

(مسألة 816) يحرم أكل الطين، و كذا المدر و هو الطين اليابس، و يلحق

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 233

بهما التراب أيضا على الأحوط. نعم لا بأس بما يختلط بالحنطة أو الشعير مثلا من التراب و المدر إذا كان مستهلكا في الخبز بحيث لا يعد من أكل الطين عرفا، و كذا ما يكون على وجه الفواكه إذا كان قليلا بحيث لا يعد أكلا للغبار و التراب، و كذا الممزوج بالماء و غيره و لو أحس بطعم الطين حين شربه فإن الظاهر أن الحكم دائر مدار الاستهلاك بنظر العرف، و لا اعتبار بالطعم أو اللون، و إن كان الاحتياط بترك شربه حسنا، حتى يصفو.

(مسألة 817) الأحوط إلحاق الأرض كلها بالطين حتى الرمل و الأحجار.

(مسألة 818) يستثني من الطين طين قبر الحسين عليه السّلام للاستشفاء، فإن تربته المقدسة شفاء من كل داء، و هي من الأدوية المفردة، و لا تمر بداء إلا هضمته. و لا يجوز أكلها لغير الاستشفاء، و لا أكل ما زاد عن قدر الحمصة المتوسطة. و لا يلحق به طين قبر النبي و

الأئمة عليهم السّلام على الأحوط إن لم يكن أقوى. نعم لا بأس بأن يمزج طينها بماء أو عصير و التبرك و الاستشفاء بذلك الماء أو العصير، و لا بد أن يستهلك التراب في السائل، و كذا لا بأس بالاستشفاء بغير الأكل، بأن يمسح التراب بموضع الوجع أو يحمله معه تبركا مع مراعاة احترامه.

(مسألة 819) لأخذ التربة الحسينية المقدسة و الاستشفاء بها و تناولها عند الحاجة آداب و أدعية مذكورة في محالها، خصوصا في كتب المزار، كمزار بحار الأنوار، و الظاهر أنها جميعا شروط لسرعة تأثيرها لا لجواز تناولها.

(مسألة 820) القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف و ما يقرب منه على وجه يلحق به عرفا، و لعل الحائر المقدس بأجمعه كذلك، لكن في بعض الأخبار يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على سبعين ذراعا، و في بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل، و في بعضها أنه يستشفى مما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال، و في بعضها على عشرة أميال،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 234

و في بعضها فرسخ في فرسخ، و روي إلى أربعة فراسخ. و لعل الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل، فكل ما قرب إلى القبر الشريف كان أفضل، و الأحوط الاقتصار على ما حول القبر إلى سبعين ذراعا، و فيما زاد على ذلك أن يستعمل ممزوجا بماء أو عصير على نحو لا يصدق عليه الطين، و يستشفى به برجاء أن يكون منه، و إن كان الأقوى جواز تناول المشكوك منه في الشبهة الموضوعية.

(مسألة 821) يجوز تناول التربة المقدسة للاستشفاء بابتلاعها، أو يحلها في ماء أو عصير و

يشربه بنية التبرك و الاستشفاء.

(مسألة 822) يكفي في إثبات أن هذا الطين من التربة المقدسة شهادة البينة بل شهادة عدل واحد، بل يكفي إخبار شخص ثقة، و لا يبعد كفاية إخبار ذي اليد أو بذله إياه على أنه من التربة المقدسة، لكن ينبغي أن يستشفى بغير المتيقن أنه منها بحله في الماء و نحوه حتى يستهلك، ليسلم من الاستشفاء بما يحتمل أن يكون حراما واقعا و إن كان حلالا بحسب الظاهر.

(مسألة 823) استثنى بعض العلماء من حرمة أكل الطين أيضا الطين الأرمني للتداوي به، و هو غير بعيد، لكن الأحوط عدم تناوله إلا عند انحصار العلاج به، أو ممزوجا بماء أو عصير بحيث لا يصدق معه أكل الطين.

(مسألة 824) تحريم شرب الخمر من ضروريات الدين، و مستحله في زمرة الكافرين و مكذب للقرآن الكريم. هذا مع الالتفات إلى أنه تكذيب للقرآن و النبي، و أما مع عدم الالتفات فالأحوط للمسلم أن يعامله معاملة الكافر، فعن مولانا الباقر عليه السّلام أنه: لا يبعث اللّه نبيا و لا يرسل رسولا إلا و يجعل في شريعته تحريم الخمر. و عن الرضا عليه السّلام أنه: ما بعث اللّه نبيا قط إلا بتحريم الخمر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 235

و عن الصادق عليه السّلام: إن الخمر أم الخبائث و رأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، و لا يترك معصية إلا ركبها، و لا يترك حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها و لا فاحشة إلا أتاها، و إن من شرب منها جرعة لعنه اللّه و ملائكته و رسله و المؤمنون، و إن شربها حتى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده و

ركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة و لم تقبل صلاته أربعين يوما، و يأتي شاربها يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه يسيل لعابه على صدره ينادي العطش العطش.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من شرب الخمر بعد ما حرمها اللّه على لساني فليس بأهل أن يزوج إذا خطب، و لا يشفع إذا شفع، و لا يصدق إذا حدث، و لا يعاد إذا مرض، و لا يشهد له جنازة، و لا يؤتمن على أمانة.

بل لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيها عشرة: غارسها، و حارسها، و عاصرها، و شاربها، و ساقيها، و حاملها، و المحمولة إليه، و بائعها، و مشتريها، و آكل ثمنها.

و قد ورد: إن من تركها و لو لغير اللّه بل صيانة لنفسه سقاه اللّه من الرحيق المختوم.

و قد ورد في بعض الأخبار أنها من أكبر الكبائر و أن مدمنها كعابد وثن و قد فسر المدمن في بعض الأخبار بأنه ليس الذي يشربها كل يوم و لكنه الموطّن نفسه أنه إذا وجدها شربها. هذا مع كثرة مضارها التي كشفها الطب في عصرنا و أذعن بها المنصفون من غير ملتنا.

(مسألة 825) يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر، جامدا كان أو مائعا. و ما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله و كثيره.

(مسألة 826) إذا انقلبت الخمر خلا حلت، سواء كان انقلابها بنفسها أو بعلاج، و سواء كان العلاج بدون مزج شي ء فيها أو بمزجه، و سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلا أو بقي منه فيها إلى ما بعد انقلابها، و يطهر ذلك الباقي بالتبعية كما يطهر الإناء، لكن بشرط أن يكون أضيف إليها لتحويلها

و أن يصدق عليه أنه تابع لها، فلو صب قليل من الخمر في حب من الخل لتحويلها لا يطهر الخل المتنجس بتبع صيرورة الخمر خلا، بخلاف

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 236

العكس فلو صب شي ء من الخل في حب من الخمر لتحويلها يطهر المجموع بصيرورته خلا حتى مثل حبات العنب التي في ذلك الخل.

(مسألة 827) يحرم الفقاع إذا غلا و نش و إن لم يظهر سكره، و هو شراب مخصوص كان يتخذ من الشعير في الأغلب، و ليس منه ماء الشعير المعروف الذي يصفه الأطباء.

(مسألة 828) يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو غلى بالنار، و إذا نش فالأحوط الاجتناب عنه، أما عصير الزبيب و عصير التمر فالأقوى فيهما عدم الحرمة و عدم النجاسة بالغليان إلا بالإسكار.

(مسألة 829) الظاهر أن الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم عصير العنب، فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار. نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه، و لا ملازمة بين غليان ماء القدر و غليان ما في جوفها، فمن علم به حرم عليه و من لم يعلم به حل له.

(مسألة 830) الظاهر أن ما غلى بنفسه من أقسام العصير لا تزول حرمته إلا بالتخليل كالخمر حيث أنها لا تحل إلا بانقلابها خلا و لا أثر فيه لذهاب الثلثين، و أما ما غلى بالنار فتزول حرمته بذهاب ثلثيه و بقاء ثلث منه، و الأحوط أن يكون ذلك بالنار لا بالهواء و طول المكث مثلا، و لا يبعد أن يكون الغليان بحرارة القوة الكهربائية بمنزلة الغليان بالنار. نعم لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه، بل يكفي كون ذلك مستندا إلى النار و لو بضميمة ما ينقص

منه بعد غليانه قبل أن يبرد، فلو غلى حتى ذهب نصفه مثلا ثم وضع القدر على الأرض فنقص منه سدسه بالتبخّر قبل أن يبرد كفى في الحلية.

(مسألة 831) إذا صار العصير المغلي دبسا قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفي في حليته على الأحوط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 237

(مسألة 832) إذا خلط العصير بالماء ثم غلى يكفي في حليته ذهاب ثلثي المجموع و بقاء ثلثه، فلو صب عشرين رطلا من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثم طبخه حتى ذهب منه عشرون و بقي عشرة فهو حلال، و بهذا يمكن علاج بعض أقسام العصير الذي لا يمكن طبخه بدون إضافة ماء.

(مسألة 833) إذا صب على العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأول مع ما صب ثانيا، و لا يحسب ما ذهب من الأول قبل أن يصب عليه، فإذا كان في القدر تسعة أرطال من العصير فغلى حتى ذهب منه ثلاثة و بقي ستة ثم صب عليه تسعة أرطال أخر فصار خمسة عشر، يجب أن يغلي حتى يذهب عشرة و يبقى خمسة، و لا يكفي ذهاب تسعة و بقاء ستة.

(مسألة 834) لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل اليقطين و السفرجل و التفاح و غيرها و يطبخ فيه حتى يذهب ثلثاه، فإذا حلّ حلّ ما طبخ فيه.

(مسألة 835) يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم و بالبينة و بإخبار ذي اليد المسلم، بل و بالأخذ من المسلم إذا كان ممن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه، بل و إذا لم يعلم اعتقاده أيضا. و إذا علم أنه ممن يستحل العصير

المغلي قبل أن يذهب ثلثاه، كأن يعتقد أنه يكفي في حليته صيرورته دبسا، فالأقوى جواز الاعتماد على قوله إذا حصل الاطمئنان بصدقه.

(مسألة 836) يحرم تناول مال الغير و إن كان كافرا محترم المال بدون إذنه و رضاه، حتى ورد: أن من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار.

(مسألة 837) يجوز أن يأكل الإنسان و لو مع عدم الضرورة من بيوت الذين تضمنتهم الآية الشريفة في سورة النور، و هم الآباء و الأمهات

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 238

و الإخوان و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات، و كذا يجوز لمن كان وكيلا على بيت أحد مفوضا إليه أموره و حفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكله، و هو المراد من «مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ» في الآية الشريفة، و كذا يجوز أن يأكل الصديق من بيت صديقه، و كذا الزوجة من بيت زوجها و الأب و الأم من بيت الولد.

و إنما يجوز الأكل من بيوت هؤلاء إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت، فتكون ميزة هذه البيوت بعدم توقف جواز الأكل منها على إحراز الرضا و الإذن من أصحابها، فيجوز مع الشك، أما مع الظن بالكراهة فالأحوط الاجتناب.

و الأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز و التمر و الإدام و الفواكه و البقول و نحوها دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا لمواقع الحاجة و للأضياف ذوي الشرف و العزة، و الظاهر التعدية إلى غير المأكول من المشروبات العادية من الماء و اللبن المخيض و اللبن الحليب و غيرها. نعم لا يتعدى إلى غير بيوتهم كدكاكينهم و بساتينهم، كما أنه يقتصر على ما في البيت من المأكول، فلا يجوز

أن يأخذ مالا من البيت مثلا و يشتري به من الخارج و يأكل.

(مسألة 838) تباح جميع المحرمات المذكورة ما عدا أكل مال الغير بدون رضاه حال الضرورة، إما لتوقف حفظ نفسه و سد رمقه على تناول المحرم، أو لأداء تركه إلى عروض مرض شديد لا يتحمل عادة، أو تخلف المسافر عن رفقائه مع ظهور أمارة العطب له، أو خيف بتركه على نفس أخرى محترمة، كخوف الحامل على جنينها و المرضع على طفلها. بل و من الضرورة أيضا خوف طول المرض الذي لا يتحمل عادة أو عسر علاجه بترك التناول.

و المدار في الكل على الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب، لا مجرد الوهم و الاحتمال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 239

أما أكل مال الغير بدون رضاه فإنه لا يحل بالاضطرار، نعم يحل لحفظ النفس و العرض لكونه أهم و ليس للاضطرار.

(مسألة 839) من الضرورات المبيحة للمحرمات الإكراه و التقية ممن يخاف منه على نفسه أو نفس محترمة، أو على عرضه أو عرض محترم، أما إذا خاف على مال محترم يجب عليه حفظه فتختلف موارده.

(مسألة 840) إذا توقف حفظ النفس على ارتكاب محرم يجب ارتكابه، و لا يجوز له التنزه عندئذ، و لا فرق بين الخمر و الطين و بين سائر المحرمات في هذا الحكم.

(مسألة 841) إذا اضطر إلى محرم وجب أن يقتصر على مقدار الضرورة و لا يجوز له الزيادة، فلا يجوز أن يأكل من الميتة مثلا أكثر من سد رمقه، إلا إذا فرض أن ضرورته لا تندفع إلا بالشبع، فيجوز له أن يأكل إلى حد الشبع.

(مسألة 842) يجوز التداوي بالمحرم لمعالجة الأمراض إذا انحصر به العلاج و لو بحكم الحذّاق الثقات من الأطباء، و

المدار على انحصار العلاج به بالنسبة لما في أيدي الناس من أدوية هذا الداء، أما الانحصار الواقعي فلا يحيط به إدراك البشر.

(مسألة 843) الأقوى جواز التداوي بالخمر بل بكل مسكر مع الانحصار، بشرط العلم بكون المرض قابلا للعلاج بذلك، و العلم بأن ترك معالجته يؤدي إلى الهلاك أو ما يقرب منه، و العلم بانحصار العلاج به، نعم لا يخفى شدة أمر الخمر، فلا يبادر إلى تناولها إلا إذا رأى من نفسه الهلاك لو ترك التداوي بها، و لو كان ذلك بسبب إخبار الأطباء الحذّاق المتدينين بذلك.

و إلا فليصطبر على المشقة لعل الباري تعالى شأنه يعافيه عند ما يرى منه التحفظ على دينه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 240

فعن الثقة الجليل عبد اللّه بن أبي يعفور أنه قال: كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فتسكن عنه، فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و أنه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: لا تشربه، فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب منه سكن عنه، فعاد إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و شربه، فقال له: يا ابن أبي يعفور لا تشرب فإنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك و لو قد يئس منك ذهب. فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان، فأقبل أهله عليه، فقال لهم:

لا و اللّه ما أذوق منه قطرة أبدا، فأيسوا منه أهله، فكان يهم على شي ء و لا يحلف، و كان إذا حلف على شي ء لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه و اشتد به الوجع أياما،

ثم أذهب اللّه به عنه، فما عاد إليه حتى مات رحمة اللّه عليه.

(مسألة 844) إذا اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه و كان المالك أيضا مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله، و لا يجوز للمضطر قهره، و إن لم يكن المالك مضطرا يجب عليه بذله للمضطر، و إن امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته و أخذه منه قهرا. و لا يتعين على المالك بذله مجانا، فله أن لا يبذله إلا بالعوض و ليس للمضطر قهره بدونه، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله أو مثله إن كان مثليا، و إن أراد تقديره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له أن يقدره بأكثر منه، فإذا كان المضطر قادرا على دفعه يجب على الدفع إذا طالبه به، و إن كان عاجزا يكون في ذمته إلى أن يتمكن.

هذا إذا كان المالك حاضرا، أما إذا كان غائبا فله الأكل منه بمقدار سد رمقه و تقدير الثمن و جعله في ذمته و لا يكون أقل من ثمن المثل، و الأحوط الرجوع إلى الحاكم إن وجد، و مع عدمه فإلى عدول المؤمنين.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 241

(مسألة 845) يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر، بل و غيرها من المسكرات، و كذا الفقاع، بل ذهب بعض العلماء إلى حرمة كل طعام يعصى اللّه تعالى به أو عليه.

خاتمة في آداب الطعام و الشراب

(مسألة 846) يستحب في الطعام أمور:

منها: غسل اليدين معا قبل الطعام و بعده، مائعا كان الطعام أو جامدا، و إذا كانت جماعة على المائدة يبدأ في الغسل قبل الطعام بصاحب الطعام ثم بمن على

يمينه و يدور إلى أن يتم الدور على من في يساره. و يبدأ بالغسل بعد الطعام بمن على يسار صاحب الطعام ثم يدور إلى أن يختم بصاحب الطعام.

و منها: المسح بالمنديل بعد الغسل الثاني، و ترك المسح به بعد الغسل الأول.

و منها: أن يسمي عند الشروع في الأكل، بل على كل لون على انفراده عند الشروع في الأكل منه.

و منها: أن يحمد اللّه تعالى بعد الفراغ.

و منها: الأكل باليمين.

و منها: أن يبدأ صاحب الطعام، و أن يكون آخر من يمتنع.

و منها: أن يأكل بثلاث أصابع أو أكثر و لا يأكل بإصبعين، و قد ورد أنه من فعل الجبارين.

و منها: أن يأكل مما يليه إذا كان مع جماعة على مائدة، و لا يتناول من قدام الآخرين.

و منها: تصغير اللقمة.

و منها: تجويد المضغ.

و منها: طول الجلوس على الموائد و طول الأكل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 242

و منها: لعق الأصابع و مصها و كذا لطع القصعة و لحسها بعد الفراغ.

و منها: الخلال بعد الطعام و أن لا يكون بعود الريحان و قضيب الرمان و الخوص و القصب.

و منها: التقاط ما يسقط من الخوان خارج السفرة و الطبق و أكله، فإنه شفاء من كل داء إذا قصد به الاستشفاء، و ينفي الفقر و يكثر الولد. هذا في غير الصحراء و نحوها، و أما فيها فيستحب أن يترك للطير و السبع، بل ورد أن ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة.

و منها: الأكل غداء و عشيا و عدم الأكل بينهما.

و منها: الافتتاح بالملح و الاختتام به، فقد ورد أن فيه المعافاة عن اثنين و سبعين من البلاء. و في خبر آخر: ابدأوا بالملح في أول طعامكم، فلو

يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب.

و منها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها، ففي الخبر: إن لكل ثمرة سما فإذا أتيتم بها اغمسوها في الماء، يعني اغسلوها.

و منها: أن يستلقي بعد الأكل على قفاه و يجعل رجله اليمنى على اليسرى.

(مسألة 847) و يكره فيه أمور:

فمنها: الأكل على الشبع.

و منها: التملي من الطعام، ففي الخبر: ما من شي ء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء. و في خبر آخر: أقرب ما يكون العبد إلى اللّه إذا خف بطنه، و أبغض ما يكون العبد إلى اللّه إذا امتلأ بطنه. و في خبر آخر: لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.

بل ينبغي الاقتصار على ما دون الشبع، ففي الخبر: إن البطن إذا شبع طغى.

و في خبر آخر عن مولانا الصادق عليه السّلام: إن عيسى بن مريم قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتى تجوعوا، و إذا جعتم فكلوا و لا تشبعوا، فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم و سمنت جنوبكم، و نسيتم ربكم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 243

و منها: النظر في وجوه الناس عند الأكل على المائدة.

و منها: أكل الحار.

و منها: النفخ على الطعام و الشراب.

و منها: انتظار غير الخبز إذا وضع الخبز.

و منها: قطع الخبز بالسكين.

و منها: أن يوضع الخبز تحت إناء و يوضع الإناء عليه.

و منها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظم.

و منها: تقشير الثمرة.

و منها: رمي بقية الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها.

(مسألة 848) يستحب في الشرب أمور:

فمنها: أن يشرب الماء مصا لا عبّا، فإنه كما في الخبر: يوجد منه الكباد، يعني وجع الكبد.

و منها: أن يشرب قائما بالنهار، فإنه أقوى و أصح للبدن و يمرئ الطعام.

و منها: أن يسمي عند

الشروع و يحمد اللّه بعد الفراغ.

و منها: أن يشرب بثلاثة أنفاس.

و منها: التلذذ بالماء، ففي الخبر: من تلذذ بالماء في الدنيا لذذه اللّه من أشربة الجنة.

و منها: أن يذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته و يلعن قاتله بعد شرب الماء، فعن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي: يا داود لعن اللّه قاتل الحسين، فما أنغص ذكر الحسين عليه السّلام للعيش، إني ما شربت ماء باردا إلا ذكرت الحسين عليه السّلام، و ما عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته و لعن قاتله إلا كتب اللّه عزّ و جل له مائة ألف حسنة و حط عنه مائة ألف سيئة و رفع له مائة ألف درجة، و كأنما أعتق مائة ألف نسمة، و حشرة اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 244

(مسألة 849) و يكره أمور:

منها: الإكثار من شرب الماء، فإنه كما في الخبر: مادة لكل داء. و كان مولانا الصادق عليه السّلام يوصي رجلا فقال له: أقلّ شرب الماء فإنه يمد كل داء، و اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء. و عنه عليه السّلام: لو أنّ الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم.

و منها: شرب الماء بعد أكل الطعام الدسم، فإنه كما في الخبر: يهيج الداء، و عن الصادق عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أكل الدسم أقلّ شرب الماء، فقيل له: يا رسول اللّه إنك لتقل شرب الماء؟ قال: هو أمرأ لطعامي.

و منها: الشرب باليسار.

و منها: الشرب من قيام في الليل،

فإنه كما في الخبر يورث الماء الأصفر.

و منها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر، و من عند عروته.

(مسألة 850) يستحب استحبابا مؤكدا سقى المؤمن و إطعامه و دعوته إلى الطعام، فعن أبي جعفر عليه السّلام: من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم. و عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه بكل شربة سبعين ألف حسنة، و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل.

و في الأمالي بإسناده عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة، و من كساه من عري كساه اللّه من إستبرق و حرير، و من سقاه شربة من عطش سقاه اللّه من الرحيق المختوم، و من أعانه أو كشف كربته أظلّه اللّه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

و في المحاسن قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن عمل يعدل عتق رقبة؟

فقال: لأن أدعو ثلاثة نفر من المسلمين فأطعمهم حتى يشبعوا و أسقيهم حتى يرووا، أحب إلي من أن أعتق نسمة و نسمة حتى عد سبعا أو أكثر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 245

كتاب الغصب

(مسألة 851) و هو الاستيلاء على ما لغيره من مال أو حق عدوانا، و قد تطابق العقل و النقل كتابا و سنة و الإجماع على حرمته، و هو من أفحش الظلم الذي استقل العقل بقبحه، و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم: من غصب شبرا من الأرض طوقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة. و في نبوي آخر: من خان جاره شبرا من الأرض جعله اللّه طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقى اللّه يوم القيامة مطوقا، إلا أن يتوب و يرجع. و في آخر: من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر. و من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها.

(مسألة 852) المغصوب أنواع: فمنه، غصب العين و المنفعة معا، كغصب الدار من مالكها، و غصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر و المستأجر، فهو غاصب للعين من المؤجر و للمنفعة من المستأجر.

و منه: غصب العين دون المنفعة، كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدة الإجارة.

و منه: غصب المنفعة فقط، كما إذا غصب المالك العين التي آجرها و منع المستأجر من استيفاء منفعتها مدة الإجارة.

و منه: غصب الحق المالي المتعلق بالعين، كما إذا استولى على أرض محجرة أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة، و من

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 246

ذلك غصب المساجد و المدارس و الربط و القناطر و الطرق و الشوارع العامة، و غصب المكان الذي سبق إليه أحد في المساجد و المشاهد.

(مسألة 853) المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان و المنافع المملوكة للأشخاص أو غصب الحقوق كذلك، و قد يكون هو النوع كما في غصب مال تعين خمسا أو زكاة قبل أن يدفع إلى المستحق، و غصب الرباط المعد لنزول القوافل، و المدرسة المعدة لسكنى الطلبة، فإذا استولى على حجرة سكنها أحد الطلبة و انتزعها منه فهو غاصب لحق الشخص، و

إذا استولى على أصل المدرسة و منع أن يسكنها الطلبة، فهو غاصب لحق النوع.

(مسألة 854) للغصب حكمان تكليفيان هما: الحرمة، و وجوب رفع اليد و الرد إلى المغصوب منه أو وليه. و حكم وضعي و هو الضمان، بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب و كون تلفه عليه، و يقال لهذا الضمان ضمان اليد.

(مسألة 855) يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب، فالغاصب في جميعها آثم و يجب عليه رفع اليد ورد المغصوب. و أما الحكم الوضعي و هو الضمان، فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا أو منفعة. أما غصب الحقوق فليس فيه ضمان اليد، لكن في الحقوق التي يبذل بإزائها مال إشكال كحقي التحجير و الاختصاص.

(مسألة 856) إذا استولى على حر فحبسه لم يتحقق الغصب لا بالنسبة إلى عينه و لا بالنسبة إلى منفعته و إن أثم بذلك و ظلمه، سواء كان كبيرا أو صغيرا فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن، و كذا لا يضمن منافعه، كما إذا كان صاحب صنعة و لم يشتغل بصنعته في تلك المدة، فلا يضمن أجرته و سيأتي حكم الأجير. نعم لو استوفى منه بعض منافعه كما إذا استخدمه لزمته أجرته، و كذا لو تلف بتسبيب منه، كما إذا حبسه في دار

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 247

فيه حية مؤذية فلدغته، أو سبع فافترسه، ضمنه من جهة تسبيبه التلف لا لأجل الغصب و اليد.

(مسألة 857) إذا منع غيره من إمساك دابته المرسلة أو من الجلوس على فراشه أو الدخول إلى داره أو بيع متاعه، لم يكن غاصبا لعدم وضع

اليد على مال الغير و إن كان عاصيا و ظالما له من جهة منعه، فلو هلكت الدابة أو تلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان من جهة الغصب و اليد، لكن إذا كان الهلاك و التلف و الانهدام مستندا إليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة و منع المانع المالك عن حفظها فلم يقدر عليه و وقع عليها الهلاك، فللضمان وجه بل لا يخلو من قوة.

(مسألة 858) المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب ظلما على المغصوب و صيرورته تحت يده عرفا أما إذا استولى عليه إحسانا كمن استولى على مال في معرض التلف ليرده على صاحبه أو ليحفظه له فلا يكون غاصبا و لا ضامنا و لو تلف عنده بدون تقصير. لكن من كانت عنده أمانة إذا عزم على خيانتها يكون غاصبا و ضامنا.

و يختلف الاستيلاء باختلاف المغصوبات، ففي المنقول غير الحيوان يتحقق بأخذه باليد أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكانه أو بحفظه في مكان آخر، سواء فعل ذلك بنفسه أو فعله آخر بأمره، فلو نقل حمال بأمره متاع الغير بدون إذنه إلى بيته مثلا كان بذلك غاصبا للمتاع.

و يلحق بالأخذ باليد قعوده على البساط و الفراش بقصد الاستيلاء، إذا كان مستوليا عليه عرفا. و في الحيوان يكفي الركوب عليه أو أخذ مقوده و زمامه، بل و كذا سوقه في غياب المالك أو بعد دفعه عنه.

و أما غير المنقول فيكفي في غصب الدار مثلا أن يسكنها أو يسكن فيها غيره ممن يأتمر بأمره بعد إزعاج المالك عنها أو غيابه. و كذا لو أخذ مفتاحها من صاحبها قهرا و كان يغلق الباب و يفتحه و

يتردد فيها. و يكفي في غصب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 248

البستان المسوّرة أخذ المفتاح و التردد إليها بعنوان الاستيلاء، و إذا لم يكن لها باب و لا حيطان يكفي دخولها و التردد فيها بعد طرد المالك عنها و الاستيلاء عليها، و كذا الحال في غصب القرية و المزرعة.

هذا في غصب الأعيان، و أما غصب المنافع فيحصل بانتزاع العين ذات المنفعة من مالك المنفعة و جعلها تحت يده كما لو استولى على العين المستأجرة غصبا في مدة الإجارة، سواء استوفى تلك المنفعة أم لا.

(مسألة 859) إذا دخل الدار و سكنها مع مالكها، فإن كان المالك غير قادر على دفعه و إخراجه فإن اختص استيلاؤه و تصرفه بقسم معين منها اختص الغصب و الضمان بذلك القسم دون بقيتها، و إن كان استيلاؤه و تصرفاته في جميع الدار و أجزائها بنسبة واحدة متساوية مع يد المالك عليها، فالظاهر كونه غاصبا للنصف فيكون ضامنا له خاصة، فلو انهدمت تمام الدار ضمن الساكن نصفها، و لو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، و كذا يضمن نصف منافعها.

و إن كان المالك متعددا و الغاصب واحدا و تساووا جميعا في التصرف ضمن الغاصب بالنسبة، فإن كان المالك اثنين ضمن الغاصب الثلث، و إن كانوا ثلاثة ضمن الربع، و هكذا.

أما إذا كان الساكن ضعيفا و لا يقدر على مقاومة المالك إن أراد إخراجه من داره، فالظاهر عدم تحقق الغصب بمجرد السكنى بدون رضاه، بل و لا اليد، فليس عليه ضمان اليد، نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار لو كان لها بدل.

(مسألة 860) إذا أخذ بمقود الدابة فقادها و كان المالك راكبا عليها، فإن كان المالك ضعيفا بمثابة المحمول عليها،

كان القائد غاصبا لها بتمامها و عليه الضمان. و لو كان المالك الراكب قويا قادرا على مقاومته و دفعه متى شاء، فالظاهر عدم تحقق الغصب من القائد أصلا، فلا ضمان عليه لو تلفت في تلك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 249

الحال. نعم يضمن لو تلفت بسبب قيادته لها، كما يضمن السائق لو تلفت بسبب سوقه إياها.

(مسألة 861) إذا اشترك اثنان في الغصب، فالظاهر أن كلا منهما يضمن النصف، سواء كان كل منهما قويا قادرا بمفرده على قهر المالك و دفعه و الاستيلاء على المغصوب، أو كان ضعيفا بانفراده و كان دفع المالك و الاستيلاء عليه بالتعاون و التعاضد.

(مسألة 862) غصب الأوقاف العامة كالمساجد و المقابر و المدارس و القناطر و الطرق و الشوارع العامة و نحوها و الاستيلاء عليها، حرام و يجب ردها و رفع اليد عنها، لكن الظاهر أنه لا يوجب الضمان لا عينا و لا منفعة.

نعم الأوقاف العامة على العناوين الكلية كالفقراء و الطلبة بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عينا و منفعة، كغصب الأعيان المملوكة للأشخاص، فإذا غصب دكانا أو بستانا أو مكانا موقوفا على الفقراء أو الطلبة فتلفت تحت يده كان ضامنا لعينها و أجرة مثلها مدة غصبها، أما إذا بقيت تحت يده مدة ثم ردها، فعليه أجرة مثلها.

(مسألة 863) إذا حبس حرا لم يضمن نفس الحر و لا منافعه ضمان اليد حتى لو كان صاحب صنعة، فليس على الحابس أجرة صنعته مدة حبسه.

نعم لو كان أجيرا لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر، و كذا لو استخدمه و استوفى منفعته كان عليه أجرة عمله. أما لو غصب دابة مثلا فيضمن منافعها سواءا استوفاها الغاصب أم لا.

(مسألة 864) إذا منع حرا عن

عمل له أجرة من غير تصرف و استيفاء و لا وضع يده عليه، لم يضمن عمله و لم يكن عليه أجرته، إلا إذا كان أجيرا لذلك العمل وفات، فإنه يضمن للمستأجر ما فوته بمنعه.

(مسألة 865) المبيع الذي يأخذه المشتري و الثمن الذي يأخذه البائع في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 250

البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب، سواء علما بالفساد أو جهلا به، و كذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة. و أما المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي كالهبة الفاسدة، فليس فيه ضمان. و كذا يلحق بالغصب المقبوض بالسوم، و المراد به ما يأخذه الشخص ليطلع على خصوصياته و يشتريه إذا أعجبه، فيكون في ضمانه، فلو تلف عنده ضمنه. و كذا المقبوض بالقمار و المأخوذ أجرة للزنا و سائر المحرمات، على الأقوى.

(مسألة 866) يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا و إن كان في رده مؤنة، بل و إن استلزم رده الضرر عليه، فلو جعل الحجر المغصوب في بناء وجب عليه إخراجه إذا كان له بعد الإخراج قيمة ورده لو أراده المالك و إن أدى ذلك إلى خراب البناء، و كذا اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه إذا كان له بعد النزع قيمة إلا إذا خيف الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب العامد، فيصبر المالك حتى يرتفع ذلك المحذور، و على الغاصب أجرته في المدة التي كان تحت يده. و إذا نقصت قيمة المغصوب بسبب استعماله أو بسبب نزعه ضمن الغاصب النقص.

و كذا إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن بقيت للخيوط قيمة بعد نزعها كان للمالك إلزامه بذلك و لو تعيّب الثوب، و إن لم يبق للمغصوب قيمة

بسبب خرابه فالظاهر أنه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل و ليس للمالك مطالبته بالعين.

(مسألة 867) إذا مزج المغصوب بما يمكن تمييزه و لو بمشقة كما لو مزج الحنطة بالشعير أو الحمص باللوبيا أو الذرة بالدخن، و لم يرض المالك به مخلوطا يجب عليه أن يميزه و يرده إليه.

(مسألة 868) يجب على الغاصب مضافا إلى رد العين إعطاء بدل منفعتها في تلك المدة إن كانت لها منفعة، سواء استوفاها أم بقيت العين معطلة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 251

(مسألة 869) إذا كانت للعين منافع متعددة و كانت معطلة فالمدار على المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين و لا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض المنافع، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى و إن كانت قابلة لأن تستعمل لمنافع أخرى، فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين.

و لو فرض تعدد المنافع المتعارفة منها و كانت أجرة بعضها أكثر ضمن الأكثر. و الظاهر أن الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا، فمع تساوي المنافع في الأجرة عليه أجرة ما استوفاه، و مع التفاوت عليه أجرة الأكثر، سواء استوفى الأكثر أجرة أو الأقل.

(مسألة 870) إذا كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى وكيله إن كان كاملا، و إلى وليه إن كان قاصرا، كالصبي و المجنون، فلو رده إليه لم يرتفع عنه الضمان.

و إذا كان المغصوب منه هو النوع، كغصب الموقوف على الفقراء وقف منفعة، فإن كان له متول خاص يرده إليه، و إلا فيرده إلى الولي العام و هو الحاكم، و ليس له أن يرده إلى بعض أفراد النوع كأحد الفقراء في المثال المذكور. نعم في مثل المساجد و الشوارع و القناطر يكفي في

ردها رفع اليد عنها و إبقاؤها على حالها، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها رفع اليد عنها و التخلية بينها و بين الطلبة، لكن الأحوط الرد إلى الناظر الخاص لو كان و إلا فإلى الحاكم، أو إلى الموقوف عليهم الساكنين فيه قبل الغصب بإذن المتولي الشرعي.

(مسألة 871) إذا كان المغصوب و المالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال، و كذا إن نقل المال إلى بلد آخر و كان المالك في بلد الغصب، فإنه يجب عليه إعادة المال إلى ذلك البلد و تسليمه إلى المالك. أما إذا كان المالك في غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه إما بتسليمه له في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 252

ذلك البلد، أو بنقله إلى بلد الغصب. و إن كان المالك في بلد آخر غير بلد الغصب و بلد المال فله إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، و هل للمالك إلزامه بنقله إلى البلد الذي هو فيه، فيه إشكال لكن لو ألزمه فالأحوط (وجوبا) قبول النقل إليه.

(مسألة 872) إذا حدث في المغصوب عيب وجب على الغاصب رده معيبا مع أرش النقصان، و هو التفاوت بين قيمته صحيحا و قيمته معيبا و ليس للمالك إلزامه بأخذ المعيب و دفع تمام القيمة. و لا فرق على الظاهر بين العيب المستقر و العيب الذي يتزايد شيئا فشيئا حتى يتلف المال بالمرة، فعليه رد المعيب مع أرش ما تلف من قيمته، نعم إذا لم يكن لأحد فيه رغبة و صار مما لا يبذل بإزائه مال، فهو في حكم التلف يضمن الغاصب مثله في المثلي و تمام قيمته في القيمي.

(مسألة 873) إذا كان

المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية، رده الغاصب و لم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.

(مسألة 874) إذا تلف المغصوب أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد و المقبوض بالسوم قبل رده إلى المالك، ضمنه بمثله إن كان مثليا و بقيمته إن كان قيميا. و المراد بالمثلي ما تساوت قيمة أجزائه لتقاربها في غالب الصفات و الخواص كالحبوب من الحنطة و الشعير و الأرز و الذرة و العدس و غيرها، و كذا الأدهان و الأدوية و نحوها، و المراد من القيمي ما يكون بخلافه كأنواع الحيوان و الثياب و الجواهر الكبيرة.

(مسألة 875) إنما يحكم بأن هذا الشي ء مثلي بملاحظة أفراد كل صنف من أصنافه، فإذا كان له أصناف كثيرة لا بد أن يكون الضمان من صنف التالف، فلا يجوز دفع الأرز المصري مثلا بدل الأرز البسمتي، و هكذا، نعم لا ينظر إلى التفاوت اليسير بين أفراد الصنف الواحد.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 253

(مسألة 876) إذا تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته، و إن تفاوتت قيمته يوم التلف و يوم الغصب و يوم التعذر و يوم الدفع فالمدار على قيمة يوم الدفع دون غيره.

(مسألة 877) يكفي في التعذر الذي يوجب دفع القيمة فقدانه في البلد و ما حوله مما ينقل منه إليه عادة.

(مسألة 878) إذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه شراؤه و دفعه إلى المالك حتى لو كان حرجيا، لأن الحرج لا يجوّز منع حق الغير و لا التصرف في ماله.

(مسألة 879) إذا وجد المثل و لكن نزلت قيمته لم يكن على الغاصب إلا إعطاؤه، و ليس للمالك مطالبته بالقيمة و لا بالتفاوت، بل ليس له الامتناع عن

الأخذ فعلا و إبقائه في ذمة الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء و تفريغ ذمته فعلا.

(مسألة 880) إذا سقط المثل عن المالية بالمرة بسبب الزمان أو المكان فالظاهر أنه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، فلو غصب منه ثلجا في الصيف و أتلفه و أراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو غصب منه ماء في صحراء فأراد أن يدفع إليه ماء في البلد، فليس له ذلك و للمالك الامتناع، فله أن يصبر حتى يصير ذا قيمة فيطالبه بالمثل، و له أن يطالبه بالقيمة فعلا كما إذا تعذر المثل، و حينئذ لا يبعد ضمان قيمة مكان التلف و زمانه إذا كان تالفا، و أما مع بقائه فلا يبعد وجوب قيمته في آخر زمان أو مكان سقط بعده عن القيمة.

(مسألة 881) إذا تلف المغصوب و كان قيميا ضمن قيمته، فإن تفاوتت قيمته السوقية بأن كانت قيمته يوم الغصب أكثر من قيمته يوم التلف أو العكس، فالأقوى مراعاة قيمة يوم التلف، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط و التصالح فيما به التفاوت.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 254

و أما إن كان تفاوت قيمته من جهة زيادة و نقص في العين كالسمن و الهزال فيراعى أعلى القيمة و أحسن الأحوال، بل لو فرض أن قيمته ارتفعت بعد الغصب ثم زال ارتفاعها ثم تلف المغصوب، كأن كان الحيوان هزيلا حين الغصب ثم سمن ثم عاد إلى الهزال و تلف، فإنه يضمن قيمته حال سمنه.

(مسألة 882) إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان، كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة و في بلد التلف بعشرين، فالظاهر اعتبار محل التلف.

(مسألة 883) إذا تعذر على الغاصب عادة

تسليم المغصوب، وجب عليه دفع مثله أو قيمته، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه أو شردت الدابة و نحو ذلك، و يسمى ذلك بدل الحيلولة و يملك المالك البدل و يبقى المغصوب أيضا في ملكه، فإن أمكن بعد ذلك تسليم عين المغصوب رده الغاصب إليه و أخذ البدل. و لو كان للبدل نماء و منافع في تلك المدة كان للمغصوب منه، إلا نماؤه المتصل كالسمن فهو تابع للعين. و أما المبدل فنماؤه و منافعه لمالكه لأنه باق على ملكه، لكن الغاصب لا يضمن منافعه غير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.

(مسألة 884) القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات و في المثليات عند تعذر المثل تكون نقد البلد الرائج، و كذا جميع الغرامات و الضمانات، فليس للضامن دفع غيره إلا بالتراضي.

(مسألة 885) الظاهر أن الفلزات و المعادن المنطبعة كالحديد و الرصاص و النحاس كلها مثلية، حتى الذهب و الفضة مضروبين أو غير مضروبين، فتضمن جميعها بالمثل، و عند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذرة المثل، و لكن الأحوط (وجوبا) في تقديم الذهب أو الفضة أن يكون بغير جنسه حتى يبتعد عن الربا.

(مسألة 886) إذا تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثم تلفت ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كل واحد منهم،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 255

و على أكثر من واحد بالتوزيع متساويا أو متفاوتا، فلو كان الغاصبون بالتوالي عشرة مثلا، فله أن يرجع على الجميع و يأخذ من كل منهم عشر ما يستحقه من البدل، و له أن يأخذ من أحدهم النصف و الباقي من الباقين بالتوزيع، متساويا أو بالتفاوت.

هذا حكم المالك معهم، أما حكم

بعضهم مع بعض، فالغاصب الأخير الذي تلف المال عنده عليه قرار الضمان، بمعنى أنه لو رجع عليه المالك و غرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه، إلا إذا كان مغرورا فيرجع على الغار. أما لو رجع المالك على غيره من الغاصبين فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده، كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه و هو على تاليه و هكذا الى الأخير.

(مسألة 887) إذا غصب شيئا مثليا مصنوعا صنعة محللة كالحلي من الذهب و الفضة و آنية النحاس و شبهها فتلف عنده أو أتلفه، ضمن مثل مادته و قيمة صنعته، و يحتمل قريبا في المصنوع الذي لا توجد له أمثال بخصوصياته أن يكون قيميا، فالأحوط التصالح.

أما المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدا، كالمصنوعات بالمكائن و المعامل من أنواع الحلي و الظروف و الأدوات و الثياب و غيرها، فالأقرب أنها مثلية فتضمن كلها بالمثل مع مراعاة صنفها.

(مسألة 888) إذا غصب المصنوع و تلفت عنده هيأته و صنعته فقط و بقيت عين مادته رد العين و عليه قيمة الصنعة، و ليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة، و ليس عليه القبول لو بذل الغاصب إعادتها.

(مسألة 889) إذا كان المغصوب المثلي مصنوعا بصنعة محرمة كآلات القمار و الملاهي و آنية الذهب و الفضة و نحوها، لم يضمن الصنعة، سواء أتلف الصنعة وحدها أو أتلفها مع العين، فيرد مادة المغصوب فقط أو بدلها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 256

(مسألة 890) إذا عيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، و لا فرق في ذلك بين الحيوان و غيره.

(مسألة 891) إذا غصب شيئين و كانت قيمة كل واحد منهما منفردا أقل منها إذا كانا مجتمعين كمصراعي الباب

و الخفين، فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعا ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، فلو كانت قيمتهما مجتمعين عشرة و قيمة كل منهما منفردا ثلاثة رد الموجود و ضمن التالف بخمسة و ضمن نقص الموجود اثنين. و الأرجح أنه يضمن السبعة أيضا إذا غصب أحدهما فقط فتلف عنده أو أتلفه.

(مسألة 892) زيادة العين المغصوبة بفعل الغاصب إما أن تكون أثرا محضا، كخياطة الثوب بخيوط المالك و غزل القطن و نسج الغزل و طحن الطعام و صياغة الفضة و نحو ذلك. أو عينية محضة، كغرس الأشجار و البناء في الأرض المستوية و نحو ذلك. أو أثرا مشوبا بالعينية كصبغ الثوب و نحوه.

(مسألة 893) إذا كانت الزيادة أثرا محضا رد العين كما هي و لا شي ء له لأجل تلك الزيادة و لا لأجل عمله، و ليس له إزالة الأثر و إعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك. بل لو أزاله بدون إذنه ضمن له قيمته و إن لم تنقص بذلك العين، و للمالك إلزامه بإزالة الأثر و إعادة الحالة الأولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائي، و لا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة. نعم لو ورد نقص على العين ضمن أرشه.

(مسألة 894) إذا غصب أرضا فزرعها أو غرسها ببذره و غرسه فالزرع و الغرس و نماؤهما للغاصب و عليه أجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة، و عليه إزالة غرسه و زرعه و إن تضرر بذلك، و عليه أيضا طم الحفر و أرش النقص إن نقصت الأرض بالزرع و القلع إلا أن يرضى المالك بالبقاء مجانا أو بأجرة. و لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 257

إجابته، و كذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبولها. و كذا لو بنى بناء في الأرض المغصوبة و كانت مواد البناء للغاصب فحكمه حكم الغرس بلا فرق.

و لو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمها إذا طلب المالك، و ليس له طمها إذا منعه من طمها بل مع عدم طلبه أيضا.

(مسألة 895) إذا غرس أو بنى في أرض غصبها و كان الغرس أو أجزاء البناء لصاحب الأرض، كان الكل له، و ليس للغاصب قلعها أو المطالبة بالأجرة، و للمالك إلزامه بالقلع و الهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك.

و على الغاصب أيضا أرش النقص و كسر القيمة إن حدث.

(مسألة 896) إذا غصب ثوبا و صبغه بصبغه، فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية للصبغ كان له ذلك و ليس لمالك الثوب منعه، كما أن للمالك إلزامه به، و لو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، و لو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته، و كذا لا يجب على المالك إجابة الغاصب إذا طلب منه أن يملكه الثوب. هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، و أما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب المغصوب بنسبة القيمة بعد الصبغ لا قبله بشرط بقاء مالية لصبغه. فلو زادت قيمة أحدهما بعد الصبغ كانت الزيادة له، و لو نقصت قيمة المصبوغ بالصبغ فعلى الغاصب الأرش.

(مسألة 897) إذا صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب، و بقيت مالية الصبغ حصلت الشركة بين صاحبي الثوب و الصبغ بنسبة قيمة كل منهما بعد الصبغ، و لا غرامة

على الغاصب إذا لم تنقص قيمة الثوب أو الصبغ، و إن نقصت ضمنه الغاصب لمن ورد عليه.

(مسألة 898) إذا مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره، مزجا رافعا للتمييز بينهما، فإن كان بجنسه و كانا متماثلين

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 258

و متساويين في الجودة، تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما و ليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة. و إن خلط المغصوب بما هو أجود منه أو أردأ، تشاركا أيضا بنسبة المالين، و كان تقسيم العين أو الثمن بينهما بنسبة القيمة، و الأحوط (استحبابا) في اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد البيع و توزيع الثمن بنسبة القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها، و ذلك للابتعاد عن شبهة الربا في الثاني.

أما إذا اختلط بغير جنسه فإن كان يعد معه تالفا، كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت، ضمن الغاصب المثل، و إن لم يعد تالفا، كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل بالعسل، فالظاهر أنه بحكم الخلط بالأجود أو الأردإ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين و يقسمان العين أو يوزعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما تقدم.

(مسألة 899) إذا خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ و صار قيمة المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين، ضمن الغاصب النقص المالي الوارد على المغصوب، فيستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن و ما بقي يكون للغاصب. و لو زادت قيمة المجموع بعد الخلط، فالظاهر أن الزيادة لصاحب الأردأ.

(مسألة 900) فوائد المغصوب مملوكة لمالكه و إن تجددت بعد الغصب، و هي كلها مضمونة على الغاصب أعيانا كانت كاللبن و الولد و الشعر و الثمر أو منافع كسكنى الدار و ركوب الدابة. بل

يضمن الغاصب أيضا كل صفة تزيد بها قيمة المغصوب إذا وجدت في زمان الغصب ثم زالت و نقصت بزوالها قيمته، و إن رد العين كما كانت قبل الغصب. فلو غصب دابة هزيلة ثم سمنت الدابة فزادت قيمتها بسبب ذلك ثم هزلت، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثم زالت، و كذا لو زادت قيمتها لزيادة صفة ثم زالت تلك الصفة ثم عادت، فإن الأقوى أن الغاصب يضمن تلك الصفة و إن عادت.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 259

(مسألة 901) إذا حصلت في المغصوب صفة فزادت قيمته ثم زالت فنقصت، ثم حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته، فلا يزول ضمان الزيادة الأولى و لا ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية، كما إذا سمنت الدابة المغصوبة ثم هزلت فنقصت قيمتها ثم درّبها على العمل فزادت قيمتها بقدر الزيادة الأولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الأولى.

(مسألة 902) إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته مثلا كان الزرع و الفرخ للمغصوب منه، و كذا لو غصب خمرا فصارت خلا أو غصب عصيرا فصار خمرا عنده ثم صار خلا، فإنه ملك للمغصوب منه لا الغاصب. أما لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى و أولدها، فالولد لصاحب الأنثى و إن كان هو الغاصب، و عليه أجرة الضراب و إن لم يكن صاحب الأنثى.

(مسألة 903) جميع ما مر من أحكام الضمان و كيفيته و تفاصيله تجري في كل يد وضعت على مال الغير بغير حق و إن لم تكن عادية أو غاصبة أو ظالمة، إلا في موارد الأمانات، مالكية كانت أو شرعية كما تقدم في كتاب الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة، و ما وضعت عليه اليد

بسبب الجهل و الاشتباه، كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباها، أو أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله و غير ذلك.

(مسألة 904) كما أن اليد الغاصبة و ما بحكمها توجب الضمان، و يسمى ضمان اليد، كذلك يوجبه الإتلاف، سواء كان بالمباشرة أو التسبيب كما يأتي.

(مسألة 905) الإتلاف بالمباشرة كما لو ضرب إناء فكسره أو رمى شيئا في النار فأحرقه، و أمثال ذلك. و أما الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شي ء يترتب عليه التلف و لو بالواسطة، كما لو حفر بئرا في الطريق فوقع فيها إنسان أو حيوان، أو طرح ما يعثر به و يزلق كقشور الموز و البطيخ، أو طرح مسامير فأعطب سيارة و أضر بركابها أو أخرج ميزابا على الطريق

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 260

فأضر بالمارة أو ألقى صبيا أو حيوانا يضعف عن الفرار في صحراء فهلك أو مسبعة فقتله السبع، و من ذلك ما لو فك القيد عن الدابة فشردت أو شغل سيارة و تركها فاصطدمت، أو فتح قفصا عن طائر فطار، و غير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا و يكون عليه غرامة التالف و بدله، إن كان مثليا فبالمثل و إن كان قيميا فبالقيمة، و إن صار سببا لتعيب المال كان عليه الأرش، كما مرّ في ضمان اليد.

(مسألة 906) إذا غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا، أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها، لم يضمن بسبب التسبيب إلا إذا انحصر غذاء الولد بالارتضاع من أمه و انحصر حفظ الماشية بحراسة راعيها، فالأقوى حينئذ أن عليه الضمان.

(مسألة 907) من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح أنبوب ماء أو سائل آخر فسال و

تلف، و لو فتح غطاء إناء فيه مائع ثم قلبته الريح مثلا فسال ما فيه و تلف، فالأقوى الضمان أيضا، خصوصا إذا كان الإناء في معرض ذلك.

(مسألة 908) إذا دل سارقا على مال فسرقه لم يكن على الدال ضمان، أما إذا فتح بابا على مال فسرق، فهو يختلف باختلاف الموارد و يشكل القول بأنه ليس تسبيبا موجبا للضمان.

(مسألة 909) إذا وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال أو نفس لم يضمن صاحبه، إلا إذا كان بناه مائلا إلى الطريق أو مال إليه بعد ما كان مستويا و تمكن صاحبه من تقويمه أو الإعلام عن خطره و لم يفعل، فالأقوى أن عليه الضمان في الصورتين، بشرط أن لا يكون بتسبيب التالف أو المتلف منه.

(مسألة 910) إذا وضع إناء مثلا على حائطه فسقط و تلف به مال أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 261

نفس، لم يضمن إلا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه بنحو يسقط مثله أو يكون في معرض السقوط.

(مسألة 911) من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا أو نحوها في ملكه و داره أكثر من قدر حاجته و يعلم أو يظن تعديها إلى ملك جاره، بل الظاهر وجوب الضمان مع علمه أو ظنه بتعديها و لو كانت بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدية فتبين خلافه. نعم لو كانت شرائط النار و نحوها بحيث يؤمن معها التعدي فصادف سبب آخر فتعدت فالأقوى عدم الضمان.

(مسألة 912) إذا أرسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضر به ضمن مطلقا و لو مع اعتقاده عدم التعدي فضلا عما لو علم أو ظن به، بشرط أن لا يكون ذلك مستندا إلى

فعل المتضرر و إلا فلا ضمان، و إن كان مستندا إلى غيرهما فالضمان عليه.

(مسألة 913) إذا أسند الحمال حمله إلى الجدار بدون إذن صاحب الجدار فوقع الجدار بسببه ضمنه و ضمن ما تلف بوقوعه عليه. و لو أسند حمله إلى الجدار فوقع على شي ء و أتلفه ضمنه، سواء وقع في الحال أو بعد ساعة إذا كان التلف مستندا إلى إسناده.

(مسألة 914) إذا فتح قفصا عن طائر فخرج و كسر بخروجه قارورة شخص مثلا ضمنها الفاتح، و كذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب بخروجه فسقط القفص و انكسر ضمنه.

(مسألة 915) إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته، فإن كان معها صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته، و إن لم يكن معها، بأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره، ضمن ما أتلفته ليلا، و لم يضمن ما أتلفته نهارا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 262

(مسألة 916) ما تتلفه الشاة أو الدابة إذا كانت بيد الراعي أو المستعير أو المستأجر يضمنه الراعي و المستأجر و المستعير، لا المالك و المعير.

(مسألة 917) إذا اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين، فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، و إلا كان الضمان على المتقدم في التأثير، فلو حفر شخص بئرا في الطريق و وضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر، و يحتمل قويا اشتراكهما في الضمان مطلقا.

(مسألة 918) إذا اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع آخر فيها إنسانا أو حيوانا، كان الضمان على الدافع دون

الحافر إن كان الدافع مختارا في دفعه، و أما إذا خرج عن اختياره فالضمان على الحافر إن كان البئر موجبا للتلف، كما أنه لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمد رجله فكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.

(مسألة 919) لو أكره على إتلاف مال الغير و لم يكن ذلك المال في يده أو كان في يده على غير ضمان كالوديعة كان الضمان على من أكرهه و ليس عليه ضمان، لكون ذي السبب أقوى من المباشر. و إذا كان المال مضمونا في يده، كما إذا غصب مالا فأكرهه شخص على إتلافه، فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيهما شاء، فإن رجع على المكره «بالكسر» لم يرجع على المكره «بالفتح»، بخلاف العكس. أما لو أكرهه على قتل معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل دون المكره و إن كان عليه العقوبة، فإنه لا إكراه في الدماء.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، هداية العباد (للگلبايگاني)، 2 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

هداية العباد (للگلبايگاني)؛ ج 2، ص: 262

(مسألة 920) إذا غصب مأكولا مثلا و قال: لمالكه هذا ملكي و طعامي، أو قدمه إليه ضيافة فأطعمه إياه و هو لا يعلم أنه ملكه، ضمن الغاصب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 263

نعم لو دخل المالك دار الغاصب مثلا و رأى طعاما فأكله باعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعام الآكل، فالظاهر عدم ضمان الغاصب، و تبرأ ذمته.

(مسألة 921) إذا غصب طعاما من شخص و أطعمه غير المالك على أنه ماله مع جهل الآكل بأنه مال غيره، ضمن كلاهما، فللمالك أن يغرم أيهما شاء، فإن أغرم

الغاصب لم يرجع على الآكل، و إن أغرم الآكل رجع على الغاصب لأنه قد غره.

(مسألة 922) إذا سعى إلى الظالم بأحد أو اشتكى عليه عنده بحق أو بغير حق، فأخذ الظالم منه مالا بغير حق، لم يضمن الساعي و المشتكي ما أخذه الظالم، لكن يأثم الساعي بسعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق، و إنما الضمان على من أخذ المال.

(مسألة 923) إذا تلف المغصوب و تنازع المالك و الغاصب في القيمة و لم تكن بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه بناء على المختار من اشتغال ذمة الضامن بالقيمة بتلف العين المضمونة. و كذا لو تنازعا في صفة يزيد بها الثمن، بأن ادعى المالك أنها كانت موجودة يوم غصبه أو حدثت بعده، و إن زالت، و أنكرها الغاصب و لم تكن بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه.

(مسألة 924) إذا كان على الدابة المغصوبة أو في السيارة المغصوب رحل و نحوه و اختلفا فقال المغصوب منه: هو لي، و قال الغاصب: هو لي و لم توجد بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه صاحب يد فعليّة عليه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 265

كتاب إحياء الموات و المشتركات

إحياء الموات

(مسألة 925) الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها، إما لانقطاع الماء عنها أو لاستيلاء الماء أو الرمل أو السبخ أو الأحجار عليها، أو لاستيجامها و التفاف القصب و الأشجار فيها أو لغير ذلك، و هي على قسمين:

الأول: الموات بالأصل، و هي ما لم يسبق بالإحياء، و إن لم يعلم ذلك يعامل معاملة الموات بالأصل.

الثاني: الموات بالعارض، و هي ما عرض عليها الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران، كالأراضي الدراسة التي فيها آثار المرور و الأنهار و القرى الخربة التي بقيت منها

رسوم العمارة.

(مسألة 926) الموات بالأصل و إن كانت ملكا للإمام عليه السّلام لأنها من الأنفال، لكن يجوز في زمان الغيبة لكل أحد إحياؤها مع الشروط الآتية و يملكها المحيي على الأقوى، سواء كانت في دار الإسلام أو في دار الكفر، و سواء كانت في أرض الخراج كأرض العراق أو في غيرها، و سواء كان المحيي مسلما أو كافرا.

(مسألة 927) الموات بالعارض على قسمين: الأول: ما باد أهلها

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 266

و صارت بسبب مرور الزمان بلا مالك، كالأراضي الدارسة و القرى و البلاد الخربة و القنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضية، الذين لم يبق منهم اسم و لا رسم أو نسبت إلى إقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلا الاسم. و هذا بحكم الموات بالأصل فهي من الأنفال يجوز إحياؤها و يملكها المحيي، و لا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه.

الثاني: ما كان مالكها موجودا لكن لم يعرف، و لم يعلم إعراضه عنها، و تسمى مجهولة المالك، و لا إشكال في جواز إحيائها و تعميرها و التصرف فيها بأنواع التصرفات، و في جواز تملك عينها و منفعتها إشكال فالأحوط أن يتفحص عن صاحبها و بعد اليأس عنه تعامل معاملة مجهول المالك، فيشتري عينها من حاكم الشرع و يصرف ثمنها على الفقراء، أو يستأجرها منه بأجرة معينة، أو يقدر ما هو أجرة مثلها لو انتفع بها و يتصدق بها على الفقراء.

و أحوط منه أن يستأذن الحاكم في أصل الإحياء أيضا، فيأذن له على ما يؤدي إليه نظره من التملك بالإحياء بعوض أو بلا عوض و الانتفاع كذلك، و يتصدق الحاكم بالعوض على الفقراء، كما أن الأحوط لصاحب الأرض التصالح و

التراضي مع المحيي إذا أحياها بقصد التملك.

نعم لو علم أن مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها أهلها و تركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها و تملكها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم.

(مسألة 928) إذا كان ما طرأ عليه الخراب من أرض أو بناء مملوكا لمالك معلوم و أعرض عنه جاز لكل أحد إحياؤه و تملكه. و إن لم يعرض عنه فإن أبقاه مواتا للانتفاع به أرضا مرعى لدوابه أو لبيع حشيشها أو قصبها و خشبها و نحو ذلك، فلا يجوز لأحد إحياؤها و التصرف فيها بدون إذن مالكها. و كذا إذا كان هاما بإحيائها عازما عليه و إنما أخره لتهيئة الأسباب المتوقعة الحصول أو لانتظار وقت مناسب لذلك.

و أما لو ترك تعميرها و إصلاحها و أبقاها معطلة حتى خربت لعدم الاعتناء

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 267

بها، فإن كان سبب ملكه إياها غير الإحياء، كما لو ملكها بالإرث أو الشراء، فليس لأحد وضع اليد عليها و إحياؤها و التصرف فيها إلا بإذنه.

و إن كان سبب ملكه إياها الإحياء- بأن كانت أرضا مواتا بالأصل فأحياها و ملكها ثم عطلها و ترك تعميرها حتى آلت إلى الخراب فجواز إحيائها لغيره مشكل، فلا يترك الاحتياط بترك الإحياء بدون إذن المحيي الأول، كما أن الأحوط له أيضا التراضي و التصالح مع المحيي الثاني لو أحياها بقصد التملك.

(مسألة 929) يجوز حيازة الأجزاء الباقية في الأرض التي يجوز إحياؤها من أحجارها و أخشابها و آجرها و غيرها، و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك.

(مسألة 930) إذا كانت الأرض موقوفة على عنوان، و طرأ عليها الموتان و الخراب، فإن كانت وقفا قديما لا يعلم كيفية وقفها غير كونها وقفا على قوم ماضين

لم يبق منهم اسم و لا رسم، فالظاهر أنها من الأنفال، فيجوز إحياؤها.

و إن علم أنها وقف على جهة إما على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها، لكن لم تعرف الجهة بعينها، أو علم أنها وقف على أشخاص لكن لم يعرفوا بأشخاصهم و أعيانهم، كما إذا علم أن مالكها قد وقفها على ذريته و لم يعلم من الواقف و من الذرية، فالأحوط عدم القيام بإحيائها و التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي مع عدم العلم بالمتولي المنصوص لها، ثم لا تصرف أجرة المثل في وجوه البر فيما كان موقوفا على جهة، و لا على الفقراء فيما كان موقوفا على أشخاص إلا بإذن الحاكم الشرعي.

و أما لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيها أيّ تصرف إلا بإذن المتولي المنصوص أو الحاكم أو الموقوف عليهم، و كذا لا يجوز صرف أجرة المثل في مصرفها إلا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 268

بإذن المتولي أو الحاكم. نعم يعطى الموقوف عليهم حقهم إذا لم يكن للموقوفة متول منصوص. و لو أقدم أحد على إحيائه و عمره بإذن شرعي وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعين.

(مسألة 931) من أحيا مواتا بإحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرعة أو غيرها تبع ذلك الشي ء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة منه مما يحتاج إليها لتمام الانتفاع به و يتعلق بمصالحه عادة، و يسمى حريما، و يختلف مقدار الحريم زيادة و نقيصة باختلاف ذي الحريم، فما تحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر و النهر مثلا، و هكذا باقي الأشياء، بل يختلف باختلاف

البلاد و العادات أيضا، فيكون الحريم تابعا للمحيا و لا يجوز لأحد إحياءه إلا برضا صاحبه، و إن أحياه لم يملكه و كان غاصبا.

(مسألة 932) حريم الدار مطرح ترابها و كناستها و رمادها و مصب مائها و مطرح ثلوجها و مسلك الدخول و الخروج منها في الصوب الذي يفتح اليه الباب، فلو بنى دارا في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها، فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضى صاحب الدار. و ليس المراد من استحقاق الممر في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة و على امتداد الموات، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل و يخرج الى الخارج بنفسه و عياله و أضيافه و ما يتعلق به من دوابه و أحماله و أثقاله بدون مشقة بأي نحو كان، فيجوز لغيره احياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممر و لو بانعطاف و انحراف.

و حريم الحائط لو لم يكن جزء من الدار- بأن كان مثلا جدار حصار أو بستان أو غير ذلك- مقدار ما يحتاج اليه لطرح التراب و الآلات و بل الطين لو انتقض و احتاج الى البناء و الترميم.

و حريم النهر مقدار مطرح طينه و ترابه إذا احتاج الى التقية، و المجاز على حافتيه للمواظبة عليه و لا صلاحه على قدر ما يحتاج اليه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 269

و حريم البئر ما يحتاج إليه لأجل السقي منها و الانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد، و موضع الدولاب و متردد البهيمة إن كان الاستقاء بهما، و مصب الماء و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض و نحوه،

و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين و غيره لو اتفق الاحتياج اليه.

و حريم العين ما يحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها و حفظها على قياس غيرها.

(مسألة 933) للمياه المستنبطة كالبئر و العين و القناة الجارية حريم بمعنى آخر، و هو المقدار الذي لا يحق لأحد أن يستنبط فيه ماء آخر بدون إذن صاحبه، و هو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية و نحوها، و ستون ذراعا إذا كان لأجل الزرع و نحوه، و في العين و القناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة و ألف ذراع في الأرض الرخوة. و لو فرض أن الثانية تضر بالأولى و تنقص ماءها حتى مع البعد المذكور فالأحوط إن لم يكن أقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الأولى كما أن الأحوط لصاحب الأولى أن لا يمنع الثاني من الحفر في مكان لا يعلم أنه مضر بالأولى.

(مسألة 934) الحريم المذكور للآبار و العيون إنما هو في استنباط الماء لا في إحياء الأرض، فيجوز إحياء الأرض دون المسافة المذكورة حتى لو كانت فوق البئر أو بين الآبار مع حفظ حريم البئر و العين الذي تحتاج إليه.

(مسألة 935) الظاهر أن البعد بالمسافة المذكورة إنما يعتبر بالنسبة إلى البئر التي ينبع منها الماء سواء كانت واحدة أو أكثر. أما بالنسبة إلى سائر الآبار التي هي مجرى المياه فقط فلا يعتبر ذلك، بل الملاك فيها هو عدم تضرر القناة فيجب البعد عنها بما يندفع منه الضرر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 270

(مسألة 936) حريم القرية المبنية في الموات ما يتعلق بمصالحها و مصالح أهلها من طرقها المسلوكة منها و إليها و

مسيل مائها و مجمع ترابها و كناستها و مطرح سمادها و رمادها و مشرعها، و مجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عاداتهم، و مدفن موتاهم، و مرعى ماشيتهم و محتطبهم و غير ذلك.

فليس لأحد إحياؤه و لو أحياه لم يملكه.

و المراد بالقرية البيوت المجتمعة المسكونة، فلا يثبت هذا الحريم للضيعة و المزرعة ذات المزارع و البساتين المتصلة إذا كانت خالية من المساكن و السكنة، فلو استنبط شخص عينا أو قناة في فلاة و أحيا أرضا مبسوطة بمقدار ما يكفيه ماء العين، و زرع فيها و غرس نخيلا و أشجارا، لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريما لها فضلا عن التلال و الجبال القريبة منها، بل لو أحدث في تلك الأرض بعد الإحياء دورا و مساكن حتى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها، فالقدر المتيقن من ثبوت الحريم إذا أحدثت القرية في أرض موات. نعم للمزرعة بنفسها أيضا حريم، و هو ما تحتاج إليه في مصالحها و يكون من مرافقها من مسالك الدخول و الخروج و محل بيادرها و حظائرها و مجتمع سمادها و ترابها و مرعى مواشيها بمقدار الحاجة، و غير ذلك.

(مسألة 937) حد المرعى الذي هو حريم للقرية و محتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في ضيق و حرج، و يختلف ذلك بكثرة الأهالي و قلتهم و كثرة المواشي و الدواب و قلتها.

(مسألة 938) إذا كانت موات بقرب العامر و لم تكن من حريمه و مرافقه جاز لكل أحد إحياؤها و لم تختص بمالك ذاك العامر و لا أولوية له، فإذا ظهر شاطئ من النهر قرب أرض محياة أو بستان مثلا فهو كسائر الموات، فمن

سبق إلى إحيائه و حيازته كان له، و ليس لصاحب الأرض أو البستان منعه.

(مسألة 939) الظاهر أن حريم القرية كحريم القناة ليس ملكا لسكانها و أهليها، بل إنما لهم حق الأولوية و المنع عما يزاحم حقهم لا غير.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 271

و أما حريم النهر و الدار ففي مثل الممر و المدخل و مجاري المياه و مطرح الثلج من حريم الدار مما يعد محيا عند العرف لا حريما فالظاهر أنه ملك لصاحبهما فيجوز له بيعه منفردا. أما مثل مطرح التراب و الكناسة فالظاهر عدم الفرق فيه بين الدار و القرية.

(مسألة 940) حريم الأملاك المتقدم إنما هو في المبتكر في أرض موات، و أما الأملاك المتجاورة فلا حريم لها، فلو أحدث أحد المجاورين في آخر حدود ملكه بستانا أو نهرا لم يكن لهما حريم في ملك الآخر، و كذا لو استنبط أحدهما ماء في ملكه كان للآخر استنباط ماء في ملكه و إن لم يكن بينهما الحد المتقدم.

(مسألة 941) ذكر جماعة أنه يجوز لكل من المالكين المتجاورين التصرف في ملكه بما شاء و حيث شاء و إن استلزم ضررا على الجار، لكنه مشكل على إطلاقه، بل الحق عدم جواز ما يكون سببا لعروض فساد في ملك الجار، كما إذا دق دقا عنيفا فأوجب خللا في حائط دار جاره، أو حبس الماء في ملكه بحيث تسري نداوته في حائط جاره، أو أحدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها، بل و كذا لو حفر بئرا بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها و كان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الأولى، و أما إذا كان من جهة أن الثانية أعمق و أن الماء يصل

إليها من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأولى، فالظاهر أنه لا مانع منه، و المرجع في ذلك أهل الخبرة.

و كذا لا مانع من تعلية البناء و إن كان مانعا من الشمس و القمر و الهواء، أو جعل داره مدبغة أو مخبزا مثلا إذا لم يكن بقصد الإيذاء، و كذا فتح نافذة في جداره مشرفة على دار جاره أو لسحب الهواء، فإن المحرم هو التطلع على دار الجار لا مجرد فتح نافذة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 272

(مسألة 942) لا يخفى أن أمر الجار شديد، و قد حث الشرع الأقدس على رعايته، و الأخبار في وجوب كف الأذى عن الجار و في الحث على حسن الجوار كثيرة، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه.

و في حديث آخر أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر عليا عليه السّلام و سلمان و أبا ذر- قال الراوي: و نسيت آخر و أظنه المقداد- أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثا.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام عن أبيه قال: قرأت في كتاب علي عليه السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتب بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب: أن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم، و حرمة الجار كحرمة أمه.

و عنه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حسن الجوار يعمر الديار و ينسئ في الأعمار.

فينبغي لكل من يؤمن باللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم و اليوم الآخر الاجتناب عن كل ما يؤذي الجار و إن لم يكن مما يوجب فسادا و ضررا في ملكه.

(مسألة 943) يشترط في التملك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير، فإن التحجير يفيد أولوية المحجر في الإحياء و التملك من غيره، فله منعه. و لو أحياه قهرا على المحجر لم يملكه.

و المراد بالتحجير أن يحدث ما يدل على إرادة الإحياء، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه و جوانبه، أو الشروع في إحياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئرا من آبار قناة دارسة يريد إحياءها، فإنه تحجير لسائر آبار القناة، بل هو تحجير للأرض الموات التي تسقى بمائها، فليس لأحد إحياء تلك القناة و الأراضي، و كما إذا أراد إحياء أجمة فيها ماء و قصب فعمد إلى قطع مائها فقط فهو تحجير لها، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 273

(مسألة 944) لا بد أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على إرادة أصل الإحياء، دالا على مقدار ما يريد إحياءه أيضا، فلا بد أن يكون مثل وضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب مثلا من جميع الجوانب. نعم تقدم في مثل القناة الدارسة أن الشروع في حفر بئر منها تحجير للباقي و للأرض التي تسقيها. بل إذا حفر بئرا في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة، يمكن القول بأن عمله تحجير بالنسبة إلى أصل القناة و بالنسبة إلى الأرض التي تسقى بمائها، فليس لأحد إحياء ذلك إلا بعد أن يتم القناة و يتبين مقدار ما تحتاجه من الأرض، نعم لا بأس بإحياء البعيد عنها الذي ليس

من حريمها و لا من الأرض التي يصل إليها ماؤها.

(مسألة 945) التحجير يفيد حق الأولوية و لا يفيد الملكية، فلا يصح بيعه، نعم يصح الصلح عنه، و يورث، و يقع ثمنا في البيع لأنه حق قابل للنقل و الانتقال.

(مسألة 946) يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجر متمكنا من القيام بإحيائه و إعماره فعلا و لو بالتسبيب، و أما تحجير العاجز فعلا برجاء حصول القدرة في الأزمنة الآتية فغير مؤثر، بل و إن علم بأنه سوف يقدر على إحيائه و لكن كان ذلك بعد زمان بحيث يعد فعلا عاجزا. و كذا لو حجر زائدا على مقدار تمكنه من الإحياء فلا أثر لتحجيره إلا في مقدار ما يتمكن من إحيائه.

(مسألة 947) لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن يكون بتوكيل الغير أو استيجاره، فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكل و المستأجر لا للوكيل و الأجير، بل لا يبعد كفاية وقوعه من شخص نيابة عن غيره ثم إجازة ذلك الغير.

(مسألة 948) إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجر بالتعمير، فإن كان ذلك مستندا إلى طول الزمان و التهاون في الإحياء، بطل حقه و عاد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 274

الموات إلى ما كان عليه قبل التحجير. و إن كان مستندا إلى فعل الغير أو بسبب غير عادي كالسيل مثلا، فالظاهر بقاء حقه، إلا إذا علم بذلك و لم يجدد التحجير.

(مسألة 949) ليس للمحجر تعطيل الموات المحجر عليه، بل اللازم أن يشرع بالعمارة عقيب التحجير، فإن أهمل و طالت المدة و أراد شخص آخر إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده و بسط يده، فيلزم المحجر بأحد أمرين: إما العمارة أو

رفع يده عنه ليعمره غيره، إلا أن يبدي عذرا موجها مثل انتظار وقت صالح له، أو إصلاح آلاته أو حضور العمال، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر، فإذا مضت المدة بطل حقه، و ليس من العذر عدم التمكن من تهيئة الأسباب لفقره منتظرا للغنى و التمكن حتى لو كان في معرض ذلك عن قريب.

و إذا لم يكن حاكم فالظاهر أنه يسقط حقه أيضا إذا طال الإهمال مدة بحيث يعد في العرف تعطيلا، فيجوز لغيره إحياؤه و ليس له منعه، و الأحوط (وجوبا) مراعاة حقه ما لم يمض على مدة تعطيله و إهماله ثلاث سنين.

(مسألة 950) الظاهر أنه يشترط في التملك بالإحياء قصد التملك كالتملك بالحيازة بالاصطياد و الاحتطاب و نحوهما، فلو حفر بئرا في صحراء بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام هناك، لم يملكه، بل لم يكن له إلا حق الأولوية ما دام مقيما، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية و صارت مباحا للجميع.

(مسألة 951) الإحياء المفيد للملك عبارة عن إخراج الأرض عن صفة الخراب إلى العمران، إما بجعلها مزرعة أو بستانا، أو مسكنا و دارا، أو حظيرة للأغنام و المواشي، أو لحوائج أخر متعددة، فلا بد في صدق إحيائها من العمل فيها إلى حد يصدق عليها عرفا أنها عامرة بأحد عناوين العمران.

و يكفي تحقق أول مراتب وجود العنوان و لا يعتبر حد كماله، أما قبل أول

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 275

مرتبة من تحقق العنوان فلا يكون إحياء مهما صنع فيه، بل يكون تحجيرا مفيدا للأولوية لا الملك.

(مسألة 952) يعتبر في إحياء الموات دارا و مسكنا، بعد إزالة الموانع لو كانت، أن يدير عليها حائطا بما يعتاد في تلك البلاد و لو كان

بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها، و يسقف و لو بعضها الذي يمكن أن يسكن فيه.

و لا يعتبر مع ذلك نصب الباب، و لا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف، نعم يكفي ذلك في إحيائها حظيرة أو لتجفيف الثمار، أو ما شابه.

و لو بنى حائطا في الموات بقصد بناء الدار و تركها بلا سقف مع قصد تملكها حظيرة، ملكها، و كذا لو حوطها بقصد الحظيرة فإنه يملكها و إن بدأ له أن يجعلها دارا.

(مسألة 953) يعتبر في إحياء الموات مزرعة إزالة الموانع و تهيئة الأرض بتسوية حفرها و إزالة تلالها المانعة عن الزرع، و ترتيب مائها بشق ساقية أو حفر بئر إن كانت تسقى بالماء، و بذلك يتم إحياؤها و يملكها المحيي، و لا يعتبر حرثها فضلا عن زرعها. و ان كانت لا تحتاج إلى ترتيب ماء كفى تهيئتها للزرع بدون ترتيب الماء.

و إن لم تحتج إلا إلى سوق الماء كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها. و إن لم تحتج إلى سوق الماء أيضا و كان يكفيها ماء السماء فالظاهر أن إحياءها بإدارة المرز حولها مع حرثها و زرعها، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملكها. و أما الاكتفاء بالمرز من دون حراثة و زراعة ففيه إشكال، نعم يكون تحجيرا و يفيد الأولوية.

(مسألة 954) يعتبر في إحياء البستان، مضافا إلى ما مر في إحياء الزرع، غرس أشجارها، و لا يبعد عدم اعتبار سقيها، كما لا يعتبر تحويطها حتى في البلاد التي جرت عادتهم عليه على الأقوى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 276

(مسألة 955) يتم إحياء البئر في الموات بأن يحفرها حتى يصل إلى الماء فيملكها بذلك، و قبل ذلك يكون تحجيرا

لا إحياء. و القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض، و النهر بإيصال حفره إلى قرب الماء المباح كالنهر الكبير و نحوه، بحيث يكون الفاصل بينهما كالمرز، و لا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلا، و إن اعتبر ذلك في تملك المياه.

المشتركات

(مسألة 956) و هي الطرق و الشوارع و المساجد و المدارس و الربط و المياه و المعادن.

(مسألة 957) الطريق نوعان نافذة و غير نافذة، فالطريق النافذة المسماة بالشارع العام محبوسة على كل الناس و هم فيها شرع سواء، و ليس لأحد إحياؤها و الاختصاص بها و لا التصرف في أرضها ببناء حائط أو دكة أو حفر بئر أو نهر أو غير ذلك. نعم إذا كانت الطرق وسيعة بحيث تكفي لجميع حوائج المجتازين، و لا تضر المذكورات بالمارة على حسب حوائجهم العادية، فلا مانع من بناء الحائط أو حفر النهر أو غرس الأشجار في أطرافها، سيما إذا كان ذلك صلاحا لها كما هو كذلك في الغالب، و ليست هذه التصرفات إلا كإخراج الرواشن إذا لم تضر بالمارة. و الظاهر أنه يجوز أن يحفر فيها بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر و غيره لكونها من مصالح الطريق و مرافقها، لكن مع سدها في غير أوقات الحاجة حفظا للمستطرقين و المارة، بل الظاهر جواز حفر سرداب تحتها إذا أحكم الأساس و السقف بحيث يؤمن معه من النقض و الخسف.

و أما التصرف في فضاء الطريق بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب و نحو ذلك، فهو جائز إذا لم يضر بالمارة، و ليس لأحد منعه حتى من يقابل داره داره كما مر في كتاب الصلح.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص:

277

أما الطريق غير النافذة المسماة بالسكة المرفوعة أو الدريبة، و هي التي لا يسلك منها إلى طريق أخرى أو إلى مباح، بل أحيطت من ثلاث جوانبها بالدور و الجدران، فهي ملك لأرباب الدور المفتوحة أبوابها إليها، و هي كسائر الأملاك المشتركة يجوز لأربابها سدها و تقسيمها بينهم و إدخال كل منهم حصته في داره على ما يأتي، و لا يجوز لأحد من غيرهم بل و لا منهم أن يتصرف فيها و لا في فضائها إلا بإذن الجميع و رضاهم.

(مسألة 958) إذا علم أن أرباب الدور المفتوحة أبوابها في الدريبة كلهم مشتركون فيها من أولها إلى آخرها حتى في آخرها الذي لم يفتح إليها باب، فلا يجوز لأحد منهم التصرف بغير الاستطراق إلا بإذن الجميع، و لكل منهم حق الاستطراق إلى داره من أي موضع من جداره. أما مع الشك في كيفية اشتراكهم، فلا يحكم باشتراك الكل إلا فيما هو تحت يد الكل و هو من أول الدريبة إلى الباب الأول، أما ما بعده فحيث أنه خارج عن يد صاحب الباب الأول فيختص به غيره من سائر الشركاء، و هكذا إلى أن تنحصر الدريبة بباب واحد فيختص بها صاحبه دون سائر الشركاء.

(مسألة 959) ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها للاستطراق إلا بإذن أربابها. نعم له فتح شباك إليها و ليس لهم منعه لكونه تصرفا في جداره لا في ملكهم، بل له فتح باب إليها للاستضاءة و التهوية، بل له أن يخرب جداره كله إذا كان له و في ملكه، لكن يحرم عليه المرور و التصرف في الدريبة إلا بإذن مالكيها.

(مسألة 960) يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها و الاستطراق و

التردد منها إلى داره بنفسه و ما يتعلق به من عياله و دوابه و أضيافه و عائديه و زائريه، و كذا وضع الأحمال و الأثقال عند إدخالها و إخراجها من دون إذن الشركاء، بل و إن كان فيهم القصّر و المولّى عليهم، من دون رعاية المساواة مع الباقين.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 278

(مسألة 961) الشوارع و الطرق العامة و ان كانت معدة لاستطراق عامة الناس و كانت منفعتها الأصلية الاستطراق، لكن يجوز لكل أحد الانتفاع بها بالجلوس و النوم و الصلاة و غيرها لكن بشرط أن لا يضر بالمارة، نعم إذا تضرر أحد بمثل عدم التمكن من وضع متاعه في مكان هذا الجالس مثلا و لكن لم يضرّ بالمارّة فلا يحرم جلوسه.

(مسألة 962) لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو النزهة، أو للحرفة و المعاملة إذا جلس في الرحاب و المواضع المتسعة، فلو جلس فيها لأي غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه.

(مسألة 963) إذا جلس في موضع من الطريق ثم قام عنه فإن كان جلوس استراحة و نحوها بطل حقه و جاز لغيره الجلوس فيه، و كذا إن كان لحرفة و معاملة و قام بعد استيفاء غرضه و عدم نية العود، فلو عاد فرأى غيره جلس فيه لم يكن له دفعه، و أما لو قام قبل استيفاء غرضه ناويا للعود فإن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه، و إن لم يكن له فيه شي ء ففي بقاء حقه بمجرد نية العود إشكال، فلا يترك الاحتياط.

(مسألة 964) كما لا يجوز مزاحمة الجالس للمعاملة في موضع جلوسه كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و

وقوف المعاملين فيه، بل ليس لغيره على الأحوط (وجوبا) أن يقعد بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه. و أما المارة فلهم المرور في أي مكان من الطريق و إن صار مانعا من رؤية متاع الغير مثلا.

(مسألة 965) يجوز للجالس للمعاملة أن يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة بثوب أو بارية و نحوهما، و ليس له بناء دكة و نحوها فيه.

(مسألة 966) إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه في يوم آخر شخص آخر و أخذ مكانه كان الثاني أحق به، فليس للأول إزعاجه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 279

(مسألة 967) إنما يصير الموضع شارعا عاما بأمور: أحدها: بكثرة التردد و الاستطراق و مرور القوافل في الأرض الموات، كالجادة الحاصلة في البراري و القفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد. الثاني: أن يجعل إنسان ملكه شارعا و يسبله تسبيلا دائما لسلوك عامة الناس و يسلك فيه بعض الناس، فإنه يصير بذلك طريقا عاما و ليس للمسبل الرجوع بعد ذلك.

الثالث: أن يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة و يتركوا مسلكا نافذا بين الدور و المساكن و يفتحوا إليه الأبواب، و المراد بالنافذ أن يكون له مدخل و مخرج يدخل فيه الناس من جانب و يخرجون من جانب آخر إلى جادة عامة أو أرض موات.

(مسألة 968) لا حريم للشارع العام إذا كان بين الأملاك، فلا يجب على أصحاب الأملاك توسعته إذا ضاق على المارة. أما الشارع الذي على جانبيه موات أو على أحد جانبيه موات، فقد ورد في عرضه سبعة أذرع، و الأحوط في زماننا ترك إحياء طرفي الشوارع العامة التي تعبر منها السيارات و الوسائط الكبيرة بالمقدار

المحتاج إليه، لاحتمال أن يكون التحديد في الروايات و كلمات السابقين بالخمسة أو السبعة بلحاظ أهل زمانهم، و إلا فحريم الطريق بحسب العرف ما يحتاج إليه المارة، و لذا تختلف الشوارع و الطرق سعة و ضيقا.

(مسألة 969) إذا استأجم الطريق، أو انقطعت عنها المارة حتى صارت مهجورة متروكة بحيث يصدق عليه الموات، زال حكمها بل ارتفع موضوعها و عنوانها، فيجوز لكل أحد إحياؤها كالموات، من غير فرق في سبب ذلك بين أن يكون لعدم وجود المارة أو لمنع قاهر إياهم، أو لهجرهم إياها و استطراقهم غيرها، أو لأسباب أخرى.

(مسألة 970) إذا زاد عرض الطريق عن حاجة المارة و كانت مسبّلة فلا يجوز لأحد أخذ الزائد و تملكه قطعا، و أما غير المسبّل فالأحوط (وجوبا)

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 280

ترك إحيائها أيضا، سواء كثرت المارة أو قلت إلا في مثل الرحاب التي لا يعد إحياء مقدار منها تصرفا في الطريق عرفا.

(مسألة 971) من المشتركات المسجد، و هو المكان الموقوف للصلاة و سائر العبادات. و المسجد من مرافق المسلمين يشترك فيه عامتهم و هم شرع سواء في الانتفاع به إلا بما لا يناسبه، و بما نهى الشرع عنه كمكث الجنب فيه و نحوه. فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل و تدريس أو وعظ أو إفتاء و غيرها، كان أحق به، و ليس لأحد إزعاجه، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه.

نعم لا يبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض، فلو وقع تزاحم بين الصلاة و غيرها فالصلاة مقدمة، و الظاهر مساواة الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة، فلا أولوية للثانية على الأولى، فمن

سبق إلى مكان للصلاة منفردا فليس لمن أراد الصلاة جماعة إزعاجه، و إن كان الأولى له تخلية المكان إذا وجد مكانا آخر.

(مسألة 972) إذا فارق الجالس مكانه معرضا عنه بطل حقه و إن بقي رحله، فلو جلس فيه غيره كان أولى و ليس للأول إزعاجه. و إن قام ناويا العود فإن كان رحله باقيا بقي حقه، و إلا فإن كان معلوما من حال الأول أنه ينوي العود فالأحوط (وجوبا) مراعاة حقه خصوصا إذا كان خروجه لضرورة. و إن لم يكن معلوما و جلس أحد مكانه لم يجز مزاحمته.

(مسألة 973) الظاهر أن وضع ما يصدق عليه الرحل مقدمة للجلوس يفيد الأولوية كالجلوس، و لا يلزم أن يستوعب كل مكان صلاته أو معظمه.

لكن لا يصدق الرحل على مثل وضع تربة أو سبحة أو مفتاح و شبهها.

(مسألة 974) يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه زمان طويل بحيث يستلزم تعطيل المكان، و إلا لم يفد حق، نعم إذا وضع رحله

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 281

للاستفادة منه في زمن آت كان يضع رحله بالليل لصلاة الظهر، فهو يفيد الحق، و لكن هذا الحق لا يمنع الآخرين من الاستفادة من المكان الذي حجزه قبل استفادته منه، فيجوز لغيره رفع رحله عن ذلك المكان و الصلاة فيه مثلا، لكن يضمن الرحل إلى أن يوصله إلى صاحبه.

(مسألة 975) المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام، فإن المسلمين فيها شرع سواء، سواء العاكف فيها و الباد و المجاور لها و المتحمل إليها من بعد البلاد، و من سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة كان أحق و أولى به و ليس لأحد إزعاجه، و

هل للزيارة أولوية على غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها؟ لا تخلو من وجه، لكنه غير وجيه كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين، و إن كان ينبغي لهم مراعاتهم. و حكم مفارقة المكان و وضع الرحل و بقائه كما سبق في المساجد.

(مسألة 976) من المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم أو الطائفة الخاصة منهم إذا خصها الواقف بصنف خاص، كما إذا خصها بصنف العرب أو العجم أو طالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا، فهي بالنسبة إلى مستحقي السكنى بها كالمساجد، فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحق بها ما لم يفارقها معرضا عنها و إن طالت مدة السكنى، إلا إذا اشترط الواقف له مدة معينة كثلاث سنين مثلا، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة و إن لم يؤمر به، أو شرط اتصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه مشغولا بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم و نحو ذلك.

(مسألة 977) لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة و نحوها قطعا و إن لم يترك رحله، و لا يلزم تخليف أحد مكانه، بل و لا بالأسفار المتعارفة المعتادة كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نية العود و بقاء متاعه و رحله ما لم تطل المدة إلى

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 282

حد لم يصدق معه السكنى و الإقامة عرفا و لم يشترط الواقف أو المتولي لذلك مدة معينة، و لم يعطل المحل زائدا عن المتعارف مع وجود المحتاج إليه من الموقوف عليهم.

(مسألة 978) من سكن في غرفة مدرسة و كان ممن له

حق السكنى فيها، له أن يمنع غيره من مشاركته، إذا كان المسكن معدا لواحد، إما بحسب قابلية المحل أو بسبب شرط الواقف، أما لو كان معدا لأكثر من واحد فليس له منع غيره، إلا إذا كمل العدد المعد له المكان فلهم منع الزائد.

(مسألة 979) من المشتركات المياه، و المراد بها مياه الأنهار الكبار كدجلة و الفرات و النيل، أو الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج، و كذا العيون المتفجرة من الجبال أو من الأراضي الموات، و المياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار، فإن الناس في جميع ذلك شرع سواء، و من حاز منها شيئا بآنية أو مصنع أو حوض و نحوها مع قصد الملكية ملكه، من غير فرق بين المسلم و الكافر، أما بدون قصد الملكية فلا يملكه.

و أما مياه العيون و الآبار و القنوات التي حفرها شخص في ملكه أو في الموات بقصد تملك مائها فهي ملك للحافر كسائر الأملاك، لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذن المالك، و ينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية قهرية كانت كالإرث، أو اختيارية كالبيع و الصلح و الهبة و غيرها. نعم مر جواز بعض التصرفات في الأنهار الكبيرة المملوكة.

(مسألة 980) إذا شق نهرا من ماء مباح و قصد التملك، ملك ما يدخل فيه من الماء كما لو حاز الماء في آنية و نحوها، و تتبع ملكية الماء ملكية النهر، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام، و إن كان لجماعة ملك كل منهم من الماء بمقدار حصته من ذلك النهر، و لا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 283

الأراضي التي تسقى منه، فلو

كان النهر مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكل منهم ثلث الماء و إن كانت أراضي بعضهم أكثر من بعض، بل لو كان لأحدهم رحى تدور بالماء تساوى مع كل من شريكيه في استحقاق الماء و إن لم يكن له أرض أصلا.

(مسألة 981) يملك النهر المتصل بالمباح إما بحفره في أرض مملوكة له، و إما بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا مع نية تملكه إلى أن يوصله بالمباح كما مر، فإن كان الحافر واحدا ملكه بالتمام و إن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا و أنفقوا، فمع التساوي بالتساوي و مع التفاوت بالتفاوت، و الميزان تساوي الموجب بنظر أهل الخبرة و إن كان العمل من بعض و النفقة من آخر.

(مسألة 982) لا يجوز لكل واحد من أصحاب النهر المشترك التصرف في مائه و السقاية به إلا بإذن باقي الشركاء، فإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب و المهاياة بحسب الساعات أو الأيام أو الأسابيع مثلا فهو، و إلا يقسم بينهم بالأجزاء المتناسبة مع سهامهم.

(مسألة 983) الظاهر أن قسمة الماء أجزاء قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها، و هي لازمة، ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها. و أما المهاياة فهي موقوفة على التراضي و ليست لازمة، فلبعضهم الرجوع عنها حتى إذا استوفى تمام نوبته و لم يستوف الآخر نوبته و إن ضمن حينئذ مقدار ما استوفاه بالقيمة.

(مسألة 984) إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو واد أو نهر و نحوها، بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار، كان للجميع حق السقي منه، فليس لأحد أن يشق نهرا

فوقها يقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار حاجة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 284

تلك الأملاك. و إن لم يف الماء و وقع بين أربابها التشاح و التعاسر يقدم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق، و إلا يقدم الأعلى فالأعلى و الأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء و أصله فيسقي بمقدار حاجته، ثم يرسله لمن يليه و هكذا. هذا في الأراضي المنحدرة التي لا يقف فيها الماء، و أما في غيرها فالأحوط أن لا يزيد في النخل عن أول الساق، و في الشجر عن القدم، و في الزرع عن الشراك.

(مسألة 985) الأنهار المملوكة المتفرعة من الأنهار الكبيرة و نحوها إذا وقع التعاسر بين أربابها، فحالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح في المسألة السابقة.

(مسألة 986) إذا احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقيه أو حفر أو إصلاح و نحو ذلك، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤنة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر، سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بإجبارهم جميعا من حاكم جائز أو بإلزام من الشرع، كما إذا كان مشتركا بين المولّى عليهم و رأى الولي المصلحة الملزمة في تعميره مثلا، لكن إذا أجبر الجائر بعضهم فليس لهم الرجوع على غير الملزمين بمقدار سهامهم، و إن لم يقدم على ذلك إلا بعضهم لم يجبر الممتنع على المشاركة، و ليس للمقدمين مطالبته بحصته من النفقة ما لم يكن إقدامهم بطلبه و تعهده بإعطاء حصته. نعم لو كان النهر مشتركا بين القاصر و غيره و كان إقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة القاصر وجب على ولي القاصر مراعاة لمصلحته تشريكه في التعمير و بذل المؤنة من ماله بمقدار حصته.

(مسألة 987) من المشتركات المعادن، و هي:

إما ظاهرة، و هي ما لا يحتاج في استخراجها و الوصول إليها إلى عمل و مؤنة، كالملح و القير و الكبريت و الموميا و الكحل، و كذا النفط إذا لم يحتج في استخراجه إلى الحفر و العمل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 285

و إما باطنة، و هي ما لا تظهر إلا بالعمل و العلاج، كالذهب و الفضة و النحاس و الرصاص، و كذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المتعارف في هذه الأعصار.

فأما الظاهرة فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء، فمن أخذ منها شيئا ملك ما أخذه، قليلا كان أو كثيرا، و إن كان زائدا على ما يعتاد لمثله و على مقدار حاجته، و يبقى الباقي مما لم يأخذه على الاشتراك.

و أما الباطنة فتملك بالإحياء، بأن ينهي العمل و التنقيب إلى أن يبلغ نيلها، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، و قد مر أنها تملك بحفرها حتى يبلغ الماء و يملك بتبعها الماء، و لو عمل فيها عملا لم يبلغ به نيلها كان تحجيرا يفيد الأحقية و الأولوية دون الملكية.

(مسألة 988) إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله و عطله أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه، و لو أبدى عذرا أنظر بمقدار زوال عذره إن لم يتجاوز المتعارف، ثم ألزم بأحد الأمرين.

(مسألة 989) إذا أحيا أرضا مزرعة أو مسكنا مثلا، فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها، سواء كان عالما به حين إحيائها أم لا.

(مسألة 990) لو قال رب المعدن لآخر اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلا، بطل إن كان بعنوان الإجارة و صح إن كان بعنوان الجعالة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 287

كتاب اللقطة

اشارة

(مسألة 991)

اللقطة بمعناها الأعم: كل مال ضائع عن مالكه و ليس عليه يد، و هي إما حيوان أو غيره.

لقطة الحيوان

(مسألة 992) إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه أيّ حيوان كان غير الشاة. فمن أخذه ضمنه و وجب عليه حفظه من التلف و الإنفاق عليه بما يلزم، و ليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق.

و يجوز دفعه إلى الحاكم. و إن كان شاة فلا يبعد جواز بيعها بعد حبسها ثلاثة أيام و التصدق بثمنها، و يضمن إن لم يرض صاحبها بالصدقة. نعم إذا كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان، و يجب عليه الإنفاق عليه و يجوز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه، و إن كان له منفعة من ركوب أو حمل أو لبن و نحوه جاز له استيفاؤها و احتسابها بإزاء ما أنفق مع التساوي، و مع التفاضل فالفاضل لصاحبه.

(مسألة 993) إذا أخذ الحيوان في العمران غير الشاة و صار تحت يده، يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ و عدمه، فإذا يئس من صاحبه تصدق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 288

(مسألة 994) ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان و لا يعرف صاحبه كالدجاج و الحمام فالظاهر أنه ليس لقطة بل مجهول المالك، فيتفحص عن صاحبه و إن يئس تصدق به. و الفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك، بأن يسأل الجيران و الدور القريبة. نعم لا يبعد جواز تملك مثل الحمام من دون فحص عن صاحبه إذا ملك جناحيه و لم يكن فيه أمارة على

الملك و لم يعرف صاحبه، كما مر في كتاب الصيد.

(مسألة 995) ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق و الشوارع و المفاوز و الصحاري و البراري و الجبال و الآجام و نحوها إن كان مما يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعلب و ابن آوى و الذئب و الضبع و نحوها، إما لكبر جثته كالبعير، أو لسرعة عدوه كالفرس و الغزال، أو لقوته و بطشه كالجاموس و الثور، لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه إذا كان في كلأ و ماء أو كان صحيحا يقدر على تحصيل الماء و الكلأ. و إن كان مما تغلب عليه صغار السباع كالشاة و صغار الإبل و البقر و الدواب جاز أخذه، فإذا أخذه عرفه في المكان الذي أصابه و حواليه إن كان فيه أحد، بل في سائر مظان الإصابة لصاحبه بل و محتملها. فإن عرف صاحبه رده إليه، و إلا كان له تملكه و بيعه و أكله مع الضمان لمالكه لو وجد، كما أن له إبقاؤه و حفظه لمالكه، و لا ضمان عليه.

(مسألة 996) إذا أخذ الحيوان الضالة غير الشاة في مورد لا يجوز له أخذه ضمنه، و يجب عليه الإنفاق عليه و ليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه و إن كان نوى الرجوع عليه.

(مسألة 997) إذا ترك الحيوان صاحبه و سرحه في الطرق أو الصحاري و البراري، فإن كان بقصد الإعراض عنه، جاز لكل أحد أخذه و تملكه، و إن لم يكن بقصد الإعراض بل من جهة العجز عن الإنفاق عليه، أو من

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 289

جهة جهد الحيوان و كلالة، فإن تركه في كلأ و ماء و أمن

فليس لأحد أن يأخذه، فلو أخذه كان غاصبا ضامنا له، و إن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من ضمانه، و يجب عليه حفظه و الإنفاق عليه، و ليس له الرجوع على صاحبه كما مر فيما يؤخذ في العمران. أما إذا تركه في خوف و على غير ماء و كلا فيجوز أخذه و الإنفاق عليه، و هو للآخذ إذا تملكه.

(مسألة 998) إذا وجد دابة و علم بالقرائن أن صاحبها قد تركها، و لم يدر أنه تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر، فليس له أخذها و تملكها إلا إذا كانت في مكان يخشى عليها فيه.

(مسألة 999) إذا وجد حيوانا في غير العمران و لم يدر أن صاحبه تركه أو إضاعة أو فرّ منه، كان بحكم لقطة الحيوان و يجري عليه ما تقدم، و يجوز أخذ مثل الشاة مطلقا.

لقطة غير الحيوان

(مسألة 1000) و هي اللقطة بالمعنى الأخص، و يعتبر فيها عدم معرفة مالكها، فهي قسم من مجهول المالك له أحكام خاصة.

(مسألة 1001) يعتبر في اللقطة ضياعها عن المالك، فما يؤخذ من يد الغاصب و السارق ليس من لقطة، بل لا بد في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع و لو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد و نحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه، و كذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام و نحوه سواء كان تبدله اشتباها أو تعمّد المالك في التبديل، فإنه يكون من مجهول المالك لا من اللقطة.

(مسألة 1002) يعتبر في صدق اللقطة و ثبوت أحكامها الأخذ و الالتقاط، فلو رأى شيئا و أخبر به غيره، فأخذه كان حكم اللقطة على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 290

الآخذ دون الرائي و إن تسبب به، بل لو قال:

ناولنيه، فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر.

أما لو أخذه لا لنفسه و ناوله إياه فصدق الملتقط على الآمر مشكل، فلا يترك الاحتياط بتعريف كل منهما على فرض ترك الآخر، و كذا في النائب في الالتقاط، إذا كان التقاطه بنية النيابة.

(مسألة 1003) إذا رأى شيئا مطروحا على الأرض فظن أنه له فأخذه فتبين أنه ضائع من غيره، صار بذلك لقطة و عليه حكمها، و لو رأى مالا ضائعا فنحاه من جانب إلى آخر، فإن التقطه ثم نحاه صار لقطة و بدونه لا يكون ملتقطا و إن كان ضامنا له بسبب هذا التصرف. نعم لو دفعه برجله ليتعرفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطا بل و لا ضامنا، لعدم صدق اليد و الأخذ.

(مسألة 1004) المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصبا ضامنا، إلا إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ، و يكون حينئذ في يده أمانة شرعية لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط. و يجب عليه إما أن يدفعه إلى الحاكم الشرعي، أو يفحص عن مالكه على كلا التقديرين إلى أن ييأس من الظفر به، و حينئذ يتصدق به لكن بإذن الحاكم على الأحوط. هذا فيما يبقى و لا يفسد باقتنائه، و أما فيه فيبيعه و يتصدق بثمنه أو يقومه و يتصرف فيه و يتصدق بثمنه بعد اليأس، و الأحوط أن يكون جميع ذلك بإذن الحاكم.

(مسألة 1005) يجوز على كراهة التقاط كل مال غير الحيوان إذا أحرز أنه ضائع عن مالكه المجهول و لو بشاهد الحال، هذا إذا أخذه بقصد التعريف، و إلا فلا يجوز أخذه و يضمنه إذا أخذه. أما لقطة حرم مكة زادها

اللّه شرفا فكراهة التقاطها شديدة، بل نسب إلى المشهور حرمته و الاحتياط طريق النجاة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 291

(مسألة 1006) اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها في الحال من دون تعريف و فحص عن مالكها، و لا يملكها بدون قصد التملك على الأقوى، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها حتى لو تملكها على الأحوط إن لم يكن أقوى، و إن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط و ليس عليه عوضها إن كان بعد التملك حتى لو كان تلفها بتفريط منه، بخلاف ما لو تلفت قبل التملك فإنه يضمن مع التفريط.

أما إن كانت قيمتها درهما فما فوق فيجب على الملتقط تعريفها و الفحص عن صاحبها، فإن لم يجده، تخير في غير لقطة الحرم بين أمور أربعة: تملكها مع الضمان، و التصدق بها و الأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي، و إبقائها بيده أمانة و دفعها إلى الحاكم. فإن تصدق بها و ظهر صاحبها و لم يرض بالتصدق ضمنها. و إن أبقاها أمانة لم يضمنها إلا بالتفريط. أما لقطة الحرم فيجوز فيها الوجوه المذكورة ما عدا التملك.

(مسألة 1007) الدرهم هو الفضة المسكوكة التي كانت رائجة في المعاملة، و المقصود هنا ما وزنه اثنتا عشرة حمصة و نصف حمصة و عشرها، و بعبارة أخرى نصف مثقال و ربع عشر مثقال بالمثقال الصيرفي، الذي يساوي أربعة و عشرين حمصة معتدلة، فالدرهم، يساوي غرامين و ستة و أربعين جزءا من مائة جزء من الغرام تقريبا (46- 2).

(مسألة 1008) المدار في قيمة اللقطة و الدرهم على مكان الالتقاط و زمانه فإن وجد شيئا في بلد و كانت قيمته فيه حين الالتقاط أقل من درهم،

جاز تملكه و لا يجب تعريفه.

(مسألة 1009) يجب التعريف فورا فيما يبلغ الدرهم فما فوق، فلو أخره من أول زمن الالتقاط عصى إلا إذا كان لعذر، و لو أخره لعذر أو لا لعذر لم يسقط التعريف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 292

(مسألة 1010) الأقوى أنه يجب التعريف و إن لم يكن ناويا للتملك بعده، كأن تكون نيته التصدق، أو الحفظ لمالكها، أو لم يكن ناويا شيئا أصلا.

(مسألة 1011) مدة التعريف الواجب سنة قمرية كاملة، و الأحوط (وجوبا) فيها مراعاة التوالي بمعنى صدق التعريف إلى سنة عرفا، و لو بالتعريف كل أسبوع أو أقل أو أكثر مرة واحدة، و لا يسقط وجوب التعريف بتركه.

(مسألة 1012) لا يعتبر في التعريف المباشرة، بل يجوز للملتقط استنابة غيره، مجانا أو بالأجرة مع الاطمئنان بإيقاعه، و الظاهر أن أجرة التعريف على الملتقط إلا إذا كان قصده أن تبقى اللقطة بيده و يحفظها لمالكه.

(مسألة 1013) إذا علم بأن التعريف لا فائدة فيه، أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة، سقط التعريف، فالأحوط الاقتصار على الحفظ أو التصدق من دون فرق بين لقطة الحرم و غيرها.

(مسألة 1014) إذا تعذر التعريف أثناء السنة سقط عنه في مدة العذر و أتم التعريف بقية السنة، و ليس عليه أن يحسب السنة، من وقت ارتفاع العذر.

(مسألة 1015) إذا علم بعد تعريف سنة أنه لو زاد عليها عثر على صاحبها فالأقوى وجوب زيادة التعريف، إلا إذا كان فيه حرج عليه لزيادة المدة، فالأحوط حينئذ دفعها إلى الحاكم الشرعي.

(مسألة 1016) إذا ضاعت اللقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأول. نعم لو لم يعرفه وجب

عليه التعريف سنة طالبا به المالك أو الملتقط الأول، فأيا منهما عثر عليه يجب دفعها إليه و إن عثر عليهما وجب عليه دفعها إلى المالك من غير فرق بين أن يكون ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 293

(مسألة 1017) إذا كانت اللقطة مما لا يبقى سنة كالطبيخ و اللحم و الفواكه و الخضروات، جاز أن يقوّمها على نفسه في آخر وقت يخاف عليها الفساد و يأكلها أو يبيعها و يحفظ ثمنها لمالكها، و الأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان، و لا يسقط التعريف بل يحفظ خصوصياتها و صفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثم يعرفها سنة، فإن جاء صاحبها و قد باعها دفع ثمنها إليه، و إن أكلها غرمها بقيمتها، و إن لم يجي ء فلا شي ء عليه. نعم له أن يتصدق بثمنها أو قيمتها بعد الحول مع الضمان في لقطة غير الحرم، أو يحفظ الثمن لصاحبها بلا ضمان من غير تفريط. أما لقطة الحرم فيتعين عليه التصدق بها مع الضمان أو حفظها بلا ضمان. و يجوز له في لقطة الحرم و غيره أن يدفعها إلى الحاكم بلا ضمان.

(مسألة 1018) يتحقق التعريف سنة بأن يكون في مدة سنة متوالية قائما بتعريفها بحيث لا يعد عرفا متسامحا في الفحص عن صاحبها في هذه المدة، و لا يتقدر ذلك بمقدار معين، بل هو أمر عرفي. و الظاهر كفاية التعريف في الأسبوع الأول كل يوم مرة و بعده إلى آخر السنة في كل أسبوع مرة.

(مسألة 1019) محل التعريف مجامع الناس كالأسواق و المشاهد و محل إقامة الجماعات و مجالس التعازي، و كذا المساجد حين اجتماع الناس فيها.

و إن كره ذلك

فيها، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها.

(مسألة 1020) يجب تعريف اللقطة في موضع الالتقاط و في مكان الذي يظن وجود صاحبها فيه، بل و الذي يحتمل وجوده فيه أيضا، إذا وجدها في محل مأهول من بلد أو قرية و نحوهما. و لو أراد الخروج منه لم يجز أن يحملها معه، بل يضعها عند أمين ثقة ليعرفها نيابة عنه. و إن وجدها

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 294

في المفاوز و البراري و الشوارع و أمثال ذلك عرفها لمن كان موجودا أو اجتاز منها و أمكنه أن يتبعه، فإن لم يجد المالك أتم تعريفها في أي بلد احتمل وجود صاحبها فيه، و ينبغي أن يكون أقرب البلدان إلى مكانها فالأقرب مع الإمكان.

(مسألة 1021) كيفية التعريف أن يقول المنادي مثلا (من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب) و ما شابه ذلك بلغة يفهمها الأغلب، و يجوز أن يقول (من ضاع له شي ء أو مال) بل ربما قيل إن ذلك أحوط و أولى، فإذا ادعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته و صفاته و علاماته من شكله و عدده و صنعته و زمان ضياعه و مكانه و أمور يبعد اطلاع غير المالك عليها، فإذا توافقت الصفات و الخصوصيات فقد تم التعريف و استحقه، و لا يضر جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطلع عليها المالك غالبا و لا يلتفت إليها إلا نادرا، ألا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان و يقرأ فيه مدة طويلة لا يعرف غالبا عدد أوراقه و صفحاته.

(مسألة 1022) إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف، بأن لم تكن لها علامة و خصوصيات تميزها عن غيرها لكي يصفها بها من يدعيها،

كما هو الحال غالبا في العملة الورقية و المعدنية، سقط التعريف، و حينئذ فالأحوط أن يعاملها معاملة مجهول المالك فيتصدق بها.

(مسألة 1023) إذا التقط شخصان لقطة واحدة، فإن كان المجموع دون درهم جاز لهما تملكها في الحال من دون تعريف و كان بينهما بالتساوي، و إن كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها و إن كانت حصة كل منهما أقل من درهم. و يجوز أن يتصدى للتعريف كلاهما أو أحدهما، أو يوزع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل، و يسقط بفعل كل منهما عن الآخر لأن وجوب التعريف واجب توصلي كتطهير الثوب، و لا لزوم فيه للمباشرة. فإن توافقا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 295

على أحد الأنحاء فهو، و إن تعاسرا يوزع الحول عليهما بالتساوي، و هكذا بالنسبة إلى أجرة التعريف إن كانت عليهما. فإذا تم التعريف جاز أن يتفقا على التملك أو التصدق أو الإبقاء أمانة، أو يختار أحدهما غير ما يختاره الآخر.

(مسألة 1024) إذا التقط الصبي أو المجنون ما دون درهم ملكاه إن قصدا أو قصد وليهما التملك كما مر نظيره في الحيازة. أما درهم فما زاد فالتعريف على وليهما، و بعد تمام الحول يختار من التملك لهما أو التصدق أو الإبقاء أمانة ما هو الأصلح لهما.

(مسألة 1025) اللقطة في مدة التعريف أمانة شرعية، لا يضمنها الملتقط إلا مع التعدي أو التفريط إن قام بوظيفته الشرعية في استمرار التعريف تمام الحول، و أما إذا ترك التعريف شهورا أو سنوات فهي مضمونة عليه و إن كان مخيرا بعد تكميل التعريف كما كان مخيرا في الأول. و لو اختار بعد تمام الحول التملك أو التصدق بها صارت في ضمانه بالنحو الذي يأتي، و إن

اختار إبقاءها عنده أمانة لمالكها لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط.

(مسألة 1026) إذا وجد المالك بعد أن عرف اللقطة و تملكها، فإن كانت العين باقية أخذها و ليس لأحدهما إلزام الآخر ببدلها من المثل أو القيمة، و إن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع و نحوه أخذ المالك بدلها من الملتقط، و إن وجد المالك بعد أن تصدق به فليس له أن يرجع عليه بالعين و إن كانت عينها موجودة عند المتصدق له، و إنما له أن يرجع على الملتقط ببدلها إن لم يرض بالتصدق، و إن رضي به كان أجر الصدقة له.

(مسألة 1027) لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم و إن جاز له دفعها إليه قبل التعريف، و يجب على الحاكم حفظها الى أن يتم التعريف، ثم يوكل الأمر إلى الملتقط في اختيار ما كان مخيرا فيه، و لا يجوز للحاكم التصدق بها إلا بإذن الملتقط.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 296

(مسألة 1028) نماء اللقطة المتصل يتبع العين فيأخذه المالك معها سواء حصل النماء قبل تمام التعريف أو بعده، قبل التملك أو بعده. و أما النماء المنفصل، فإن حصل بعد التملك كان للملتقط، فإذا كانت العين موجودة دفعها إلى المالك دون نمائها، و إن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملك، كان للمالك.

(مسألة 1029) إذا حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط و قبل التعريف، فعرفها حولا و لم يجد المالك، فالأحوط عدم تملك النماء تبعا للعين بل يعامله معاملة مجهول المالك فيتصدق به بعد اليأس عن المالك.

(مسألة 1030) ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها أو في المفاوز، و في كل أرض لا ربّ لها، فهو لواجده

من دون تعريف، و عليه خمسه إن كان يصدق عليه عرفا أنه كنز، و كذا ما كان مطروحا و علم أو ظن بشهادة بعض العلائم و الخصوصيات أنه ليس لأهل عصره.

و أما ما علم أنه لأهل عصره فهو لقطة، فيجب تعريفها إن كانت بمقدار الدرهم فما زاد.

(مسألة 1031) إذا علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده، لكن لم يمكن إيصالها و لا إلى وارثه، فالأقوى إجراء حكم مجهول المالك عليها و التصدق بها، و الأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1032) إذا مات الملتقط، فإن كان بعد التعريف و التملك تنتقل اللقطة إلى وارثه، و إن كان بعد التعريف و قبل التملك يتخير وارثه بين الأمور الأربعة أو الثلاثة، و إن كان قبل التعريف أو في أثنائه يتولاه وارثه أو يتمه، ثم يعامله بعد السنة معاملة مجهول المالك على الأحوط (وجوبا). و لو تعددت الورثة كان حكمهم حكم الملتقط المتعدد مع وحدة اللقطة، و قد مر حكمه.

(مسألة 1033) لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير، سواء كانت ملكا له أو مستأجرة أو مستعارة، بل أو مغصوبة، عرّفه الساكن،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 297

فإن ادعى ملكيته فهو له فليدفع إليه بلا بينة، و كذا لو قال لا أدري و كان لا يدخل الدار غيره. و إن سلبه عن نفسه فقد نسب إلى المشهور أنه ملك للواجد، و فيه إشكال، فالأحوط (وجوبا) إجراء حكم اللقطة عليه، و أحوط منه (استحبابا) إجراء حكم مجهول المالك، فيتصدق به بعد اليأس عن المالك.

(مسألة 1034) لو وجد شيئا في جوف حيوان انتقل إليه من غيره، فإن كان غير السمك كالغنم و البقر عرّفه صاحبه السابق، فإن ادعاه دفعه

إليه، و إن أنكره كان للواجد و كذا إن قال لا أدري على الأقوى. و إن وجد شيئا لؤلؤة أو غيرها في جوف سمكة اشتراها من غيره فهو له، و الظاهر أن الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق بحكم السمك، كما إذا اصطاد غزالا فوجد في جوفه شيئا، و إن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو المجهول المالك عليه.

(مسألة 1035) لو وجد في داره التي يسكنها شيئا و لم يعلم أنه ماله أو مال غيره، فإن لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق كالمعدة لأهله و عياله، فهو له، و إن كانت مما يتردد فيها الناس كالبرانية المعدة للأضياف و الواردين و العائدين و المضايف و نحوها فهو لقطة يجري عليه حكمها، و إن وجد في صندوقه شيئا و لم يعلم أنه ماله أو مال غيره فهو له إلا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرفه ذلك الغير، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير و إن ادعاه دفعه إليه، و إن قال لا أدري فالأحوط التصالح.

(مسألة 1036) لو أخذ من شخص مالا ثم علم أنه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي و عدوانا و لم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة، لما مر من أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك و لا ضياع في هذا الفرض. نعم في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثم تبين أنه مال

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 298

غيره و لم يعرفه يجب عليه أن يمسكه و لا يرده إلى السارق مع الإمكان ثم هو بحكم اللقطة فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها

إليه و إلا تصدق بها، و الأحوط (وجوبا) عدم التصدق بها قبل اليأس و لو عرفها حولا. فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له، و ليس له أن يتملكه بعد التعريف فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة.

(مسألة 1037) لو التقط شيئا، فبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر و قال إنه مالي يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى البينة، إلا إذا كان بحيث يصدق عرفا أنه في يده أو ادعاه قبل أن يلتقطه، فيحكم بكونه ملكا للمدعي، و لا يجوز له أن يلتقطه.

(مسألة 1038) لا يجب دفع اللقطة إلى من يدعيها إلا مع العلم أو البينة و إن وصفها بصفات و علامات لا يطلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد القطع بكونه المالك. نعم نسب إلى الأكثر أنه إن أفاد الظن جاز دفعها إليه، فإن تبرع بالدفع عليه لم يمنع و إن امتنع لم يجبر و لا دليل عليه، فالأقوى الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البينة.

(مسألة 1039) لو تبدل حذاؤه بحذاء آخر في مسجد أو غيره أو تبدلت ثيابه في حمام أو غيره بثياب أخر، فإن علم أن هذا الحذاء لمن أخذ حذاءه، جاز له أن يتصرف فيه، و إن علم أن صاحبه بدّله عمدا أو اشتباها جاز له أن يتملكه بعنوان المقاصّة عن ماله، نعم إذا كان الموجود أجود مما أخذ منه يقومان و يلاحظ التفاوت و يعطى لصاحبه، فإن يئس عنه تصدق به عنه. و في غير هذه الصورة كما إذا لم يعلم صاحبه أو علم أنه لثالث و

غيرها من الصور التي لا يعلم فيها أن صاحبه بدله عمدا فيعامل المتروك معاملة مجهول المالك فيفحص عن صاحبه و مع اليأس عنه يتصدق به.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 299

خاتمة

(مسألة 1040) إذا وجد صبيا ضائعا لا كافل له، و لا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه، و الدفع عما يضره و يهلكه، و يقال له (اللقيط) يجوز بل يستحب التقاطه و أخذه، بل يجب إذا كان في معرض التلف، سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة، أو خوفا من التهمة أو غيره، بل و إن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له، و بعد ما أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته. و حفظه و القيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، و هو أحق به من غيره إلى أن يبلغ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده و يتصدى إلى حضانته نعم لو وجد من له حق الحضانة شرعا بحق النسب كالأبوين و الأجداد و سائر الأقارب، أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد- إذا وجد أحد هؤلاء- فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط لوجود الكافل. و كما لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه، كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا أجبروا عليه.

(مسألة 1041) إذا كان للقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله، و مع تعذرهما فالأحوط الاستئذان من عدول المؤمنين، و إذا تعذر ذلك أيضا جاز له ذلك بنفسه، و لا ضمان عليه. و إن لم يكن له مال فإن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت

المال، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها، أو متبرع كان له الاستعانة بهم في إنفاقه، أو الإنفاق عليه من ماله، و ليس له حينئذ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه و يساره و إن نوى الرجوع عليه، و إن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعين عليه و كان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 300

(مسألة 1042) يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحرية، و كذا الإسلام إن كان اللقيط محكوما بالإسلام.

(مسألة 1043) لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام، و كذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولد اللقيط منه، و إن كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم، أو كان و لم يحتمل كونه منه، يحكم بكفره، و فيما كان محكوما بالإسلام لو أعرب من نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره، لكن لا يجري عليه حكم المرتد الفطري على الأقوى.

(مسألة 1044) اللقيط محكوم بالحرية ما لم يعلم خلافه، أو أقر على نفسه بالرق بعد بلوغه، حتى فيما لو التقط من دار الكفر و لم يكن فيها مسلم احتمل تولده منه، غاية الأمر أنه يجوز استرقاقه حينئذ، و هذا غير الحكم برقيته كما لا يخفى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 301

كتاب النكاح

اشارة

(مسألة 1045) النكاح من المستحبات الأكيدة، و قد ورد في الحثّ عليه و الذّم على تركه أخبار كثيرة، فعن مولانا الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما بني بناء في الإسلام أحب إلى اللّه عز و جل من التزويج. و عن مولانا الصادق عليه السّلام: ركعتان

يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها عزب.

و عنه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رذّال موتاكم العزاب. و في خبر آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكثر أهل النار العزاب.

و لا ينبغي أن يتركه لخوفه من الفقر و العيلة بعد ما وعد اللّه عز و جل بالإغناء و السعة بقوله عز من قائل (إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ) فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن باللّه عز و جل.

(مسألة 1046) ينبغي أن يهتم الإنسان بصفات الزوجة و الزوج، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين. و في خبر آخر:

تخيروا لنطفكم، فإن الأبناء تشبه الأخوال. و عن مولانا الصادق عليه السّلام لبعض أصحابه حين قال قد هممت أن أتزوج: أنظر أين تضع نفسك، و من تشركه في مالك و تطلعه على دينك و سرك، فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا تنسب إلى الخير و حسن الخلق. و عنه عليه السّلام: إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد، و ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن و لا لطالحتهن، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب و الفضة هي خير من الذهب و الفضة، و أما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها. و عن مولانا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 302

الرضا عليه السّلام، عن آبائه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته.

(مسألة 1047) ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة

مقصورا على الجمال و المال، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من تزوج المرأة لا يتزوجها إلا لجمالها، لم ير فيها ما يحب، و من تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله اللّه إليه، فعليكم بذات الدين.

بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة وردت في مدحها الأخبار، فاقدة لصفات ذميمة نطقت بذمها الآثار، و أجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله و تطيع أمره- إلى أن قال- ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورّع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله و لا تطيع أمره، و إذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا و لا تقيل له ذنبا.

و في خبر آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إياكم و خضراء الدّمن. قيل: يا رسول اللّه و ما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. أشار إلى كونها ممن تنال آباءها و أمهاتها و عشيرتها الألسن، و كانوا معروفين بعدم النجابة.

(مسألة 1048) يكره التزوج بالزانية و الزاني و المتولد من الزنا، و أن يتزوج الشخص قابلته أو ابنتها.

(مسألة 1049) لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجا سي ء الخلق، و لا المخنث و الفاسق و شارب الخمر و المتولد من الزنا.

(مسألة 1050) يستحب الإشهاد في العقد و الإعلان به و الخطبة أمامه، و أكملها ما اشتمل على التحميد

و الصلاة على النبي و الأئمة المعصومين عليهم السلام، و الشهادتين و الوصية بالتقوى و الدعاء للزوجين، و يجزي الحمد للّه و الصلاة على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 303

محمد و آله. و يستحب إيقاعه ليلا، و يكره إيقاعه و القمر في برج العقرب، و في محاق الشهر، و في أحد الأيام المنحوسة في كل شهر المعروفة ب (الكوامل)، و هي سبعة: الثالث و الخامس و الثالث عشر و السادس عشر و الحادي و العشرون و الرابع و العشرون و الخامس و العشرون.

(مسألة 1051) يستحب أن يكون الزفاف ليلا، و الوليمة في ليله أو نهاره، فإنها من سنن المرسلين. و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز. يعني: التزويج، أو ولادة الولد، أو الختان، أو شراء الدار، أو القدوم من مكة.

و إنما تستحب الوليمة يوما أو يومين لا أكثر للنبوي: الوليمة أول يوم حق، و الثاني معروف، و الثالث رياء و سمعة. و ينبغي أن يدعى لها المؤمنون، و يستحب لهم الإجابة و الأكل و إن كان المدعو صائما نفلا. و ينبغي أن يعم صاحب الدعوة الأغنياء و الفقراء و أن لا يخصها بالأغنياء، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: شر الولائم أن يدعى لها الأغنياء و يترك الفقراء.

(مسألة 1052) يستحب لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلي ركعتين ثم يدعو بعدهما بالمأثور، و أن يكونا على طهارة، و أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة و يقول: اللهم على كتابك تزوجتها و في أمانتك أخذتها و بكلماتك استحللت فرجها، فإن

قضيت في رحمها شيئا فاجعله ذكرا مسلما سويا و لا تجعله شرك شيطان.

(مسألة 1053) للخلوة بالمرأة مطلقا و لو في غير ليلة الزفاف آداب، و هي بين مستحب و مكروه:

أما المستحب، فمنها: أن يسمي عند الجماع، فإنه وقاية عن شرك الشيطان، فعن الصادق عليه السّلام: إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه، فإن لم يفعل و كان منه ولد كان شرك شيطان. و في معناه أخبار كثيرة. و منها: أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 304

ولدا تقيا مباركا زكيا ذكرا سويا. و منها: أن يكون على وضوء، سيما إذا كانت المرأة حاملا.

و أما المكروه: فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر، و يوم كسوف الشمس، و يوم هبوب الريح السوداء و الصفراء و الزلزلة، و عند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، و بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و في المحاق، و في أول ليلة من كل شهر ما عدا شهر رمضان، و في ليلة النصف من كل شهر، و ليلة الأربعاء، و في ليلتي الأضحى و الفطر، و يستحب ليلة الاثنين و الثلاثاء و الخميس و الجمعة، و يوم الخميس عند الزوال، و يوم الجمعة بعد العصر.

و يكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، و الجماع و هو عريان، و عقيب الاحتلام قبل الغسل. نعم لا بأس بأن يجامع مرات من غير تخلل الغسل بينها و يكون غسله أخيرا، لكن يستحب غسل الفرج و الوضوء عند كل مرة، و يكره أن يجامع و عنده من ينظر إليه حتى الصبي و الصبية، و الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها و في السفينة، و الكلام عند الجماع بغير ذكر

اللّه، و الجماع و هو مختضب أو هي مختضبة، و على الامتلاء من الطعام. فعن الصادق عليه السّلام: ثلاث يهدمن البدن و ربما قتلن: دخول الحمام على البطنة، و الغشيان على الامتلاء، و نكاح العجائز.

و يكره الجماع قائما، و تحت السماء، و تحت الشجرة المثمرة، و يكره أن تكون خرقة الرجل و المرأة واحدة، بل يكون له خرقة و لها خرقة، و لا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، ففي الخبر أن ذلك يعقب بينهما العداوة.

(مسألة 1054) يستحب التعجيل في تزويج البنت و تحصينها بالزوج عند بلوغها، فعن الصادق عليه السّلام: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته. و في الخبر:

إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس و نثرته الرياح، و كذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 305

و يستحب أن لا يرد الخاطب إذا كان يرضى خلقه و دينه و أمانته، و كان عفيفا صاحب يسار، و لا ينظر إلى شرافة الحسب و علو النسب، فعن علي عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه. قلت: يا رسول اللّه و إن كان دنيئا في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه، إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ.

(مسألة 1055) يستحب السعي في التزويج و الشفاعة فيه و إرضاء الطرفين، فعن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما. و عن الكاظم عليه السّلام قال: ثلاثة يستظلون

بظل عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله: رجل زوج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرا. و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما، زوجه اللّه ألف امرأة من الحور العين، كل امرأة في قصر من در و ياقوت، و كان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قام ليلها و صام نهارها، و من عمل في فرقة بين امرأة و زوجها كان عليه غضب اللّه و لعنته في الدنيا و الآخرة، و كان حقا على اللّه أن يرضخه بألف صخرة من نار، و من مشى في فساد ما بينهما و لم يفرق كان في سخط اللّه عز و جل و لعنته في الدنيا و الآخرة و حرم عليه النظر إلى وجهه.

(مسألة 1056) المشهور جواز وطي الزوجة و المملوكة دبرا على كراهية شديدة، و الأحوط تركه خصوصا مع عدم رضاها. و لا ينبغي ترك هذا الاحتياط، و لو كان موجبا للإضرار لم يجز.

(مسألة 1057) لا يجوز وطأ الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان النكاح أو منقطعا، و أما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة و التقبيل و الضم و التفخيذ فلا بأس به حتى في الرضيعة، و لو وطأها قبل التسع و لم يفضها فالأحوط ترك وطئها أبدا، و إن أفضاها بأن جعل مسلكي البول و الحيض أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 306

مسلكي الحيض و الغائط أو الجميع واحدا حرم عليه وطؤها أبدا، و لكن لم تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث و حرمة الخامسة و حرمة أختها معها

و غيرها. و يجب عليه نفقتها ما دامت حية و إن طلقها، بل و إن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. و يجب عليه دية الإفضاء، و هي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد و الدخول. و لو دخل بزوجته بعد إكمال التسع، فأفضاها لم تحرم عليه و لم تثبت الدية، و لكن الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حية و إن طلقها و تزوجت بغيره.

(مسألة 1058) لا يجوز ترك وطي الزوجة الشابة أكثر من أربعة أشهر إلا بإذنها حتى المنقطعة على الأقوى، أما الشائبة فعلى الأحوط. و يختص الحكم بصورة عدم العذر، و أما معه فيجوز الترك مطلقا ما دام العذر، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها، و من العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو.

و الأظهر أن ذلك الحكم مختص بالحاضر فلا بأس على المسافر و إن طال سفره بشرط كون السفر ضروريا و لو عرفا كسفر التجارة و الزيارة و تحصيل العلم، و نحو ذلك، دون ما كان لمجرد الميل و الأنس و التفرج و نحو ذلك.

(مسألة 1059) لا إشكال في جواز العزل، و هو إخراج الآلة عند الإنزال و إفراغ المني في الخارج، في غير الزوجة الدائمة الحرة و في الدائمة الحرة مع إذنها، و أما بدون إذنها ففيه قولان، أشهرهما الجواز مع الكراهة، و هو الأقوى، بل يمكن القول بعدم الكراهة في العقيم و العجوزة و السليطة و البذية و التي لا ترضع ولدها، هذا في الزوج و أما الزوجة فالظاهر أنه يحرم عليها منع الزوج من الإنزال في فرجها مع عدم رضاه، و إذا منعته يمكن القول بوجوب دية النطفة عليها

و هي عشرة دنانير.

(مسألة 1060) يجوز لكل من الزوج و الزوجة النظر إلى جسد الآخر

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 307

ظاهره و باطنه حتى العورة، و كذا مس كل منهما بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ و بدونه.

(مسألة 1061) لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله، شيخا كان المنظور إليه أو شابا حسن الصورة أو قبيحها، ما لم يكن بتلذذ و ريبة، و العورة هي القبل و الدبر و البيضتان كما سبق في أحكام التخلي من كتاب الطهارة، و كذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها، و أما عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل.

(مسألة 1062) يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذذ و ريبة، و المراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن مؤبدا من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة، و كذا يجوز لهن النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذذ أو ريبة.

(مسألة 1063) لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه و الكفين من المرأة الأجنبية من شعرها و سائر جسدها، سواء كان فيه تلذذ و ريبة أم لا، و كذا الوجه و الكفان إذا كان بتلذذ و ريبة، و أما بدونهما فالأحوط عدم النظر حتى نظرة واحدة.

(مسألة 1064) لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي، و استثناء الوجه و الكفين هنا أسهل كما يأتي.

(مسألة 1065) كل من يحرم النظر إليه يحرم مسه، فلا يجوز مس الأجنبي الأجنبية و بالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه و الكفين من الأجنبية لم نقل بجواز مسهما منها، فلا يجوز

للرجل مصافحتها. نعم لا بأس بها من وراء الثوب و الأحوط أن تكون بدون غمز اليد.

(مسألة 1066) لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية.

نعم الظاهر أنه لا بأس بالنظر إلى السن و الظفر و الشعر المنفصلات.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 308

(مسألة 1067) يستثني من حرمة النظر و اللمس في الأجنبي و الأجنبية مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل أو بالمحرم، مثل الفصد و الحجامة و جبر الكسر و نحو ذلك، و كذا الفحص كمعرفة النبض مع انحصار المعالجة به و عدم إمكانها من وراء الثوب. و كذا في مقام الضرورة كما إذا توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر و اللمس، و إذا اقتضت الضرورة أو توقف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على ما اضطر إليه، فلا يجوز الآخر.

(مسألة 1068) كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها التستر من الأجانب، و لا يجب على الرجال التستر و إن كان يحرم على النساء النظر إليهم. و إذا علم الرجل بأن النساء يتعمدن النظر إليه بريبة، فإن كان عدم تستره بقصد الإعانة على الإثم فلا يجوز، و إن لم يكن قصده ذلك فما جرت العادة على عدم ستره من زمان المعصومين عليهم السلام مثل الوجه لا يجب ستره، و إن كان أحوط.

(مسألة 1069) لا إشكال في أن غير المميز من الصبي و الصبية خارج عن أحكام النظر و اللمس و التستر.

(مسألة 1070) يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبية ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذذ و شهوة. نعم الأحوط الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة مثل الوجه و الكفين و شعر الرأس

و الذراعين و القدمين، لا مثل الفخذ و الأليين و الظهر و الصدر و الثديين، و كذا الأحوط عدم تقبيلها و عدم وضعها في حجره إذا بلغت ست سنين.

(مسألة 1071) يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميز ما لم يبلغ، و لا يجب عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغا يترتب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة.

(مسألة 1072) يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة، بل مطلق الكفار مع عدم التلذذ و الريبة، أي خوف الوقوع في الحرام، و الأحوط الاقتصار على ما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 309

كانت عادتهن على عدم ستره في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السلام، و أما ما استحدث في زماننا من عدم ستر المحاسن بل و القبائح نعوذ باللّه فالأحوط ترك النظر، بل الأقوى في بعضها. و قد تلحق بهن نساء أهل البوادي و القرى من الأعراب و غيرهن اللاتي جرت عادتهن على عدم التستر و إذا نهين لا ينتهين، و هو مشكل. نعم الظاهر أنه يجوز التردد في القرى و الأسواق و مواقع تردد تلك النسوة و مجامعهن و محال معاملاتهن مع العلم عادة بوقوع النظر عليهن، و لا يجب غض البصر في تلك المحال إذا لم يكن خوف افتتان.

(مسألة 1073) يجوز لمن يريد الزواج من امرأة أن ينظر إليها في الجملة بدون قصد التلذذ و الريبة حتى لو علم أنه يحصل له ذلك، و الأحوط الاقتصار في النظر على وجهها و كفيها بشرط أن لا يكون عارفا بحالها. كما أن الأحوط إن لم يكن أقوى الاقتصار على ما إذا كان قاصدا التزوج بالمنظورة بالخصوص، أو محتملا ذلك فلا يشمل الحكم

ما إذا كان ناويا مطلق الزواج و كان يريد النظر لتعيين الزوجة. و يجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الأولى.

(مسألة 1074) الأقوى جواز سماع صوت الأجنبية بدون تلذذ و ريبة، و كذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة، و إن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة، خصوصا في الشابة. نعم يحرم عليها مكالمة الرجال بكيفية مهيجة بترقيق القول و تليين الكلام و تحسين الصوت، فيطمع الذي في قلبه مرض.

عقد النكاح و أحكامه

(مسألة 1075) النكاح على قسمين: دائم و منقطع، و كل منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب و قبول لفظيين دالين على إنشاء المعنى المقصود و الرضا به، دلالة معتبرة عند أهل المحاورة، فلا يكفي مجرد الرضا القلبي من

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 310

الطرفين و لا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات و لا الكتابة، و كذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس، و الأحوط (وجوبا) كونه فيهما باللفظ العربي للمتمكن منه، فلا يجزي غيره من سائر اللغات و الظاهر كفاية غيره لغير المتمكن منه، و لو مع التمكن من التوكيل، لكن بعبارة مفادها مفاد اللفظ العربي بحيث تعد ترجمة له.

(مسألة 1076) الأقوى أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة و القبول من طرف الزوج، و الأحوط تقديم الأول على الثاني، و إن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ قبلت.

(مسألة 1077) الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي أنكحت أو زوجت، و لا يبعد وقوعه بلفظ متعت إذا ذكر معه ما يدل على الدوام. و لا يصح بألفاظ بعت أو وهبت أو ملّكت أو آجرت.

و أن يكون القبول بلفظ قبلت أو رضيت، و يجوز الاقتصار

في القبول بذكر قبلت أو رضيت فقط بعد الإيجاب من دون ذكر المتعلقات التي ذكرت فيه، فلو قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلاني، فقال الزوج قبلت من دون أن يقول قبلت النّكاح لنفسي على المهر الفلاني، صح.

(مسألة 1078) يتعدي الإنكاح و التزويج إلى مفعولين و تكون الزوجة مفعولا أولا و الزوج مفعولا ثانيا أو بالعكس، و يتعديان إلى المفعول الثاني بنفسهما أو بواسطة من مثل (زوّجت أو أنكحت هندا زيدا أو من زيد) و يختص الإنكاح بالتعدي باللام و التزويج بالباء، مثل (أنكحت هندا لزيد و زوّجت هندا بزيد) و ربما استعملا على وجوه أخرى أيضا.

(مسألة 1079) قد يقع عقد النكاح بين الزوج و الزوجة بمباشرتهما، فبعد التقاول و التفاهم و تعيين المهر تقول الزوجة مخاطبة للزوج: أنكحتك نفسي

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 311

أو أنكحت نفسي منك أو لك على المهر المعلوم، فيقول الزوج بغير فصل معتد به:

قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم أو هكذا أو تقول: زوجتك نفسي أو زوجت نفسي منك أو بك على المهر المعلوم، فيقول: قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم، أو هكذا.

و قد يقع بين وكيليهما بأن يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج:

أنكحت موكلتي فلانة موكلك فلانا أو من موكلك أو لموكلك فلان على المهر المعلوم، و يجوز العكس، فيقول: أنكحت موكلك موكلتي بتقديم الزوج، و كذا في سائر الصيغ. فيقول وكيل الزوج: قبلت النكاح لموكلي على المهر المعلوم، أو هكذا، أو يقول وكيلها: زوجت موكلتي موكلك أو من موكلك أو بموكلك فلان على المهر المعلوم، فيقول وكيله: قبلت التزويج لموكلي على المهر المعلوم، أو هكذا.

و قد يقع بين ولييهما كالأب و

الجد، فيقول ولي الزوجة: أنكحت ابنتي أو ابنة ابني فلانة مثلا ابنك أو ابن ابنك فلانا أو من ابنك، أو ابن ابنك، أو لابنك، أو لابن ابنك، على المهر المعلوم، أو يقول: زوجت بنتي ابنك مثلا، أو من ابنك أو بابنك، فيقول ولي الزوج: قبلت النكاح أو التزويج لابني، أو لابن ابني على المهر المعلوم.

و قد يكون بالاختلاف، بأن يقع بين الزوجة و وكيل الزوج و بالعكس أو بينها و بين ولي الزوج و بالعكس أو بين وكيل الزوجة و ولي الزوج و بالعكس، و تعرف كيفية إيقاع العقد في هذه الصور الست مما ذكرناه في الصور الثلاث.

(مسألة 1080) لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب، بل يصح الإيجاب بلفظ و القبول بلفظ آخر، فلو قال: زوجتك فقال: قبلت النكاح أو قال: أنكحتك فقال: قبلت التزويج صح، و إن كان الأحوط المطابقة.

(مسألة 1081) إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيرا للمعنى بحيث يعد اللفظ عبارة لمعنى آخر غير ما هو المقصود، لم يكف و إن كان عاميا مستعملا مثل جوزت بدل زوجت و إن لم يكن مغيرا بل كان بحيث يفهم منه المعنى

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 312

المقصود و يعد لفظا لهذا المعنى إلا أنه يقال له لفظ ملحون و عبارة ملحونة من حيث المادة أو الإعراب و الحركات، فالاكتفاء به لا يخلو من قوة. و إن كان الأحوط خلافه.

(مسألة 1082) يعتبر في العقد أن يكون العاقد عند إنشائه قاصدا مضمونه، و يتوقف ذلك على فهم معنى لفظي أنكحت و زوجت و هو العلاقة الخاصة المرتكزة في الأذهان التي يطلق عليها الزواج و النكاح في لغة العرب و تقابلها عبارات أخرى في

غيرها. و الأحوط عدم الاكتفاء بعقد من لا يكون عارفا بمعنى الجملة تفصيلا.

(مسألة 1083) يعتبر في العقد قصد الإنشاء، بأن يقصد الموجب بقوله:

أنكحت أو زوجت إيقاع النكاح و الزواج و إحداث و إيجاد ما لم يكن، لا الإخبار و الحكاية عن وقوع شي ء في الخارج، و أن يقصد القابل بقوله: قبلت إنشاء قبول ما أوقعه الموجب.

(مسألة 1084) يعتبر الموالاة العرفية بين الإيجاب و القبول، و أن لا يكون بينهما فصل معتدّ به.

(مسألة 1085) يشترط في صحة العقد التنجيز، فلو علقه على شرط أو مجي ء زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق الحصول كما إذا قال في يوم الجمعة: أنكحت إذا كان اليوم يوم الجمعة، لم تبعد الصحة بشرط أن يكون عالما بأن اليوم يوم الجمعة، أما إذا كان جاهلا فيبطل. و كذا لا تبعد الصحة إذا علقه على أمر كانت صحة العقد متوقفة عليه، كما إذا قالت: إذا صح نكاحي معك و لم أكن أختك فقد أنكحتك نفسي.

(مسألة 1086) يشترط في العاقد المجري للصيغة البلوغ و العقل، فلا اعتبار بعقد الصبي غير المميز و المجنون و لو أدواريا حال جنونه، سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما، و لا يترك الاحتياط بأن لا يعقد المميز و لو كان قاصدا

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 313

للمعنى سواء كان العقد لنفسه بإذن وليه و إجازته و سواء أجاز هو بعد البلوغ، أو كان العقد لغيره وكالة أو فضولا مع الإجازة.

و إذا عقد فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد إذا أراد الزوجية و بالطلاق إذا أرادا الفراق.

و كذا يعتبر في العاقد القصد، فلا اعتبار بعقد الساهي و الغالط و السكران و أشباههم. نعم ورد في السكران النص بالصحة إذا

أجاز بعد الإفاقة، و لا بأس بالعمل به إذا لم يكن السكر بحيث لا التفات معه إلى ما يقول، و أما معه فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد مع إرادة البقاء و الطلاق مع إرادة التفريق.

(مسألة 1087) يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك، فلو قال زوجتك إحدى بناتي، أو قال زوجت بنتي فلانة من أحد بنيك، أو من أحد هذين، بطل. نعم يشكل فيما لو كانا معينين بحسب قصد المتعاقدين و متميزين في ذهنهما لكن لم يعيناهما عند إجراء الصيغة و لم يكن ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة، كما إذا تقاولا و تعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الأكبر و لكن في مقام إجراء الصيغة قال: زوجت إحدى بناتي من أحد أبنائك، و قبل الآخر فلا يترك الاحتياط (وجوبا) و أما إذا قال: زوجت بنتي من ابنك مع القرينة المفهمة أنه أراد الكبرى و الأكبر فلا تبعد الصحة.

(مسألة 1088) لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة، يتبع العقد المقصود، و يلغى ما وقع غلطا و خطأ، فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى و تخيل أن اسمها فاطمة، و كانت المسماة بفاطمة هي الصغرى و كانت الكبرى مسماة بخديجة، و قال: زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة، و يلغى تسميتها بفاطمة، و إن كان المقصود تزويج فاطمة و تخيل أنها كبرى فتبين أنها صغرى وقع العقد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 314

على المسماة بفاطمة، و ألغي وصفها بأنها الكبرى. و كذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة

و تخيل أنها كبرى و اسمها فاطمة فقال: زوجتك هذه و هي فاطمة و هي الكبرى من بناتي، فتبين أنها الصغرى و اسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها، و يلغى الاسم و الوصف. و لو كان المقصود العقد على الكبرى فتخيل أن هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى فقصد تزويج الكبرى و قال:

زوجتك هذه و هي الكبرى وقع العقد على تلك الكبرى و تلغى الإشارة، أما إذا قصد عقد هذه متخيلا أنها كبرى فالعقد يقع عليها دون الكبرى، و يصح مع إجازتها إن لم يكن مأذونا منها قبل ذلك.

(مسألة 1089) يصح التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين، و ذلك بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين أو بتوكيل وليهما إذا كانا قاصرين، و يجب على الوكيل أن لا يتعدى عما عينه الموكل من حيث الشخص و المهر و سائر الخصوصيات، فإن تعدى كان فضوليا موقوفا على الإجازة. و كذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكل، فإن تعدى و أتى بما هو خلافها كان فضوليا. نعم إذا عين الموكل خصوصية تعينت و نفذ عمل الوكيل على طبقها و إن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكل.

(مسألة 1090) إذا وكلت المرأة رجلا في تزويجها، فليس له أن يزوجها من نفسه إلا إذا صرحت بالتعميم أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهرا في العموم بحيث يشمل نفسه أيضا.

(مسألة 1091) الأقوى جواز تولي شخص واحد طرفي العقد، بأن يكون موجبا و قابلا من الطرفين، أصالة من طرف و وكالة من آخر، أو ولاية من الطرفين أو وكالة عنهما أو بالاختلاف، و إن كان الأحوط (استحبابا) مع الإمكان تولي الاثنين و عدم تولي شخص واحد للطرفين، خصوصا في

تولي الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه و وكالة عن الزوجة في العقد المنقطع، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط (استحبابا).

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 315

(مسألة 1092) إذا وكلا وكيلا في العقد في زمان معين لا يجوز لهما المقاربة من ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه و لا يكفي الظن. نعم لو أخبر الوكيل بالإيقاع كفى، لأن قوله حجة فيما وكل فيه.

(مسألة 1093) لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح دواما أو انقطاعا، لا للزوج و لا للزوجة، فلو شرطاه بطل الشرط، بل المشهور بطلان العقد أيضا، و هو الأقوى.

(مسألة 1094) إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته، أو ادعت امرأة زوجية رجل فصدقها، حكم لهما بذلك، و ليس لأحد الاعتراض عليهما، من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين. و أما إذا ادعى أحدهما الزوجية و أنكر الآخر، فالبينة على المدعي و اليمين على المنكر جازما، فإن كان للمدعي بينة حكم له، و إلا فيتوجه اليمين على المنكر، فإن حلف سقطت دعوى المدعي، و إن نكل عن اليمين ثبتت دعواه، و إن رد اليمين على المدعي و حلف ثبتت دعواه، و إن نكل سقطت. أما إذا لم يكن منكرا جزما، و كان يظهر الشك، فالظاهر عدم السماع إلا بالبينة لعدم جواز الحلف مع الشك و لا الرد، من غير فرق بين كون المنكر زوجا أو زوجة. هذا بحسب موازين القضاء و قواعد الدعوى، و أما بحسب الواقع فيجب على كل منهما العمل على ما هو تكليفه بينه و بين اللّه تعالى.

(مسألة 1095) إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار يسمع منه و يحكم بالزوجية بينهما. أما إذا كان ذلك بعد الحلف فقد

احتمل بعضهم أن الحلف فسخ.

(مسألة 1096) إذا ادعى رجل زوجية امرأة و أنكرت فالأقوى أن لها أن تتزوج غيره و للغير أن يتزوجها قبل فصل الدعوى، خصوصا إذا تراخى المدعي في الدعوى أو سكت عنها حتى طال الأمر عليها، و حينئذ إن أقام

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 316

المدعي بعد العقد عليها بينة، حكم له بها و بفساد العقد عليها. و إن لم يكن له بينة فالظاهر عدم سماع الدعوى فيها و في نظائرها بلا بينة.

(مسألة 1097) يجوز التزوج بامرأة تدعي أنها خلية من الزوج مع احتمال صدقها من غير فحص. إلا في المتهمة فالأحوط وجوبا الفحص عن حالها. و عدم الاعتماد على قولها. أما إذا ادعت أنها كانت ذات بعل ثم مات بعلها أو طلقها، فالأحوط (وجوبا) عدم الاعتماد على قولها.

(مسألة 1098) إذا تزوج امرأة تدعي أنها خلية عن الزوج، فادعى رجل آخر زوجيتها، فهذه الدعوى متوجهة على كل من الزوج و الزوجة، فإن أقام المدعي بينة شرعية، حكم له عليهما و فرّق بينهما و سلّمت إليه، و مع عدم البينة يتوجه اليمين عليهما، فإن حلفا معا على عدم زوجيته سقطت دعواه عليهما، و إن نكلا عن اليمين أو رداها عليه و حلف، ثبت مدعاه. و إن حلف أحدهما دون الآخر بأن نكل عن اليمين أو رد اليمين على المدعي فحلف سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف، و أما بالنسبة إلى الآخر و إن ثبتت دعوى المدعي بالنسبة إليه لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف، فإن كان الحالف هو الزوج و الناكل هي الزوجة ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج، إلا أنه لو طلقها أو مات عنها ردت إلى المدعي. و

إن كان الحالف هي الزوجة و الناكل هو الزوج، سقطت دعوى المدعي بالنسبة إليها، و ليس له سبيل إليها على كل حال.

(مسألة 1099) إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ثم ادعت بعد ذلك أنها كانت ذات بعل، لم تسمع دعواها. نعم لو ادعت ذلك قبل الدخول، فالأحوط للزوج التفحص و إن كان الأقوى عدم لزومه. نعم لو أقامت البينة على ذلك فرق بينهما، و لا يلزم أن تعين البينة الزوج، بل يلزم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 317

أن تشهد بأنها ذات بعل غير هذا الرجل، أو أنها كانت ذات بعل حين وقع عليها عقد هذا الرجل.

(مسألة 1100) يشترط في صحة العقد الاختيار، أعني اختيار الزوجين، فلو أكرها أو أكره أحدهما على الزواج لم يصح. نعم لو رضي بعد ذلك و أمضى العقد صح على الأقوى.

أولياء العقد

(مسألة 1101) للأب و الجد من طرف الأب، أي أب الأب فصاعدا، ولاية على الصغير و الصغيرة و المجنون المتصل جنونه بالبلوغ، و أما المنفصل عنه فالأقوى فيه ولاية الحاكم، و الأحوط (استحبابا) الاستئذان من أحدهما أيضا. و لا ولاية للأم عليهم و لا للجد من طرف الأم و لو من قبل أم الأب، بأن كان أبا لأم الأب مثلا، و لا للأخ و العم و الخال و أولادهم.

(مسألة 1102) ليس للأب و الجد للأب ولاية على البالغ الرشيد و لا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة، و أما إذا كانت بكرا فالأقوى استقلالها و عدم الولاية لهما عليها مستقلا و لا منضما، و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط (استحبابا) بالاستئذان منهما. نعم لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من التزوج بمن هو كفؤ لها

شرعا و عرفا مع ميلها، و كذا إذا كانا غائبين بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزوج.

(مسألة 1103) ولاية الجد ليست منوطة بحياة الأب و لا موته، فعند وجودهما يستقل كل منهما بالولاية، و إذا مات أحدهما اختصت بالآخر، و أيهما سبق في تزويج المولى عليه عند وجودهما لم يبق محل للآخر. و لو زوج كل منهما من شخص، فإن علم السابق منهما فهو المقدم و لغى الآخر، و إن علم التقارن قدّم عقد الجد و لغى عقد الأب. أما إذا جهل تاريخ العقدين

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 318

و لم يعلم السبق و اللحوق و التقارن فيجب الاحتياط عليها بترك التمكين لهما و ترك الزواج بغيرهما قبل طلاقهما، و بأحدهما إلا بعد طلاق الآخر. و كذا يجب على الرجال الآخرين الاحتياط قبل طلاقهما، و كذا على أحدهما بترك الزواج منها إلا بعد طلاق الآخر للعلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما من دون وجود معين لأحدهما، و استصحاب عدم الزوجية لكل منهما. و إن علم تاريخ أحدهما دون الآخر قدم معلوم التاريخ.

(مسألة 1104) يشترط في صحة تزويج الأب و الجد و نفوذه عدم المفسدة و إلا كان العقد فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على إجازة الصغير بعد البلوغ، بل الأحوط (استحبابا) مراعاة المصلحة.

(مسألة 1105) إذا وقع العقد من الأب أو الجد على الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما، بل هو لازم عليهما.

(مسألة 1106) لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل، أو زوج الصغير بأكثر منه، فإن كانت توجد مصلحة تقتضي ذلك صح العقد و المهر و لزم، و إن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر، فالأقوى

صحة العقد و لزومه و بطلان المهر، بمعنى عدم نفوذه و توقفه على الإجازة بعد البلوغ، فإن أجاز استقر و إلا رجع إلى مهر المثل.

(مسألة 1107) لا يصح زواج السفيه المبذر إلا بإذن أبيه أو جده أو الحاكم مع فقدهما، و كذا غير المبذر على الأحوط إذا كان سفيها في أمر الزواج و تعيين المهر و المرأة إلى الولي. إذا بلغ سفيها، و أما إذا عرض عليه السفه بعد البلوغ فأمره بيد الحاكم الشرعي و إن كان الأحوط (استحبابا) الاستيذان منهما. و لو تزوج بدون إذن من له الإذن وقف على الإجازة، فإن رأى الولي مصلحة و أجاز جاز، و لا يحتاج إلى إعادة الصيغة.

(مسألة 1108) إذا زوج الولي المولى عليه بمن له عيب لم يصح العقد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 319

و يكون فضوليا، سواء كان من العيوب الموجبة للخيار أو غيرها، كما إذا كان منهمكا في المعاصي أو شارب الخمر أو بذي ء اللسان و سي ء الخلق و أمثال ذلك، من غير فرق بين علم الولي بالعيب أو جهله ما دامت انكشفت المفسدة في ذلك العقد، أما احتمال كفاية مراعاته المصلحة بحسب نظره حتى لو انكشف خلافه فهو بعيد لا يعبأ به. نعم إذا كانت في العقد مصلحة ملزمة صح العقد، و لم يكن للمولى عليه خيار الفسخ إلا في العيوب المجوزة للفسخ فالظاهر ثبوت الخيار له بعد بلوغه.

(مسألة 1109) ينبغي بل يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدها، و إن لم يكونا فأخاها، و إن تعدد الأخ قدمت الأكبر.

(مسألة 1110) لا ولاية للوصي، أي القيم من قبل الأب أو الجد على الصغير و الصغيرة، و إن نص له الموصي على

النكاح على الأحوط.

(مسألة 1111) الأحوط لغير الأب و الجد من الأولياء عدم تزويج الصغير أو الصغيرة إلا مع الضرورة اللازمة المراعاة بحيث يترتب على تركه مفسدة يلزم التحرز عنها. و الأحوط للحاكم فيمن تجدد فساد عقله الاستئذان من الأب و الجد أو من وصيهما إن كانوا.

(مسألة 1112) يشترط في ولاية الأولياء البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام إذا كان المولى عليه مسلما، فلا ولاية للصغير و الصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة، بل الولاية حينئذ لوليهما، و كذا لا ولاية للأب و الجد إذا جنّا، و إن جن أحدهما تختص الولاية بالآخر، و كذا لا ولاية للمملوك على ولده حرا كان أو عبدا، و كذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم، فتكون للجد إذا كان مسلما، و الظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر إن لم يكن له جد مسلم و إلا فالولاية له، و إن كانت أمه مسلمة فالولاية للحاكم الشرعي إن لم يكن له ولي مسلم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 320

(مسألة 1113) العقد الصادر من غير الوكيل و الولي (المسمى بالفضولي) يصح مع الإجازة، سواء كان فضوليا من الطرفين أو من أحدهما، و سواء كان المعقود عليه صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا، و سواء كان العاقد قريبا للمعقود عليه كالأخ و العم و الخال أو أجنبيا. و منه العقد الصادر من العبد أو الأمة لنفسهما بدون إذن المولى، و الصادر من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه، بأن أوقع الولي على خلاف المصلحة، أو الوكيل على خلاف ما عينه الموكل.

(مسألة 1114) إذا كان المعقود له ممن يصح منه العقد لنفسه، بأن كان بالغا عاقلا حرا، فإنما يصح

العقد الصادر من الفضولي بإجازته. و إن كان ممن لا يصح منه العقد و كان مولّى عليه بأن كان صغيرا أو مجنونا أو مملوكا، فإنما يصح إما بإجازة وليه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله، فلو أوقع الأجنبي عقدا على الصغير أو الصغيرة توقفت صحة عقده على إجازتهما له بعد بلوغهما و رشدهما إن لم يجز أبوهما أو جدهما في حال صغرهما، فأي من الإجازتين حصلت كفت. نعم يعتبر في صحة إجازة الولي ما يعتبر في صحة عقده، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته و انحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه و رشده.

(مسألة 1115) لا يشترط في الإجازة الفور، فلو تأخرت عن العقد زمنا طويلا صحت، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه أو لأجل التروي أو للاستشارة أو غير ذلك.

(مسألة 1116) لا أثر للإجازة بعد الرد، و كذا لا أثر للرد بعد الإجازة، فالعقد يلزم بها و ينفسخ بالرد، سواء كان السابق من الرد أو الإجازة واقعا من المعقود له أو وليه، فلو أجاز أو رد ولي الصغير العقد الواقع عليه فضولا ليس له بعد البلوغ الرد في الأول و لا الإجازة في الثاني.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 321

(مسألة 1117) إذا كان أحد الزوجين كارها حال العقد لكن لم يصدر منه رد له، فالظاهر أنه يصح لو أجاز بعد ذلك. بل لو استؤذن فنهى و لم يأذن و مع ذلك أوقع الفضولي العقد فالأقوى أيضا صحته بالإجازة (مسألة 1118) يكفي في الإجازة المصححة لعقد الفضولي كل ما دل على إنشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدال عليه.

(مسألة 1119) لا يكفي الرضا القلبي في صحة العقد

و خروجه عن الفضولية، فلو كان حاضرا حال العقد راضيا به إلا أنه لم يصدر منه قول أو فعل يدل على رضاه، فالظاهر أنه من الفضولي، فله أن لا يجيز و يرده. نعم في خصوص البكر إذا ظهر من حالها الرضا و إنما سكتت و لم تنطق بالإذن لحيائها، كفى ذلك و كان سكوتها إذنها.

(مسألة 1120) لا يعتبر في وقوع العقد فضوليا قصد الفضولية و لا الالتفات إليها، بل المدار في الفضولية على كون العقد صادرا من غير مالك العقد و إن تخيل خلافه، و في غير الفضولية على كونه صادرا ممن يملك العقد و إن تخيل خلافه. فلو تخيل كونه وليا أو وكيلا و أوقع العقد فتبين خلافه كان من الفضولي و صح بالإجازة، كما أنه لو اعتقد أنه ليس بوكيل و لا ولي فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبين خلافه، صح العقد و لزم بلا توقف على الإجازة، إذا وافق ما شرط عليه الموكل أو راعى مصلحة المولّى عليه.

(مسألة 1121) إذا زوج الصغيرين أحد فضولا، فإن أجاز وليهما قبل بلوغهما أو أجازا بعد بلوغهما أو أجاز ولي أحدهما قبل بلوغه و أجاز الآخر بعد بلوغه، ثبتت الزوجية و ترتبت جميع أحكامها، و إن رد وليهما قبل بلوغهما، أو رد ولي أحدهما قبل بلوغه، أو ردّا بعد بلوغهما أو رد أحدهما بعد بلوغه، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة، بطل العقد من أصله، و لم يترتب عليه أثر أصلا من توارث و غيره من سائر الآثار. نعم لو بلغ

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 322

أحدهما و أجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر و إجازته، يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير

الزوجية، فإن بلغ و أجاز يدفع إليه، لكن بعد ما يحلف على أنه لم تكن إجازته للطمع في الإرث و إنما هي للرضا بالتزويج، و إن لم يجز أو أجاز و لم يحلف على ذلك لم يدفع إليه بل يرد إلى الورثة.

و الظاهر أن الحاجة إلى الحلف إنما هي إذا كان متهما بأن إجازته لأجل الإرث، و أما مع عدمه كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر، أو كان المتوفى الزوجة و كان المهر الذي عليه أكثر من إرثه منها، فيدفع إليه بدون الحلف.

(مسألة 1122) كما يترتب الإرث على تقدير الإجازة و الحلف، تترتب الآثار الأخر المترتبة على الزوجية أيضا من المهر و حرمة الأم و حرمتها على أب الزوج و ابنه إن كانت الزوجة هي الباقية، و غير ذلك، بل يمكن أن يقال بترتب تلك الآثار بمجرد الإجازة من غير حاجة إلى الحلف و إن كان متهما، فيفكك بين الإرث و سائر الآثار على إشكال، خصوصا بالنسبة إلى استحقاق المهر إذا كانت الباقية هي الزوجة.

(مسألة 1123) الظاهر جريان هذا الحكم في كل مورد مات من لزم العقد من طرفه و بقي من يتوقف زوجيته على إجازته، كما إذا زوج أحد الصغيرين الولي و زوج الآخر الفضولي فمات الأول قبل بلوغ الثاني و إجازته. كما أنه هو المتجه إذا كانا كبيرين فأجاز أحدهما و مات قبل موت الثاني و إجازته.

(مسألة 1124) إذا كان العقد فضوليا من أحد الطرفين فالأقوى أنه لا يثبت في حق الطرف الأصيل تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر ورده، فلو كان زوجا لم يحرم عليه نكاح أم المرأة و بنتها و أختها و الخامسة إن كانت هي الرابعة. و إن كانت الحرمة

أحوط (استحبابا).

(مسألة 1125) إذا رد المعقود أو المعقودة العقد الواقع فضولا صار العقد كأنه لم يقع، سواء كان العقد فضوليا من الطرفين و رداه معا أو رده أحدهما،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 323

بل و لو أجاز أحدهما ورد الآخر، أو من طرف واحد ورد ذلك الطرف، فتحل المعقودة على أب المعقود له و ابنه، و تحل بنتها و أمها على المعقود له.

(مسألة 1126) إذا زوج الفضولي امرأة برجل من دون اطلاعها و تزوجت هي برجل آخر صح و لزم الثاني، و لم يبق محل لإجازة الأول.

و كذا لو زوج الفضولي رجلا امرأة من دون اطلاعه و تزوج هو بأمها أو بنتها، ثم علم.

(مسألة 1127) لو زوج فضوليان امرأة، كل منهما برجل، كانت بالخيار في إجازة أيهما شاءت، و إن شاءت ردتهما، سواء تقارن العقدان أو تقدم أحدهما على الآخر. و كذلك الحال إذا زوج أحد الفضولين رجلا بامرأة و الآخر بأمها أو بنتها أو أختها، فإن للرجل إجازة أيهما شاء.

(مسألة 1128) لو وكلت رجلين في تزويجها فزوجها كل منهما برجل، فإن سبق أحدهما صح السابق و لغى الآخر، و إن تقارنا بطلا معا، و إن لم يعلم الحال فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، و إن جهل تاريخهما فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا في حق كل من الزوجة و الرجلين، و إن علم عدم التقارن فيعلم إجمالا بصحة أحد العقدين و تكون المرأة زوجة لأحد الرجلين و أجنبية عن الآخر، فليس لها أن تتزوج بغيرهما و لا للغير أن يتزوج بها، لكونها ذات بعل قطعا. و أما حالها بالنسبة إلى الرجلين و حالهما بالنسبة إليها فالأولى أن يطلقاها و يجدد النكاح

عليها أحدهما برضاها، أو طلقها أحدهما و جدد الآخر نكاحها. و إن تعاسرا و كان في التوقف إلى أن يظهر الحال عسر و حرج على الزوجة، أو كان لا يرجى ظهور الحال فالمتجه تعيين الزوج منهما بالقرعة فيحكم بزوجية من وقعت القرعة عليه، و لكن الأحوط على الزوجة إرضاؤهما بالطلاق مع التمكن و لو بإعطاء شي ء لهما و صرف النظر عن الصداق، كما أن الأحوط عليهما التطليق.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 324

(مسألة 1129) لو ادعى أحد الزوجين سبق عقده، فإن صدقه الآخر أو صدقته الزوجة، أو صدقه أحدهما و قال الآخر لا أدري، أو قال كلاهما لا أدري، فالزوجة لمدعي السبق، و ذلك لأنه وكيل عنها و يدعي إيقاع العقد الصحيح و لا معارض له و قوله حجة، فيبقى استصحاب عدم حصول علاقة الزوجية في الطرف الآخر من المعلوم بالإجمال بلا معارض. و إن صدقه الآخر و لكن كذبته الزوجة و ادعت أن عقد الآخر مقدم، كانت الدعوى بين الزوجة و كلا الزوجين، فالزوج الأول يدعي زوجيتها و صحة عقده، و هي تنكر زوجيته و تدعي فساد عقده، و تنعكس الدعوى بينها و بين الزوج الثاني، حيث أنه يدعي فساد عقده و هي تدعي صحته، ففي الدعوى الأولى تكون هي المدعية و الزوج هو المنكر، إن كان مصب الدعوى صحة العقد و عدمها دون السبق و عدمه، إلا بناء على القول بكفاية لازم الدعوى إذا كان ذا أثر شرعي، و في الدعوى الثانية بالعكس. فإن أقامت البينة على فساد الأول المستلزم لصحة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأول. و إن أقام الزوج الثاني بينة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له و ثبوتها

للأول، و إن لم تكن بينة يتوجه الحلف على الزوج الأول في الدعوى الأولى و إلى الزوجة في الدعوى الثانية، فإن حلف الزوج الأول و نكلت الزوجة ثبتت زوجيتها للأول، و إن حلفت هي دونه، حكم بزوجيتها للثاني، و إن حلفا معا فالمرجع هي القرعة.

(مسألة 1130) إذا ادعى كل من الزوجين سبق عقده، فإن قالت الزوجة لا أدري، تكون الدعوى بين الزوجين، فإن أقام أحدهما بينة دون الآخر حكم له و كانت الزوجة له، و إن أقام كل منهما بينة تعارضت البينتان فيرجع إلى القرعة، فيحكم بزوجية من وقعت عليه. و إن لم تكن بينة يتوجه الحلف إليهما، فإن حلف أحدهما دون الآخر حكم للحالف، و إن حلفا أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 325

نكلا يرجع إلى القرعة، و إن صدقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدقه الزوجة، و الطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة، و يكون الحكم مع إقامة البينة من أحد الطرفين أو من كليهما كما مر. و أما مع عدمها و انتهاء الأمر إلى الحلف، فإن حلف من لم تصدقه الزوجة يحكم له على كل من الزوجة و الزوج الآخر، و أما مع حلف من صدقته فلا يترتب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة، بل لا بد من حلفها أيضا.

(مسألة 1131) إذا زوجه أحد وكيليه بامرأة و الآخر ببنتها، صح السابق و لغى اللاحق، و مع التقارن بطلا معا، و إن لم يعلم السابق فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، و إن جهل تاريخهما فإن احتمل تقارنهما، يحكم ببطلان كليهما، و إن علم بعدم التقارن فقد علم بصحة أحد العقدين و بطلان أحدهما، فلا

يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما، كما أنه لا يجوز لهما التمكين منه. نعم يجوز له النظر إلى الأم و لا يجب عليها التستر عنه للعلم بأنه إما زوجها أو زوج بنتها، و أما البنت فحيث أنه لم يحرز زوجيتها و بنت الزوجة إنما يحل النظر إليها إن دخل بالأم و المفروض عدمه، فلم يحرز ما هو سبب لحلية النظر إليها، و يجب عليها التستر عنه. نعم لو فرض الدخول بالأم بعد العقد و لو بالشبهة، كان حالها حال الأم.

أسباب التحريم

اشارة

(مسألة 1132) المقصود بأسباب التحريم ما بسببه يحرم و لا يصح تزويج الرجل بالمرأة و لا يقع الزواج بينهما مؤبدا أو ما دام المانع، و هي أمور:

النسب، و الرضاع، و المصاهرة و ما يلحق بها، و الكفر، و عدم الكفاءة، و استيفاء العدد، و الاعتداد، و الإحرام

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 326

التحريم بالنسب

(مسألة 1133) يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال:

الأم، و تشمل الجدات كلهن، لأب كن أو لأم، فتحرم المرأة على ابنها و على ابن ابنها و ابن ابن ابنها، و على ابن بنتها و ابن بنت بنتها و ابن بنت ابنها، و هكذا. و بالجملة تحرم على كل ذكر ينتمي إليها بالولادة، سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط، و سواء كانت الوسائط ذكورا أو إناثا، أو بالاختلاف.

و البنت، و تشمل الحفيدة و لو بواسطة أو وسائط، فتحرم هي على أبيها و يشمل الجد، لأب كان أو لأم، فتحرم على الرجل بنته و بنت ابنه و بنت ابن ابنه و بنت بنته و بنت بنت بنته و بنت ابن بنته. و بالجملة كل أنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط، ذكورا كانوا أو إناثا أو بالاختلاف.

و الأخت، سواء كانت لأب أو لأم أو لهما.

و بنت الأخ، سواء كان الأخ لأب أو لأم أو لهما، و هي كل امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها و إن كثرت، سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الأمهات، أو بالاختلاف، فتحرم عليه بنت أخيه و بنت ابنه و بنت ابن ابنه و بنت بنته و بنت بنت بنته و بنت ابن بنته، و هكذا.

و بنت الأخت، و هي

كل أنثى تنتمي إلى أخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ.

و العمة، و هي أخت أبيه لأب أو لأم أو لهما. و المراد بها ما يشمل العاليات، أعني عمة الأب أخت الجد للأب، لأب أو لأم أو لهما، و عمة الأم أخت أبيها، لأب أو لأم أو لهما، و عمة الجد للأب و الجد للأم و الجدة كذلك، فمراتب العمات مراتب الإباء، فهي كل أنثى تكون أختا للذكر تنتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أمه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 327

و الخالة، و المراد بها أيضا ما يشمل العاليات، فهي كالعمة، إلا أنها أخت إحدى أمهاته و لو من طرف أبيه و العمة أخت أحد آبائه و لو من طرف أمه، فأخت جدته للأب خالته حيث أنها خالة أبيه، و أخت جده للأم عمته حيث أنها عمة أمه.

(مسألة 1134) لا تحرم عمة العمة و لا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمة و الخالة و لو بالواسطة، و هما قد تدخلان فيهما فتحرمان، كما إذا كانت عمته أختا لأبيه لأب و أم، أو لأب، و كان لأب أبيه أخت لأب أو أم أو لهما، فهذه عمة لعمته بلا واسطة و عمة له معها. و كما إذا كانت خالته أختا لأمه لأمها أو لأمها و أبيها و كانت لأم أمه أخت، فهي خالة لخالته بلا واسطة و خالة له معها. و قد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان، كما إذا كانت عمته أختا لأبيه لأمة لا لأبيه و كانت لأب الأخت أخت، فالأخت الثانية عمته لعمته و ليس بينه و بينها نسب أصلا، و كما إذا كانت خالتك أختا لأمك لأبيها لا لأمها،

و كانت لأم الأخت أخت، فهي خالة لخالتك و ليست خالتك و لو مع الواسطة. و كذلك أخت الأخ أو الأخت إنما تحرم إذا كانت أختا لا مطلقا، فلو كان لك أخ أو أخت لأبيك و كانت لأمهما بنت من زوج آخر فهي أخت لأخيك أو أختك و ليست أختا لك لا من طرف أبيك و لا من طرف أمك، فلا تحرم عليك.

(مسألة 1135) النسب: إما شرعي، و هو ما كان بسبب وطء حلال ذاتا بسبب شرعي من نكاح أو ملك يمين أو تحليل و إن حرم لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام و نحوها، و يلحق به وطأ الشبهة. و إما غير شرعي، و هو ما حصل بالسفاح و الزنا. و الأحكام المترتبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث و غيره و إن اختصت بالأول لكن الظاهر بل المقطوع به أن موضوع حرمة النكاح أعم فيعم غير الشرعي، فلو زنا بامرأة فولدت منه ذكرا و أنثى حرمت المزاوجة بينهما، و كذا بين كل منهما و بين أولاد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 328

الزاني و الزانية الحاصلين بالنكاح الصحيح أو بوطأ الشبهة أو الزنا و لو بامرأة أخرى، فلو زنا رجل بامرأتين فولدت إحداهما ذكرا و الأخرى أنثى، فهما أخ و أخت من أب واحد و يحرم ازدواجهما. و كذا تحرم الزانية و أمها و أم الزاني و أخواتهن على الذكر، و تحرم الأنثى على الزاني و أبيه و أجداده و إخوته و أعمامه.

(مسألة 1136) المراد بوطأ الشبهة الوطأ الذي لا يحق له مع اعتقاد حليته جهلا بالحكم أو بالموضوع، كما إذا وطأ أجنبية باعتقاد أنها زوجته.

و يلحق به وطأ

المجنون و النائم و شبههما، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن معصية.

أحكام الرضاع

(مسألة 1137) يتوقف انتشار الحرمة بالرضاع على شروط: الأول:

أن يكون اللبن حاصلا من وطء جائز شرعا بالذات و إن كان حراما بالعرض كوطأ الحائض أو الصائم أو المحرم. و يشكل إلحاق وطأ الشبهة به، فلا يترك الاحتياط فيه (وجوبا). و لو در لبن المرأة من دون زوج لم ينشر رضاعها الحرمة، و كذا إذا كان لبنها من زنا.

(مسألة 1138) لا يعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في عصمة الرجل، فلو طلقها الزوج أو مات عنها و هي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولدا نشر الحرمة، و كذا إن تزوجت و دخل بها الزوج الثاني و لم تحمل منه أو حملت منه و لم ينقطع اللبن و لم يزد. و كذا إذا حدثت في اللبن زيادة و لم يعلم أنها بسبب الحمل، أما إن علم أنها بسببه فلا تنتشر الحرمة.

الثاني: أن يكون الرضاع بالامتصاص من الثدي، فلو حلب من الثدي في حلقه أو شرب اللبن المحلوب من المرأة، لم ينشر الحرمة.

الثالث: أن تكون المرضعة حية، فلو ماتت في أثناء الرضاع و أكمل النصاب حال موتها و لو رضعة لم ينشر الحرمة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 329

الرابع: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين و قبل استكمالهما، فلا عبرة برضاعه بعدهما. أما بالنسبة إلى المرضعة فقد أفتى بعضهم بعدم اشتراط أن يكون عمر ولدها دون السنتين و فيه تأمل، فلا يترك الاحتياط (وجوبا) إذا كان ولد المرضعة أكبر من سنتين فلا يعامل الرضيع معاملة المحرم و لا يتزوج منهم.

(مسألة 1139) المراد بالحولين أربع و عشرون شهرا هلاليا من حين الولادة، و لو وقعت

الولادة أثناء الشهر يكمل ما نقص منه من الشهر الخامس و العشرين على الأظهر.

الشرط الخامس: الكمية، و هي بلوغه الحد المعين، فلا يكفي مسمى الرضاع و لا رضعة كاملة. و له في الأخبار و عند فقهائنا الأخيار تحديدات ثلاثة: الأثر، و الزمان، و العدد. و أي واحد منها حصل كفى في نشر الحرمة:

فأما الأثر فهو أن يرضع بمقدار ينبت اللحم و يشدّ العظم.

و أما الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوما و ليلة متصلين بأن يكون غذاؤه في هذه المدة منحصرا بلبن المرأة.

و أما العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة.

(مسألة 1140) المعتبر في إنبات اللحم و شد العظم أن يكون الرضاع سببا مستقلا لهما على وجه ينسبان إليه، فلو فرض ضم السكر و نحوه إليه على نحو ينسبان إليهما فيشكل ثبوت التحريم. كما أن المدار على إنبات اللحم و شد العظم ما كان معتدا به منهما على نحو بيّن يصدقان عرفا و لا يكفي حصولهما بالدقة العقلية. و إذا شك في حصولهما بهذه المرتبة أو في استقلال الرضاع في حصولهما، يرجع إلى التقديرين الآخرين.

(مسألة 1141) يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم و الليلة منحصرا بلبن المرأة حسب ما يتعارف في الرضيع، فلا يضر أن يشرب أو يأكل شيئا قليلا غيره بنحو يتعارف كثيرا. و لا يقدح شرب الماء للعطش

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 330

و لا ما يأكل أو يشرب دواء. و الظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأت بالرضاع في أثناء الليل أو النهار.

(مسألة 1142) يعتبر في التقدير بالعدد أمور: منها: كمال الرضعة بأن يروى الصبي و يصدر من قبل نفسه، و لا تحسب الرضعة الناقصة،

و لا تضم الناقصات بعضها إلى بعض، بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات مثلا واحدة. نعم لو التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد الإعراض بأن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير ذلك، كان الكل رضعة واحدة. و منها: توالي الرضعات، بأن لا يفصل بينها إرضاع امرأة أخرى و لو كان ناقصا على الأحوط. و لا يقدح في التوالي تخلل غير الرضاع من المأكول و المشروب و إن تغذى به. و منها: أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة و أكملها من امرأة أخرى، لم تنشر الحرمة و إن اتحد الزوج فلا تكون أيّ من المرضعتين أما للمرتضع و لا الزوج أبا له. و منها: اتحاد الزوج، بأن يكون تمام العدد من لبن امرأة لرجل واحد، و لا يكفي اتحاد المرضعة، فلو أرضعت امرأة من لبن زوج ثمان رضعات ثم طلقها و تزوجت بآخر و حملت منه، ثم أرضعت ذلك الطفل من لبن الزوج الثاني تكملة العدد من دون تخلل إرضاع امرأة أخرى- و كان يتغذى الولد في تلك المدة المتخللة بالمأكول و المشروب- لم ينشر الحرمة.

(مسألة 1143) الشروط المذكورة شروط لناشرية الرضاع للحرمة، فلو انتفى بعضها لم تنتشر الحرمة أصلا حتى بين الزوج و المرتضعة، و كذا بين المرتضع و المرضعة، فضلا عن الأصول و الفروع و الحواشي.

(مسألة 1144) يشترط أيضا لنشر الحرمة بين المرتضعين أي الأخوة الرضاعية شرط آخر و هو وحدة الزوج الذي ارتضع المرتضعان من لبن زوجته، فلو ارتضع صبي من امرأة من لبن شخص رضاعا كاملا، و ارتضعت

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 331

صبية من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك لم تحرم الصبية على ذلك الصبي، و لا فروع أحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا كان صاحب اللبن واحدا و تعددت المرضعة، كما إذا كانت لشخص نسوة متعددة و أرضعت كل واحدة منهن من لبنه طفلا رضاعا كاملا، فإنه يحرم بعضهم على بعض، و على فروعه لحصول الأخوّة الرضاعية بينهم.

(مسألة 1145) إذا تحقق الرضاع الجامع للشرائط صار الزوج و المرضعة أبا و أما للمرتضع، و أصولهما أجدادا و جدات، و فروعهما إخوة و أولاد إخوة له، و من في حاشيتهما و في حاشية أصولهما أعماما أو عمات و أخوالا أو خالات له. و صار المرتضع ابنا أو بنتا لهما و فروعه أحفادا لهما. فإذا تبين ذلك فكل عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة المتقدمة إذا تحقق مثله في الرضاع يكون محرما: فالأم الرضاعية كالأم النسبية، و البنت الرضاعية كالبنت النسبية، و هكذا. فلو أرضعت امرأة من لبن زوجها طفلا حرمت المرضعة و أمها و أم زوجها على المرتضع بسبب الأمومة، و حرمت المرتضعة و بناتها و بنات المرتضع على الزوج و على أبيه و أب المرضعة بسبب البنوة، و حرمت أخت الزوج و أخت المرضعة على المرتضع لكونهما عمة و خالة له، و المرتضعة على أخ الزوج و أخ المرضعة لكونها بنت أخ أو بنت أخت لهما، و حرمت بنات الزوج على المرتضع، و المرتضعة على أبنائه نسبيين كانوا أم رضاعيين، و كذا بنات المرضعة على المرتضع، و المرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيين بسبب الأخوّة. و أما أولاد المرضعة الرضاعيون ممن أرضعتهم بلبن زوج آخر غير الزوج الذي ارتضع المرتضع بلبنه، فلا يحرمون على المرتضع،

لما مر من اشتراط اتحاد الزوج في نشر الحرمة بين المرتضعين.

(مسألة 1146) يكفي في حصول العلاقة الرضاعية التي تنشر الحرمة دخالة الرضاع في حصولها في الجملة، فقد تحصل بالرضاع من دون دخالة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 332

غيره فيها كعلاقة البنوة و الأمومة و الأبوة الحاصلة بين المرتضع و المرضعة و زوجها (صاحب اللبن) و كذا الحاصلة بينه و بين أصولهما الرضاعيين فيكون أبوهما و أمهما من الرضاعة جده وجدته أيضا. و قد تحصل بالرضاع مع دخالة النسب كعلاقة الأخوة الحاصلة بين المرتضع و أولاد المرضعة و زوجها النسبيين.

و ذلك: أن النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة كالنسبة بين الولد و والده و والدته، و قد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين فإنها تحصل بعلاقة كل منهما مع الأب أو الأم أو كليهما، و كالنسبة بين الشخص وجده الأدنى، فإنها تحصل بعلاقة بينه و بين أبيه مثلا و علاقة بين أبيه و بين جده، و قد تحصل بعلاقات ثلاث كالنسبة بين الشخص و بين جده الثاني، و كالنسبة بينه و بين عمه الأدنى فإنها تحصل بعلاقة بينه و بين أبيه و بعلاقة كل من أبيه و أخيه مع أبيهما مثلا، و هكذا تتصاعد و تتنازل النسب، و تنشعب بقلة العلاقات و كثرتها، حتى أنه قد تتوقف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقل أو أكثر، فإذا تبين ذلك، فإن كانت تلك العلائق كلها حاصلة بالولادة كانت العلاقة نسبية، و إن حصلت كلها أو بعضها و لو واحدة من العشر بالرضاع كانت العلاقة رضاعية.

(مسألة 1147) لما كانت علاقة المصاهرة- التي هي أحد أسباب تحريم النكاح كما يأتي- علاقة بين أحد الزوجين و بعض أقرباء

الآخر، فهي تتوقف على أمرين: الزواج و القرابة، و الرضاع إنما يقوم مقام الثاني دون الأول، فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتى تحرم أمها عليك، لكن الأم و البنت الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالأم و البنت النسبيتين لها، فتحرمان عليك، و كذلك حليلة الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي، و حليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب النسبي تحرم الأولى على أبيه الرضاعي و الثانية على ابنه الرضاعي.

(مسألة 1148) ظهر مما سبق أن العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 333

برضاع واحد كالحاصلة بين المرتضع و المرضعة و صاحب اللبن. و قد تحصل برضاعين كالحاصلة بين المرتضع و بين الأبوين الرضاعيين للمرضعة أو زوجها (صاحب اللبن). و قد تحصل برضاعات متعددة. كما إذا كان لصاحب اللبن مثلا أب من جهة الرضاع و كان لذلك الأب الرضاعي أيضا أب من الرضاع و كان للأخير أيضا أب من الرضاع، و هكذا إلى عشرة آباء كان الجميع أجدادا رضاعيين للمرتضع الأخير، و جميع المرضعات جدات له، فإن كانت أنثى حرمت على جميع الأجداد و إن كان ذكرا حرمت عليه جميع الجدات. بل لو كانت للجد الرضاعي الأعلى أخت رضاعية حرمت على المرتضع الأخير لكونها عمته العليا من الرضاع، و لو كانت للمرضعة الأبعد التي هي الجدة العليا للمرتضع أخت، حرمت عليه لكونها خالته العليا من الرضاع.

(مسألة 1149) إذا حصلت الأخوة الرضاعية بين المرتضعين، التي تقدم فيها اشتراط وحدة صاحب اللبن (الزوج) يترتب عليها العمومة و الخؤولة بالرضاعة، لأن العم و العمة أخ و أخت للأب و الخال و الخالة أخ و أخت للأم، فلو رضع أبوه أو أمه مع صبية من امرأة فإن اتحد الزوج (صاحب اللبن)

كانت الصبية عمته أو خالته من الرضاعة، بخلاف ما إذا لم يتحد، فلا تحصل الأخوة الرضاعية بين أبيه أو أمه مع الصبية و لا تكون هي عمته أو خالته و لا تحرم عليه.

(مسألة 1150) لا يجوز أن ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة، بل و رضاعا على الأحوط. و كذا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا، و أما أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن و في أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم، بل و نفس المرضعة أيضا و إن كانت أم أخيهم، و إن كان الأحوط (استحبابا) الترك في الجميع.

(مسألة 1151) إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن زوجها، ثم أرضعت

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 334

بنت شخص آخر من لبن ذلك الزوج، فتلك البنت و إن حرمت على ذلك الابن، لكن أخوات كل منهما تحلّ لإخوة الآخر.

(مسألة 1152) كما يمنع الرضاع المحرّم من النكاح لو كان سابقا، يبطله لو حصل لاحقا، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أمه أو أخته أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه رضاعا كاملا، بطل نكاحها و حرمت عليه لأنها تصير بالرضاع بنتا أو أختا أو بنت أخ أو بنت أخت له.

و كذا لو كانت له زوجتان صغيرة و كبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة، تحرم عليه الكبيرة لأنها صارت أم زوجته، و كذلك الصغيرة إن كان رضاعها من لبنه أو كان دخل بالكبيرة لأنها تصير بنتا له في الأول و بنت زوجته المدخول بها في الثاني. و أما إن كانت الكبيرة غير مدخول بها و كان اللبن من غيره، ففي بطلان نكاح الكبيرة لكونها أم الزوجة دون الصغيرة

لأنها ربيبته من التي لم يدخل بها، أو بطلان نكاحهما لحرمة الجمع بين الأم و البنت احتمالان، فلا يترك الاحتياط بتجديد نكاح الصغيرة إن أراد البقاء، و بالطلاق إن أراد التفريق.

(مسألة 1153) إذا كان أخوان في بيت واحد مثلا و كانت زوجة كل منهما أجنبية عن الآخر و أرادا أن تصير زوجة كل منهما من محارم الآخر حتى يحل له النظر إليها، يمكن أن يتزوج كل منهما بصبية في سن الرضاع و ترضعها زوجة الآخر رضاعا كاملا فتصير زوجة كل منهما أما لزوجة الآخر و تكون من محارمه و يحل نظره إليها، و يبطل نكاح الصبية في الصورتين لأنها تصير بنت أخ زوجها.

(مسألة 1154) إذا أرضعت امرأة ولد بنتها، أي جدته من طرف الأم، حرمت بنتها أي أم الولد على زوجها و بطل نكاحها، سواء أرضعته بلبن أب البنت أو بلبن غيره، و ذلك لأن زوج البنت أب للمرتضع و زوجته بنت

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 335

للمرضعة جدة الولد، و قد مرّ أنه يحرم على أب المرتضع نكاح أولاد المرضعة، و إذا منع منه سابقا أبطله لاحقا. و كذا إذا أرضعت زوجة أب البنت من لبنه ولد البنت بطل نكاح البنت، لما مرّ من أنه يحرم نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن. و أما الجدة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتب عليه شي ء، و كذا لو وقع إرضاع الجدة من طرف الأم لولد بنتها بعد وفاة بنتها أو طلاقها أو وفاة زوجها، لم يترتب عليه بطلان النكاح لانتفاء الموضوع، لكن يترتب عليه حرمة المطلقة و أختها و أخت المتوفاة.

(مسألة 1155) إذا زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة و كانت

أما الصغيرين أختين، ثم أرضعت جدتهما من طرف الأب أو الأم أحدهما انفسخ نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فإن أرضعته جدته من طرف الأب صار عما لزوجته، و إن أرضعته جدته من طرف الأم صار خالا لزوجته، و إن كان هو الأنثى صارت عمة لزوجها على الأول، و خالة له على الثاني، فيبطل النكاح على أي حال.

(مسألة 1156) إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح، فإما أن يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها كما في إرضاع الزوجة الكبيرة زوجته الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها، و إما أن يبطل نكاح المرتضعة كما في المثال نفسه بالنسبة إلى نكاح الصغيرة، و إما أن يبطل نكاح غيرهما كما في إرضاع الجدة من طرف الأم ولد بنتها. و الظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع، إلا في الصورة الأولى إذا كان الإرضاع و انفساخ العقد قبل الدخول ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط بالمصالحة. و كذا لا تترك المصالحة على ما يغرمه الزوج من المهر قبل الدخول إذا كان إرضاعها مبطلا لنكاح غيرها.

(مسألة 1157) قد سبق أن العناوين المحرمة من جهة الولادة و النسب سبعة: الأمهات، و البنات، و الأخوات، و العمات، و الخالات، و بنات الأخ،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 336

و بنات الأخت. فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرما كالحاصل بالولادة. أما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة لكن حصل عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان متحدا مع أحد تلك العناوين السبعة، كما لو أرضعت امرأة ولد بنته فصارت أم ولد بنته، و أم ولد البنت ليست من تلك السبعة، لكن لو كانت أمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتا له، و البنت من المحرمات

السبعة. فالحق أن مثل هذا الرضاع لا يكون محرّما فلا تحرم مرضعة ولد البنت كالبنت، و قيل بحرمتها و يعبر عنه (بعموم المنزلة) و لنذكر لذلك بعض الأمثلة:

أحدها: إذا أرضعت زوجته بلبنه أخاها فإنه يصير ولده و زوجته أخته، فهل تحرم عليه من جهة أن أخت ولده إما بنته أو ربيبته و هما محرمتان عليه و زوجته بمنزلتهما، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم كما قلنا يقول لا.

ثانيها: إذا أرضعت زوجته بلبنه ابن أخيها فصار ولده و هي عمته، و عمة ولده حرام عليه لأنها أخته، فهل تحرم من الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم و من قال بالعدم يقول لا.

ثالثها: إذا أرضعت زوجته عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها فصارت أمهم، فبما أن أم عم زوجته و عمتها حرام عليه لأنها جدتها من الأب، و كذا أم خال زوجته و خالتها حرام عليه لأنها جدتها من الأم، فهل تحرم عليه زوجته بسبب الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

رابعها: إذا أرضعت زوجته بلبنه ولد عمها أو ولد خالها فصار أبا لابن عمها أو أبا لابن خالها، و هي تحرم على أب ابن عمها و أب ابن خالها لكونهما عمها و خالها، فهل تحرم عليه من جهة الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 337

خامسها: امرأة أرضعت أخاه أو أخته لأبويه فصارت أما لهما، و الأم محرمة عليه، فهل تحرم عليه من جهة الرضاع و يبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجته أم لا؟، فمن

قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

سادسها: امرأة أرضعت ولد بنته فصارت أما للولد، فهل تحرم عليه لكونها بمنزلة بنته، و يبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجته؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

سابعها: امرأة أرضعت ولد أخته فصارت أما له، فهل تحرم عليه من جهة أن أم ولد الأخت حرام عليه لأنها أخته، و يبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجته أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

ثامنها: امرأة أرضعت عمه أو عمته أو خاله أو خالته فصارت أمهم، و بما أن أم عمه و عمته نسبا تحرم عليه لأنها جدته من طرف أبيه و كذا أم خاله و خالته لأنها جدته من طرف أمه، فهل تحرم عليه المرضعة بسبب الرضاع و يبطل نكاحها إن كانت زوجته؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، و من قال بالعدم يقول لا.

(مسألة 1158) لو شك في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمية أو الكيفية، بنى على العدم. نعم يشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع بشروطه و لم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما و علم تاريخ الرضاع و جهل تاريخ ولادة المرتضع، فحينئذ لا يترك الاحتياط (وجوبا) بالستر و عدم التزويج.

(مسألة 1159) لا تقبل الشهادة على الرضاع إلا مفصلة، بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات مثلا، إلى آخر ما تقدم من شروط الرضاع المحرّم. و لا يكفي الشهادة المطلقة و المجملة، بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم أو يشهد مثلا على أن فلانا ولد فلانة أو فلانة بنت فلان من الرضاع،

بل يطلب منه التفصيل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 338

(مسألة 1160) الأقوى أنه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع، مستقلات بأن تشهد أربع نسوة عليه، و منضمات بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد.

(مسألة 1161) يستحب أن يختار لرضاع الأولاد: المسلمة العاقلة العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة، فإن للّبن تأثيرا تاما في المرتضع، كما يشهد به الاختبار و نطقت به الأخبار و الآثار: فعن الباقر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تسترضعوا الحمقاء و العمشاء، فإن اللبن يعدي. و عن أمير المؤمنين عليه السلام: لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يغلب الطباع. و عنه عليه السلام: أنظروا من ترضع أولادكم، فإن الولد يشبّ عليه. إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقا و خلقا، و كراهة اختيار أضدادهن، لا سيما الكافرة، و إن اضطر إلى استرضاعها فليختر اليهودية و النصرانية على المشركة و المجوسية، و مع ذلك لا يسلم الطفل إليهن و لا يذهبن بالولد إلى بيوتهن، و يمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و مثل الكافرة أو أشد كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا، و المرأة المتولدة من الزنا. فعن الباقر عليه السّلام: لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحب إليّ من ولد الزنا. و عن الكاظم عليه السّلام سئل عن امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع؟

قال: لا يصلح و لا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا.

أحكام المصاهرة

(مسألة 1162) المصاهرة هي علاقة بين أحد الزوجين و أقرباء الآخر، و يلحق بها غير الزوجين أيضا مثل المالك و المملوكة و الزاني و الزانية و الواطئ و الموطوءة بالشبهة، و غيرها

على ما يأتي تفصيله. و توجب هذه العلاقة حرمة النكاح إما عينا و إما جمعا كما سيأتي.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 339

(مسألة 1163) تحرم معقودة الأب على ابنه و بالعكس فصاعدا في الأول و نازلا في الثاني حرمة دائمية، سواء كان العقد دائميا أو انقطاعيا، و سواء دخل المعقود له بالمعقودة أو لم يدخل بها، و سواء كان الأب و الابن نسبيين أو رضاعيين.

(مسألة 1164) إذا عقد على امرأة حرمت عليه أمها و إن علت نسبا أو رضاعا، سواء دخل بها أو لا، و سواء كان العقد دواما أو انقطاعا، و سواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة. و الأقوى عدم اعتبار شرط إمكان الاستمتاع بالصغيرة في حرمة أمها و صحة عقدها ساعة أو ساعتين و إن لم تبلغ حد الاستمتاع، نعم الاحتياط حسن.

(مسألة 1165) إذا عقد على امرأة حرمت عليه بنتها و إن نزلت إذا دخل بالأم و لو دبرا، و أما إذا لم يدخل بها تحرم عليه ما دامت الأم في حباله، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها.

(مسألة 1166) لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون البنت موجودة في زمان زوجية الأم أو تولدت بعد خروجها عن الزوجية، فلو عقد على امرأة و دخل بها ثم طلقها، ثم تزوجت و ولدت من الزوج الثاني بنتا، تحرم هذه البنت على الزوج الأول.

(مسألة 1167) من زنا بامرأة أو وطأها شبهة ترتبت عليه الحرمات الأربع على الأقوى و الأشهر، فتحرم على أبيه و ابنه و تحرم عليه أمها و بنتها.

نعم الزنا الطارئ على الزواج و الدخول لا يوجب الحرمة فلو تزوج بامرأة و دخل بها ثم زنا بأمها أو

بنتها لم تحرم عليه امرأته، و كذا لو زنا الأب بزوجة الابن لم تحرم على الابن، و لو زنا الابن بزوجة الأب لم تحرم على الأب، أما إذا كان الزنا طارئا بعد الزواج و قبل الدخول فلا يترك الاحتياط و كذا الحكم في وطأ الشبهة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 340

(مسألة 1168) لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل و الدبر، و كذا في الوطأ بالشبهة.

(مسألة 1169) إذا علم بالزنا و شك في كونه سابقا على العقد أو طارئا بنى على أنه طارئ.

(مسألة 1170) إذا لمس امرأة أجنبية أو نظر إليها بشهوة حرمت الملموسة و المنظورة على أب اللامس و الناظر و ابنهما على قول، بل قيل بحرمة أم المنظورة و الملموسة على الناظر و اللامس أيضا، و هذا و إن كان أحوط لكن الأقوى خلافه. نعم لو كانت للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة حرمت على ابنه، و كذا العكس على الأقوى. بل الأحوط ذلك مع غير الشهوة أيضا إلا إذا كان نظر منها إلى ما لا يحرم على غير المالك النظر إليه.

(مسألة 1171) لا يجوز نكاح بنت أخ الزوجة على عمتها و لا بنت أخت الزوجة على خالتها إلا بإذنهما، من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين، و لا بين علم العمة و الخالة حال العقد و جهلهما، و لا بين اطلاعهما على ذلك و عدم اطلاعهما أبدا، فلو وقع العقد عليهما بدون إذنهما كان العقد الطارئ كالفضولي على الأقوى يتوقف صحته على إجازة العمة و الخالة، فإن أجازتا جاز و إلا بطل. و يجوز نكاح العمة و الخالة على بنتي الأخ و الأخت لهما و إن

كانت العمة و الخالة جاهلتين، و ليس لهما الخيار لا في فسخ عقد أنفسهما و لا في فسخ عقد بنتي الأخ و الأخت على الأقوى.

(مسألة 1172) الظاهر أنه لا فرق في العمة و الخالة بين الدنيا منهما و العليا، كما لا فرق بين النسبيتين منهما و الرضاعيتين.

(مسألة 1173) إذا أذنتا ثم رجعتا عن الإذن، فإن كان رجوعهما بعد العقد لم يؤثر في البطلان، و إن كان قبله بطل الإذن السابق، فلو لم يبلغه الرجوع و تزوج اعتمادا على الإذن، توقفت صحته على الإجازة اللاحقة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 341

(مسألة 1174) الظاهر أن اعتبار إذنهما ليس حقا لهما كالخيار حتى يسقط بالإسقاط، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثر شيئا، و لو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الأخت فالظاهر ان الشرط المذكور بمنزلة الإذن، فيصح العقد عليهما إن لم تظهرا الكراهة قبل العقد.

(مسألة 1175) إذا تزوج بالعمة و ابنة أخيها أو بالخالة و ابنة أختها، و شك في السابق منهما، حكم بصحة العقدين، و كذا إذا تزوج ببنت الأخ أو الأخت و شك في أنه هل كان عن إذن من العمة أو الخالة أم لا، فيحكم بالصحة و حصول الإذن منهما.

(مسألة 1176) إذا طلق العمة أو الخالة، طلاقا بائنا، صح العقد على بنتي الأخ و الأخت بمجرد الطلاق، و إن كان رجعيا لم يجز إلا بعد انقضاء العدة.

(مسألة 1177) لا يجوز الجمع في النكاح بين الأختين نسبيتين أو رضاعيتين، دواما أو انقطاعا أو بالاختلاف، فلو تزوج بإحدى الأختين ثم تزوج بالأخرى بطل العقد الثاني دون الأول، سواء دخل بالأولى أو لا.

و لو اقترن عقدهما، بأن

تزوجهما بعقد واحد أو عقد هو على إحداهما و وكيله على الأخرى في زمان واحد مثلا، بطلا معا.

(مسألة 1178) إذا تزوج بالأختين و لم يعلم العقد السابق من اللاحق، فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، و إن جهل تاريخهما فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا، و إن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالا بصحة أحد العقدين و بطلان الآخر، فلا يجوز له وطأهما و لا وطأ إحداهما ما دام الاشتباه. و يحتمل تعينها بالقرعة و لكن الأحوط (وجوبا) أن يطلقهما ثم يتزوج من شاء منهما بلا إشكال، أو يطلق الزوجة الواقعية منهما ثم يتزوج

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 342

من شاء منهما على إشكال، و له أن يطلق إحداهما و يجدد العقد على الأخرى بعد انقضاء عدة الأولى إذا كانت مدخولا بها.

(مسألة 1179) إذا طلقهما و الحال هذه، فإن كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعية نصف مهرها، و إن كان بعد الدخول فعليه تمام مهرها، فإن كان المهران مثليين و اتفقا جنسا و قدرا فقد علم من عليه الحق و مقدار الحق، و إنما الاشتباه فيمن لها الحق، و في غير ذلك يكون الاشتباه في الحق أيضا، فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو، و إلا فلا محيص عن القرعة، فمن خرجت عليها من الأختين كان لها نصف مهرها المسمى أو تمامه و لا تستحق الأخرى شيئا. أما مع الدخول بها ففيه تفصيل لا يسعه المقام.

(مسألة 1180) الظاهر جريان حكم تحريم الجمع إذا كانت الأختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا.

(مسألة 1181) إذا طلق زوجته، فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز و لا يصح نكاح أختها ما لم تنقض عدتها، و إن كان بائنا

كالطلاق الثالث أو كانت المطلقة ممن لا عدة لها كالصغيرة و غير المدخول بها و اليائسة، جاز له نكاح أختها في الحال. نعم لو كانت متمتعة و انقضت مدتها أو وهبها المدة فلا يجوز له على الأحوط إن لم يكن أقوى نكاح أختها قبل انقضاء العدة و إن كانت بائنة.

(مسألة 1182) ذهب بعض الأخباريين إلى حرمة الجمع بين الفاطميتين في النكاح، و الحق جوازه و إن كان الترك أحوط و أولى، و لو قلنا بالحرمة فهي تكليفية لا يترتب عليها غير الإثم و المعصية من دون أن تؤثر في بطلان عقديهما، و جعله كالجمع بين الأختين إفراط من القول ضعيف في الغاية.

(مسألة 1183) الأحوط ترك تزوج الحر بالأمة دواما أو متعة إلا إذا لم يتمكن من مهر الحرة و شق عليه الصبر على الشبق بحيث خاف الوقوع في الزنا، فيجوز بلا إشكال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 343

(مسألة 1184) لا يجوز التزوج بالأمة على الحرة في موارد جوازه إلا بإذنها، فلو نكحها عليها تتوقف صحة عقد الأمة على إجازة الحرة، فإن أجازت جاز و إلا بطل. و يجوز العكس، و هو نكاح الحرة على الأمة، فإن كانت الحرة عالمة بالحال لزم العقدان، و إن كانت جاهلة فلها الخيار في فسخ عقدها لا في فسخ عقد الأمة.

(مسألة 1185) إذا زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، و لا يجب على زوجها أن يطلقها و إن كانت مصرة على ذلك، إلا إذا صارت مشهورة بالزنا فالأحوط أن يعتزلها بمجرد اشتهارها بذلك و يطلقها و يجدد عقده عليها إذا أظهرت توبتها.

(مسألة 1186) من زنا بذات بعل دواما أو متعة حرمت عليه أبدا، سواء كانت حرة أو أمة،

مسلمة أو كافرة، مدخولا بها من زوجها أو لا، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق أو فسخ أو انقضاء مدة و غيرها. و لا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالما بأنها ذات بعل أو لا، و لو كان مكرها على الزنا فلا يترك الاحتياط (وجوبا) بحرمتها أبدا أيضا.

(مسألة 1187) إذا زنا بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه أبدا كذات البعل دون البائنة و عدة الوفاة، و لو علم أنها كانت في العدة و لم يعلم أنها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة ظاهرا ما دام شاكا. نعم لو علم بكونها في عدة رجعية و شك في انقضائها فالظاهر الحرمة.

(مسألة 1188) من لاط بغلام فأوقبه و لو ببعض الحشفة حرمت عليه أبدا أم الغلام و إن علت، و بنته و إن نزلت، و أخته، من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، و لا تحرم على المفعول أم الفاعل و بنته و أخته على الأقوى. و حكم الأم و البنت و الأخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 344

(مسألة 1189) إنما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا سبق الزواج، و أما إن كان بعد الزواج و الدخول فلا يوجب الحرمة و بطلان النكاح، نعم إذا كان بعد الزواج و قبل الدخول فالأحوط (وجوبا) جريان حكم الحرمة كما مر في الزنا.

(مسألة 1190) لو شك في تحقق الإيقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى على العدم.

أحكام النكاح في العدة

(مسألة 1191) لا يجوز نكاح المرأة لا دائما و لا منقطعا إذا كانت في عدة الغير، رجعية كانت أو بائنة، عدة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع، أو من وطء

شبهة. و كذا لا يجوز التصريح بالخطبة في عدة الغير مطلقا، و أما التعريض فيجوز في غير الرجعية.

و لو تزوجها في العدة فإن كانا عالمين بالموضوع و الحكم بأن علما بكونها في العدة و علما بأنه لا يجوز النكاح في العدة، أو كان أحدهما عالما بهما بطل النكاح و حرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أو لا، و كذا إن جهلا بهما أو بأحدهما و دخل بها و لو دبرا، و أما لو لم يدخل بها فيبطل العقد و لكن لا تحرم عليه أبدا، فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدة التي كانت فيها.

(مسألة 1192) إذا وكل أحدا في العقد له على امرأة و لم يعين الزوجة فزوجه امرأة ذات عدة لم تحرم عليه بمجرد العقد و إن علم الوكيل بأنها في العدة. بل لا تحرم عليه مع الدخول أيضا، لأن توكيله كان مختصا بالعقد الصحيح، فعقد ذات العدة غير مستند إليه و دخوله مع الجهل بالعدة وطأ بالشبهة لا يوجب الحرمة. و لو علم بكونها في العدة و مع ذلك دخل بها بدون إمضاء العقد فهو زنا لا يوجب الحرمة إلا في الرجعية، و إن أمضى العقد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 345

فدخل ففي ترتب أحكام العقد في العدة على إمضائه إشكال جدا، و لكن لا يترك الاحتياط فيه (وجوبا).

و أما إذا عين للوكيل الزوجة فإن كان الموكل عالما بالحكم و الموضوع حرمت عليه و إن كان الوكيل جاهلا بهما بخلاف العكس. فالمدار على علم الموكل و جهله لا الوكيل.

(مسألة 1193) لا يلحق بالتزوج في العدة وطأ الشبهة أو الزنا بالمعتدة، فلو وطأ شبهة أو زنا بالمرأة في حال عدتها لم يؤثر في

الحرمة الأبدية في آية عدة كانت إلا العدة الرجعية فإن الزنا فيها يوجب الحرمة كما مر.

(مسألة 1194) إذا كانت المرأة في عدة الرجل و لم يكن مانع من تزوجه بها كأن يكون طلاقه إياها ثالثا، جاز له العقد عليها في الحال و لا ينتظر انقضاء العدة. نعم إذا كانت معتدة له بالعدة الرجعية يبطل عقده عليها لكونها بمنزلة زوجته، و لا يصح عقد الزوج على زوجته، فلو كانت عنده متعة و أراد أن يجعل عقدها دواما جاز أن يهب مدتها و يعقد عليها عقد الدوام في الحال، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة و أراد أن يجعلها منقطعة فطلقها لذلك طلاقا غير بائن، فإنه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلا بعد خروجها عن العدة.

(مسألة 1195) إذا عقد على امرأة في عدتها جهلا و دخل بها بعد انقضاء عدتها فالأحوط (وجوبا) أن يطلقها، ثم لا يتزوج بها.

(مسألة 1196) إذا شك في أنها معتدة أم لا، حكم بالعدم و جاز له تزوجها و لا يجب عليه الفحص عن حالها، و كذا لو شك في انقضاء عدتها و أخبرت هي بالانقضاء فإنها تصدق و يجوز العقد عليها.

(مسألة 1197) إذا علم أن زواجه كان في العدة مع الجهل موضوعا أو حكما، و لكن شك في أنه قد دخل بها حتى تحرم عليه أبدا أم لا، بنى على

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 346

عدم الدخول فلا تحرم عليه. و كذا لو علم بعدم الدخول لكن شك في أن أحدهما كان عالما أم لا، بنى على عدم العلم، فلا يحكم بالحرمة الأبدية.

(مسألة 1198) يلحق بالتزوج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية التزوج بذات البعل، فلو تزوجها مع

العلم بأنها ذات بعل حرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أم لا، و لو تزوجها مع الجهل لم تحرم عليه إلا مع الدخول بها.

(مسألة 1199) إذا تزوج بامرأة عليها عدة و لم تشرع فيها لعدم تحقق مبدئها، كما إذا تزوج بمن مات زوجها و لم يبلغها الخبر، فإن مبدأ عدتها من حين بلوغ الخبر، فالأرجح أنها لا تحرم عليه أبدا، و إن كان الاحتياط (استحبابا) مؤكدا بطلاقها و عدم الزواج بها.

أحكام العدد

(مسألة 1200) من كان عنده أربع زوجات دواما تحرم عليه الخامسة ما دامت الأربع في عصمته.

(مسألة 1201) ما تقدم إنما هو في العقد الدائم، و أما في المنقطع فيجوز الجمع بما شاء، و إن كانت عند الحر أربع دائميات حرائر و عند العبد أربع إماء دائميات، فيجوز لكل منهما أن يزيد عليهن انقطاعا ما شاء و لو إلى ألف كملك اليمين.

(مسألة 1202) إذا كانت عنده أربع فماتت إحداهن يجوز له أن يتزوج بأخرى في الحال، و إذا فارق إحداهن بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن، فالأحوط (وجوبا) الصبر إلى انقضاء العدة. و إذا لم تكن لها عدة كغير المدخول بها أو اليائسة، فيجوز له التزوج بعد طلاقها. و إذا كان طلاقها رجعيا فلا يجوز له التزوج بأخرى إلا بعد انقضاء عدتها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 347

(مسألة 1203) إذا طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات لم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه، و لا يجوز له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق. و إذا طلقها تسعا للعدة بتخلل محللين بأن نكحت غير المطلق بعد الثلاثة الأولى و الثانية حرمت عليه أبدا، و سيأتي تفصيلها في كتاب الطلاق إن شاء اللّه

تعالى.

أحكام الزواج من الكفار

(مسألة 1204) لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواما و انقطاعا، سواء كان أصليا حربيا أو كتابيا، أو كان مرتدا عن فطرة أو عن ملة.

و كذا لا يجوز للمسلم التزوج بغير الكتابية من أصناف الكفار بالأصل، و لا بالمرتدة عن فطرة أو ملة. و أما الكتابية اليهودية و النصرانية فجواز الزواج بهما لا يخلو من قوة على كراهية خصوصا في الدائم، بل الاحتياط فيه لا يترك إن استطاع نكاح المسلمة.

(مسألة 1205) الأحوط (وجوبا) ترك النكاح في المجوس إلا بملك اليمين، و أما الصابئة فلم يتحقق لنا حقيقة دينهم فإن ثبت للمكلف أنهم مشركون حرم عليه الزواج منهم، و إن ثبت له أنهم طائفة من النصارى كما قيل كانوا بحكمهم، و إن لم يتحقق له حقيقة دينهم فالأحوط (وجوبا) عدم الزواج منهم.

(مسألة 1206) العقد الواقع بين الكفار إذا وقع صحيحا عندهم و على طبق مذهبهم، تترتب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيين أو وثنيين أو مختلفين، حتى أنه لو أسلما معا دفعة أقرّا على نكاحهما الأول و لم يحتج إلى عقد جديد على طبق شرع الإسلام. بل و كذا لو أسلم أحدهما أيضا في بعض الصور الآتية. نعم لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 348

الفساد ابتداء و استدامة عندنا كنكاح إحدى المحرمات عينا أو جمعا، فيجري عليه بعد الإسلام حكم الإسلام.

(مسألة 1207) إذا أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأول، سواء كان كتابيا أو وثنيا، و سواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده. و إذا أسلم زوج الوثنية وثنيا كان أو كتابيا، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، و إن كان بعده ينتظر انقضاء

العدة لكن يفرق بينهما حتى يعلم الحال و كذا في نظائره الآتية من النكاح المنفسخ بعد العدّة، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، و إلا انفسخ النكاح، بمعنى أنه يتبين انفساخه من حين إسلام الزوج.

(مسألة 1208) إذا أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي وثنية كانت أو كتابية، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، و إن كان بعده وقف على انقضاء العدة، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته، و إلا انكشف أنها بانت منه حين إسلامها.

(مسألة 1209) إذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا دفعة قبل الدخول وقع الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، و كذا بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج و كان عن فطرة، و أما إن كان ارتداده عن ملة أو كان الارتداد من الزوجة مطلقا فيتوقف الانفساخ على انقضاء العدة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، و إلا انكشف أنها بانت منه عند الارتداد.

(مسألة 1210) العدة في ارتداد الزوج عن فطرة كعدة الوفاة، و في غيره كعدة الطلاق.

(مسألة 1211) لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السّلام، و لا الغالي المعتقد بألوهيتهم أو نبوتهم، و كذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة و الغالية، لأنهم بحكم الكفار و إن انتحلوا دين الإسلام.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 349

(مسألة 1212) لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة، و أما نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب فالجواز مع الكراهة لا يخلو من قوة، و حيث أنه نسب إلى المشهور عدم الجواز فلا ينبغي ترك الاحتياط (استحبابا) مهما أمكن.

(مسألة 1213) مما يوجب الحرمة الأبدية العقد حال الإحرام دواما أو انقطاعا،

سواء كانت المرأة محرمة أو محلة، و سواء كان إيقاع العقد بمباشرة الزوج أو بتوكيل الغير، محرما كان الوكيل أو محلا، سواء كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله. هذا مع العلم بالحرمة، و أما مع جهله بها فيبطل النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية.

(مسألة 1214) لا فرق في حكم العقد حال الإحرام بين أن يكون الإحرام لحج واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة، و لا بين أن يكون حجه أو عمرته لنفسه أو نيابة عن غيره.

(مسألة 1215) إذا كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة و كان الزوج محلا و عقد عليها فالأحوط (وجوبا) أن لا يتزوج بها أبدا، بل لا يخلو من قوة.

(مسألة 1216) يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعية، و كذا يجوز له أن يوكل محلا في أن يعقد له بعد إحلاله، بل و كذا أن يوكل محرما في أن يعقد له بعد إحلالهما.

(مسألة 1217) من أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه، بأن يرميها الزوج بالزنا و يدعي المشاهدة بلا بينة، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به، و تنكر ذلك و يرفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية الخاصة، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف و عنها حد الزنا، و انتفى الولد عنه، و حرمت عليه مؤبدا.

(مسألة 1218) نكاح الشغار باطل، و هو أن تتزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى، و لا يكون بينهما مهر غير

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 350

النكاحين و التزويجين، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: زوجتك بنتي أو أختي على أن تزوجني بنتك أو أختك و يكون صداق كل منهما نكاح الأخرى، و

يقول الآخر: قبلت و زوجتك بنتي أو أختي هكذا. و أما لو زوج إحداهما الآخر بمهر معلوم و شرط عليه أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم فيصح العقدان، مثل أن يقول: زوجتك بنتي أو أختي على صداق مائة دينار على أن تزوجني أختك أو بنتك هكذا، و يقول الآخر: قبلت و زوجتك بنتي أو أختي على مائة دينار. بل و كذا لو شرط أن يزوجه الأخرى و لم يذكر مهرا أصلا، مثل أن يقول زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال قبلت و زوجتك بنتي، فإنه يصح العقدان، لكن حيث أنه لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل، و سيأتي في محله من أن ذكر المهر ليس شرطا في صحة النكاح الدائم، و أن المرأة إن لم يذكر المهر تستحق مهر المثل.

الزواج المنقطع

(مسألة 1219) يسمى الزواج المنقطع: المتعة و النكاح المؤجل أيضا، و هو كالدائم في أنه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب و قبول لفظيين، و أنه لا يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين، و لا المعاطاة و لا الكتابة و لا الإشارة، و هو مثل الدائم أيضا في اعتبار العربية مع القدرة عليها، و في كون الإيجاب من طرف الزوجة كما مر.

(مسألة 1220) ألفاظ الإيجاب في هذا العقد ثلاثة (متّعت) و (زوّجت) و (أنكحت) فأيها حصل وقع الإيجاب به، و لا ينعقد بغيرها كلفظ التمليك و الهبة و الإجارة. و ألفاظ القبول كل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب كقوله (قبلت المتعة) أو (التزويج) أو (النّكاح) و لو قال (قبلت) أو (رضيت) و اقتصر كفى. و لو بدأ بالقبول فقال تزوجتك، فقالت زوجتك نفسي صح.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 351

(مسألة 1221)

لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، و كذا لا يجوز تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار بالأصل، و لا بالمرتدة و لا بالناصبية المعلنة بالعداوة.

(مسألة 1222) لا يتمتع على العمة ببنت أخيها و لا على الخالة ببنت أختها إلا بإذنهما أو إجازتهما، و كذا لا يجوز فيه الجمع بين الأختين، كل ذلك كالدائم.

(مسألة 1223) يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو أخلّ به بطل. و يعتبر فيه أن يكون مما يتمول، سواء كان عينا خارجيا أو كليا في الذمة أو منفعة أو عملا محللا صالحا للعوضية، بل و حقا من الحقوق المالية كحق التحجير و نحوه، و أن يكون معلوما بالكيل أو الوزن في المكيل و الموزون و العد في المعدود أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة، و يتقدر بالمراضاة قل أو كثر، و لو كان كفا من طعام.

(مسألة 1224) تملك المتمتعة المهر بالعقد، فيلزم عليه دفعه إليها بعده لو طالبته، و إن كان استقراره بالتمام مرتبطا بالدخول و وفائها بالتمكين في تمام المدة، فلو وهبها المدة فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، و إن كان بعده لزمه الجميع، و إن مضت من المدة ساعة و بقيت منها شهور أو أعوام فلا يقسّط المهر على ما مضى منها و ما بقي. نعم لو لم يهبها المدة و لكنها لم تف بها و لم تمكنه من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر بنسبتها، إن نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث، و هكذا ما عدا أيام حيضها، فلا ينقص بسببها من المهر شيئا. و الأرجح إلحاق سائر الأعذار بها كالمرض المدنف و نحوه، و الأحوط (استحبابا مؤكدا) التصالح.

(مسألة 1225) إذا أوقع

العقد و لم يدخل بها حتى انقضت المدة و كان القصور من قبله، استقر عليه تمام المهر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 352

(مسألة 1226) إذا تبين فساد العقد، بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها مثلا، و لم يدخل بها فلا مهر لها، و لو قبضته كان له استعادته، بل لو تلف كان عليها بدله. و كذا إن دخل بها و كانت عالمة بالفساد، و أما إن كانت جاهلة فلها مهر المثل، فإن كان ما أخذت أكثر منه استعاد الزائد، و إن كان أقل، أكمله.

(مسألة 1227) يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل، فلو لم يذكره متعمدا أو نسيانا بطل متعة و انعقد دائما. و تقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، و لا بد أن يكون معينا بالزمان مصونا من الزيادة و النقصان، و لو قدره بالمرة أو المرتين من دون أن يقدره بزمان فالأحوط (وجوبا) أن يهبها المدة و يطلقها، ثم يجدد العقد عليها متعة أو دواما. و في حكم هبة المدة انقضاؤها.

(مسألة 1228) إذا قالت زوجتك نفسي إلى شهر، أو شهرا مثلا، و أطلقت، اقتضى الاتصال بالعقد، و لو جعلا المدة منفصلة عن العقد، بأن عينا المدة شهرا مثلا و جعلا مبدأها بعد شهر من حين وقوع العقد، فالأقوى عدم صحة العقد.

(مسألة 1229) لا يصح تجديد العقد عليها دائما و منقطعا قبل انقضاء الأجل أو بذل المدة، فلو كانت المدة شهرا و أراد أن تكون شهرين لا بد أن يهبها المدة ثم يعقد عليها و يجعل المدة شهرين، و لا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر و يجعل المدة شهرا بعد الشهر الأول حتى يصير المجموع شهرين.

(مسألة 1230) يجوز أن يشترط

عليها أو تشترط عليه الإتيان ليلا أو نهارا، و أن يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان.

(مسألة 1231) يجوز العزل للمتمتع من دون إذنها و إن قلنا بعدم جوازه في الدائم، و لكن يلحق به الولد لو حملت و إن عزل، لاحتمال سبق المني من غير التفات. و لو نفاه عن نفسه و احتمل صدقه انتفى ظاهرا و لم يفتقر إلى اللعان، و لكن لا يجوز له النفي بينه و بين اللّه إلا مع العلم بالانتفاء.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 353

(مسألة 1232) لا يقع في المتعة طلاق و إنما تبين بانقضاء المدة أو هبتها، و لا رجوع له بعد ذلك.

(مسألة 1233) لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين، و لو شرطا التوارث أو توريث أحدهما فالظاهر التوريث على حسب شرطهما، و إن كان الأحوط التصالح مع باقي الورثة.

(مسألة 1234) إذا انقضى أجلها أو وهبها مدتها قبل الدخول فلا عدة عليها، و إن كان بعده و كانت بالغة غير يائسة فعليها العدة، و عدتها على الأشهر الأظهر حيضتان، و إن كانت في سن من تحيض و لا تحيض فعدتها خمسة و أربعون يوما. و الظاهر اعتبار حيضتين تامتين، فلو انقضى الأجل أو وهبها المدة في أثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة منها، بل لا بد من حيضتين تامتين بعد ذلك. هذا إذا كانت حائلا، و أما لو كانت حاملا فعدتها إلى أن تضع حملها كالمطلقة على إشكال، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل و من انقضاء خمسة و أربعين يوما أو حيضتين. و أما عدتها من الوفاة فهي أربعة أشهر و عشرة أيام إن كانت حائلا، و أبعد الأجلين منها و من وضع

حملها إن كانت حاملا كالدائمة.

(مسألة 1235) يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة، و السؤال عن حالها و أنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا، و ليس السؤال و الفحص عن حالها شرطا في الصحة.

(مسألة 1236) يجوز التمتع بالزانية على كراهية، و لو تمتع بها فليمنعها من الفجور، بل الأحوط (وجوبا) الترك في المشهورات بالزنا إلا بعد التوبة.

العيوب الموجبة لخيار الفسخ

اشارة

(مسألة 1237) العيوب الموجبة للخيار قسمان مشتركة و مختصة، أما المشتركة فهي الجنون، و هو اختلال العقل، و ليس منه الإغماء و مرض الصرع

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 354

الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات، و لكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقا، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطي أو بعده، هذا إذا كان جنونه بحيث لا يعرف أوقات الصلاة و الا فلا يترك الاحتياط بضم الطلاق إذا فسخت. و أما في المرأة فإذا كان جنونها قبل العقد و لم يعلم الرجل، أما إذا حدث بعده فلا يوجب الخيار. و لا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق و الأدوار و إن وقع العقد حال إفاقته، كما أن الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم و المنقطع.

و أما المختصة بالرجل فثلاث: الخصاء و هو سل الأنثيين أو رضهما، و تفسخ به المرأة مع سبقه على العقد و عدم علمها به. و الجب و هو قطع الذكر، بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطأ و لو قدر الحشفة، و تفسخ به المرأة، سواء سبق العقد أو لحقه بشرط كونه قبل الوطأ لا بعده. و العنن و هو مرض تضعف معه الآلة

عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج، و هو سبب لحق المرأة في الفسخ بشرط عجزه عن وطئها و وطء غيرها، فلو لم يقدر على وطئها و قدر على وطء غيرها فلا خيار لها، و يثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدد بعده، لكن بشرط أن لا يكون وقع منه وطؤها و لو مرة، فلو وطأها ثم حدثت به العنة بحيث لم يقدر على الوطأ بالمرة، فلا خيار لها.

و أما المختصة بالمرأة فستة: البرص، و الجذام، و الإفضاء و قد مرّ تفسيره، و القرن و يقال له العفل، و هو لحم أو عظم كالسن ينبت في فم الرحم يمنع من الوطأ. بل و ان لم يمنع إذا أوجب الانقباض و الانزجار لعدم تكميل التذاذ الوطأ بسببه على الظاهر و إن كان الأحوط عدم الفسخ لذلك. و العرج البيّن و إن لم يبلغ حد الإقعاد و الزمانة على الأظهر. و العمى و هو ذهاب البصر من العينين و إن كانتا مفتوحتين، و لا اعتبار بالعور و لا بالعشا، و هو عدم الإبصار في الليل خاصة، و لا بالعمش و هو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 355

(مسألة 1238) إنما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبين وجودها قبل العقد، و أما ما يتجدد بعده فلا اعتبار به، سواء كان قبل الوطأ أو بعده.

(مسألة 1239) ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار لا من طرف الرجل و لا من طرف المرأة.

(مسألة 1240) الأقوى أن الجذام و البرص ليسا من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة، فهما من العيوب المختصة بالمرأة كما مر، و إن قيل إنهما من العيوب المشتركة.

(مسألة 1241) خيار الفسخ في

كل من الرجل و المرأة على الفور، فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد. نعم الظاهر أن الجهل بالخيار بل و الفورية عذر، فلو كان عدم المبادرة بالفسخ من جهة الجهل بأحدهما لم يسقط الخيار.

(مسألة 1242) إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إذا لم يكن لمدعيه بينة، و يثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى إذا فرض علم البينة بالعنن و إن كان الفرض نادرا، كما أن كل عيب يثبت بإقرار صاحبه أو بالبينة على إقراره، و تثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات كما في نظائرها.

(مسألة 1243) إذا ثبت عنن الرجل بأحد الوجوه المذكورة، فإن صبرت فلا كلام، و إن لم تصبر و رفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه، أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدة فلا خيار لها، و إلا كان لها الفسخ فورا عرفيا، و إن لم تبادر بالفسخ فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضر كما مر، و إلا سقط خيارها، و كذا إن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الفسخ بعد ذلك، فإنه ليس لها ذلك.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 356

(مسألة 1244) الفسخ بالعيب ليس طلاقا، سواء وقع من الزوج أو الزوجة، فليس له أحكامه و لا يترتب عليه لوازمه و لا يعتبر فيه شروطه، فلا يحسب من الثلاثة المحرّمة المحوجة إلى المحلل، و لا يعتبر فيه الخلو من الحيض و النفاس و لا حضور العدلين.

(مسألة 1245) يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة بدون إذن الحاكم، و كذا المرأة بعيب الرجل. نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم، لكن من

جهة ضرب الأجل حيث أنه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها، فبعد ضرب الأجل يحق لها الفسخ عند انقضائه و تعذر الوطأ في المدة من دون مراجعته.

(مسألة 1246) إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، و إن كان بعده استقر عليه المهر المسمى. و كذا الحال إذا فسخت المرأة بعيب الرجل، فتستحق تمام المهر إن كان بعد الدخول، و إن كان قبله لم تستحق شيئا، إلا في العنن فإنها تستحق عليه فيه نصف المهر المسمى.

التدليس

(مسألة 1247) إذا دلست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار و تبين له بعد الدخول، فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر كما مر، و إن اختار الفسخ لم تستحق المهر، و إن دفعه إليها استعاده. و إن كان المدلس غير الزوجة فالمهر المسمى و إن استقر على الزوج بالدخول و استحقت عليه الزوجة، إلا أنه إذا دفعه إليها يرجع به على المدلس و يأخذه منه.

(مسألة 1248) يتحقق التدليس بتوصيف المرأة بالصحة عند الزوج للتزويج بحيث يصير سببا لغروره و انخداعه، فلا يتحقق بالإخبار لا لأجل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 357

الزواج أو بإخبار غير الزوج. و الظاهر تحققه أيضا في العيوب المجوزة للفسخ بالسكوت عن العيب مع العلم به و خفائه على الزوج و اعتقاده بالعدم.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، هداية العباد (للگلبايگاني)، 2 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

هداية العباد (للگلبايگاني)؛ ج 2، ص: 357

(مسألة 1249) من يكون تدليسه موجبا للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج من وليها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدها و أمها و أخيها الكبير و عمها و

خالها ممن لا تصدر إلا عن رأيهم، و يتصدون تزويجها و ترجع إليهم فيه في العرف و العادة، و مثلهم على الظاهر بعض الأجانب الذي له علاقة بها بحيث لا تصدر إلا عن رأيه و يكون هو المرجع في أمورها المهمة، بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر الغير الذي يتصل بالطرفين و يعمل للتوفيق بينهما بحيث ينسب أمر تزويجهما إليه.

(مسألة 1250) كما يتحقق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون و العمى و غيرهما، كذلك يتحقق في مطلق النقص كالعور و نحوه بإخفائه، و كذا في صفات الكمال كالشرف و الحسب و النسب و الجمال و البكارة و غيرها بتوصيفها بها مع فقدانها. أما أثر التدليس في العيوب الموجبة للخيار فهو رجوع الزوج على المدلس بالمهر كما مر، و أما الخيار فإنما هو بسبب نفس وجود العيب و لو لم يكن تدليس. و أما التدليس في سائر أنواع النقص و في صفات الكمال، فيوجب الخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط، و يلحق به توصيفها بذلك في العقد و إن لم يكن بعبارة الاشتراط، كما إذا قال «زوجتك هذه البنت الباكرة أو غير الثيبة» بل الظاهر أنه إذا وصفها بصفتي الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة و المقاولة ثم أوقع العقد مبنيا على ما ذكر بحيث عد كالمذكور في العقد، فإنه يكون بمنزلة الاشتراط فيوجب الخيار. و إذا تبين ذلك بعد العقد و الدخول و اختار الفسخ و دفع المهر، رجع به على المدلس.

(مسألة 1251) ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليها عن النقص مع وجوده و اعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 358

للخيار، و أولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها.

(مسألة 1252) إذا تزوج امرأة على أنها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة من اشتراط البكارة في العقد أو توصيفها بها أو إيقاع العقد بانيا عليها، فوجدها ثيبا، لم يكن له الفسخ إلا إذا ثبت بالإقرار أو البينة سبق ذلك على العقد فحينئذ له الفسخ. أما إذا تزوجها باعتقاد البكارة و لم يكن اشتراط و لا توصيف و إخبار و بناء على ثبوتها، فبان خلافها، فليس له الفسخ و إن ثبت زوالها قبل العقد.

(مسألة 1253) إذا فسخ حيث يكون له الفسخ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، و إن كان بعده استقر المهر و رجع به على المدلس، و إن كانت هي المدلسة لم تستحق شيئا، و إن لم يكن تدليس استقر عليه المهر و لا رجوع له على أحد، و إذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ، كما في صورة اعتقاده البكارة من دون اشتراط و توصيف و بناء، أو في صورة احتمال تجدد الثيبوبة بعد العقد، فله أن ينقص من مهرها شيئا، و هو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكرا و ثيبا، فإذا كان المهر المسمى مائة و كان مهر مثلها بكرا ثمانين و ثيبا ستين، ينقص من المائة ربعها و هي خمسة و عشرون، و يبقى لها خمسة و سبعون.

أحكام المهر (الصداق)

(مسألة 1254) كل ما يملكه المسلم يصح جعله مهرا، عينا كان أو دينا أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان، و يصح جعله منفعة الحر كتعليم صنعة و نحوه من كل عمل محلل، بل الظاهر صحة جعله حقا ماليا قابلا للنقل

و الانتقال كحق التحجير و نحوه. و لا يتقدر المهر بقدر، بل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 359

يكون ما تراضى عليه الزوجان كثيرا كان أو قليلا ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من حنطة. نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة و هو خمسمائة درهم.

(مسألة 1255) لو جعل المسلم المهر ما لا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير، صح العقد و بطل المهر، فلا تملك شيئا بالعقد و إنما تستحق مهر المثل بالدخول.

(مسألة 1256) لا بد من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام، فلو أمهرها أحد هذين، أو خياطة أحد ثوبين مثلا، بطل المهر دون العقد، و كان لها مع الدخول مهر المثل. نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع و نحوه من المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة و إن جهل كيلها أو وزنها أو عددها أو ذرعها كصبرة من الطعام و قطعة من الذهب، و أمثال ذلك.

(مسألة 1257) ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد الدائم، فلو عقد عليها و لم يذكر مهرا أصلا، بأن قالت الزوجة للزوج مثلا: زوجتك نفسي، أو قال وكيلها: زوجت موكلتي فلانة، فقال الزوج: قبلت، صح العقد، بل لو صرحت بعدم المهر بأن قالت: زوجتك نفسي بلا مهر، فقال: قبلت، صح، و يقال لإيقاع العقد بلا مهر تفويض البضع.

(مسألة 1258) إذا وقع العقد بلا مهر لم تستحق المرأة قبل الدخول شيئا، إلا إذا طلقها حينئذ فتستحق عليه أن يعطيها شيئا بحسب حاله من الغنى و الفقر و اليسار و الإعسار، من دينار أو درهم أو ثوب أو دابة أو غيرها، و يقال لذلك الشي ء متعة، و لو انفسخ العقد قبل الدخول

بأمر غير الطلاق، لم تستحق شيئا لا مهرا و لا متعة. و كذا لو مات أحدهما قبل الدخول. و أما لو دخل بها فتستحق عليه بسبب الدخول مهر أمثالها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 360

(مسألة 1259) يلزم في تقدير مهر المثل هنا و في كل مورد يحكم بثبوته شرعا، أن يلاحظ حال المرأة و صفاتها من السن و البكارة و النجابة و العفة و العقل و الأدب و الشرف و الجمال و الكمال و أضدادها، بل يلاحظ كل ماله دخل في العرف و العادة في ارتفاع المهر و نقصانه، فتلاحظ أقاربها و عشيرتها و بلدها و غير ذلك أيضا، و لو تردد بين الأقل و الأكثر فالمتيقن أقل ما يصدق عليه، و إن كان الأحوط (استحبابا) التصالح.

(مسألة 1260) إذا أمهر ما لا يملكه أحد كالحر، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير، صح العقد و بطل المهر، و استحقت عليه مهر المثل بالدخول، و كذا إذا جعل المهر شيئا باعتقاد كونه خلا فبان خمرا، بل و كذا إذا جعل المهر مال الغير أو شيئا باعتقاد كونه ماله، فبان خلافه.

(مسألة 1261) إذا أشرك أباها في المهر، بأن سمي لها مهرا و لأبيها شيئا معينا، تعين ما سمى لها مهرا لها، و سقط ما سمى لأبيها، فلا يستحق الأب شيئا بل حتى لو وقع عليه العقد جزءا للمهر أو استقلالا، لإطلاق النص.

(مسألة 1262) ما تعارف في بعض البلاد من أنه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها أو أمها أو أختها من الزوج شيئا و هو المسمى في إيران (شيربها أي حق الرضاع) لا بعنوان المهر أو جزئه، بل يؤخذ زائدا على المهر، و حكمه أنه إن كان

إعطاؤه و أخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح، كما إذا أعطى شيئا للأخ لأن يتوسط بينهما و يرضي أخته و يسعى في رفع بعض الموانع، فلا إشكال في جوازه و حليته بل في استحقاق العامل له، و عدم جواز استرجاعه منه. و إن لم يكن بعنوان الجعالة فإن كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه و لو لأجل إرضاء زوجته، فالظاهر جواز أخذه للقريب، لكن يجوز للزوج استرجاعه بشروط استرجاع الموهوب. و أما مع عدم رضا الزوج

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 361

و كان إعطاء ذلك لاستخلاص البنت من أقربائها، مع رضاها بالزواج بدون ذلك، فيحرم أخذه و أكله، و يجوز للزوج الرجوع فيه، باقيا كان أو تالفا.

(مسألة 1263) إذا وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعد العقد على شي ء، سواء كان بقدر مهر المثل أو أقل منه أو أكثر، و يتعين ذلك مهرا و يكون كالمذكور في العقد.

(مسألة 1264) يجوز أن يجعل المهر كله حالا أي بلا أجل، و مؤجلا، و أن يجعل بعضه حالا و بعضه مؤجلا، و للزوجة مطالبة الحالّ في كل حال بشرط مقدرة الزوج و يساره، بل لها أن تمتنع من التمكين و تسليم نفسها حتى تقبض مهرها الحالّ، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا. نعم ليس لها الامتناع إذا كان المهر مؤجلا كله، أو بعضه و قد أخذت بعضه الحال.

(مسألة 1265) يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة و يفوض تقديره و تعيينه إلى أحد الزوجين، بأن تقول الزوجة مثلا: زوجتك نفسي على ما تحكم أو أحكم من المهر، فيقول: قبلت، فإن كان الحاكم الذي فوض إليه تقدير المهر في العقد هو الزوج جاز أن يحكم بما

شاء، و لا يتقدر بقدر لا في طرف الكثرة و لا في طرف القلة ما دام متموّلا، و إن كان الحكم إليها كان لها الحكم في طرف القلة بما شاءت، و أما في طرف الكثرة فلا يمضى حكمها فيما زاد على مهر السنة و هو خمسمائة درهم.

(مسألة 1266) إذا طلق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمى و بقي نصفه، فإن كان دينا عليه و لم يكن دفعه برئت ذمته من نصفه، و إن كان عينا صارت مشتركة بينه و بينها، و لو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقيا، و إن كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا و نصف قيمته إن كان قيميا. و في حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم. و أما لو كان انتقاله منها إلى الغير بناقل جائز كالبيع بخيار تخيرت بين الرجوع و دفع نصف العين، و بين دفع بدل النصف.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 362

(مسألة 1267) إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى استحقاق المرأة تمام المهر.

(مسألة 1268) تملك المرأة الصداق بنفس العقد و تستقر ملكية تمامه بالدخول، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول عاد إليه النصف و بقي للمرأة النصف، فلها التصرف في تمام المهر بعد العقد بأنواع التصرفات، و لو حصل له نماء كان لها خاصة، و إن طلقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد، و لا يستحق من النماء المتخلل شيئا.

(مسألة 1269) لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثم طلقها قبل الدخول استحق معادل نصفه منها، و كذا لو كان الصداق عينا فوهبته إياها رجع بنصف مثلها عليها، أو قيمة النصف.

(مسألة 1270) الدخول الذي يستقر به تمام المهر هو

مطلق الوطي و لو دبرا، و إذا اختلف الزوجان بعد ما طلقها فادعت وقوع المواقعة و أنكرها، فالقول قوله بيمينه، و له أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البينة على العدم إن أمكن، كما إذا ادعت المواقعة قبلا و كانت بكرا و كانت عنده بينة على بقاء بكارتها، أو ادعت المواقعة و لو دبرا و شهدت البينة بعدم ملاقاته إياها بعد العقد لكونه مسافرا أو تشهد بكونه مجبوبا أو غيره من الموانع.

(مسألة 1271) إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادعته الزوجة و أنكر الزوج، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه، و إن كان بعد الدخول كلفت بالتعيين، بل لا يبعد عدم سماع دعواها ما لم تفسر، و أنه لا يسمع منها مجرد قولها (لي عليه المهر) ما لم تبين المقدار، فإذا فسرت و قالت إني أطلب منك مهري و هو المبلغ الفلاني و لم يكن أكثر من مهر المثل، حكم لها عليه بما تدعيه، و لا يسمع منه إنكار أصل المهر. نعم لو قال في جوابها: نعم قد كان علي كذا إلا أنه قد سقط عني إما بالأداء أو الإبراء، يسمع منه ذلك إلا أنه يحتاج إلى الإثبات، فإن أقام البينة على ذلك ثبت

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 363

مدعاه، و إلا فله عليها اليمين، فان حلفت على نفي الأداء أو الإبراء ثبتت دعواها، و إن نكلت سقطت دعواها بناء على سقوط الدعوى بالنكول و لها رد اليمين على الزوج، فإن حلف على الإبراء أو الأداء سقطت دعواها و إن نكل عن اليمين ثبتت. هذا لو كان ما تدعيه بمقدار مهر المثل أو أقل، و إن كان أكثر كان عليها الإثبات، و إلا

فلها على الزوج اليمين.

(مسألة 1272) إذا توافقا على أصل المهر و اختلفا في مقداره كان القول قول الزوج بيمينه، إلا إذا أثبتت الزوجة خلافه بالموازين الشرعية. و كذا إذا ادعت كون عين من الأعيان كدار أو بستان مهرا لها و أنكر الزوج، فإن القول قوله بيمينه، و عليها البينة.

(مسألة 1273) إذا اختلفا في التعجيل و التأجيل فقالت المرأة إنه حالّ معجل، و قال الزوج أنه مؤجل، و لم تكن بينة، كان القول قولها بيمينها.

و كذا لو اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادعت أنه إلى سنة و ادعى أنه إلى سنتين.

(مسألة 1274) إذا توافقا على المهر و ادعى تسليمه و لا بينة، فالقول قولها بيمينها.

(مسألة 1275) إذا دفع إليها قدر مهرها ثم اختلفا بعد ذلك فقالت دفعته هبة، و قال بل دفعته صداقا، فالقول قوله بيمينه.

(مسألة 1276) إذا زوج ولده الصغير، فإن كان للولد مال فالمهر على الولد إن لم يضمن والده، و إن لم يكن له مال فالمهر في عهدة الوالد سواء ضمن أم لم يضمن، فلو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته سواء بلغ الولد و أيسر أم لا.

(مسألة 1277) إذا دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار الولد، ثم بلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر، و كان له دون والده.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 364

الشروط في عقد النكاح

(مسألة 1278) يجوز أن يشترط ضمن عقد النكاح كل شرط سائغ، و يجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود، لكن تخلفه أو تعذره لا يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود. نعم لو كان الشرط التعهد بوجود صفة في أحد الزوجين مثل كون الزوجة باكرا أو

كون الزوج عالما أو مؤمنا فتبين خلافه، أوجب الخيار كما مرت الإشارة إليه.

(مسألة 1279) إذا شرطت في عقد النكاح ما يخالف المشروع مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت و إلى أين شاءت، أو لا يعطي حق ضرتها من المضاجعة أو المواقعة أو النفقة و نحو ذلك، بطل الشرط لكن صح العقد و المهر حتى لو قلنا بأن الشرط الفاسد يفسد العقد، فبهذا أيضا امتاز عقد النكاح عن سائر العقود. أما إذا شرطت أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، فلا يترك مراعاة الاحتياط (وجوبا).

(مسألة 1280) لو شرطت أن لا يفتضها لزم الشرط، و لو أذنت له بعد ذلك جاز، من غير فرق في ذلك بين النكاح الدائم و المنقطع.

(مسألة 1281) إذا شرطت أن لا يخرجها من بلدها أو أن يسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص، لزم العمل بالشرط.

القسمة و النشوز و الشقاق

اشارة

(مسألة 1282) لكل واحد من الزوجين حق على صاحبه يجب عليه القيام به و إن كان حق الزوج أعظم، حتى أنه قد ورد عن سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، و لو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) الخبر.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 365

و من حقه عليها أن تطيعه في غير معصية اللّه، و الواجب منه ما يأتي في النشوز، و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه و لو إلى أهلها و لو لعيادة والدها أو في عزائه، بل ليس لها أمر مع زوجها في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو

صلة قرابتها. بل أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك خيرا، فقد حبط عملها، و أيما امرأة باتت و زوجها ساخط عليها في حق، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها، و إن خرجت من غير إذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة، حتى ترجع إلى بيتها.

و أما حقها عليه فهو أن يشبعها و يكسوها، و أن يغفر لها إذا جهلت و لا يقبّح لها وجها، و في الخبر عن سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة، و عيال الرجل أسراؤه و أحب العباد إلى اللّه تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه.

(مسألة 1283) من كانت له زوجة واحدة فليس لها على زوجها حق المبيت عندها و المضاجعة معها في كل ليلة، بل و لا في كل أربع ليال ليلة على الأقوى، بل القدر اللازم أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلقة لا هي ذات بعل و لا مطلقة. نعم لها عليه حق المواقعة في كل أربعة أشهر مرة كما مر. أما إن كان عنده أكثر من واحدة فإذا بات عند إحداهن يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضا، فإذا كن أربعا و بات عند إحداهن طاف عليهن في أربع ليال لكن منهن ليلة، و لا يفضل بعضهن على بعض، و إن كان عنده ثلاث، فإذا بات عند إحداهن يجب عليه أن يبيت عند الأخريين ليلتين، و له أن يفضل إحداهن بليلتين، و إن كان عنده زوجتان و بات عند إحداهما بات في ليلة أخرى عند الأخرى و له أن يجعل

لإحداهما ثلاث ليال و لأخرى واحدة. و بعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع و إن شاء شرع فيه على النحو المتقدم،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 366

و المشهور أن للزوجة الواحدة ليلة من أربع، و للأربع لكل منهن ليلة و ليس للزوج ليلة، و للثلاث ثلاث ليال و له ليلة، و للاثنتين ليلتان و له ليلتان، و العمل بهذا القول أحوط خصوصا في الأكثر من واحدة، و لكن الأقوى ما قدمناه خصوصا في الواحدة.

(مسألة 1284) يختص وجوب المبيت و المضاجعة بالدائمة، فليس للمتمتع بها هذا الحق، سواء كانت واحدة أو متعددة.

(مسألة 1285) يجوز للمرأة أن تهب حق المبيت للزوج بعوض أو بلا عوض ليصرف ليلته فيما شاء، أو تهبه لضرتها فيصير الحق لها.

(مسألة 1286) تختص البكر أول عرسها بأنه يجوز للزوج أن يخصها بسبع ليال، و الثيب بثلاث تفضلان بذلك على غيرهما، و لا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة. و له أن يخص البكر بثلاث ليال مثل الثيب و له أن لا يخصها بشي ء، و لكن التخصيص أحسن.

(مسألة 1287) لا قسمة للصغيرة و لا للناشزة. أما المجنونة المطبقة فالأحوط عدم ترك القسمة لها إذا كانت ملتفتة لذلك و تنتفع بها، إلا أن يكون المبيت عندها غير مأمون. و تسقط القسمة و حق المضاجعة بالسفر، و ليس عليه القضاء.

(مسألة 1288) إذا شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأي منهن شاء، و إن كان الأولى و الأحوط التعيين بالقرعة. و كذا بعد تمام القسمة الأولى، و لكن الاحتياط بالقرعة فيه آكد.

(مسألة 1289) تستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق و الالتفات و إطلاق الوجه و المواقعة، و أن يكون في صبيحة

كل ليلة عند صاحبتها، و أن يأذن لها في حضور موت أبيها و أمها، و إن كان له منعها عن ذلك و عن عيادة أبيها و أمها، فضلا عن غيرهما، و عن الخروج من منزله إلا لحق واجب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 367

النشوز

(مسألة 1290) النشوز في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، من عدم التمكين من نفسها، و عدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع و الالتذاذ بها، بل و ترك التنظف و التزين مع اقتضاء حال الزوج لها، و كذا خروجها من بيته من دون إذنه و غير ذلك. و لا يتحقق النشوز بترك طاعته التي لا تجب عليها، فلو امتنعت من خدمات البيت و حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع من الكنس و الخياطة و الطبخ و غير ذلك حتى سقيه الماء و تمهيد الفراش، لم يتحقق النشوز.

(مسألة 1291) إذا ظهرت منها أمارات النشوز و الطغيان بسبب تغيير عادتها معه في القول أو الفعل- بأن صارت تجيبه بكلام خشن بعد ما كانت تجيبه بكلام لين، أو صارت تظهر عبوسا و تثاقلا و دمدمة، بعد أن كانت على خلاف ذلك، و غير ذلك- فالأقوى عدم جواز هجرها قبل وقوع النشوز، فإذا وقع يعظها، فإن لم يؤثر يهجرها، فإن لم يؤثر، جاز له أن يضربها. و لا بأس بالموعظة قبل النشوز إذا ظهرت أماراته خصوصا إذا كان بلسان لين و تلطف، و لكن ذلك لا يجزي عن الموعظة بعد النشوز. و يكون الهجر إما بأن يحول إليها ظهره في الفراش أو يعتزل فراشها بعد أن يعظها، فإذا لم يؤثر ذلك فيها حتى وقع منها النشوز جاز له ضربها، و يقتصر على ما يؤمل معه رجوعها،

فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، و إلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا و لا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها أو احمراره، و اللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفي و الانتقام، و لو حصل بالضرب جناية وجب الغرم.

(مسألة 1292) كما يكون النشوز من طرف الزوجة يكون من طرف الزوج أيضا بتعديه عليها و عدم القيام بحقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه النشوز

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 368

بمنع حقوقها من قسم و نفقة و نحوهما، فلها المطالبة بها و وعظه، فإن لم يؤثر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها، و ليس لها هجره و لا ضربه، و إذا اطلع الحاكم على نشوزه و تعديه نهاه عن فعل ما يحرم عليه و أمره بفعل ما يجب، فإن نفع و إلا عزره بما يراه، و له أيضا الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك و لو ببيع عقاره إذا توقف عليه.

(مسألة 1293) إذا ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنها أو غيره، أو همّ بالتزوج عليها فبذلت له مالا أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له، صح و حل له ذلك.

و أما لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم و غير ذلك فبذلت مالا أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقها أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها فتخلص من يده، حرم عليه ما بذلت و إن لم يكن من قصده إلجاؤها إلى البذل على الأقوى.

(مسألة 1294) إذا وقع نشوز من الزوجين و خيف استمراره و انجر أمرهما إلى الحاكم، بعث حكمين حكما من جانبه و حكما

من جانبها للإصلاح و رفع الشقاق بما يريانه من الصلاح من الجمع أو الفراق بإذن الزوجين.

و يجب عليهما البحث و الاجتهاد في حالهما و فيما هو السبب و العلة لحصول النشوز بينهما، ثم يسعيان في أمرهما فكلما استقر عليه رأيهما و حكما به نفذ على الزوجين و لزم عليهما الرضا به، بشرط كونه جائزا، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها، أو لا يسكن معها في الدار أمه أو أخته و لو في غرفة منفردة، أو لا تسكن معها ضرتها في دار واحدة و نحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل أو ترد عليه ما قبضته قرضا و نحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير جائز كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو نفقة أو رخصة المرأة في خروجها من بيته حيث شاءت و أين شاءت، و نحو ذلك.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 369

(مسألة 1295) إذا اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلا إذا شرطا على الزوجين بأنهما إن شاءا جمعا و إن شاءا فرقا، و حيث أن التفريق لا يكون إلا بالطلاق فلا بد من وقوعه مع اجتماع شرائطه، بأن يقع في طهر لم يواقعها فيه، و في حضور العدلين، و غير ذلك.

(مسألة 1296) الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين، بأن يكون حكم من أهله و حكم من أهلها، فإن لم يكن لهما أهل أو لم يكن أهلهما أهلا لهذا الأمر تعين من غيرهم. و لا يعتبر أن يكون من جانب كل منهما حكم واحد فقط، بل لو اقتضت المصلحة

بعث أكثر من واحد تعين ذلك.

(مسألة 1297) ينبغي للحكمين إخلاص النية و قصد الإصلاح، فمن حسنت نيته فيما تحرّاه أصلح اللّه مسعاه، كما يرشد إلى ذلك قوله جل شأنه في هذا المقام (إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا).

أحكام الأولاد

(مسألة 1298) إنما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها عند الشك بشروط ثلاثة: الأوّل: الدخول، و لو في الدبر، فيتحقق به الفراش و يلحق الولد بالزوج مع احتمال كونه له و إمكانه من حيث المدة و من حيث السبب، فباحتمال جذب المني أو التزريق بالإبرة لا يلحق الولد به قبل الدخول و إن كان ملحقا به مع القطع بذلك. و الشرط الثاني: مضي ستة أشهر أو أكثر من حين الوطأ إلى زمن الولادة، و الثالث: أن لا يتجاوز عن أقصى مدة الحمل و هو سنة على المختار. فلو لم يدخل بها أصلا و لو في الدبر لم يلحق به قطعا، بل يجب نفيه عنه مع قطعه بعدم كونه له. و أما مع احتمال كونه له، كما إذا أنزل في فرجها من غير دخول أو حواليه أو أدخل الماء بوسيلة الإبرة و احتمل أن يكون

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 370

الولد منه، فلا يجوز له نفيه و إن كان في إلحاقهما بالدخول في تحقق الفراش بهما إشكال. و كذا لا يلحق به لو دخل بها و جاءت بولد حي كامل لأقل من ستة أشهر من حين الدخول، أو جاءت به و قد مضى من حين وطئه إياها أكثر من سنة، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها سنة أو أكثر، أو ولدت بعد موت الزوج بأكثر من سنة.

(مسألة 1299) إذا تحققت الشروط الثلاثة لحق الولد به، و لا يجوز

له نفيه و إن وطأها واط فجورا فضلا عما لو اتهمها بالفجور، و لا ينتفي عنه لو نفاه إن كان العقد دائما إلا باللعان، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعا و جاءت بولد أمكن إلحاقه به، فإنه و إن لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهرا من غير لعان، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب.

(مسألة 1300) لا يجوز نفي الولد لمكان العزل، فلو نفاه لم ينتف إلا باللعان.

(مسألة 1301) الموطوءة بشبهة، كما إذا وطأ أجنبية بظن أنها زوجته، يلحق ولدها بالواطي بشرط أن لا تكون ولادته لأقل من ستة أشهر، و أن لا يتجاوز عن أقصى مدة الحمل إذا لم تكن موطوءة من غيره شبهة أيضا بحيث يمكن إلحاقه بكل منهم، و إلا أقرع بين المحتملات.

(مسألة 1302) إذا اختلفا في الدخول الموجب لإلحاق الولد و عدمه فادعته المرأة ليلحق الولد به و أنكره، أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج و ادعى أنها أتت به من خارج، فالقول قوله بيمينه. و أما لو اتفقا في الدخول و الولادة و اختلفا في المدة فادعى ولادتها لدون ستة أشهر أو لأكثر من أقصى الحمل، و ادعت هي خلافه، فالقول قولها بيمينها، و يلحق الولد به و لا ينتفي عنه إلا باللعان.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 371

(مسألة 1303) إذا طلق زوجته المدخول بها فاعتدت و تزوجت ثم أتت بولد، فإن لم يمكن لحوقه بالثاني و أمكن لحوقه بالأول كما إذا ولدته دون ستة أشهر من وطأ الثاني و لتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وطأ الأول فهو للأول و يتبين بطلان نكاح الثاني لوقوعه في العدة و تحرم على الثاني

مؤبدا لوطيه إياها، و إن انعكس الأمر بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأول، لحق بالثاني، كأن ولدته لأكثر من أقصى الحمل من وطأ الأول و لأقل الحمل إلى الأقصى من وطأ الثاني، و إن لم يمكن لحوقه بأحدهما كأن ولدته لأكثر من أقصى الحمل من وطأ الأول، و لدون ستة أشهر من وطأ الثاني، انتفى منهما. و إن أمكن إلحاقه بهما بأن كانت ولادته لستة أشهر من وطأ الثاني و دون أقصى الحمل من وطأ الأول فهو للثاني.

(مسألة 1304) إذا طلقها ثم وطئت بشبهة ثم أتت بولد فهو كالتزوج بعد العدة، فتجي ء فيه الصور الأربع المتقدمة حتى الصورة الأخيرة، و هي ما إذا أمكن اللحوق بكل منهما، فإنه يلحق بالأخير هنا أيضا.

(مسألة 1305) إذا كانت تحت زوج و وطأها شخص آخر بشبهة ثم أتت بولد، فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، و إن لم يمكن لحوقه بهما انتفى عنهما، و إن أمكن لحوقه بكل منهما أقرع بينهما.

أحكام الولادة و الرضاع و الحضانة

(مسألة 1306) للولادة و المولود سنن و آداب بعضها واجبة و بعضها مندوبة نذكر أهمها في المسائل التالية.

(مسألة 1307) يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين ولادتها دون الرجال إذا استلزمت مساعدتهم النظر أو اللمس المحرم عليهم، هذا مع الاختيار أما مع الاضطرار فلا بأس به، بل قد يجب. كما أنه لا بأس بالزوج و إن وجدت النساء.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 372

(مسألة 1308) يستحب غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر، و الأذان في أذنه اليمنى و الإقامة في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان الرجيم، و تحنيكه بماء الفرات و تربة الحسين عليه السّلام، و تسميته بالأسماء المستحسنة، فإن ذلك من حق الولد

على الوالد، و أفضلها ما يتضمن العبودية للّه جل شأنه كعبد اللّه و عبد الرحيم و نحو ذلك، و يليها أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام، و أفضلها اسم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل يكره ترك التسمية به إذا ولد له أربعة أولاد، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من ولد له أربعة أولاد و لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني. و يكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمدا، و يستحب أن يحلق رأس الولد يوم السابع، و أن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، و يكره أن يحلق من رأسه موضع و يترك موضع.

(مسألة 1309) تستحب الوليمة عند الولادة، و هي إحدى الخمس التي سنّت فيها الوليمة، و إحداها عند الختان، و لا يعتبر إيقاعها في يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، و الظاهر أنه إن ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدى السنتان.

(مسألة 1310) يجب ختان الذكور، بل ربما يعد من الضروريات، و يستحب إيقاعه في اليوم السابع، و يجوز التأخير عنه، و إن تأخر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه، حتى أن الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان و إن كان مسنا. و الأقوى أنه لا يجب على الولي أن يختن الصبي فيجوز له تأخيره إلى ما بعد بلوغه و يجب حينئذ على الصبي، و قيل بوجوبه على الولي و هو الأحوط.

(مسألة 1311) الختان واجب لنفسه و شرط لصحة طوافه في حج أو عمرة واجبين أو مندوبين، و ليس شرطا في صحة الصلاة على الأقوى فضلا عن سائر العبادات.

هداية العباد

(للگلبايگاني)، ج 2، ص: 373

(مسألة 1312) الظاهر أن الحد الواجب في الختان أن تقطع الجلدة الساترة للحشفة المسماة بالغلفة بحيث تظهر ثقبة الحشفة و مقدار من بشرتها، و إن لم تستأصل تلك الجلدة و لم تظهر تمام الحشفة، و بعبارة أخرى قطعها بحيث لا يصدق عليه الأغلف الذي ورد أن الأرض تضج من بوله أربعين صباحا.

(مسألة 1313) لا بأس بكون الختّان كافرا ذميا أو حربيا، فلا يعتبر فيه الإسلام.

(مسألة 1314) لو ولد الصبي مختونا سقط الختان و إن استحب إمرار الموسى على المحل للعمل بالسنة.

(مسألة 1315) من المستحبات الأكيدة العقيقة للذكر و الأنثى، و يستحب أن يعق عن الذكر ذكرا و عن الأنثى أنثى، و أن يكون يوم السابع، و إن تأخر عنه لعذر أو لغير عذر لم يسقط، بل لو لم يعق عن الصبي حتى بلغ و كبر عقّ عن نفسه، بل لو لم يعق عن نفسه في حياته يستحب أن يعق عنه بعد موته. و لا بد أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم ضأنا كان أو معزا، و البقر، و الإبل. و لا يجزي عنها التصدق بثمنها. و يستحب أن تجتمع فيها شروط الأضحية. و في الموثق (يذبح عنه كبش) و إذا لم يوجد كبش أجزأه ما يجزي في الأضحية، بل يجزي و إن لم يكن واجدا لشرائط الأضحية.

و يستحب أن تخص القابلة منها بالثلث و دونه الربع، و إن كان مشتملا على الرجل و الورك فهو أفضل. و لو لم تكن قابلة أعطي ذلك للأم تتصدق به.

(مسألة 1316) يتخير في العقيقة بين أن يفرقها لحما أو مطبوخا أو تطبخ و يدعى عليها جماعة من المؤمنين، لا أقل من عشرة، و إن

زاد فهو أفضل يأكلون منها و يدعون للولد، و أفضل أحوال طبخها أن يكون بماء و ملح، و لا بأس بإضافة شي ء إليها من الحبوب كالحمص و غيره.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 374

(مسألة 1317) لا يجب على الأم إرضاع ولدها لا مجانا و لا بالأجرة مع عدم انحصار حفظ الولد و تغذيته بمقدار الحاجة بلبنها، كما أنه لا يجب عليها إرضاعه مجانا و إن انحصر بها، بل لها المطالبة بأجرة إرضاعها من مال الولد إذا كان له مال و من أبيه إذا لم يكن له مال و كان الأب موسرا، و من جده و إن علا إذا كان موسرا. نعم لو لم يكن للولد مال و لم يكن الأب و لا الجد موسرين تعين على الأم إرضاعه مجانا إما بنفسها أو باستئجار مرضعة أخرى، و تكون أجرتها عليها لوجوب نفقته عليها في هذا الفرض.

(مسألة 1318) الأم أحق بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرعة أو تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص، و أما لو طلبت زيادة أو طلبت أجرة و وجدت متبرعة كان للأب نزعه منها و تسليمه إلى غيرها، و الأقوى عدم سقوط حق الحضانة الثابت للأم بذلك، فيبقى في حضانتها و ترضعه الأخرى، إما بأن تأتي لإرضاعه عند الحاجة أو بأخذه إليها.

(مسألة 1319) إذا ادعى الأب وجود متبرعة و أنكرت الأم و لم تكن له بينة على وجودها، فالقول قولها بيمينها.

(مسألة 1320) يستحب أن يكون رضاع الصبي بلبن أمه، فإنه أبرك من غيره، إلا إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها عليها من حيث شرافتها و طيب لبنها و خباثة الأم.

(مسألة 1321) كمال الرضاع حولان كاملان أربع و عشرون شهرا هلاليا، و يجوز

أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور، بأن يفطم على واحد و عشرين شهرا، و لا يجوز أن ينقص عن ذلك، و لو نقص عن ذلك مع الإمكان و من غير ضرورة كان جورا على الصبي كما في الخبر.

(مسألة 1322) الأم أحق بحضانة الولد و تربيته و ما يتعلق بها من مصلحة حفظه مدة الرضاع حولين كاملين، ذكرا كان أو أنثى، سواء أرضعته

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 375

هي بنفسها أو بغيرها و ذلك بشرط أن تكون حرة عاقلة، و أن تكون مسلمة إذا كان الولد مسلما، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدة منها، فإذا فصل و انقضت مدة الرضاع، فالأب أحق بالذكر بشرط أن يكون حرا عاقلا و أن يكون مسلما إذا كان الولد مسلما، و الأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها، ثم يكون الأب أحق بها. و إن فارق الأم بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حق حضانتها ما لم تتزوج بالغير، فلو تزوجت سقط حقها في الصبي و الصبية حتى في مدة الرضاع، و كانت الحضانة للأب، و لو فارقها الثاني فالأرجح أن حضانتها لا تعود، و الأحوط لهما التصالح و التسالم.

(مسألة 1323) إذا مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله، كانت الأم أحق بحضانة الولد، و إن كانت متزوجة، ذكرا كان الولد أو أنثى، من وصي أبيه، و كذا من باقي أقاربه حتى أب أبيه و أمه، فضلا عن غيرهما، كما أنه لو ماتت الأم في زمان حضانتها كان الأب أحق به من وصيها و من أبيها و أمها، فضلا عن باقي أقاربها، و إذا فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب،

و إذا عدم و لم يكن له وصي و لا للأب، كانت الحضانة لأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث، الأقرب منهم يمنع الأبعد، و مع التعدد و التساوي في المرتبة و التشاح يقرع بينهم، و إذا وجد وصي لأحدهما، فالأحوط (وجوبا) التصالح بين الوصي و الأقارب، و أحوط منه الاستئذان من الحاكم الشرعي أيضا.

(مسألة 1324) تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيدا، فإذا بلغ الرشد فليس لأحد حق الحضانة عليه حتى الأبوين فضلا عن غيرهما، بل هو مالك لنفسه و له الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما، أو من غيرهما، ذكرا كان الولد أم أنثى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 376

النفقات

اشارة

(مسألة 1325) إنما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، و القرابة، و الملك.

(مسألة 1326) إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة، فلا نفقة للمنقطعة، و أن تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له إذا طلب منها الإطاعة في ذلك، فلا نفقة للناشزة، و قد مرّ بيان ما يتحقق به النشوز سابقا، و لا فرق بين أن تكون مسلمة أو ذمية، و لا بين أن تكون حرة أو أمة.

(مسألة 1327) إذا نشزت ثم عادت إلى الطاعة لم تستحق النفقة حتى تظهر الطاعة و يعلم بها الزوج، و ينقضي زمان يمكن وصول الزوج إليها.

(مسألة 1328) إذا ارتدت الزوجة سقطت النفقة، و إن عادت في العدة عادت، و إلا تبين أنها بانت منه حين ارتدادها، كما مرّ.

(مسألة 1329) المتيقن ممن تجب نفقتها هو الزوجة الكبيرة الممكّنة للزوج الكبير، فلا نفقة على الزوج للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع بها، خصوصا إذا كان الزوج صغيرا غير قابل للتمتع و التلذذ، و كذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها

صغيرا غير قابل لأن يستمتع بها، نعم لو كانت الزوجة صغيرة و كان الزوج كبيرا و مكنته من نفسها بما يمكنه التلذذ به منها، فالأحوط (وجوبا) أن ينفق عليها.

(مسألة 1330) لا تسقط نفقتها بعدم تمكينها له من نفسها لعذر شرعي أو عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك، و كذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج، سواء كان السفر في واجب أو مندوب أو مباح، و كذا إذا سافرت في واجب مضيق كالحج الواجب بغير

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 377

إذنه، بل و لو مع منعه و نهيه، بخلاف ما إذا سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح فإنه تسقط نفقتها، بل الأمر كذلك إذا خرجت من بيته بغير إذنه و لو لغير سفر، فضلا عما كان خروجها لسفر، لتحقق النشوز المسقط للنفقة.

(مسألة 1331) تثبت النفقة و السكنى لذات العدة الرجعية ما دامت في العدة كما تثبت للزوجة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا، و لو كانت ناشزة و طلقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة ما دامت باقية على النشوز، فإن رجعت و أظهرت التمكين، فالظاهر وجوب نفقتها عليه. و أما ذات العدة البائنة فتسقط نفقتها و سكناها، سواء كانت عن طلاق أو فسخ، إلا إذا كانت عن طلاق و كانت حاملا فإنها تستحق النفقة و السكنى حتى تضع حملها. و لا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدتها، و كذا الحامل المتوفى عنها زوجها، فإنه لا نفقة لهن مدة حملهن لا من تركة أزواجهن و لا من نصيب الولد على الأقوى.

(مسألة 1332) إذا ادعت المطلقة بائنا أنها حامل مستندة إلى وجود الأمارات

التي يستدل بها على الحمل عند النساء، صدّقت و أنفق عليها يوما فيوما إلى أن يتبين الحال، فإن تبين الحمل فهو، و إلا استعيد منها ما صرف عليها، و لا يخلو عدم جواز مطالبتها بكفيل قبل تبين الحال من رجحان بعد أن كانت مصدقة.

(مسألة 1333) لا تقدير للنفقة شرعا، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام و إدام و كسوة و فراش و غطاء و إسكان و إخدام و آلات تحتاج إليها لشربها و طبخها و تنظيفها و غير ذلك، فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها، و في جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها و المناسب لصحتها و ما تعودت عليه بحيث تتضرر بتركه. و أما الإدام فقدره و جنسه كالطعام يراعى فيه ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها و ما يناسب صحتها و ما هو معتاد لها، حتى أنه لو كانت عادة أمثالها أو كان الإدام

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 378

المناسب لصحتها دوام اللحم مثلا وجب، و أما لو اعتادت على شي ء خاص من الإدام بحيث تتضرر بتركه مما هو غير متعارف، فلا يجب عليه. نعم الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام و الإدام كالشاي و القهوة و نحوهما، و أولى بذلك ما هو لازم من الفواكه الصيفية التي يعد تناولها كاللازم في المناطق الحارة، و كذلك الحال في الكسوة فيلاحظ في قدرها و جنسها عادة أمثالها و بلد سكناها، و الفصول التي تحتاج إليها شتاء و صيفا، ضرورة شدة الاختلاف في الكم و الكيف و الجنس بالنسبة إلى ذلك. بل لو كانت من ذوات التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب

للتجمل على حسب أمثالها، و هكذا الفراش و الغطاء فإن لها ما تفرشه على الأرض و ما تحتاج إليه للنوم من لحاف و مخدة و فراش، و يرجع في قدرها و جنسها و وصفها إلى ما ذكر في غيرها. و تستحق في الإسكان أن يسكنها دارا تليق بها بحسب عادة أمثالها و لها من المرافق ما تحتاج إليها، و لها أن تطالبه بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها، من دار أو حجرة منفردة المرافق إما بعارية أو إجارة أو ملك، و لو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها. و أما الإخدام فإنما يجب إن كانت ذات حشمة و شأن و من ذوي الأخدام، و إلا خدمت نفسها، و إذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين أن يستأجر خادمة لها أو يستعيرها لها أو يأمر واحدة بأن تخدمها أو يخدمها بنفسه على إشكال في الأخير. و أما الآلات و الأدوات المحتاج إليها فيلاحظ فيها أيضا ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن و تعيش فيه، ضرورة اختلافها بحسب البلد اختلافا فاحشا. أما اختلاف مصاديق المتعارف من ذلك فيلاحظ المتوسط بحسب حالهما شأنا و زمانا و مكانا.

(مسألة 1334) الظاهر أنه من الإنفاق الذي تستحقه الزوجة أجرة الحمام عند الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان لا يتعارف في بلدها الغسل و الاغتسال لأمثالها في البيت أو يتعذر أو يتعسر ذلك لبرد أو

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 379

غيره و منه أيضا الفحم و الحطب في زمان الاحتياج إليهما، و كذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض و الآلام التي قلما يخلو الشخص منها

في الشهور و الأعوام. نعم الظاهر أنه ليس من المعالجة الواجبة عليه ما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الصدفة، خصوصا إذا احتاج إلى بذل مال خطير.

(مسألة 1335) تملك الزوجة على الزوج، بشرط التمكين، حق الإنفاق عليها كلّ يوم، من الطعام و الإدام و غيرها مما يصرف و لا يبقى عينه في صبيحته بأن يبيح ذلك لها أو يملكها إياه، فلها أن تطالبه به، فلو منعها و انقضى اليوم استقرت في ذمته و كانت دينا عليه، و ليست لها مطالبة نفقة الأيام الآتية. و لو مضت أيام و لم ينفق عليها فيها اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها، و سواء قدرها الحاكم و حكم بها أم لا، و سواء كان موسرا أو معسرا، غاية الأمر أنه مع الإعسار ينظر في المطالبة إلى اليسار. و يتحقق الإنفاق عليها إما بإباحتها لها، و إما بتمليكها إياها، فإن ملكها تملكها مراعى بتمكينها، فإن نشزت تسترد البقية، و تردّ المثل أو القيمة مع الصرف، و كذا لو أباحها لها، سواء بقيت النفقة أو أتلفتها.

(مسألة 1336) لو دفع إليها نفقة أيام كأسبوع أو شهر مثلا و انقضت المدة و لم تصرفها على نفسها إما بأن أنفقت من غيرها أو أنفق عليها أحد كانت ملكا لها و ليس للزوج استردادها، و كذا لو استفضلت منها شيئا بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكا لها فليس له استردادها. نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا، يوزع المدفوع على الأيام الماضية و الآتية، و يسترد منها بالنسبة إلى ما بقي من المدة، بل الظاهر ذلك أيضا فيما

إذا دفع لها نفقة يوم و عرضت أحد تلك العوارض في أثناء اليوم، فيسترد الباقي من نفقة ذلك اليوم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 380

(مسألة 1337) كيفية الإنفاق بالطعام و الإدام، إما بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله، و إما بتسليم النفقة لها. و ليس له إلزامها بالنحو الأول، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه و تطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء، إلا أنه إذا أكلت و شربت معه على العادة سقط ما على الزوج من النفقة، فليس لها أن تطالبه بها بعد ذلك.

(مسألة 1338) ما يدفع لها للطعام و الإدام إما عين المأكول كالخبز و التمر و الطبيخ و اللحم المطبوخ مما لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج و مزاولة و مؤنة و كلفة، و إما عين تحتاج إلى ذلك كالحب و الأرز و الدقيق و نحو ذلك، و الظاهر أن الزوج بالخيار بين النحوين بشرط أن لا يخرج عن الإمساك بمعروف. نعم لو اختار النحو الثاني و احتاج إعداد ما يعطيها للأكل إلى أجرة أو إلى مؤنة كالحطب و غيره كان عليه.

(مسألة 1339) إذا تراضيا على بذل الثمن و قيمة الطعام و الإدام و تسلمته، ملكته و سقط الواجب على الزوج، و ليس لأحدهما إلزام الآخر به.

(مسألة 1340) إنما تستحق بالكسوة على الزوج أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره، و للزوج أن يملكها ذلك لكن لا تستحق عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك، و لو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إلى تلك المدة فلبستها فخلقت قبل تلك المدة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها، و لو انقضت المدة و

الكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أخرى، و لو خرجت في أثناء المدة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا كانت باقية، و كذلك الكلام في الفراش و الغطاء و اللحاف و الآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق مما ينتفع به مع بقاء عينه، فإنها تبقى على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة، فله استردادها إذا زال استحقاقها إلا مع التصريح بإنشاء التمليك لها، كما أن لها المطالبة بتبديل هذه الوسائل إذا نزلت بطول الزمان عما يناسب شأنها مع بقاء استحقاقها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 381

(مسألة 1341) إذا اختلف الزوجان في الإنفاق و عدمه مع اتفاقهما على الاستحقاق، فإن كان الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلة عنه فالقول قولها بيمينها إذا لم تكن له بينة، و إن كانت في بيته داخلة في عيالاته، فالظاهر أن القول قول الزوج بيمينه إذا لم تكن لها بينة.

(مسألة 1342) إذا كانت الزوجة حاملا و وضعت و قد طلقت رجعيا و اختلفا في زمان وقوع الطلاق، فادعى الزوج أنه قبل الوضع و قد انقضت عدتها بالوضع فلا نفقة لها الآن، و ادعت هي أنه بعده لتثبت لها النفقة، و لم تكن بينة، فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة، لكن يحكم عليه بالبينونة و عدم جواز الرجوع من جهة اعترافه بأنها قد خرجت من العدة بالوضع.

(مسألة 1343) إذا طالبته بالإنفاق و ادعى الإعسار و لم تصدقه بل ادعت عليه اليسار، فالقول قوله بيمينه إذا لم يكن لها بينة، إلا إذا كان مسبوقا باليسار و ادعى تلف أمواله و صيرورته معسرا و أنكرته، فإن القول قولها بيمينها إذا لم يكن للزوج بينة.

(مسألة 1344) لا يشترط

في استحقاق الزوجة للنفقة فقرها و احتياجها، فلها على زوجها الإنفاق و إن كانت من أغنى الناس.

(مسألة 1345) إذا لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه و زوجته و أقاربه الواجبي النفقة، فهو نفسه مقدم على زوجته، و هي على أقاربه، فما فضل من قوته صرفه إليها و لا يدفع إلى الأقارب إلا ما يفضل عن نفقتها.

(مسألة 1346) لا يشترط في صحة النكاح تمكن الزوج من النفقة.

نعم لو زوج الصغيرة وليها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها، فلها الرد بعد كمالها، لما مر من أنه يعتبر في نفوذ عقد الولي على المولى عليه عدم المفسدة، و هذا مفسدة إلا إذا زاحمتها مصلحة غالبة عليها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 382

(مسألة 1347) إذا كان الزوج متمكنا من النفقة حين العقد ثم تجدد عجزه عنها بعد ذلك لم يكن للزوجة الفسخ لا بنفسها و لا بالحاكم على الأقوى. نعم لو امتنع عن الإنفاق مع يساره و رفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بأحد الأمرين إما الإنفاق أو الطلاق، فإذا امتنع عن الأمرين و لم يمكن الإنفاق من ماله و لا إجباره على الطلاق، فالظاهر أن للحاكم أن يطلقها إن أرادت الطلاق.

(مسألة 1348) لا إشكال في جواز تزويج و العربية بالعجمي و الهاشمية بغير الهاشمي و بالعكس، و كذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيئة كالكناس و الحجام و نحوهما، لأن المسلم كفؤ المسلمة و المؤمن كفؤ المؤمنة و المؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر. نعم يكره تزويج الفاسق خصوصا شارب الخمر و الزاني كما مر.

القول في نفقة الأقارب

(مسألة 1349) يجب الإنفاق على الأبوين و آبائهما و أمهاتهما و إن علوا، و على الأولاد و أولادهم و إن نزلوا،

ذكورا و إناثا، صغارا كانوا أو كبارا، مسلمين كانوا أو كفارا، و لا تجب على غير العمودين من الأقارب كالإخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و غيرهم، و إن استحب خصوصا على الوارث منهم.

(مسألة 1350) يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره و احتياجه، بمعنى أن لا يجد ما يتقوت به فعلا، فلا يجب الإنفاق على من يقدر على نفقة نفسه فعلا و إن كان فقيرا لا يملك قوت سنة، و جاز له أخذ الزكاة و نحوها.

و أما غير الواجد لها فعلا القادر على تحصيلها بغير الاكتساب، فإن كان بالاقتراض مع تيسره له و إمكان أدائه، فلا يجب على قريبه نفقته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 383

أما إذا كان قادرا على تعلم صنعة تكفي لمعاشه كالبنت تقدر على تعلم الخياطة و الابن يقدر على تعلم الصياغة أو النجارة و قد تركا التعلم فبقيا بلا نفقة، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليهما حال عجزهما. و كذا الحال لو أمكن له التكسب بما يشق عليه تحمله كحمل الأثقال أو لا يناسب شأنه كبعض الأشغال لبعض الأشخاص و لم يتكسب لذلك، فإنه يجب على قريبه الإنفاق عليه. و إن كان قادرا على التكسب بما يناسب حاله و شأنه كالقوي القادر على حمل الأثقال، و الوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال، و من كان كسوبا و له بعض الأشغال و الصنائع و قد ترك ذلك طلبا للراحة، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه. نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجا فعلا بالنسبة إلى يوم و أيام غير قادر على تحصيل نفقتها، وجب الإنفاق عليه و إن كان ذلك العجز قد حصل باختياره. كما أنه

لو ترك التشاغل بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهم كطلب العلم الواجب، لم يسقط بذلك وجوب الإنفاق عليه.

(مسألة 1351) الأوجه أنه لا تسقط نفقة المرأة عمن تجب عليه كأبيها و ابنها بمجرد قدرتها على الزواج بمن يليق بحالها ما دامت لم تتزوج بعد.

(مسألة 1352) يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه و نفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة، فلو حصل له قدر كفاية نفسه خاصة اقتصر على نفسه، و لو فضل منه شي ء و كانت له زوجة فلزوجته، فلو فضل منه شي ء فللأبوين و الأولاد.

(مسألة 1353) المراد بنفقة نفسه المقدمة على نفقة زوجته مقدار قوت يومه و ليلته و كسوته اللائقة بحاله و كل ما اضطر إليه من الآلات للطعام و الشراب و الفراش و الغطاء و غيرها، فإن زاد على ذلك شي ء صرفه إلى زوجته ثم إلى قرابته.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 384

(مسألة 1354) إذا زاد عنده عن نفقته شي ء و لم يكن عنده زوجة، و كان عنده قريب من الذين تجب نفقتهم، فالظاهر التفصيل بين حاجته إلى الزواج و لو لم تصل إلى حد الاضطرار و عدمها، فعلى الأول يصرفه في الزواج لأنه يحسب من مؤنته، و على الثاني يصرفه في نفقة القريب.

(مسألة 1355) إذا لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسل إلى تحصيله بأي وسيلة لائقة بحاله. و أما لو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فيجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه و حاله، و لا يجب عليه التوسل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب و السؤال. نعم لا يبعد وجوب الاقتراض إذا أمكن من

دون مشقة و كان يمكنه الوفاء فيما بعد، و كذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين.

(مسألة 1356) لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام و الإدام و الكسوة و المسكن مع ملاحظة الحال و الشأن و الزمان و المكان، كما مرّ في نفقة الزوجة.

(مسألة 1357) لا يجب إعفاف من وجبت نفقته- ولدا كان أو والدا- بالتزويج، أو إعطاؤه مهرا ليتزوج به، و إن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح و عدم قدرته على الزواج و الصداق، خصوصا في الأب.

(مسألة 1358) يجب على الولد نفقة والده دون أولاد الأب لأنهم اخوته، و دون زوجة الأب غير أمه. و يجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته. نعم يجب عليه نفقة أولاده أيضا لأنهم أولاده.

(مسألة 1359) لا تقضى نفقة الأقارب و لا يجب تداركها لو فاتت في وقتها و زمانها، و لو بتقصير من المنفق، و لا تستقر في ذمته، بخلاف الزوجة كما مر. نعم لو لم ينفق على القريب لغيبته أو امتنع عن الإنفاق مع يساره، و رفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان، اشتغلت

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 385

ذمته بما استدانه و وجب عليه قضاؤه، و إن تعذر الحاكم فالظاهر أنه يجوز له الاستدانة بقصد كونه على المنفق و إن كان الأحوط أن تكون الاستدانة بعد رفع الأمر إلى العدول فتكون بأمرهم.

(مسألة 1360) قد ظهر مما مرّ أن وجوب الإنفاق ثابت بشروطه في عمودي النسب أي الأصول و الفروع دون الحواشي كالإخوة و الأعمام و الأخوال، و له ترتيب من جهتين: من جهة المنفق، و من جهة المنفق عليه.

أما من جهة المنفق فتجب نفقة الولد ذكرا كان أو أنثى

على أبيه، و مع عدمه أو فقره فعلى جدة للأب، و مع عدمه أو إعساره فعلى جد الأب، و هكذا متعاليا الأقرب فالأقرب. و لو فقد الآباء أو كانوا معسرين فعلى أم الولد، و مع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها و أمها و آبائهما و أمهاتهما الأقرب فالأقرب.

و مع التساوي في الدرجة يشتركون في الإنفاق بالسوية و إن اختلفوا في الذكورة و الأنوثة. و في حكم آباء الأم و أمهاتها أم الأب و كل من تقرب إلى الأب بالأم كأب أم الأب، و أم أم الأب، و أم أب الأب، و هكذا، فإنه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه و أمه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد، فإذا كان له أب و جد موسران أو أب و أم موسران، كانت نفقته على الأب، و إذا كان له جد لأب مع أم كانت نفقته على الجد، و إذا كان له جد لأم مع أم كانت نفقته على الأم، و إذا كان له جد و جدة لأم تشاركا في الإنفاق عليه بالسوية، و إذا كانت له جدة لأب مع جد و جدة لأم تشاركوا فيه أثلاثا، هذا كله في الأصول.

و أما الفروع أي الأولاد فتجب نفقة الأب و الأم عند الإعسار على الولد مع اليسار ذكرا كان أم أنثى، و مع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد أي ابن الابن أو البنت و بنت الابن أو البنت، و هكذا الأقرب فالأقرب، و مع التعدد و التساوي في الدرجة يشتركون بالسوية، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن مثلا كانت نفقته على الابن أو البنت، و لو كان له ابنان أو بنتان أو ابن

هداية

العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 386

و بنت اشتركا في الإنفاق بالسوية، و إذا اجتمعت الأصول مع الفروع يراعى الأقرب فالأقرب، و مع التساوي يتشاركون. فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسوية، و إذا كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت كانت نفقته على الأب، و إذا كان له ابن وجد لأب كانت على الابن، و إذا كان له ابن ابن مع جد لأب تشاركا بالسوية، و إذا كانت له أم مع ابن ابن أو ابن بنت مثلا كانت نفقته على الأم. و يشكل الأمر إذا اجتمعت الأم مع الابن أو البنت، و الأحوط (وجوبا) التراضي و التصالح على الاشتراك بالسوية، بل الأحوط التراضي و التصالح في أكثر الفروع المذكورة مما لم يكن فيه وجه صحيح لتقدم بعض على بعض.

و أما من جهة المنفق عليه، فإذا كان عنده زائدا على نفقته و نفقة زوجته ما يكفي لنفقة جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع، و إذا لم يكف إلا للإنفاق على بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم، فإذا كان عنده ابن أو بنت مع ابن ابن و كان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن أو البنت دون ابن الابن، و إذا كان عنده أبواه مع ابن ابن و ابن بنت أو مع جد و جدة لأب أو لأم أو بالاختلاف، و كان عنده ما يكفي اثنين أنفق على الأبوين و هكذا. و أما إذا كان عنده قريبان أو أكثر في مرتبة واحدة و لم يكن عنده ما يكفي الجميع فالأقرب أنه يقسم بينهم بالسوية إن أمكن، و إلا يرجع إلى القرعة.

(مسألة 1361) لو كان له ولدان و لم يقدر إلا

على نفقة أحدهما و كان له أب موسر، فإن اختلفا في قدر النفقة و كان ما عنده يكفي لأحد هما بعينه كالأقل نفقة اختص به، و كانت نفقة الآخر على أبيه جد الولدين، و إن اتفقا في مقدار النفقة فإن توافق مع الجد في أن يشتركا في الإنفاق عليهما أو تراضيا على أن يكون أحدهما المعين في نفقة أحدهما و الآخر في نفقة الآخر فهو، و إلا رجعا إلى القرعة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 387

(مسألة 1362) إذا امتنع من وجبت عليه النفقة عن الإنفاق أجبره الحاكم، و مع عدمه فعدول المؤمنين، و إن لم يمكن إجباره فإن كان له مال و أمكن للمنفق عليه أن يقتص منه مقدار نفقته جاز له لكن بإذن الحاكم على الأحوط، و إلا أمره الحاكم بالاستدانة عليه، و مع تعذر الحاكم و تعذر العدول جاز له ذلك.

(مسألة 1363) يجب على الإنسان الإنفاق على ما يملكه من الحيوان حتى النحل و دود القز، و لا تقدير لنفقة البهيمة، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل و سقي و مكان رحل و نحو ذلك، و مالكها بالخيار بين علفها و إطعامها و بين تخليتها ترعى في خصب الأرض، فإن اجتزأت بالرعي، و إلا علفها بمقدار كفايتها.

(مسألة 1364) لو امتنع المالك عن الإنفاق على البهيمة و لو بتخليتها للرعي الكافي لها، أجبر على بيعها أو الإنفاق عليها، أو ذبحها إن كانت مما يقصد بذبحها اللحم.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 389

كتاب الطلاق

شروط الطلاق

(مسألة 1365) يشترط في الزوج المطلّق البلوغ و العقل، فلا يصح طلاق الصبي لا بالمباشرة و لا بتوكيل الغير. لكن لا يترك الاحتياط في طلاقه إذا كان مميزا و له

عشر سنين، و لا طلاق المجنون مطبقا أو أدوارا حال جنونه، و يلحق به السكران و نحوه ممن زال عقله.

(مسألة 1366) كما لا يصح طلاق الصبي بالمباشرة و التوكيل لا يصح طلاق وليه عنه كأبيه وجده، فضلا عن الوصي و الحاكم.

(مسألة 1367) الأقوى فيمن بلغ فاسد العقل كون الولاية عليه للأب و الجد، و فيمن طرأ عليه الجنون كون الولاية عليه للحاكم، و إن كان الأحوط في الطلاق استئذانهما في الفرض الأول من الحاكم و استئذانه في الفرض الثاني منهما حسنا.

(مسألة 1368) يشترط في الزوج المطلّق القصد و الاختيار، بمعنى عدم الإكراه و الإجبار، فلا يصح طلاق غير القاصد كالنائم و الساهي و الغالط، بل الهازل الذي لا يريد إيقاع الطلاق جدّيا بل يتكلم بلفظه هزلا. و كذا لا يصح طلاق المكره الذي ألزم بإيقاعه بالتوعيد و التهديد على تركه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 390

(مسألة 1369) الإكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضر بحاله نفسا أو عرضا أو مالا أو بحال منسوبيه ممن يجري مجرى نفسه كالولد و الوالد و الزوجة و العبد و الخادم و كل من تعلق به، بشرط أن يخاف إيقاع ما هدد به المكره (بالكسر) و يحتمل احتمالا عقلائيا أنه ينفذ ما هدد به. و لو أمره بإيجاد ما يكرهه و لم يهدده، و خاف المأمور من وقوع الضرر عليه لو خالف أمره، ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط. أما لو أوقع الطلاق مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه فلا يكون مكرها، فلو تزوج على امرأة ثم رأى أنه لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض

متعلقيها كأبيها أو أخيها فالتجأ إلى طلاقها فطلقها، فإنه يصح طلاقها.

(مسألة 1370) لو قدر المأمور على دفع ضرر الآمر ببعض التخلصات التي ليس فيها ضرر و مشقة كالفرار و الاستعانة بالغير، لم يتحقق الإكراه، فلو أوقع الطلاق مثلا حينئذ وقع صحيحا. نعم لو قدر على التورية و أوقع الطلاق من دون تورية مع عدم الالتفات إليها لدهشة و نحوها، فالظاهر أنه يكون مكرها و يقع طلاقه باطلا.

(مسألة 1371) لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق إحداهما المعينة وقع مكرها عليه، و لو طلقهما معا فالأرجح وقوع طلاق إحداهما مكرها عليه فتعيّن بالقرعة، و أما لو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلق إحداهما فالظاهر أنه يقع مكرها عليه.

(مسألة 1372) لو أكرهه على أن يطلق زوجته ثلاث طلقات بينهما رجعتان فطلقها واحدة أو اثنتين ففي وقوع ما أوقعه مكرها عليه إشكال، إلا إذا كان ذلك بقصد التخلص و رجاء اكتفاء المكره به، أو كان تهديده بترك الثالث أهون، و تحمله عليه أسهل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 391

(مسألة 1373) إذا أوقع الطلاق عن إكراه ثم تعقبه الرضا لم ينفع ذلك في صحته، و ليس كالعقد المكره عليه الذي يتعقبه الرضا.

(مسألة 1374) لا يعتبر في الطلاق اطلاع الزوجة عليه فضلا عن رضاها به.

(مسألة 1375) يشترط في المطلقة أن تكون زوجة دائمة، فلا يقع الطلاق على المتمتع بها. و أن تكون طاهرا من الحيض و النفاس، فلا يصح طلاق الحائض و النفساء، و المراد بهما الحائض و النفساء فعلا، أما في النقاء المتخلل الذي اخترنا وجوب الاحتياط فيه فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بطلاقهما فيه بالتسريح و بالعقد الجديد للإمساك بعده. و لو نقيتا من الحيض و النفاس و لم

تغتسلا، صح طلاقهما. كما يشترط في المطلقة أن لا تكون في طهر واقعها زوجها فيه.

(مسألة 1376) إنما يشترط خلو المطلقة من الحيض في المدخول بها الحائل، دون غير المدخول بها و دون الحامل بناء على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى، فإنه يصح طلاقهما في حال الحيض. و كذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضرا، بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق، و أما إذا كان غائبا فيصح طلاقها و إن وقع في حال الحيض، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر و الحيض و تعذر أو تعسر عليه استعلامها، فإذا علم أنها في حال الحيض و لو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر، أو تمكن من استعلام حالها و طلقها فتبين وقوعه في حال الحيض، بطل الطلاق.

(مسألة 1377) إذا غاب الزوج، فإن خرج في حال حيضها لم يجز طلاقها إلا بعد مضي مدة يقطع معها بانقطاع ذلك الحيض، فإن طلقها بعد ذلك في زمان لا يعلم بكونها حائضا فيه صح طلاقها و إن تبين وقوعه في حال الحيض. و إن خرج في حال طهرها الذي لم يواقعها فيه طلقها في أي زمان لا يعلم بكونها حائضا، و صح طلاقها و إن صادف زمان الحيض. و أما

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 392

إن خرج في الطهر الذي واقعها فيه فيكفي أن يتربص شهرا إن لم يعلم بعدم انتقالها من ذلك الطهر بتربص الشهر، و الأولى أن يتربص ثلاثة شهور. فإذا أوقع الطلاق بعد التربص لم يضر مصادفة الحيض في الواقع، بل الظاهر أنه لا يضر مصادفته للطهر الذي واقعها فيه، بأن طلقها بعد شهر مثلا ثم تبين أنها لم تخرج من

الطهر الأول إلى ذلك الزمان.

(مسألة 1378) الحاضر الذي يتعذر أو يتعسر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر و الحيض، كالغائب كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بلا تعسر فهو كالحاضر.

(مسألة 1379) يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة و الصغيرة و في الحامل و المسترابة و هي المرأة التي في سن من تحيض و هي لا ترى الحيض لخلقة أو عارض، لكن يشترط في المسترابة مضي ثلاثة أشهر من زمان المواقعة، فإذا أراد تطليقها اعتزلها ثلاثة أشهر ثم طلقها، فلو طلقها قبل مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق.

(مسألة 1380) لا يشترط في تربص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون اعتزاله عنها لأجل ذلك و بقصد أن يطلقها بعد ذلك، فلو لم يتفق له مواقعتها بسبب من الأسباب إلى أن مضت ثلاثة أشهر ثم بدا له أن يطلقها، صح طلاقها في الحال و لم يحتج إلى تجديد الاعتزال.

(مسألة 1381) إذا واقعها في حال الحيض لم يصح طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة، بل لا بد من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر، لأن ما هو شرط في الحقيقة هو كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا مجرد وقوع الطلاق في طهر غير طهر المواقعة.

(مسألة 1382) يشترط في صحة الطلاق تعيين المطلقة، بأن يقول:

فلانة طالق، أو يشير إليها بما يرفع الإبهام و الإجمال، فلو كانت له زوجة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 393

واحدة فقال: زوجتي طالق، صح، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر و قال: زوجتي طالق، فإنه لا يصح إلا إذا نوى في نفسه واحدة معينة، و يقبل تفسيره بمعينة من غير يمين.

صيغة الطلاق

(مسألة

1383) لا يقع الطلاق إلا بصيغة خاصة و هي قوله: أنت طالق أو: فلانة أو هذه، أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة، فلا يقع بقوله: أنت أو هي مطلّقة، أو: طلّقت فلانة، و لا بقوله: أنت من المطلقات، أو: أنت الطلاق، أو: أنت طلاق، فضلا عن بعض الكنايات كقوله: أنت خليّة أو بريّة، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، و غير ذلك فإنه لا يقع بذلك الطلاق و إن نواه، حتى قوله: اعتدّي، و إن نوى به الطلاق على الأقوى.

(مسألة 1384) يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة، فلو كانت عنده زوجتان أو ثلاث فقال: زوجتاي طالقان أو زوجاتي طوالق، صح طلاق الجميع.

(مسألة 1385) لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المتقدمة من غير اللغة العربية مع القدرة على إيقاعه بتلك الصيغة، و أما مع العجز عنها فيجزي إيقاعه بما يرادفها بأي لغة كان. و كذا لا يقع بالإشارة و لا بالكتابة مع القدرة على النطق، و أما مع العجز عنه كما في الأخرس فيصح إيقاعه بهما، و الأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة.

(مسألة 1386) يجوز للزوج أن يوكل غيره في تطليق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا. بل و كذا له أن يوكل نفس الزوجة في تطليق نفسها بنفسها أو بتوكيل غيرها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 394

(مسألة 1387) يجوز أن يوكلها على أنه إذا طال سفره أكثر من ثلاثة شهور مثلا أو تسامح في الإنفاق عليها أكثر من شهر مثلا، فلها أن تطلق نفسها، لكن يشترط أن يكون الشرط قيدا للموكل فيه لا تعليقا في الوكالة فتبطل كما مرّ في كتاب الوكالة.

(مسألة

1388) يشترط في صحة الطلاق التنجيز، فلو علقه على شرط بطل، سواء كان مما يحتمل وقوعه كما إذا قال: أنت طالق إن جاء زيد، أو مما يتيقن حصوله كما إذا قال: إذا طلعت الشمس. نعم لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلقا عليه في الواقع كما إذا قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق، سواء كان عالما بأنها زوجته أو جاهلا به.

(مسألة 1389) إذا كرر صيغة الطلاق ثلاثا فقال: هي طالق، هي طالق، هي طالق، من دون تخلل رجعة في البين قاصدا تعدد الطلاق، وقعت واحدة و لغت الأخريان، و لو قال: هي طالق ثلاثا. و قصد به إيقاع ثلاث طلاقات، لم تقع الثلاث قطعا و الأشهر عندنا أنها تقع واحدة، و لكن الأقوى عدم وقوعها أيضا و بطلان الطلاق.

(مسألة 1390) إذا كان الزوج من أهل مذهب يعتقد وقوع الطلاق ثلاثا بثلاث مرسلة أو مكررة و أوقع الطلاق ثلاثا بأحد النحوين، ألزم بذلك، سواء كانت المرأة شيعية أم لا، و نرتب نحن عليها آثار المطلقة ثلاثا، فلو رجع إليها نحكم ببطلان الرجوع لبطلانه عندهم، فيجوز للشيعي أن يتزوج بها بعد عدتها حتى لو كانت شيعية. و لا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثا و غيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلق، و الحلف بالطلاق، و الطلاق في طهر المواقعة و الحيض، و بغير شاهدين، فإن المذكورات و إن كانت فاسدة عندنا و لا نرتب عليها آثار الطلاق، و لكن إذا وقعت من أحد المخالفين القائلين بصحتها نرتب على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 395

الصحيح، و هذا الحكم جار في غير الطلاق أيضا، فنأخذ بالعول و

التعصيب منهم الميراث مثلا مع أنهما باطلان عندنا، و التفصيل لا يسع هذا المختصر.

(مسألة 1391) يشترط في صحة الطلاق زائدا على ما مر الإشهاد، بمعنى إيقاعه بحضور عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء، سواء قال لهما إشهدا أو لم يقل، و يعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء، فلو شهد أحدهما و سمع في مجلس ثم كرر اللفظ و سمع الآخر في مجلس آخر بانفراده لم يقع الطلاق. نعم لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما لا في تحمل الشهادة و لا في أدائها.

و لا اعتبار بشهادة النساء و سماعهن لا منفردات و لا منضمات إلى الرجال.

(مسألة 1392) لو طلق الوكيل عن الزوج لا يكتفي بشهادته مع شهادة عدل آخر كما أنه لا يكتفي بشهادة الموكل مع عدل آخر.

(مسألة 1393) لا فرق بين العدل في باب الطلاق و العدل المذكور في سائر أبواب الفقه الذي تترتب عليه بعض الأحكام، و هو من كانت له حالة رادعة عن ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و هي التي تسمى بالملكة، و الكاشف عنها حسن الظاهر، بمعنى كونه عند الناس حسن الأفعال بحيث لو سألوا عن حاله قالوا هو رجل خير لم نر منه إلا خيرا. و مثل هذا الرجل ليس نادر الوجود.

(مسألة 1394) إذا كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلق أصيلا كان أو وكيلا، فاسقين في الواقع، فلا يجوز لمن يطلع على فسقهما أن يرتب على ذلك الطلاق آثار الطلاق الصحيح، و كذا إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكل.

أقسام الطلاق

(مسألة 1395) الطلاق نوعان: بدعي، و سني. فالأول هو غير الجامع

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 396

للشرائط المتقدمة، و هو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا، فالبحث عنها

لا يهمنا. و الثاني ما جمع الشرائط في مذهبنا، و هو قسمان:

بائن و رجعي، فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدة أم لا، و هو ستة:

الأول: الطلاق قبل الدخول، الثاني: طلاق الصغيرة أي التي لم تكمل التسع و إن دخل بها، الثالث طلاق اليائسة، و هذه الثلاث ليس لها عدة كما يأتي، الرابع و الخامس: طلاق الخلع و المبارأة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت، و إلا كانت له الرجعة، السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوع أو عقد بين الأول و الثاني و رجوع أو عقد بين الثاني و الثالث.

(مسألة 1396) إذا طلقها ثلاثا مع تخلل رجعتين حرمت عليه و لو بعقد جديد، و لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، فإذا نكحها غيره ثم فارقها بموت أو طلاق و انقضت عدتها، جاز للأول نكاحها.

(مسألة 1397) كل امرأة حرة و إن كانت تحت عبد إذا استكملت الطلاق ثلاثا مع تخلل رجعتين، حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره، سواء واقعها بعد كل رجعة و طلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة و هذا يقال له: طلاق العدة، أو لم يواقعها، و سواء وقع كل طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد، فلو طلقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها في مجلس واحد حرمت عليه، فضلا عما إذا طلقها ثم راجعها ثم تركها حتى حاضت و طهرت ثم طلقها و راجعها، ثم تركها حتى حاضت و طهرت ثم طلقها.

(مسألة 1398) العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلقها ثلاثا بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، سواء لم

هداية العباد (للگلبايگاني)،

ج 2، ص: 397

تكن لها عدة، كما إذا طلقها قبل الدخول ثم عقد عليها ثم طلقها ثم عقد عليها ثم طلقها، أو كانت ذات عدة و عقد عليها بعد انقضاء العدة.

(مسألة 1399) المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا آخر و فارقها بموت أو طلاق، حلّت للزوج الأول و جاز له العقد عليها بعد انقضاء العدة من الزوج الثاني، فإذا طلقها ثلاثا حرمت عليه أيضا حتى تنكح زوجا آخر و إن كان ذاك الزوج هو الزوج الثاني في الثلاثة الأولى، فإذا فارقها حلّت للأول، فإذا عقد عليها و طلقها ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.

و هكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث و تحل له بنكاح الغير بعده و طلاقه، و إن طلقت مائة مرة. نعم لو طلقت تسعا طلاق العدة بالنحو الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبدا، و ذلك بأن طلقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر، و هذا هو طلاق العدة، فإذا حلّت للمطلق بنكاح زوج آخر و عقد عليها ثم طلقها ثلاثا كالثلاثة الأولى، ثم حلّت له بمحلل آخر، ثم عقد عليها ثم طلقها ثلاثا كالأوليين، حرمت عليه أبدا.

و بالجملة إنما تحقق الطلقات التسع و توجب الحرمة المؤبدة بأن يقع طلاق العدة ثلاث مرات، و يعتبر فيه في كل مرة أمران: أحدهما: تخلل رجعتين، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين و لا وقوع رجعة و عقد مستأنف في البين.

الثاني: وقوع المواقعة بعد كل رجعة، فطلاق العدة مركب من ثلاث طلقات اثنتان منها رجعية و واحدة منها بائنة، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبدا. هذا و الأحوط الاجتناب

عن المطلقة تسعا مطلقا و إن لم يكن الجميع طلاق العدة.

(مسألة 1400) إنما توجب الطلقات الثلاث التحريم إذا لم تنكح في البين زوجا آخر، و أما إن تزوجت بالغير فينهدم حكم ما سبق و تكون كأنها غير مطلقة، و يتوقف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 398

(مسألة 1401) يعتبر في زوال التحريم بالمحلل أمور ثلاثة: الأول: أن يكون الزوج المحلل بالغا، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ و إن كان مراهقا.

الثاني: أن يطأها قبلا وطيا موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، و الأحوط (وجوبا) اعتبار الإنزال. الثالث: أن يكون العقد دائما لا متعة.

(مسألة 1402) لو طلقها ثلاثا و انقضت مدة فادعت أنها تزوجت و فارقها الزوج الثاني و مضت العدة و احتمل صدقها، صدّقت و يقبل قولها بلا يمين، فللزوج الأول أن ينكحها بعقد جديد و ليس عليه الفحص و التفتيش، ما لم تكن متهمة.

(مسألة 1403) إذا خلى المحلل بها فادعت الدخول و لم يكذبها، صدّقت و حلّت للزوج الأول و إن كذبها لا يبعد قبول قولها أيضا ما لم تكن متهمة. و لو ادعت المواقعة ثم رجعت عن قولها، فإن كان قبل أن يعقد الأول عليها لم تحل له، و إن كان بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها.

(مسألة 1404) لا فرق في الوطأ المعتبر في المحلّل بين المحرّم بالعرض و المحلّل، فلو وطأها في الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض، و نحو ذلك، كفى في حصول التحليل للزوج الأول.

(مسألة 1405) إذا شك الزوج في إيقاع أصل الطلاق على زوجته لم يلزمه الطلاق، بل يحكم ظاهرا ببقاء علقة النكاح، و لو علم بأصل الطلاق و شك في

عدده بنى على الأقل، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم مع الشك بالحرمة غير المؤبدة في الأول و بالحرمة المؤبدة في الثاني. نعم لو شك بين الثلاث و التسع يشكل البناء على الأول بحيث تحل له بالمحلل.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 399

أحكام العدد

أحكام عدة الفراق بالطلاق و غيره

(مسألة 1406) إنما يجب الاعتداد بالفراق بين الزوج و الزوجة بطلاق أو فسخ أو انفساخ في العقد الدائم، و انقضاء مدة أو بذلها في المتعة، و موت الزوج، و وطأ الشبهة.

(مسألة 1407) لا عدة على من لم يدخل بها في غير المتوفى عنها زوجها و يأتي حكمها، نعم إذا سبق ماؤه في فرجها من غير وطي بالمساحقة أو بالإنزال أو بوسيلة الإبرة، فالظاهر وجوب العدة سواء حملت أم لا، فالموجب لها أحد الأمرين: الدخول و لو بغير إنزال و دخول مائه و لو بغير وطأ. و لا عدة على الصغيرة، و هي من لم تكمل التسع و إن دخل بها، و لا على اليائسة، و لا فرق في ذلك بين أن تبين بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها.

(مسألة 1408) يتحقق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلا أو دبرا، و إن لم ينزل، بل و إن كان مقطوع الأنثيين.

(مسألة 1409) يتحقق اليأس ببلوغ ستين سنة قمرية في القرشية و خمسين في غيرها، و الأحوط مراعاة الستين مطلقا بالنسبة إلى التزويج بالغير و خمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها.

(مسألة 1410) إذا طلقت ذات الأقراء قبل بلوغ سن اليأس و رأت الدم مرة أو مرتين ثم يئست، أكملت العدة بشهرين في الأول و شهر في الثاني، و كذا ذات الشهور إذا اعتدت شهرا أو شهرين ثم يئست، أتمت ثلاثة.

هداية العباد (للگلبايگاني)،

ج 2، ص: 400

(مسألة 1411) المطلقة و من ألحقت بها إن كانت حاملا فعدتها مدة حملها، و تنقضي بوضع حملها و لو بعد الفراق بلا فصل، سواء كان تاما أو غير تام، و لو كان مضغة أو علقة إن تحقق أنه حمل.

(مسألة 1412) إنما تنقضي العدة بالوضع إذا كان الحمل ملحقا بمن له العدة، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدتها منه، فلو كانت حاملا من زنا قبل الطلاق أو بعده لم تخرج من العدة بالوضع، بل يكون انقضاؤها بالأقراء أو الشهور كغير الحامل، فوضع هذا الحمل لا أثر له أصلا لا بالنسبة إلى الزاني لأنه لا عدة له و لا بالنسبة إلى المطلق لأن الولد ليس له. نعم إذا حملت من وطأ الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطي لا بالزوج، فوضعه يكون سببا لانقضاء العدة، لكن بالنسبة إلى الواطئ لا بالنسبة إلى الزوج المطلق.

(مسألة 1413) لو كانت حاملا باثنين مثلا، بانت بوضع الثاني على الأقوى، فلا يجوز لها الزواج قبل وضع الثاني، و يجوز للزوج الرجوع إليها بعد وضع الأول و لكن الاحتياط بتركه حسن.

(مسألة 1414) إذا وطئت شبهة فحملت و ألحق الولد بالواطي لبعد الزوج عنها أو لغير ذلك، ثم طلقها الزوج أو طلقها ثم وطئت شبهة على نحو ألحق الولد بالواطي، كان عليها عدتان: عدة لوطء الشبهة تنقضي بالوضع، و عدة للطلاق بعدها يكون مبدؤها بعد انقضاء نفاسها في النفاس المتصل بالولادة، أما في المنفصل فتحسب النقاء بعد الولادة طهرا للعدة الثانية.

(مسألة 1415) إذا ادعت المطلقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدتها، و أنكر الزوج، أو انعكس فادعى الوضع و أنكرت هي، أو ادعت الحمل و أنكر،

أو ادعت الحمل و الوضع معا و أنكرهما، يقدم قولها في الجميع بيمينها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 401

(مسألة 1416) إذا اتفق الزوجان على إيقاع الطلاق و وضع الحمل و اختلفا في المتقدم و المتأخر فقال الزوج مثلا: وضعت بعد الطلاق فانقضت عدتك، و قالت الزوجة وضعت قبل الطلاق و الطلاق وقع و أنا حائل غير حامل فأنا في العدة، أو انعكس فقال الزوج وضعت قبل الطلاق فأنت في العدة و أراد الرجوع إليها و ادعت الزوجة خلافه، فالظاهر أنه يقدم قول من يدعي بقاء العدة، سواء كان هو الزوج أو الزوجة، من غير فرق بين اختلافهما في زمان كليهما كما إذا ادعى أحدهما أن الطلاق كان في شعبان و الوضع في رمضان و ادعى الآخر العكس، و بين اتفاقهما على زمان أحدهما كما إذا اتفقا على أن الطلاق وقع في رمضان و اختلفا في زمان الوضع فقال أحدهما إنه كان في شوال و ادعى الآخر أنه كان في شعبان، أو اتفقا على أن الوضع كان في رمضان و اختلفا في أن الطلاق كان في شوال أو شعبان.

(مسألة 1417) إذا طلقت الحائل أو انفسخ نكاحها، فإن كانت مستقيمة الحيض، بأن كانت تحيض في كل شهر مرة كما هو المتعارف في الأغلب، كانت عدتها ثلاثة قروء، و كذا إذا كانت تحيض في كل شهر أكثر من مرة أو ترى الدم في كل شهرين مرة، و بالجملة كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقل من ثلاثة أشهر. و إن كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض إما لكونها صغيرة السن لم تبلغ السن الذي ترى فيه الحيض غالب النساء، و إما لانقطاع حيضها لمرض أو

حمل من زنا مثلا أو رضاع أو غيرها، فتكون عدتها ثلاثة أشهر. و تلحق بها من تحيض و لكن طهرها الفاصل بين حيضتين ثلاثة أشهر أو أكثر.

(مسألة 1418) المراد بالقرء و القرائن و القروء في غير المتمتع بها:

الطهر و الطهران و الأطهار، و يكفي في الطهر الأول مسماه و لو قليلا، فلو طلقها و قد بقيت من طهرها لحظة تحسب تلك اللحظة طهرا، فإذا رأت طهرين آخرين تامين بتخلل حيضة بينهما في الحرة و طهرا آخر تاما بين حيضتين في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 402

الأمة، انقضت العدة، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث في الحرة و الثاني في الأمة.

نعم لو اتصل آخر صيغة الطلاق بأول زمان الحيض صح الطلاق، لكن لا بد في انقضاء العدة من أطهار تامة، فتنقضي برؤية الدم الرابع في الحرة و رؤية الدم الثالث في الأمة.

(مسألة 1419) بناء على كفاية مسمى الطهر في الطهر الأول و لو لحظة و إمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أكثر من مرة فأقل زمان يمكن أن تنقضي عدة الحرة ستة و عشرون يوما و لحظتان، بأن يكون طهرها الأول لحظة ثم تحيض ثلاثة أيام، ثم ترى أقل الطهر عشرة أيام، ثم تحيض ثلاثة أيام، ثم ترى أقل الطهر عشرة أيام، ثم تحيض، فبمجرد رؤية الدم الأخير لحظة من أوله تنقضي العدة، و هذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدة، و إنما يتوقف عليها تمامية الطهر الثالث. هذا في الحرة و أما في الأمة فأقل ما يمكن انقضاء عدتها لحظتان و ثلاثة عشر يوما.

(مسألة 1420) عدة المتعة في الحامل وضع حملها، و في الحائل إذا كانت تحيض قرءان، و المراد بهما هنا حيضتان على الأقوى، و

إن كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض فخمسة و أربعون يوما. و لا فرق بين كون المتمتع بها حرة أو أمة، و المراد من الحيضتين الكاملتان، فلو وهبت مدتها أو انقضت في أثناء الحيض، لم تحسب بقية تلك الحيضة من الحيضتين.

(مسألة 1421) المدار في الشهور على الشهر الهلالي، فإن وقع الطلاق في أول رؤية الهلال فلا إشكال، و أما إن وقع في أثناء الشهر فالأقوى جعل الشهرين الوسطين هلاليين و إكمال الأول من الرابع بمقدار ما فات منه.

(مسألة 1422) إذا اختلفا في انقضاء العدة و عدمه قدم قولها بيمينها، سواء ادعت الانقضاء أو عدمه، و سواء كانت عدتها بالأقراء أو الشهور.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 403

أحكام عدة الوفاة

(مسألة 1423) عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيام إذا كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها، مدخولا بها أو غيرها، دائمة كانت أو منقطعة، من ذوات الأقراء أو غيرها. و أما إن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل و المدة المذكورة، فلو وضعت قبل تلك المدة لم تنقض العدة، و كذا لو تمت المدة و لما تضع بعد.

(مسألة 1424) إذا مات زوجها عند رؤية الهلال اعتدت بأربعة أشهر هلاليات و ضمت إليها من الشهر الخامس عشرة أيام. و إن مات في أثناء الشهر فالأظهر أنها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط و تكمّل الأول بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس، حتى تصير ثلاثة أشهر هلالية و شهرا ملفقا، و تضيف إليها عشرة أيام.

(مسألة 1425) إذا طلقها ثم مات قبل انقضاء العدة، فإن كان الطلاق رجعيا بطلت عدة الطلاق و اعتدت به من حين موته عدة الوفاة

فإن كانت حائلا اعتدت أربعة أشهر و عشرا، و إن كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين منها و من وضع الحمل كغير المطلقة، و إن كانت مسترابة فالأحوط أن تعتد بأبعد الأجلين من عدة المتوفى عنها زوجها و المطلقة المسترابة، و إن كان الطلاق بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق، و لا عدة عليها بسبب الوفاة.

(مسألة 1426) يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدة، و المراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحل و التطيب و الخضاب و تحمير الوجه و التخطيط و نحوها، و في اللباس بلبس الأحمر و الأصفر و الحلي و نحوها. و بالجملة ترك كل ما يعد زينة يتزين به للزوج و في الأوقات المناسبة كالأعياد و الأعراس و نحوها، و يختلف ذلك بحسب الأشخاص

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 404

و الأزمان و البلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد و المتعارف فيه للتزين.

نعم لا بأس بتنظيف البدن و اللباس و تسريح الشعر و تقليم الأظفار و دخول الحمام و الافتراش بالفراش الفاخر و السكنى في المساكن المزينة، و كذا لا بأس بتزيين أولادها و خدمها.

(مسألة 1427) الأقوى أن الحداد ليس شرطا في صحة العدة، بل هو تكليف مستقل في زمن العدة، فلو تركته عصيانا أو جهلا أو نسيانا في تمام المدة أو بعضها لم يجب عليها استئناف العدة، و لا تدارك مقدار ما اعتدت بدون حداد.

(مسألة 1428) لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة و الذمية، كما لا فرق على الظاهر بين الدائمة و المنقطعة. نعم لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدة تمتعها كساعة أو ساعتين بل يوم أو يومين، و هل يجب

على ولي الصغيرة و المجنونة تجنيبهما التزيين مدة العدة، فيه تأمل و إن كان أحوط.

(مسألة 1429) يجوز للمعتدة بعدة الوفاة الخروج من بيتها في زمان عدتها و التردد في حوائجها، خصوصا إذا كانت ضرورية عرفا أو كان خروجها لأمور راجحة كالحج و الزيارة و عيادة المرضى و زيارة أرحامها و لا سيما والديها. نعم ينبغي أن لا تبيت إلا في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة زوجها أو انتقلت إليه بعد موته للاعتداد فيه، بل هو الأحوط.

(مسألة 1430) لا إشكال في أن مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه حاضرا كان الزوج أو غائبا بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلقها غائبا و لم يبلغها إلا بعد مدة و لو كانت سنة أو أكثر فقد انقضت عدتها و ليس عليها عدة بعد بلوغ الخبر إليها. و مثل عدة الطلاق عدة الفسخ و الانفساخ على الظاهر، و كذا عدة وطأ الشبهة، و إن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان الوطأ بعد العقد شبهة. و أما عدة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 405

الوفاة فإذا مات الزوج غائبا فعدتها من حين بلوغ الخبر إليها، أما إذا كان حاضرا و خفي عليها موته لمرض أو حبس أو غير ذلك، ففيه إشكال و الأحوط أن تعتد من حين إخبارها بموته.

(مسألة 1431) لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه، كونه حجة شرعية، فلا يعتبر أن يكون من عدلين بل و لا عدل واحد، بشرط كونه خبرا يعتمد عليه العقلاء من حيث كونه مفيدا للظن أو الاطمئنان على الأحوط. نعم لا يجوز لها التزوج ما لم تقم حجة شرعية على موته، و لا

تكتفي بمجرد بلوغ الخبر. و فائدته إذا لم يكن حجة أنه بعد ما ثبت موته شرعا يكتفى بالاعتداد من حين البلوغ و لا يحتاج إلى الاعتداد من حين الثبوت.

(مسألة 1432) إذا علمت بالطلاق و لم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدة من ذلك الوقت، اعتدت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخره عنه، و الأحوط أن تعتد من حين بلوغ الخبر إليها.

(مسألة 1433) إذا فقد الرجل و غاب و لم يبلغ منه خبر و لا ظهر منه أثر، فإن علمت زوجته حياته وجب عليها الصبر إلى أن تعلم طلاقه أو موته و إن طالت المدة. و إن لم تعلم موته و لا حياته، فإن بقي له مال تنفق منه أو كان له من يتولى أموره و يتصدى لنفقتها أو كان متبرع بنفقتها وجب عليها الصبر و الانتظار، و لا يجوز لها أن تتزوج أبدا حتى تعلم بوفاة زوجها أو طلاقه إياها. و إن لم يكن له مال و لا يوجد من ينفق عليها، فإن صبرت فلها ذلك، و إن لم تصبر و أرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيؤجلها أربع سنين من حين رفع الأمر إليه و يتفحص عنه في تلك المدة، فإن لم يتبين موته و لا حياته فإن كان للغائب من يتولى أموره بتفويضه أو توكيله، يأمره الحاكم بطلاق المرأة، و إن لم يقدم على الطلاق أجبره الحاكم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 406

عليه، و إن لم يكن له من يتولى أموره أو كان و لم يمكن إجباره عليه طلقها الحاكم، ثم تعتد أربعة أشهر و عشرا عدة الوفاة، فإذا تمت هذه الأمور جاز لها التزوج بلا إشكال، و إن كان اعتبار

بعضها محل تأمل و نظر إلا أن مراعاة جميعها أحوط.

(مسألة 1434) ليس للفحص و الطلب كيفية خاصة، بل المدار على ما يعد طلبا و فحصا و تفتيشا، و يتحقق ذلك ببعث من يعرف المفقود باسمه و شخصه أو حليته، إلى مظان وجوده، و بالكتابة و التلفون و نحوها مما هو متداول في هذه الأعصار إلى من يعرفه ليفتش عنه في بلده، أو سؤال المسافرين عنه و تكليفهم بالسؤال عنه، و نحو ذلك.

(مسألة 1435) لا يشترط في المبعوث و المكتوب إليه و المستخبر منهم من المسافرين العدالة، بل تكفي الوثاقة.

(مسألة 1436) لا يعتبر أن يكون الفحص عن الزوج الغائب من الحاكم، بل يكفي من كل أحد حتى من الزوجة إذا كان الفحص بأمر الحاكم بعد رفع الأمر إليه، فإذا رفعت أمرها إليه فقال تفحصوا عنه إلى أن تمضي أربع سنين ثم تصدت الزوجة أو تصدى بعض أقاربها للفحص و الطلب حتى مضت المدة، كفى.

(مسألة 1437) مدة الفحص اللازم أربعة أعوام، و لا يعتبر فيها الاتصال التام، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه التصدي للطلب عنه بحيث يصدق عرفا أنه قد تفحص عنه في تلك المدة.

(مسألة 1438) المقدار اللازم من الفحص هو الأمكنة المتعارفة المعتادة لمثل ذلك الغائب، فلا يعتبر استقصاء البلاد، و لا يعتني بمجرد إمكان وصوله إلى مكان و لا بالاحتمالات البعيدة، بل يتفحص عنه في مظان وجوده و ما يحتمل وصوله إليه احتمالا قريبا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 407

(مسألة 1439) إذا علم أن الزوج كان في بلد معين في زمان ثم انقطع أثره، يتفحص عنه أولا في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقد عنه في جوامعه و مجامعة

و أسواقه و منتزهاته و مستشفياته و خاناته المعدة لنزول الغرباء و نحوها، و لا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال، بل يكتفي بالبعض المعتد به من مشتهراتها، و ينبغي ملاحظة زي المفقود و صنعته و حرفته، فيتفقد عنه في المحال المناسبة له و يسأل عنه أبناء صنفه و حرفته.

مثلا إذا كان من طلبة العلم فالمحل المناسب له المدارس و مجامع العلم، و ينبغي أن يسأل عنه العلماء و الطلبة، و هكذا، فإذا تم الفحص في ذلك البلد و لم يظهر منه أثر و لم يعلم موته و لا حياته، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص و السؤال و اكتفى بانقضاء مدة التربص أربع سنين، و إن احتمل انتقاله فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منها إليها تفحص عنه في تلك الجهات و لا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كل قرية قرية و لا في كل بلدة بلدة، بل يكفي بعض المحال المهمة المشتهرة في كل جهة مراعيا الأقرب ثم الأبعد إلى البلد الأول. و إن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محل الفحص ذلك البعض و الاكتفاء به، خصوصا إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره. و إذا علم أنه قد كان في بلد كالهند أو إيران أو العراق أو سافر إليها ثم انقطع أثره، كفى أن يتفحص عنه مدة التربص في مدنها المشهورة التي تشد إليها الرحال، و إن سافر إلى بلد معين كالعراقي يسافر إلى خراسان، يكفي الفحص عنه في البلاد و المنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد و في نفس ذلك البلد، و لا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلا عن البلاد الأخرى.

و إذا خرج من منزله مريدا للسفر أو هرب و لم يدر إلى أين توجه و انقطع أثره، تفحص عنه مدة التربص في الأطراف و الجوانب مما يحتمل قريبا وصوله إليه، و لا ينظر إلى ما بعد احتمال توجهه إليه.

(مسألة 1440) إذا لم يمكن للزوجة الوصول إلى الحاكم لرفع أمرها إليه، فإن كان للحاكم وكيل و مأذون في التصدي للأمور الحسبية الشاملة لمثل ذلك، قام مقامه في هذا الأمر، و مع عدمه ففي قيام عدول المؤمنين مقامه إشكال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 408

(مسألة 1441) إذا علم أن الفحص لا ينفع و لا يترتب عليه أثر، فالظاهر سقوط وجوبه، و كذا لو حصل اليأس من الاطلاع على حاله في أثناء المدة فيكفي مضي المدة في جواز طلاقها و زواجها.

(مسألة 1442) يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلق و لو بعد تحقق الفحص و انقضاء الأجل، فليست ملزمة باختيار الطلاق، و لها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، و حينئذ لا يلزم تجديد ضرب الأجل و الفحص، بل يكتفي بالأول.

(مسألة 1443) الظاهر أن عدة المفقود زوجها بعد الطلاق عدة طلاق، و إن كانت بقدر عدة الوفاة أربعة أشهر و عشرا، و يكون الطلاق رجعيا، و ليس عليها حداد، لكن الأحوط في النفقة و التوارث المصالحة. و إذا ماتت يرثها لو كان في الواقع حيا، و إذا تبين موته في العدة فالأحوط التصالح كما تقدم.

(مسألة 1444) إذا تبين موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق، وجب عليها عدة الوفاة، و إذا تبين بعد انقضاء العدة اكتفت بها، سواء كان التبين قبل زواجها أو بعده، و سواء كان

موته المتبين وقع قبل العدة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد الزواج، و أما لو تبين موته أثناء العدة فالأحوط إن لم يكن أقوى أن تستأنف عدة الوفاة من حين التبين.

(مسألة 1445) إذا جاء الزوج بعد الفحص و انقضاء الأجل، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته، و إن كان بعد الطلاق و العدّة و قد تزوجت بالغير فلا سبيل له عليها، و إن كان في أثناء العدة فله الرجوع إليها، كما أن له إبقاءها على حالها حتى تنقضي عدتها و تبين منه. و أما إن كان بعد انقضاء العدة و قبل زواجها فالأقوى عدم جواز رجوعه إليها.

(مسألة 1446) إذا حصل لزوجه الغائب بسبب القرائن و تراكم الأمارات العلم بموته، جاز لها بينها و بين اللّه أن تتزوج بعد العدة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم، و ليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 409

دعواها العلم. نعم في جواز الاكتفاء بقولها و اعتقادها لمن أراد أن يتزوجها و كذا لمن يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها، إشكال، و الأحوط أن تتزوج بمن لم يطلع على حالها و لا يعرف إلا أنها تقول توفي زوجها و أنها خلية، فيستند في زواجه منها إلى دعواها بأنها خلية بشرط أن لا تكون متهمة. و كذا من توكله في عقد زواجها.

عدة وطأ الشبهة

(مسألة 1447) المراد بوطأ الشبهة وطأ الأجنبية باعتقاد أنها حليلته، إما لشبهة في الموضوع كما إذا وطأ امرأة باعتقاد أنها زوجته فتبين أنها أجنبية، و إما لشبهة في الحكم كما إذا عقد على أخت زوجته معتقدا صحة العقد و دخل بها.

(مسألة 1448) لا عدة على المزني بها سواء حملت

من الزنا أم لا على الأقوى، و أما الموطوءة شبهة فعليها العدة سواء كانت ذات بعل أو خلية، و سواء كانت الشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ خاصة، و كذا إن كانت من طرف الموطوءة خاصة على الأحوط.

(مسألة 1449) عدة وطأ الشبهة كعدة الطلاق بالأقراء أو الشهور و بوضع الحمل لو حملت من هذا الوطأ على التفصيل المتقدم، و من لم يكن عليها عدة الطلاق كالصغيرة و اليائسة ليس عليها هذه العدة أيضا.

(مسألة 1450) إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل، لا يجوز لزوجها وطؤها في مدة عدتها و الأقوى أنه يجوز له سائر الاستمتاعات بها، و الظاهر أنه لا تسقط نفقتها في أيام العدة و إن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات عليه.

(مسألة 1451) إذا كانت خلية يجوز لواطئها أن يتزوج بها في زمن عدتها، بخلاف غيره فإنه لا يجوز له ذلك على الأقوى.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 410

(مسألة 1452) لا فرق في حكم وطأ الشبهة من حيث العدة و غيرها بين أن يكون مجردا عن العقد أو يكون بعده، بأن وطأ المعقود عليها بشبهة صحة عقده عليها مع فساده واقعا.

أحكام العدة

(مسألة 1453) إذا كانت معتدة بعدة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو وطئت ثم طلقها أو مات عنها زوجها فعليها عدتان عند المشهور، و هو الأحوط إن لم يكن أقوى، فإن كانت حاملا من أحدهما تقدّم عدة الحمل و بعد وضعه تستأنف العدة الأخرى أو تستكمل الأولى. و إن كانت حائلا تقدّم الأسبق منهما، و بعد تمامها تعتد العدة الأخرى من الآخر.

(مسألة 1454) إذا طلق زوجته بائنا ثم وطأها شبهة، اعتدت عدة أخرى على التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 1455) الموجب للعدة أمور: الوفاة،

و الطلاق بأقسامه، و الفسخ بالعيوب، و الانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع، و الوطأ بالشبهة مجردا عن العقد أو معه، و انقضاء المدة أو هبتها. أما الوفاة فهي سبب تام للعدة، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لا، و كذا الوطأ بشبهة، فهو سبب تام للعدة سواء كانت متزوجة أم لا، و موطوءة من غيره أم لا.

أما غيرهما فيكون مع دخول الزوج سببا للعدة لا بدونه.

(مسألة 1456) إذا طلقها رجعيا بعد الدخول ثم رجع، ثم طلقها قبل الدخول لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدة، من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعيا أو بائنا. و كذا إذا طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول، فإن الأقوى عدم جريان حكم الطلاق قبل الدخول عليه أيضا. و بحكمه ما إذا عقد عليها بالعقد المنقطع ثم وهبها المدة بعد الدخول ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول. و به

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 411

يظهر فساد ما ذكر من احتيال بعضهم في نكاح عدة رجال لامرأة واحدة غير يائسة في يوم واحد، بأن يعقد عليها أحدهم متعة و يدخل ثم يهبها المدة ثم يعقد عليها دواما ثم يطلقها بدون دخول، و هكذا يفعل الثاني، حيث يزعمون أن الطلاق الأول لا يحتاج إلى عدة لوقوع العقد بعده، و الثاني لا يحتاج إلى عدة لعدم الدخول.

(مسألة 1457) المطلقة بالطلاق الرجعي زوجة أو بحكم الزوجة ما دامت في العدة، فيترتب عليها آثار الزوجية من استحقاق النفقة و السكنى و الكسوة إذا لم تكن ناشزة أو كانت ناشزة و رجعت عن نشوزها، و من التوارث بينهما لو مات أحدهما

في العدة، و عدم جواز نكاح أختها و الخامسة، و كون كفنها و فطرتها عليه مع عيلولته إياها. أما البائنة كالمطلقة ثلاثا و المختلعة و المبارأة قبل رجوعهما بما بذلتاه، فلا يترتب عليها آثار الزوجية أصلا لا في زمن العدة و لا بعده، لانقطاع العصمة بينهما بالمرة. نعم إذا كانت حاملا من زوجها استحقت النفقة و الكسوة و السكنى عليه حتى تضع حملها كما مر في النفقات.

(مسألة 1458) عرفت أنه لا توارث بين الزوجين في الطلاق البائن مطلقا و في الرجعي بعد انقضاء العدة، لكن إذا طلقها مريضا ترثه الزوجة ما بين الطلاق و بين سنة، بمعنى أنه إن مات الزوج في المرض الذي طلقها فيه، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق و لو يوما أو أقل لا ترثه، و إن كان بمقدار سنة و ما دونها ترثه، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، و ذلك بشروط ثلاثة: الأول: أن لا تتزوج المرأة، فلو طلقها في حال المرض و تزوجت بعد انقضاء العدة ثم مات الزوج قبل انقضاء سنة، لم ترثه. الثاني:

أن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلقها فيه، فلو بري ء من ذلك المرض، ثم مرض ثم مات في أثناء السنة لم ترثه، إلا إذا كان موته في العدة الرجعية.

الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة و المبارأة، لأن الطلاق إنما كان بالتماس منهما.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 412

(مسألة 1459) لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج المطلقة من بيته حتى تنقضي عدتها، إلا أن تأتي بفاحشة، أعلاها ما أوجب الحد و أدناها أن تؤذي أهل البيت بالشتم و بذاءة اللسان بحيث ينجر ذلك إلى النشوز. و كذلك

لا يجوز لها الخروج بدون إذن الزوج، بل و معه أيضا على الأحوط (وجوبا) إلا لضرورة أو لأداء واجب مضيق.

أحكام الرجعة

(مسألة 1460) الرجعة هي رد المطلقة في زمان عدتها الرجعية إلى نكاحها السابق، فلا رجعة في البائنة و لا في الرجعية بعد انقضاء العدة.

(مسألة 1461) الرجعة تكون إما بالقول و هو كل لفظ دل على إنشاء الرجوع كقوله: راجعتك أو رجعتك أو ارتجعتك إلى نكاحي، أو دل على الإمساك بزوجيتها كقوله رددتك إلى نكاحي أو أمسكتك في نكاحي، و يجوز في الجميع إسقاط قوله إلى نكاحي و في نكاحي. و لا يعتبر فيه العربية، بل يقع بكل لغة إذا كان بلفظ يفيد المعنى المقصود في تلك اللغة. و إما بالفعل، بأن يفعل بها ما يحل فعله للزوج بحليلته كالوطأ و التقبيل و اللمس بشهوة أو بدونها.

(مسألة 1462) لا يتوقف حلية الوطأ و ما دونه من التقبيل و اللمس على سبق الرجوع لفظا و لا على قصد الرجوع به، لأن المطلقة الرجعية كالزوجة فيستباح منها للزوج ما يستباح من الزوجة، و الأقوى أنه لا يعتبر في كونه رجوعا أن يقصد به الرجوع، بل يحتمل قويا كونه رجوعا و إن قصد العدم.

نعم لا عبرة بفعل الغافل و الساهي و النائم و نحوها مما لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو قبلها باعتقاد أنها غيرها.

(مسألة 1463) لو أنكر أصل الطلاق و هي في العدة، كان ذلك رجوعا و إن علم كذبه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 413

(مسألة 1464) لا يعتبر الإشهاد في الرجعة و إن استحب دفعا لوقوع التخاصم و النزاع، و كذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، فإن راجعها

عند نفسه من دون اطلاع أحد صحت الرجعة و عادت إلى النكاح السابق واقعا، لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدة و لم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية الأمر أن له عليها يمين نفي العلم لو ادعى عليها العلم بذلك. و لو ادعى الرجوع الفعلي كالوطأ و أنكرته، كان القول قولها بيمينها على نفي الفعل المدعى بنحو قطعي بات، لا على نفي علمها به.

(مسألة 1465) إذا اتفقا على الرجوع و انقضاء العدة و اختلفا في المتقدم منهما فادعى الزوج أن المتقدم هو الرجوع و ادعت هي أن المتقدم انقضاء العدة، فإن تعين زمان الانقضاء و ادعى الزوج أن رجوعه كان قبله فوقع في محله، و ادعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محله، فالأقرب أن القول قوله بيمينه و ذلك لأن قوله مطابق لأصالة الصحة في الرجوع المتفق على وقوعه. و إن كان بالعكس، بأن تعين زمان الرجوع و أنه يوم الجمعة مثلا و ادعى أن انقضاء العدة كان في يوم السبت و ادعت هي أنه كان في يوم الخميس، فالقول قولها بيمينها، و ذلك لأن الاختلاف بينهما في الانقضاء في يوم الجمعة و عدمه، و أمر العدة بيدها و قولها فيه مسموع.

(مسألة 1466) إذا طلق و راجع، فأنكرت هي الدخول بها قبل الطلاق لئلا تكون عليها عدة و لا تكون له الرجعة، و ادعى هو الدخول، كان القول قولها مع يمينها.

(مسألة 1467) الظاهر أن جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط و ليس حقا قابلا للإسقاط كالخيار في البيع الخياري، فلو قال الزوج أسقطت ما كان لي من حق الرجوع لم يسقط، و كان له الرجوع بعد ذلك، و كذلك إذا

صالح عنه بعوض أو غير عوض.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 415

كتاب الخلع و المبارأة

أحكام الخلع

(مسألة 1468) الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها، فهو قسم من الطلاق. و يعتبر فيه جميع شروط الطلاق المتقدمة، و يزيد عليها بأنه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة، فإن كانت الكراهة من الطرفين كان مباراة، و إن كانت من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعا و لا مباراة.

(مسألة 1469) الظاهر وقوع الخلع بكل من لفظي الخلع و الطلاق مجردا كل منهما عن الآخر أو منضما، فبعد أن تنشئ الزوجة بذل الفدية ليخلعها مثلا يقول: خلعتك على كذا، أو أنت مختلعة على كذا، و يكتفي به أو يتبعه بقوله: فأنت طالق على كذا، أو يقول: أنت طالق على كذا، و يكتفي به أو يتبعه بقوله: فأنت مختلعة على كذا. نعم صحته في صورة الجمع بين الصيغتين مورد وفاق.

(مسألة 1470) الخلع و إن كان قسما من الطلاق و الطلاق من الإيقاعات إلا أنه يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين و إنشائين: بذل شي ء من الزوجة ليطلقها الزوج، و إنشاء الطلاق من الزوج بما بذلت، و يقع ذلك

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 416

على نحوين: الأول أن تبتدي ء الزوجة بالبذل ليطلقها، فيطلقها على ما بذلت. و الثاني أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده، و الأحوط أن يكون الترتيب على النحو الأول، بل هذا الاحتياط لا يترك.

(مسألة 1471) يعتبر في صحة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل و الطلاق بما يخل بالفورية العرفية، فلو أخل بها بطل الخلع و لم يستحق الزوج العوض، و لكن لم يبطل الطلاق إذا كان إيقاعه بلفظ الطلاق مجردا أو منضما إلى الخلع و

كذا في كل مورد قلنا فيه بصحة الطلاق و بطلان الخلع، و حينئذ، يقع رجعيا مع اجتماع شرائطه، و إلا يقع بائنا.

(مسألة 1472) يجوز أن يكون البذل و الطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بوكالة من أحدهما و أصالة من الآخر، و يجوز أن يوكلا شخصا واحدا ليبذل عنها و يطلق عنه، بل الظاهر أنه يجوز لكل منهما أن يوكل الآخر فيما هو من طرفه، فيكون أصيلا فيما يرجع إليه و وكيلا فيما يرجع إلى الآخر.

(مسألة 1473) يصح التوكيل في الخلع في جميع ما يتعلق به من شرط العوض و تعيينه و قبضه و إيقاع الطلاق، و من المرأة في جميع ما يتعلق بها من طلب الطلاق و تقدير العوض و تسليمه.

(مسألة 1474) إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإما أن تبدأ الزوجة و تقول: بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشي ء الفلاني لتطلقني، فيقول فورا: أنت طالق أو مختلعة (بكسر اللام) على ما بذلت أو على ما أعطيت. و إما أن يبتدئ الزوج بعد اتفاقهما على الطلاق بعوض فيقول: أنت طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا، فتقول فورا: قبلت أو رضيت. و إن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطبا وكيل الزوج: بذلت عن موكلتي فلانة

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 417

لموكلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها و ليطلقها، فيقول وكيل الزوج فورا: زوجة موكلي طالق على ما بذلت، أو يقول: خلعت عن موكلي موكلتك على ما بذلت. و إن وقع من وكيل أحدهما مع الآخر كوكيل الزوجة مع الزوج يقول وكيلها مخاطبا الزوج: بذلت لك عن موكلتي فلانة، أو عن زوجتك، ما عليك من المهر

أو الشي ء الفلاني على أن تطلقها، فيقول الزوج فورا: هي، أو زوجتي، طالق عي ما بذلت. أو يبتدئ الزوج مخاطبا وكيلها: موكلتك، أو زوجتي فلانة، طالق على كذا، فيقول: قبلت ذلك عن موكلتي. و إن وقع من الوكيل عن الطرفين يقول: بذلت عن موكلتي فلانة لموكلي فلان الشي ء الفلاني ليطلقها، ثم يقول فورا: زوجة موكلي طالق على ما بذلت. أو يبتدئ من طرف الزوج و يقول: زوجة موكلي طالق على الشي ء الفلاني، ثم يقول من طرف الزوجة: قبلت عن موكلتي. و لو فرض أن الزوجة وكلت الزوج في البذل يقول: بذلت لنفسي عن موكلتي زوجتي كذا لأطلقها، ثم يقول فورا: هي طالق على ما بذلت.

(مسألة 1475) يجوز أن يكون البذل من الزوجة بطلبها الطلاق من الزوج بعوض معلوم، بأن تقول له: طلقني أو اخلعني بكذا، فيقول فورا:

أنت طالق أو مختلعة بكذا، فيتم الخلع بشرط أن تتبعه بالقبول على الأحوط فتقول: قبلت.

(مسألة 1476) يشترط في تحقق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق.

و يجوز الفداء بكل متمول من عين أو دين أو منفعة قل أو كثر و إن زاد عن المهر المسمى، فإن كان عينا حاضرة يكفي فيها المشاهدة، و إن كان كليا في الذمة أو غائبا ذكر جنسه و وصفه و قدره، فلو جعل الفداء ألفا و لم يذكر المراد فسد الخلع. و يصح جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدة، و إذا جعل كليا في ذمتها يجوز جعله حالا و مؤجلا مع تعيين الأجل بما لا إجمال فيه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 418

(مسألة 1477) يصح بذل الفداء منها و من وكيلها، بأن يبذل وكالة عنها من مالها الموجود أو من مال في ذمتها،

و الأرجح أنه لا يصح أن يكون البذل ممن يضمنه في ذمته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل، بأن تقول لشخص أطلب من زوجي أن يطلقني بألف درهم مثلا عليك و بعد ما دفعتها إليه ارجع إلي. كما أن الظاهر أنه لا يصح من المتبرع الذي يبذل من ماله من دون رجوع إليها، فلو قالت الزوجة لزوجها طلقني على دار زيد أو ألف في ذمته، فطلقها على ذلك و قد أذن زيد في ذلك، أو أجاز بعد ذلك، لم يصح الخلع. و كذا لو وكلت زيدا على أن يطلب من زوجها أن يطلقها على ذلك فطلقها على ذلك.

(مسألة 1478) إذا قال أبوها طلقها و أنت بري ء من صداقها، و كانت بالغة رشيدة فطلقها صح الطلاق و كان رجعيا و لم تبرأ ذمته بذلك ما لم تبرئه الزوجة، و لا يجب عليها الإبراء، و لا يضمنه الأب.

(مسألة 1479) لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر، مع علمهما بذلك، بطل البذل فبطل الخلع و كان الطلاق رجعيا. أما لو جعلته مال الغير مع الجهل بأنه مال الغير، فالمشهور صحة الخلع و ضمانها للمثل أو القيمة، و فيه تأمل.

(مسألة 1480) يشترط في الخلع أن تكون الزوجة كارهة للزوج دون العكس كما مرّ، و الأحوط أن تكون الكراهة شديدة بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة و الوقوع في المعصية.

(مسألة 1481) الظاهر أنه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره و سوء خلقه و فقره و غير ذلك، و بين أن تكون ناشئة من بعض العوارض مثل وجود الضرة و عدم إيفاء الزوج

بعض الحقوق المستحبة أو الواجبة كالقسم و النفقة. نعم إن

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 419

كانت الكراهة و طلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسب و الشتم و الضرب و نحوها فتريد تخليص نفسها منه فتبذل شيئا ليطلقها فيطلقها، لم يتحقق الخلع و حرم عليه ما يأخذه منها، و لكن الطلاق يصح.

(مسألة 1482) لو طلقها بعوض من غير كراهتها و مع توافق أخلاقهما، لم يصح الخلع و لم يملك العوض و لكن صح الطلاق، فإن كان مورد الطلاق الرجعي كان رجعيا، و إلا كان بائنا.

(مسألة 1483) طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت، و لها الرجوع فيه ما دامت في العدة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها.

(مسألة 1484) الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها، فلو لم يجز له الرجوع كالمطلقة ثلاثا و التي ليس لها عدة كاليائسة و غير المدخول بها، لم يكن لها الرجوع في البذل، بل لا يبعد عدم صحة رجوعها فيما بذلت مع فرض عدم علمه برجوعها إلى انقضاء محل رجوعه، فلو رجعت عند نفسها و لم يطلع عليه الزوج حتى انقضت العدة، فلا أثر لرجوعها.

أحكام المبارأة

(مسألة 1485) المبارأة قسم من الطلاق، فيعتبر فيها جميع شروطه المتقدمة، و يعتبر فيها ما يشترط في الخلع من الفدية و الكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة، و تقع بلفظ الطلاق مجردا، بأن يقول الزوج بعد ما تبذل له المرأة شيئا ليطلقها: أنت طالق على ما بذلت، أو بلفظ:

بارأتك، متبعا بلفظ الطلاق فيقول: بارأتك على كذا فأنت طالق، و لا يقع بلفظ (بارأتك) مجردا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 420

(مسألة 1486) المبارأة

و إن كانت كالخلع لكنها تفارقه بأمور ثلاثة:

أحدها: أنها تترتب على كراهة كل من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنه يترتب على كراهة الزوجة خاصة كما مرّ. ثانيها: أنه يشترط فيها أن لا يكون الفداء أكثر من مهرها بل الأحوط أن يكون أقل منه، بخلاف الخلع فإنه فيه على ما تراضيا به ساوى المهر أو زاد عليه أو نقص عنه. ثالثها:

أنه إذا أوقعها بلفظ (بارأت) يجب إتباعه بالطلاق بقوله: فأنت أو هي طالق، بخلاف الخلع إذ يجوز أن يوقعه بلفظ الخلع مجردا كما مرّ، و إن قيل فيه أيضا بوجوب إتباعه بالطلاق، لكن الأقوى خلافه كما مر.

(مسألة 1487) طلاق المبارأة بائن كالخلع، ليس للزوج فيه رجوع إلا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدة، فله الرجوع حينئذ إليها، كما تقدم في الخلع.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 421

كتاب الظهار و الإيلاء و اللعان

الظهار

(مسألة 1488) الظهار هو طلاق في الجاهلية كان يوجب الحرمة الأبدية، و قد غير شرع الإسلام حكمه و جعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة و لزوم الكفارة بالعود، و حرم فعله بقوله تعالى (وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً) مع ما ورد في الرواية في شأن نزول الآية من التصريح بكونه معصية.

(مسألة 1489) صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطبا للزوجة: أنت عليّ كظهر أمي، أو يقول بدل أنت: هذه، مشيرا إليها، أو زوجتي أو فلانة. و يجوز تبديل عليّ بقوله: مني أو عندي أو لديّ. بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة عليّ و أشباهها أصلا، بأن يقول: أنت كظهر أمي، و يصح أن يوقعه بقوله: أنت كظهر أمي إن فعلت كذا، أو فعلت كذا، فإن فعلت هي أو فعل هو وجبت الكفارة و حرم عليه وطؤها

بعد الفعل، أما قبله فلا تجب الكفارة و لو كان الوطأ هو الشرط.

و لو شبهها بجزء آخر من أجزاء الأم غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع الظهار قولان: أحوطهما ذلك، بل لا يخلو من قوة. و لو قال

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 422

أنت كأمي أو أمي، قاصدا به التحريم لا علو المنزلة و التعظيم أو كبر السن و غير ذلك لم يقع، و إن كان الأحوط خلافه، بل لا يترك الاحتياط.

(مسألة 1490) لو شبهها بإحدى المحارم النسبية غير الأم كالبنت و الأخت فمع ذكر الظهر بأن قال مثلا: أنت عليّ كظهر أختي، يقع الظهار على الأقوى، و بدونه كما إذا قال: كأختي، أو كرأس أختي، لم يقع على إشكال فلا يترك الاحتياط (وجوبا) بترتيب آثار الظهار.

(مسألة 1491) الظهار الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو قالت المرأة لزوجها: أنت عليّ كظهر أبي أو أخي، لم يؤثر شيئا.

(مسألة 1492) يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق، و في المظاهر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، فلا يقع من الصبي و المجنون و لا المكره و الساهي، و لا من الهازل و السكران و النائم، بل و لا مع الغضب السالب للقصد، و في المظاهرة خلوها من الحيض و النفاس و كونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق، و الأصح اشتراط كونها مدخولا بها.

(مسألة 1493) الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية في المظاهرة، بل يقع على المتمتع بها.

(مسألة 1494) إذا تحقق الظهار بشرائطه حرم على المظاهر وطأ المظاهرة، و لا يحل له وطؤها حتى يكفّر فإذا كفّر حل له. و لا تلزم كفارة أخرى

بعد وطئها، و لو وطأها قبل أن يكفّر كانت عليه كفارتان و إذا تكرر الوطأ تكررت الكفارة. و في حرمة غير الوطأ من سائر الاستمتاعات قبل التكفير، كالقبلة و الملامسة إشكال.

(مسألة 1495) إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم يحل له وطؤها حتى يكفّر، بخلاف ما إذا تزوجها جديدا بعد انقضاء العدة أو في العدة إذا كان الطلاق بائنا، فإنه يسقط حكم الظهار و يجوز له وطؤها بلا تكفير.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 423

(مسألة 1496) كفارة الظهار كما مرّ في كتاب الكفارات أحد أمور ثلاثة مرتبة: عتق رقبة، و إذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، و إذا عجز عنه فإطعام ستين مسكينا.

(مسألة 1497) إذا صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض، و إن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم، فيحضره و يخيره بين الرجعة بعد التكفير و بين طلاقها، فإن اختار أحدهما و إلا أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدة و لم يختر أحد الأمرين حبسه و ضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يختار أحدهما، و لا يجبره على خصوص أحدهما و لا يطلق عنه.

الإيلاء

(مسألة 1498) الإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مدة تزيد عن أربعة أشهر للإضرار بها، فلا يتحقق الإيلاء بالحلف على ترك وطء المتمتع بها و لا غير المدخول بها، و لا بالحلف على ترك وطئها مدة لا تزيد عن أربعة أشهر، و لا فيما إذا كان لملاحظة مصلحة كإصلاح لبنها أو كونها مريضة أو غير ذلك، و إن انعقد اليمين في جميع ذلك مع اجتماع شروطه، و تترتب عليه آثاره.

(مسألة 1499) لا ينعقد الإيلاء كمطلق اليمين إلا باسم اللّه تعالى

المختص به أو الغالب إطلاقه عليه، و لا يعتبر فيه العربية و لا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل كإدخال الفرج في الفرج، بل المعتبر صدق كونه حالفا على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور في ذلك، فيكفي قوله: لا أطأك أو لا أجامعك أو لا أمسّك، بل و قوله: لا جمعت رأسي و رأسك وسادة أو مخدّة، إذا قصد بذلك ترك الجماع.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 424

(مسألة 1500) إذا تم الإيلاء بشرائطه، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام، و إلا فلها المرافعة إلى الحاكم، فيحضره و ينظره أربعة أشهر، فإن رجع و واقعها في هذه المدة فهو، و إلا أجبره على أحد الأمرين إما الرجوع أو الطلاق، فإن فعل أحدهما، و إلا ضيق عليه و حبسه حتى يختار أحدهما، و لا يجبره على أحدهما معينا.

(مسألة 1501) الأقوى أن الأربعة أشهر التي ينظر الزوج فيها ثم يجبر على أحد الأمرين بعدها هي من حين الترافع.

(مسألة 1502) يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن، فلو عقد عليها جديدا في العدة أو بعدها كانت كأن لم يول عليها، بخلاف ما إذا طلقها رجعيا فإنه و إن خرج بذلك من حقها فليس لها المطالبة و الترافع إلى الحاكم، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلا بانقضاء العدة، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم الأول، فلها المطالبة بحقها و المرافعة.

(مسألة 1503) متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفارة، سواء كان في مدة التربص أو بعدها أو قبلها لأنه قد حنث اليمين على كل حال، و إن جاز له هذا الحنث بل وجب عليه بعد انقضاء المدة و مطالبتها و أمر الحاكم به تخييرا

بينه و بين الطلاق. و بهذا يمتاز هذا اليمين عن سائر الأيمان، كما أنه يمتاز عن غيره بأنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلقة مباحا تساوى طرفاه أو كان راجحا دينا أو دنيا.

اللعان

(مسألة 1504) اللعان مباهلة خاصة بين الزوجين، أثرها دفع حدّ أو نفي ولد كما تعرف تفصيله.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 425

(مسألة 1505) إنما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا، الثاني: إذا نفى ولدية من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به.

(مسألة 1506) لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريبة و لا مع غلبة الظن ببعض الأسباب المريبة، بل و لا بالشياع، و لا بإخبار شخص ثقة.

نعم يجوز مع اليقين، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة و لم يكن للزوج بينة، بل يحد حد القذف مع مطالبتها، إلا إذا أوقع اللعان الجامع للشروط الآتية فيدرأ عنه الحد.

(مسألة 1507) يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدعي المشاهدة، فلا لعان فيمن لم يدعها و من لم يتمكن منها كالأعمى فيحدان مع عدم البينة، و أن لا تكون له بينة فإن كانت له بينة تتعين إقامتها لنفي الحد و لا لعان.

(مسألة 1508) يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة بالغة، عاقلة، سالمة عن الصمم و الخرس، فلا لعان في قذف الأجنبية بل يحد القاذف مع عدم البينة، و كذا في المنقطعة على الأقوى، و أن تكون مدخولا بها، فلا لعان، فيمن لم يدخل بها، و أن تكون غير مشهورة بالزنا و إلا فلا لعان، بل و لا حد حتى يدفع باللعان، بل عليه التعزير في غير المشهورة المتجاهرة بالزنا إن لم يدفعه

عن نفسه بالبينة، و لا حد في المشهورة المتجاهرة بالزنا.

(مسألة 1509) لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولد في فراشه مع إمكان لحوقه به، بأن دخل بأمه أو أدخل ماءه في فرجها بأي وسيلة، و قد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعدا و لم يتجاوز عن أقصى مدة الحمل، حتى لو فجر أحد بها فضلا عما إذا اتهمها، بل يجب عليه الإقرار بولديته، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (أيما رجل جحد ولده و هو ينظر إليه، احتجب اللّه منه و فضحه على رؤوس الخلائق). نعم يجب عليه على الأحوط أن ينفيه

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 426

و لو باللعان مع علمه بعدم تكونه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به، إذا كان بحسب ظاهر الشرع يلحق به لو لا نفيه، لئلا يلحق بنسبه من ليس منه، فيترتب عليه حكم الولد في الميراث و النكاح و النظر إلى المحارم و غير ذلك.

(مسألة 1510) إذا نفى ولديّة من ولد في فراشه فإن علم أنه دخل بأمه دخولا يمكن معه لحوق الولد به، أو أقر هو بذلك و مع ذلك نفاه، لا يسمع منه هذا النفي، و لا ينتفي منه لا باللعان و لا بغيره، و أما لو لم يعلم ذلك و لم يقرّ به و نفاه إما مجردا عن ذكر السبب بأن قال: هذا ليس ولدي، أو مع ذكر السبب بأن قال: لأني لم أدخل بأمه دخولا يمكن تكونه منه، فلا ينتفي عنه بمجرد نفيه بل ينتفي باللعان إن تحقق شرط اللعان من الدخول أو إدخال مائة فيها، و إلا فلا لعان.

(مسألة 1511) إنما يشرع اللعان لنفي

الولد إذا كانت المرأة زوجة بالعقد الدائم، و أما ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان، و إن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء. نعم لو علم أنه دخل بها دخولا يمكن أن يتكون الولد منه أو أقر بذلك و مع ذلك نفاه، لم ينتف عنه بنفيه و لم يسمع منه، كما هو الأمر في الدائمة.

(مسألة 1512) لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملا أو منفصلا.

(مسألة 1513) من المعلوم أن انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا لاحتمال تكونه عن وطأ شبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به و جاز له بل وجب عليه نفيه على الأحوط عن نفسه، فلا يجوز له أن يرميها بالزنا و ينسب ولدها بكونه ولد زنا، إلا إذا علم بكونه من زنا.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 427

(مسألة 1514) إذا أقر بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك، سواء كان إقراره صريحا أو كناية مثل أن يبشر به و يقال له: بارك اللّه لك في مولودك فيقول آمين أو إن شاء اللّه تعالى، بل قيل إذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة و لم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعد ذلك، لكنه مشكل، إلا إذا ظهر منه أمارات التصديق بكونه ولده.

(مسألة 1515) لا يقع اللعان إلا عند الحاكم الشرعي أو من نصبه لذلك، و صورته: أن يبدأ الرجل و يقول بعد أن يقذفها أو ينفى ولدها:

أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو من نفي ولدها. يقول ذلك أربع مرات، ثم يقول مرة واحدة: لعنة اللّه علي إن كنت من الكاذبين. ثم تقول المرأة

بعد ذلك أربع مرات: أشهد باللّه إنه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي الولد. ثم تقول مرة واحدة: أن غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين.

(مسألة 1516) يجب أن تكون الشهادة و اللعن على الوجه المذكور، فلو قال أو قالت أحلف أو أقسم أو شهدت أو أنا شاهد، أو أبدلا لفظ الجلالة بالرحمن أو بخالق البشر أو بصانع الموجودات، أو قال الرجل إني صادق أو لصادق أو من الصادقين من غير ذكر اللام، أو قالت المرأة إنه لكاذب أو كاذب أو من الكاذبين، لم يقع. و كذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب، و المرأة بالعكس.

(مسألة 1517) يجب أن يكون إجراء كل منهما اللعان بعد أمر الحاكم به، فلو بادر به قبل أن يأمر به الحاكم، لم يقع.

(مسألة 1518) يجب أن يكون النطق بالعربية مع القدرة، و يجوز بغيرها مع التعذر.

(مسألة 1519) يجب أن يكونا قائمين على الأحوط عند التلفظ بألفاظ الملاعنة الخمسة، و الأحوط أن يكونا قائمين معا عند تلفظ كل منهما.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 428

(مسألة 1520) إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه أحكام أربعة، الأول: انفساخ عقد النكاح و الفرقة بينهما. الثاني: الحرمة الأبدية، فلا تحل له أبدا و لو بعقد جديد، و هذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان سواء كان للقذف أو لنفي الولد. الثالث: سقوط حد القذف عن الزوج بلعانه و سقوط حد الزنا عن الزوجة بلعانها، فلو قذفها ثم لاعنها و نكلت هي عن اللعان، تخلص الرجل عن حد القذف و تحد المرأة حد الزانية، لأن لعان الرجل بمنزلة البينة في إثبات زنا الزوجة. الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه،

بمعنى أنه لو نفاه و ادعت الزوجة أن الولد له فتلاعنا، فلا يكون توارث بين الرجل و الولد، و كذا بين الولد و كل من انتسب إليه بالأبوة كالجد و الجدة و الأخ و الأخت للأب، و كذا الأعمام و العمات، بخلاف الأم و من انتسب إليه بها، حتى أن الإخوة للأب و الأم بحكم الإخوة للأم.

(مسألة 1521) إذا كذب نفسه بعد ما لا عن لنفي الولد، لحق به الولد فيما عليه لا فيما له، فيرثه الولد لكن لا يرث أقارب أبيه بإقراره إلا إذا أقروا به أيضا، كما أنهم لا يرثونه إلا بإقراره. و لا يرثه الأب و لا من يتقرب به.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 429

كتاب الميراث

موجبات الإرث

اشارة

(مسألة 1522) موجبات الإرث و أسبابه ثلاثة، الأول: النسب بالسبب الشرعي أو ما بحكمه كالشبهة و نكاح الملل الفاسدة، دون مثل الزنا، بشرط صدق الرحم و القرابة عرفا.

و هو ثلاث طبقات مرتبة، لا يرث واحد من المرتبة اللاحقة مع وجود وارث من المرتبة السابقة:

الطبقة الأولى: و هي صنفان: الأبوان من غير ارتفاع و الأولاد ذكرا أو أنثى بلا واسطة أو معها.

الطبقة الثانية: و هي أيضا صنفان: الأجداد و الجدات لأب أو أم و إن علوا، و الإخوة و الأخوات و أولادهم و إن نزلوا لأب كانوا أو لأم أو لهما.

الطبقة الثالثة: الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و إن علوا و أولادهم و إن نزلوا، و يعد من في هذه الطبقة كلهم صنفا واحدا.

السبب الثاني: الزوجية، و بها يرث الزوجان كل من الآخر.

الثالث: الولاء، و هو ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء ضامن الجريرة، ثم ولاء الإمامة.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 430

الوارث

(مسألة 1523) الوارث إما يرث بالفرض، و إما يرث بالقرابة. و المراد بالفرض السهم المقدر و الكسر المعين الذي سماه اللّه تعالى في كتابه الكريم، و الفروض ستة و أصحابها ثلاثة عشر: النصف: لبنت واحدة بأن لم يكن لها أخ أو أخت غير ممنوع الإرث (فإن ممنوع الإرث في جميع الفروض كالمعدوم).

و أخت وحيدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك. و الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد و إن نزل. و الربع: للزوج إذا كان للزوجة ولد و إن نزل.

و للزوجة إذا لم يكن للزوج ولد و إن نزل، و الثمن: للزوجة إذا كان للزوج ولد و إن نزل. و الثلث: للأم مع عدم الولد للميت و إن

نزل، و لا الإخوة بالشرائط الآتية، و للاثنين فصاعدا من ولد الأم. و الثلثان: للبنتين فصاعدا مع عدم وجود الابن غير ممنوع الإرث، و للأختين فصاعدا لأبوين مع عدم وجود أخ للأبوين، أو الأختين لأب مع عدم وجود أخ للأب. و السدس:

للأب مع وجود الولد و إن نزل، و للأم مع الولد و إن نزل، أو وجود الإخوة للميت بالشروط الآتية، و للأخ أو الأخت للأم مع عدم التعدد.

(مسألة 1524) ظهر مما ذكرنا أن أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم، و إنما يكون إرثهم بالقرابة، و أن وراثة الزوجين بالفرض مطلقا. و أما الطبقة الأولى و الثانية فبعضهم لا فرض له أصلا كالابن و الأخ للأبوين أو الأب، و بعضهم له فرض مطلقا كالأم، و بعضهم له فرض في حال دون حال كالأب، فإن له فرضا مع وجود ولد للميت و ليس له فرض مع عدم الولد، و كالبنت و البنتين، و كذا الأخت و الأختان لأب أو أبوين، فإن لهن فرضا إذا لم يكن معهن ذكر، و ليس لهن فرض إذا كان معهن ذكر.

(مسألة 1525) ظهر مما ذكرنا أن من كان له فرض على قسمين:

أحدهما: من ليس له إلا فرض واحد و لا ينقص و لا يزيد فرضه بتبدّل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 431

الأحوال، كالأب فإنه يكون ذا فرض في صورة وجود الولد، و فرضه ليس إلا السدس مطلقا، و كذلك البنت الواحدة و البنتان فصاعدا مع عدم الابن، و كذا الأخت و الأختان لأب أو أبوين مع عدم الأخ، فإن فرضهن النصف أو الثلثان مطلقا، و هؤلاء و إن كانوا ذوي فروض في حال دون حال، إلا أن

فرضهم لا يزيد و لا ينقص بتبدّل الأحوال. و قد يكون له فرض على كل حال و لا يتغير بتبدّل الأحوال، كالأخ أو الأخت للأم، فمع الوحدة يكون السدس و مع التعدد الثلث، و لا يزيد على ذلك و لا ينقص في جميع الأحوال.

الثاني: من كان فرضه يتغير بتبدّل الأحوال، كالأم فإن لها الثلث تارة و السدس أخرى، و كذا الزوجان فإن للزوج النصف مع عدم الولد و الربع مع وجوده، و للزوجة الثمن مع وجود الولد و الربع مع عدمه.

موانع الإرث

اشارة

(مسألة 1526) المشهور من موانع الإرث ثلاثة: الأول: الكفر بأصنافه أصليا كان أو عن ارتداد، فلا يرث الكافر من المسلم أصلا و إن كان قريبا، و إنما يختص إرثه بالمسلم و إن كان بعيدا، فلو كان له ابن كافر و للابن ابن مسلم يرثه ابن الابن لا الابن، و كذا لو كان له ابن كافر و أخ أو عم أو ابن عم مسلم، يرثه المسلم دون الابن الكافر. بل و كذا لو لم يكن له وارث من ذوي الأنساب و كان له معتق أو ضامن جريرة مسلم يختص إرثه بهما دونه، و لو لم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات من ذوي الأنساب و غيرهم كان ممن لا وارث له، و اختص إرثه بالإمام عليه السلام، و لم يرث ابنه الكافر منه شيئا.

(مسألة 1527) إذا مات الكافر أصليا أو مرتدا عن فطرة أو ملة و له وارث مسلم و كافر، ورثه المسلم و إن كان بعيدا كالمعتق و ضامن الجريرة دون الكافر و إن كان قريبا كالأب و الابن. و إن لم يكن له وارث مسلم بل

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 432

كان جميع ورثته كفارا يرثونه، إلا إذا كان مرتدا فطريا أو مليا فإن ميراثه للإمام دون ورثته الكفار.

(مسألة 1528) إذا مات مسلم أو كافر و كان له وارث كافر و وارث مسلم غير الإمام، و أسلم بعد موته وارثه الكافر، فإن كان وارثه المسلم متعددا و كان إسلام من أسلم منهم قبل قسمة الميراث، استحق إرثه منه كأحدهم، و إن كان بعد القسمة لم يستحق الإرث.

و إن كان وارثه المسلم واحدا و هو الزوجة فالحكم كما تقدم، و إن كان واحدا و لكنه غير الزوجة اختص بالإرث و لم يؤثر إسلام من أسلم بعد موت المورث في الإرث منه.

أما إذا كان وارثه منحصرا بالإمام عليه السلام و أسلم الكافر من ورثته، فهو أولى بإرثه من الإمام عليه السلام.

(مسألة 1529) إذا أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض كان لكل منهما حكمه، فلا يرث فيما قسم و يختص بالإرث أو يشارك فيما لم يقسم.

(مسألة 1530) إذا مات مسلم عن ورثة كفار ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته، اختص هو بالإرث و لم يرثه الباقون، و لم ينته الأمر إلى الإمام، و كذا الحال لو كان الميت مرتدا و خلف ورثة كفارا و أسلم بعضهم بعد موته، فإن الإرث يختص به.

(مسألة 1531) إذا مات كافر أصلي و لم يخلف إلا ورثة كفارا ليس بينهم مسلم، فأسلم بعضهم بعد موته فالظاهر أنه لا أثر لإسلامه في الإرث، فإن تقدمت طبقته على طبقة الباقين كما إذا كان ابنا للميت و هم إخوته اختص الإرث به، و إن ساواهم في الطبقة شاركهم، و إن تأخرت طبقته كما إذا كان عما للميت و هم إخوته اختص الإرث بهم، كما

هو الحال قبل إسلامه.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 433

(مسألة 1532) المراد بالمسلم و الكافر وارثا و موروثا و حاجبا و محجوبا أعم منهما حقيقة و مستقلا أو حكما و تبعا، فكل طفل كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته مسلم حكما و تبعا فيلحقه حكمه، و إن ارتد بعد ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ. نعم يتبعه في الإسلام إذا أسلم أحد أبويه قبل بلوغه بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته. و كل طفل كان أبواه معا كافرين أصليين أو مرتدين أو مختلفين حين انعقاد نطفته يكون بحكم الكافر حتى يسلم أحدهما قبل بلوغه أو يظهر الإسلام هو بعد بلوغه. فعلى ما ذكرنا لو مات كافر و له أولاد كفار و له أطفال أخ مسلم أو أخت مسلمة يرثه أولئك الأطفال دون أولاده، و لو كان له ابن كافر و طفل ابن مسلم يرثه طفل ابنه دون ابنه. و لو مات مسلم و له طفل ثم مات ذلك الطفل و ليس له وارث مسلم في جميع الطبقات كان وارثه الإمام عليه السلام كما هو الحال في الميت المسلم. و لو مات طفل بين كافرين و له مال و كان ورثته كلهم كفارا ليس بينهم مسلم، ورثه الكفار على ما فرض اللّه تعالى دون الإمام. هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين، و لا يخلو هذا الحكم من قوة إذا كانا مرتدين أيضا.

(مسألة 1533) المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في المذاهب و الأصول و العقائد. نعم الغلاة و الخوارج و النواصب و من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب الصلاة و صوم شهر رمضان كفار أو بحكمهم، فيرث منهم المسلمون و لا يرثون

هم من المسلمين.

(مسألة 1534) الكفار يتوارثون و إن اختلفوا في الملل و النحل، فيرث النصراني من اليهودي و بالعكس، بل و يرث الذمي من الحربي و بالعكس، لكن يشترط في إرث الكافر من الكافر فقد الوارث المسلم، فإن وجد و إن كان بعيدا يحجب الكافر و إن كان قريبا، كما تقدم.

(مسألة 1535) المرتد- و هو من خرج عن الإسلام و اختار الكفر بعد

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 434

ما كان مسلما- على قسمين: فطري و ملي، و الأول، من كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته ثم أظهر الإسلام بعد بلوغه ثم خرج عنه، و الثاني، من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثم أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافرا أصليا ثم أسلم ثم عاد إلى الكفر كنصراني أسلم ثم عاد إلى نصرانيته.

فالفطري: إن كان رجلا تبين منه زوجته و ينفسخ نكاحها بغير طلاق و تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج بغيره إن أرادت و تقسم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميت، و لا ينتظر موته و لا تفيد توبته و رجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته و ماله إليه. نعم تقبل توبته باطنا على الأقوى، بل ظاهرا أيضا بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه و تصح عباداته و يملك الأموال الجديدة بأسباب التملك الاختيارية كالتجارة و الحيازة، و القهرية كالإرث، و يجوز له التزوج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على الزوجة السابقة. و إن كان المرتد امرأة بقيت أموالها على ملكها و لا تنتقل إلى ورثتها إلا بموتها، و تبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها و مع الدخول بها ينتظر إلى

انقضاء عدة الطلاق، فإن تابت و هي في العدة بقيت الزوجية، و إن لم تتب حتى انقضت العدة انكشف أنها بانت منه حين ارتدادها.

و أما الملي: سواء كان رجلا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلا بالموت، و ينفسخ النكاح بين المرتد و زوجته المسلمة، و كذا بين المرتدة و زوجها المسلم بمجرد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، أما مع الدخول فينتظر بها إلى انقضاء عدة الطلاق. فإن تاب أو تابت قبل انقضاء العدة بقيت الزوجية و إلا فلا، كما عرفت في المرأة المرتدة عن فطرة.

(مسألة 1536) الثاني من موانع الإرث: القتل، فلا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمدا ظلما، و يرث منه إذا قتله بحق، كما إذا كان قصاصا أو حدا أو دفاعا عن نفسه أو عرضه أو ماله، و كذا إذا كان خطأ

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 435

محضا كما إذا رمى نحو طائر فأخطأ و أصاب قريبه فإنه يرثه، نعم لا يرث من ديته التي تتحملها العاقلة على الأقوى. و أما شبه العمد- و هو ما إذا كان قاصدا إيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل و كان الفعل مما لا يترتب عليه القتل في العادة كما إذا ضربه خفيفا للتأديب فأدى إلى قتله- فالأقوى أنه لا يمنع عن الإرث كالخطإ المحض.

(مسألة 1537) لا فرق في القتل العمدي ظلما في مانعيته من الإرث بين ما كان بفعل القاتل مباشرة بيده أو بآلة أو سلاح، و بين ما كان بالتسبيب كما إذا رماه في مسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان زمانا طويلا بلا قوت فمات جوعا، أو أحضر عنده طعاما مسموما بدون علم المقتول فأكله، إلى غير

ذلك من التسبيبات التي ينسب معها القتل إلى المسبب.

نعم بعض التسبيبات التي قد يترتب عليها التلف مما لا ينسب التلف إلى المسبب كحفر البئر و إلقاء المزالق و المعاثر في الطرق و المعابر و غير ذلك و إن أوجب ذلك الضمان و الدية على مسببها، كما هو مذكور في كتابي الغصب و الديات، إلا أنها غير مانعة من الإرث، فيرث حافر البئر في الطريق من قريبة الذي وقع فيه و مات فيه.

(مسألة 1538) القاتل الممنوع من الإرث من المقتول لا يحجب من هو دونه في الطبقة فوجوده كالعدم، فلو قتل شخص أباه و كان للقاتل ابن و لم يكن لأبيه أولاد غير القاتل ورث ابن القاتل جده، و كذا إذا انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل و كان له إخوة كان ميراثه لإخوته دون ابنه، بل لو لم يكن له غير القاتل قريب و كان له معتق أو ضامن جريرة كان ميراثه لهما، و إن فقدا أيضا ورثه الإمام عليه السلام.

(مسألة 1539) الدية بحكم مال المقتول، تقضى منها ديونه و تخرج منها وصاياه أولا قبل الإرث، ثم يورث الباقي كسائر الأموال، سواء كان

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 436

القتل عمدا و صالحوا عن القصاص بالدية، أو كان شبه عمد، أو خطأ محضا، و يرثها كل ذي نسب و سبب حتى الزوجين في القتل العمدي و إن لم يكن لهما حق القصاص لكن إذا تصالحوا على الدية ورثا نصيبهما منها. نعم لا يرث الإخوة و الأخوات للأم من الدية شيئا كما ورد في الرواية، و أما غيرهما من المتقربين بالأم، فالظاهر أنهم يرثون منها.

(مسألة 1540) الثالث من موانع الإرث: الرق و هو مانع عن الإرث

في الوارث و الموروث، فلا يرث الرق من الحر و كذا العكس. و هنا فروع لا جدوى في التعرض لها لعدم الابتلاء بها.

(مسألة 1541) يلحق بموانع الإرث اللعان إذا وقع جامعا للشرائط بين الزوجين يقطع التوارث بينهما، و إذا وقع لنفي الولد يقطع التوارث بين الأب و الولد، و كذا التوارث بين الولد و كل من تقرب إليه بواسطة الأب كالجد و الجدة للأب و الأعمام و العمات و أولادهم، فينحصر التوارث بين الولد و الأم و من تقرب إليه بالأم كالأخ و الأخت للأم و الأخوال و الخالات و أولادهم، حتى أنه لو كان له أخ للأب و الأم و أخ للأم كان كمن له أخوان للأم فيرثان بالسوية. و إن اعترف الأب بعد اللعان بولديته يرثه الولد دون العكس، إلا إذا أقر الولد به أيضا فيتوارثان. و لو أقر الولد وحده يرث منه الأب فقط، و هكذا ينفذ الإقرار على المقر وحده.

(مسألة 1542) الحمل يرث و يورث إذا انفصل حيا و إن مات من ساعته، و تعرف حياته بعد انفصاله قبل موته من ساعته بأن يتحرك أو يصيح بعد سقوطه. و لا يشترط و لوج الروح فيه حين موت المورث، بل يكفي انعقاد نطفته حينه، فإذا مات أحد و تبين الحمل في زوجته بعد موته و كان بحيث يلحق به شرعا، يرثه إذا انفصل حيا. و لا يعتبر في وارثيته و مورثيته الصياح بعد السقوط بعد ما علم سقوطه حيا بالحركة البينة و غيرها.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 437

(مسألة 1543) لا يرث الحمل ما دام حملا، و لكن يحجب من كان متأخرا عنه في المرتبة فضلا عمن كان متأخرا عنه في الطبقة،

فلو كان للميت حمل و له أحفاد أو إخوة يحجبهم عن الإرث و لا يعطوا شيئا حتى يتبين الحال، فإن سقط حيا اختص بالإرث، و إن سقط ميتا ورثوا. و لو كان للميت وارث آخر في مرتبة الحمل و طبقته كما إذا كان له أولاد أو أبوان يعزل للحمل نصيب ذكرين و يعطى الباقي للباقين مع مراعاة تغيير الفرض بوجود الحمل و عدمه كما سيأتي، و لا يخفى أن العزل ليس قسمة بحيث لو تلف المعزول قبل انفصال الحمل يحسب التلف عليه، بل يحسب على المجموع و يكون الحمل بعد انفصاله شريكا للموجودين فيما بقي من التركة، و ذلك لأنه ما دام حملا لم يملك شيئا حتى يتلف عليه، و العزل احتياط لحفظ ما يمكن أن يصير له بعد الانفصال، و سائر الورثة أيضا و إن كانوا لا يملكون بمقدار نصيب الحمل لكونهم محجوبين به، لكن المال المحجوب مشاع في التركة، فيقع التلف على المجموع. فلو كان للميت ابن واحد يعطى الثلث و يعزل للحمل الثلثان، و لو كانت له بنت واحدة تعطى الخمس و يعزل للحمل أربعة أخماس، و لو كان له ابن و بنت تقسم التركة سبع حصص، تعطى البنت حصة و يعطى الابن حصتين، و تعزل للحمل أربع حصص نصيب ذكرين.

(مسألة 1544) إذا كان الذي في طبقة الحمل ذا فرض، فإن لم يتغير فرضه على فرض وجود الحمل و عدمه يعطى كامل نصيبه، كما إذا كان له زوجة أو أبوان و كان له ولد آخر غير الحمل، فإن نصيبهم، و هو الثمن للزوجة و السدسان للأبوين، لا يتغير بوجود الحمل و عدمه بعد ما كان له ولد آخر. و إن كان ينقص

على فرض وجوده، يعطى أقل ما يصيبه على تقدير ولادته حيا، كما إذا كانت له زوجة مع الأبوين و لم يكن له ولد آخر، فتعطى الزوجة الثمن و لكل من الأبوين السدس. و كذا لو ماتت الحامل، يعطى الزوج الربع و كل من الأبوين السدس قبل تبين الحال.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 438

(مسألة 1545) إنما يعطى الوارث الموجود أقل ما يصيبه على تقدير كون الحمل ذكرين و انفصالهما حيين كما ذكرنا، فيما إذا طلب الوارث نصيبه الذي يصيبه قبل الانفصال، و إلا فله الانتظار و عدم المطالبة بنصيبه إلى أن يتبين الحال.

(مسألة 1546) إذا تولد الحمل و كان حيا في آن ثم مات، كان نصيبه من الإرث لوارثه.

(مسألة 1547) لا فرق في وارثية الحمل أو مورثيته بعد انفصاله حيا بين أن يولد لأقل من مدة الحمل أو لتمامها. و كذا لا فرق بين أن تكون ولادته بسبب طبيعي أو غير طبيعي كضرب أمه مثلا فإنه في جميع هذه الصور يرث و يورث. أما إذا خرج بعض الحمل حيا و صاح مثلا ثم مات قبل انفصاله فإنه لا يرث لأن شرط الإرث الانفصال حيا.

(مسألة 1548) إذا غاب شخص غيبة منقطعة لا يعلم موته و لا حياته، فإما بالنسبة إلى زوجته فقد تقدم الحكم في كتاب الطلاق، و أما بالنسبة إلى أمواله فيفحص عنه أربع سنين، فإذا لم يظفر به فالأقوى خلافا للمشهور بين المتأخرين أنه يقسمها من كان وارثا له بعد انقضاء أربع سنين بينهم خصوصا إذا كان الوارث صغيرا أو مجنونا، و كيفية الطلب و الفحص و ما يتعلق بهما كما تقدم في الطلاق.

الحجب

(مسألة 1549) الحجب هو منع الوارث من نصيبه الذي كان

يستحقه لولا وجود الحاجب. و هو قسمان: حجب حرمان، و هو أن يمنع الحاجب المحجوب من الإرث بالكلية، و حجب نقصان، و هو أن ينقص نصيبه عما كان له لولا الحاجب.

(مسألة 1550) قد عرفت أن موجبات الإرث ثلاثة: نسب، و ولاء،

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 439

و زوجية، و أن لكل من النسب و الولاء طبقات ثلاث: فأما طبقات النسب فأولها: الأبوان بلا ارتفاع و الأولاد و إن نزلوا. و ثانيها: الإخوة و الأخوات و أولادهم و إن نزلوا، و الأجداد و الجدات و إن علوا. و ثالثها: الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و إن علوا و أولادهم و إن نزلوا. و أما طبقات الولاء، فأولها ولاء العتق، ثم ولاء ضامن الجريرة، ثم ولاء الإمامة.

فاعلم أن الزوجين لا يحجبان حجب حرمان بأي وارث كان، فهما يشاركان كل وارث ذي نسب أو ذي ولاء من أي طبقة كان. و أما البواقي فذو النسب من أي طبقة كان يحجب ذا الولاء كذلك، فما دام أحد من ذوي الأنساب موجودا لا يصل الأمر إلى ذوي الولاء. و كل طبقة سابقة من ذوي النسب أو ذوي الولاء تحجب اللاحقة منهما، فمع وجود أحد الأبوين أو الأولاد و إن نزلوا لا يرث الإخوة و الأجداد، و مع وجود أحد الإخوة أو أولادهم و إن نزلوا أو الأجداد و إن علوا لا يرث الأعمام و الأخوال و أولادهم، و كذا إذا فقد ذوو الأنساب جميعا و انتهى الأمر إلى ذوي الولاء، فمع المعتق لا يرث ضامن الجريرة، و معه لا يرث الإمام عليه السلام.

(مسألة 1551) كما أن للنسب طبقات كذلك لكل طبقة مراتب و درجات:

فأما الطبقة الأولى: فالأبوان بلا

ارتفاع مرتبة واحدة، لكن الأولاد لهم مراتب و درجات متنازلة، أولها أولاد الميت (البنون و البنات) ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم، و هكذا.

و أما الطبقة الثانية: فلكل من الأجداد و الجدات و الإخوة و الأخوات مراتب و درجات، فمراتب الأجداد صعودا: الجد و الجدة ثم أبواهما ثم أجدادهما، و هكذا. و مراتب الإخوة و الأخوات و أولادهم: الأخ و الأخت، ثم أولادهما، ثم أولاد أولادهما، و هكذا.

و أما الطبقة الثالثة: أي طبقة العمومة و الخؤولة، فلها درجات متصاعدة:

العم و العمة أخ الأب و أخته، و الخال و الخالة أخ الأم و أختها، ثم عم الأب

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 440

و عمته و خاله و خالته، و عم الأم و عمتها و خالها و خالتها. و لكل منهم درجات و مراتب متنازلة كأولاد عم الميت و عمته و أولاد خاله و خالته و أولاد أولادهم متنازلين، و كأولاد عم أب الميت و عمته و خاله و خالته، و أولاد عم أم الميت و عمتها و خالها و خالتها، و أولادهم متنازلين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن كل من كان في المرتبة السابقة من كل طبقة يحجب من كان في المرتبة اللاحقة من تلك الطبقة حجب حرمان، و بعبارة أخرى من كان أقرب إلى الميت يمنع الأبعد منه، فلا يرث مع الابن أو البنت ابن الابن و لا ابن البنت و لا بنت الابن و لا بنت البنت. و لا يرث مع الأخ أو الأخت ابن الأخ و الأخت و لا بنتهما، و مع الجد أو الجدة للميت من جهة أبيه أو من جهة أمه، لا يرث جد أبيه و جدة أبيه و لا جد أمه

و جدة أمه، و هكذا، و لا يرث مع العم أو العمة أو الخال أو الخالة أولادهم، و لا يرث مع أولادهم أولاد أولادهم، و لا يرث مع عم الميت أو عمته أو خاله أو خالته عمّ أبيه و عمته و خاله و خالته أو أحد من أولادهم، و كذلك في كل درجة كما يأتي.

(مسألة 1552) قد عرفت أن الطبقة الثالثة أي العمومة و الخؤولة درجات متصاعدة، و لكل درجة مراتب متنازلة، فاعلم أن كل درجة سابقة على درجة عليا صعودا تتبعها مراتبها النازلة، فهي أيضا سابقة على الدرجة العليا، فكما أن العم و العمة و الخال و الخالة سابقون على عم الأب و عمته و خاله و خالته، كذلك أولادهم و إن نزلوا سابقون عليهم، و كما أن عم الأب و عمته و خاله و خالته سابقون على عم الجد و عمته و خاله و خالته كذلك أولادهم و إن نزلوا سابقون عليهم. فلا يرث مع أولاد عم الميت و أولاد خاله و إن نزلوا عم أب الميت و خاله، و كذا لا يرث مع أولاد عم أب الميت و إن نزلوا عمّ جده أو خاله، و كذا لا يرث مع أولاد خال أب الميت، عمّ جده أو خاله. و لا فرق في الحكم المذكور بين العم و العمة و أولادهما.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 441

(مسألة 1553) إنما يحجب من كان في المرتبة السابقة من كان في المرتبة اللاحقة و يمنع الأقرب الأبعد، إذا كانا من صنف واحد، و أما إذا كانا من صنفين فلا حجب و لا منع. و قد أشرنا سابقا إلى أن كلا من الطبقة الأولى و الثانية صنفان، ففي

الأولى: الأب و الأم صنف، و الأولاد و إن نزلوا صنف آخر، و في الثانية: الأجداد و إن علوا صنف و الإخوة و الأخوات و أولادهم و إن نزلوا صنف آخر. و أما الطبقة الثالثة أي العمومة و الخؤولة و أولادهم، فهي صنف واحد.

فعلى هذا يحجب الابن ابن الابن، و يحجب ابن الابن ابن ابن الابن، و هكذا. و أما الأب و الأم فلا يحجبان الأولاد و إن نزلوا بمراتب. و كذا يحجب الإخوة و الأخوات أولادهم، و هم يحجبون أولاد أولادهم، و الجدّ الأدنى يحجب الجدّ الأعلى، و الأعلى بمرتبة يحجب الأعلى بمرتبتين، و لا يحجب الجدّ الأدنى أولاد الإخوة و إن تنازلوا بمراتب، و كذا الأخ أو الأخت لا يحجبان الجد مهما علا.

و أما الأعمام و الأخوال فحيث أنهم صنف واحد، فالعم يحجب ابن الخال كما يحجب ابن العم، و كذا الخال يحجب ابن العم كما يحجب ابن الخال، و كذا ابن العم يحجب ابن ابن الخال كما يحجب ابن ابن العم، و ابن الخال يحجب ابن ابن العم كما يحجب ابن ابن الخال. و كذا العم و أولاده يحجبون خال الأب، كما يحجبون عمّ الأب، و الخال و أولاده يحجبون عمّ الأب كما يحجبون خال الأب.

(مسألة 1554) في الطبقتين الأخيرتين يحجب المتقرب بالأبوين المتقرب بالأب خاصة مع تساويهما في الدرجة و المرتبة، و لا يحجب المتقرب بالأم خاصة، فالأخ و الأخت للأب و الأم يحجبان الأخ و الأخت للأب دون الأخ و الأخت للأم. و كذا ابن الأخ أو الأخت للأبوين يحجبان ابن الأخ أو الأخت للأب خاصة، و لا يحجب ابن الأخ أو الأخت للأبوين الأخ و الأخت

هداية العباد (للگلبايگاني)،

ج 2، ص: 442

للأم، بل هما يحجبانهما بسبق درجتهما عليهما. و كذا العم للأبوين يحجب العمّ لأب فقط، لأن الأعمام و الأخوال من هذه الحيثية في حكم صنفين. و كذا الخال لأبوين، يحجب الخال لأب.

و أما ابن العم و ابن الخال للأبوين فلا يحجبان الخال لأب بل هما محجوبان به، و كذا ابن الخال للأبوين لا يحجب العمّ لأب بل هو محجوب به، و ذلك لعدم تساوي الدرجة. نعم خصوص ابن العم للأبوين يحجب العم للأب خاصة. و هذه مسألة إجماعية خرجت عن الضابط المتقدم بالإجماع و المتيقن منه ما إذا كانت الصورة بحالها، فيعتبر فيه الذكورية و الوحدة و كونه بلا واسطة و عدم اجتماعه مع غيره من الزوج أو الزوجة أو العمة أو الخالة، كما يعتبر فيه وحدة العم و كونه عما للميت لا عما لأبيه أو جده فصاعدا.

(مسألة 1555) يحجب الولد مطلقا الزوج و الزوجة عن نصيبهما الأعلى و هو النصف و الربع إلى الأدنى و هو الربع و الثمن، فإن للزوج مع عدم الولد للزوجة النصف، و للزوجة مع عدم الولد للزوج الربع، و هو نصيبهما الأعلى، و مع وجود الولد للزوجة أو الزوج يكون للزوج الربع و لها الثمن، فهو يحجبهما حجب نقصان.

(مسألة 1556) يحجب الولد و إن نزل ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان أو متعددا الأبوين عما زاد عن سدسيهما، فهو حاجب لهما حجب نقصان، حيث كان لهما مع عدم الولد للميت ثلثان للأب و ثلث للأم إن لم يكن للميت إخوة. و لا يحجب الولد الأبوين عما زاد على السدس في صورتين:

الأولى: إذا كان الولد بنتا واحدة مع أحد الأبوين أو كليهما، فإن التركة تقسم بين البنت

مع أحد الأبوين أرباعا، فتأخذ البنت ثلاثة أرباع التركة، نصفها بالفرض و الزائد بالقرابة، و يأخذ أحد الأبوين ربع التركة، سدسها بالفرض و الزائد بالقرابة، و مع كليهما أخماسا فلكل منهما خمس.

الثانية: إذا كان الولد بنتين فصاعدا مع أحد الأبوين، فإن التركة تقسم

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 443

أخماسا: أربعة أخماس للبنات: ثلثان بالفرض و الباقي بالقرابة، و خمس لأحد الأبوين، السدس بالفرض و الباقي بالقرابة.

(مسألة 1557) يحجب الإخوة الأمّ عما زاد عن السدس مع وجود الأب و عدم وجود ولد للميت، فإنه لو لم يكن للميت إخوة كان للأم ثلث بالفرض و للأب ثلثان بالقرابة، حيث لا فرض له مع عدم الولد، و إذا كان له إخوة كان للأم سدس و الباقي للأب بالقرابة.

(مسألة 1558) إنما يحجب الإخوة الأمّ عما زاد على السدس بشروط سبعة:

الأول: وجود الأب، فإذا لم يكن و كانت الأم وحدها، كان لها المال كله، و لا حجب.

الثاني: أن يكونوا ذكرين، أو ذكرا و أنثيين، أو أربع إناث فصاعدا، فلا يحجب ذكر واحد وحده، أو مع أنثى واحدة، و لا ثلاث إناث. و الخنثى في الحجب كالأنثى بلا فرق.

الثالث: أن يكونوا إخوة أو أخوات لأب و أم أو لأب خاصة، فلا يحجب كلالة الأم و إن كثرت.

الرابع: أن لا يكون فيهم موانع الإرث من الكفر أو الرق أو القتل، فلو كان كلهم أو بعضهم كافرا، أو رقا، أو قاتلا للميت، لم يحجبوا.

الخامس: أن يكونوا منفصلين بالولادة، فلا يحجب من كان حملا حال موت أخيه أو أخته.

السادس: أن يكونوا أحياء حين موت المورث، فالإخوة الذين ماتوا قبل موته لا يحجبون الأم عما زاد عن السدس، بل لو اقترن موتهم بموته أو

اشتبه تقدما و تأخرا لا يحجبون أيضا، فلو غرق ثلاثة إخوة و ماتوا جميعا و لم يعلم تقدم موت بعضهم على بعض، لا يحجبون الأم عما زاد عن السدس، و ترث الأم الثلث عن كل واحد منهم بلا حجب، إذا لم يكن لهم ولد، و الباقي للأب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 444

السابع: تغاير الأم مع الإخوة، بأن لا تكون الأم أختا لأبيهم و إلا فلا تحجب، كما يمكن فرضه في وطأ الشبهة و في المجوس، حيث يمكن أن تكون أمهم أخت أبيهم.

(مسألة 1559) يختص حكم الحجب بالإخوة، فلا يحجب أولاد الإخوة و لا يقومون مقام آبائهم في هذا الحكم، و إن قاموا مقامهم في الإرث في طبقتهم.

(مسألة 1560) عرفت أن الوارث إما أن يكون ذا فرض أو لا، فإن اتحد الوارث و لم يكن له فرض كان الإرث كله له بالقرابة، و كذا إن كان ذا فرض إلا أنه يرث مقدار فرضه بالفرض و الباقي بالرد بسبب القرابة، كما إذا انحصر الوارث في بنت واحدة فترث النصف بالفرض و النصف الباقي بالقرابة، أو انحصر في بنتين فصاعدا فيرثن ثلثين بالفرض و الباقي بالقرابة.

و كذا لو انحصر الوارث في أمّ فإنها ترث الثلث بالفرض و الباقي بالرد بالقرابة، و كذا غيرها من أصحاب الفروض إذا كانت التركة زائدة على الفريضة و كان الوارث منحصرا فيه و وارثا بالقرابة. و أما الوارث بالسبب كالزوج و الزوجة فلهما حكم آخر.

(مسألة 1561) إن تعدد الوارث، فإن كانوا كلهم ممن لا فرض لهم، يقسم المال بينهم بالتساوي أو التفاضل حسب حكمهم، و إن اجتمع ذو الفرض مع غيره، يأخذ ذو الفرض فرضه و يكون الباقي لمن لا فرض له،

كما إذا اجتمع ابن مع أب أو أمّ، أو مع كليهما، فيأخذ كل منهما السدس و الباقي للابن، أو اجتمع زوج أو زوجة مع أب و أم و لم يكن ولد، فيعطى الزوج أو الزوجة نصيبهما الأعلى أي النصف أو الربع، و تعطى الأم الثلث مع عدم الإخوة الحاجبين، و السدس مع وجودهم، و الباقي للأب. و كذا لو اجتمع أحد الزوجين مع الأب وحده، يعطى نصيبه الأعلى، و يكون الباقي للأب.

هداية العباد (للگلبايگاني)، ج 2، ص: 445

(مسألة 1562) إذا تعدد الوارث من طبقة واحدة من ذوي الفروض و لم يكن معهم من لا فرض له، و تساوت الفروض و استوعبت التركة و لم تزد عليها و لم تنقص عنها، توزع التركة على الورثة بإعطاء كل ذي فرض فرضه، و ذلك في ثلاثة فروض:

الأول: بنتان فصاعدا مع الأبوين، فيكون ثلثان للبنتين و ثلث للأبوين.

الثاني: زوج مع أخت واحدة للأب أو للأبوين، فيكون نصف للزوج، و نصف للأخت.

الثالث: المتعدد من كلالة الأم مع أختين فصاعدا لأب أو لأبوين، فيكون ثلث للكلالة و ثلثان للأختين فصاعدا.

تم المجلد الثاني من هداية العباد و الحمد للّه رب العالمين.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، هداية العباد (للگلبايگاني)، 2 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.